الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويطلقُ الرجحانُ على: الحِلْم، ومنه: الرَّجَاحةُ
(1)
، يُقالُ: قومٌ رُجَّحٌ، ورُجُحٌ، ومَراجِيح، ومراجِح، أيْ: حلماء
(2)
.
والحِلْمُ الراجحُ: الذي يَزِنُ بصاحبِه، فلا يُخِفُّه شيءٌ
(3)
.
ويطلقُ الرجحان - أيضًا - على: المَيْلِ، يقال: رَجَحَ الميزانُ: إذا مالَ
(4)
، وأَرْجَحْتُ الميزانَ، أي: أثقلتُه حتى مالَ
(5)
، وتَرَجَّحَت الأرجوحةُ بالغلامِ، أيْ: مالت به
(6)
، والميلُ نتيجةَ الثقلِ والقوةِ.
ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للراجح:
لم يكن استعمالُ الراجحِ مقتصرًا على علمٍ مِن العلومِ، فضلًا عنْ مذهبٍ مِن المذاهبِ، فقد استعملَ العلماءُ مصطلحَ:(الراجح) في علومٍ مختلفةٍ، وأرادوا به القولَ القويَّ، أو الذي له أدلةٌ قويةٌ، إلا أنَّ المذهبَ المالكي قد نصَّ على معنى مصطلحِ:(الراجح)، وسوف أعرض ما قالوه، ثم أورد أمثلةً مِنْ بقيةِ المذاهبِ الفقهية.
الراجح عند المالكية:
تميّزَ مذهبُ المالكيةِ بذكرِ معنى مصطلحِ: (الراجح) في مذهبِهم، وجاءَ فيه مصطلحا:(الراجح) و (الأرجح).
مصطلح: (الراجح) عند المالكية:
اختلفَ علماءُ المالكيةِ في معنى: (الراجح) في مذهبِهم على قولين:
(1)
انظر: لسان العرب، مادة:(رجح)، (2/ 444).
(2)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(رجح)، (4/ 142)، والصحاح، مادة:(رجح)، (1/ 364)، ولسان العرب، مادة:(رجح)، (2/ 444).
(3)
انظر: لسان العرب، مادة:(رجح)، (2/ 444).
(4)
انظر: الصحاح، مادة:(رجح)، (1/ 364)، والقاموس المحيط، مادة:(رجح)، (ص/ 279).
(5)
انظر: تهذيب اللغة، مادة:(رجح)، (4/ 142)، ولسان العرب، مادة:(رجح)، (2/ 444).
(6)
انظر: الصحاح، مادة:(رجح)، (1/ 364)، والقاموس المحيط، مادة:(رجح)، (ص/ 279).
القول الأول: أنَّه القولُ الذي قويَ دليلُه.
ذَكَرَ هذا القولَ محمد الدسوقيُّ
(1)
، وأحمد الصاوي
(2)
. واختاره: أبو عبد الله الفاسي
(3)
.
القول الثاني: أنَّه ما كَثُر قائلُه.
ذَكَرَ هذا القولَ أبو عبدِ الله الفاسي
(4)
.
ورجَّحَ جمعٌ مِنْ علماءِ المالكيةِ القولَ الأولَ؛ وذلك للأسبابِ الآتيةِ:
أولًا: أنَّ الدسوقيَّ والصاوي وهما مالكيان اقتصرا على ذكرِ المعنى الأولِ فحسب، ولم يذكرا المعنى الثاني.
(1)
انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/ 20).
(2)
انظر: بلغة السالك (1/ 22). والصاوي هو: أحمد بن محمد بن محمد الخلوتي، الشهير بالصاوي، ولد سنة 1175 هـ تلقى الفقه عن الدردير، ومحمد الدسوقي، وأصبح أحد فقهاء المالكية المبرزين، والمفسرين لكتاب الله، كان شيخ الطريقة الخلوتية الصوفية، من مؤلفاته: حاشية على تفسير الجلالين، وحاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي، وبلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، توفي بالمدينة، وقيل: توفي بمصر سنة 1241 هـ. انظر ترجمته في: شجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 364)، وجامع كرامات الأولياء للنبهاني (1/ 656)، والأعلام للزركلي (1/ 246)، ومعجم المؤلفين لكحالة (1/ 269)، والموسوعة الميسرة في ترجم أئمة التفسير (1/ 387).
(3)
انظر: رفع العتاب والملام (ص/ 19). وأبو عبد الله الفاسي هو: مَحمد بن قاسم بن محمد بن عبد الحفيظ بن هاشم القادري الحسني الفاسي، من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولد سنة 1295 هـ كان فقيهًا مالكيًا أصوليًا علامةً ماركًا في عدد من الفنون، من أعيان علماء فاس، أقبل إليه التلاميذ، درَّس لهم الفقه والأصول والحديث والكلام والنحو، وكان كثير التنزل معهم، لا يستنكف من مراجعتهم له، وبحثهم معه، قال عنه محمد الحجوي:"الإمام النحرير النقاد، والعلم الذي تتضاءل له الأطواد، الفقيه الأصولي المعقولي المشارك في العلوم، وقد تسنم منها الذرى الذي تقصر عنه الفهوم"، من مؤلفاته: رفع العتاب والملام عمن قال العمل بالضعيف اختيارًا حرام، وتأليف في إيمان المقلد، وحاشية على شرح الشيخ الطيب بن كيران على توحيد المرشد المعين، وحاشية على شرح الشيخ جسوس على الشمائل، توفي فاجأة بفاس سنة 1331 هـ. انظر ترجمته في: فهرس الفهارس والأثبات للكتاني (2/ 935)، والفكر السامي للحجوي (4/ 317)، والأعلام للزركلي (7/ 9)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 597).
(4)
انظر: رفع العتاب والملام (ص/ 19).
ثانيًا: أنَّ أبا عبد الله الفاسي قد اختار القولَ الأولَ وصوبه
(1)
، ولم أقفْ - فيما رجعتُ عليه مِنْ مصادر - على اختيارٍ لأحدٍ من المالكيةِ للقول الثاني.
ثالثًا: أنَّ القولَ الأول هو قولُ أكثرِ المالكيةِ
(2)
.
ويشملُ مصطلحُ: (الراجح) عند المالكيةِ بحسب القول الأول: الأصحَّ، والصحيحَ، والظاهرَ، والمفتى به، وما عليه العملُ
(3)
.
ويقابلُ الراجح: المرجوح، وهو الضعيفُ
(4)
، على ما سيأتي بيانُه.
مصطلح: (الأرجح) عند المالكية:
يتصلُ مصطلحُ: (الأرجح) بمصطلح: (الراجح) عند المالكية، وقد بيَّنوا معناه، فالأرجح عندهم هو: القولُ الأقوى - دليلًا
(5)
.
ويقابلُ الأرجح: الراجح
(6)
.
أمثلة الراجح، والأرجح عند المالكية:
المثال الأول: يقولُ الدرديرُ: "النفاسُ: هو الدمُ الخارجُ مِنْ قُبُلِ المرأةِ عند ولادتِها، مع الولادةِ، أو بعدَها.
وأمَّا ما خَرَج قَبْلَها: فالراجح أنَّه حيضٌ؛ فلا يُحسبُ مِن الستين يومًا"
(7)
.
(1)
انظر: المصدر السابق.
(2)
انظر: منار السالك إلى مذهب الإمام مالك للرجراجي (ص/ 44)، ونظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب لعبد السلام العسري (ص/ 38)، وأصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي للدكتور محمد رياض (ص/ 474)، والمذهب المالكي لمحمد المامي (ص/ 508).
(3)
انظر: نظرية الأخذ بما جرى به العمل في المغرب لعبد السلام العسري (ص/ 38)، وأصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي للدكتور محمد رياض (ص/ 474)، والاختلاف الفقهي في المذهب المالكي لعبد العزيز الخليفي (ص/ 152).
(4)
انظر: حاشية الدسوقي على الرح الكبير (1/ 20)، ورفع العتاب والملام للفاسي (ص/ 20).
(5)
انظر: بلغة السالك (1/ 22).
(6)
انظر: المصدر السابق (1/ 21).
(7)
الشرح الصغير (1/ 177) مع بلغة السالك.
المثال الثاني: يقولُ الحطّابُ: "هل الإعادةُ - أي: إعادة الصلاة فيما لو صلَّى وعليه نجاسةٌ - في الوقتِ واجبةٌ، أو مستحبةٌ؟ فيه خلاف، والراجحُ أنَّها على وجهِ الاستحبابِ، فلو لم يُعِدْ حتى خَرَجَ الوقتُ، فلا إعادة"
(1)
.
المثال الثالث: يقولُ الدرديرُ: "كُرِه
…
تشبيكُ أصابع في الصلاةِ فقط، وفَرْقَعَتُها فيها، لا في غيرِها، ولو في المسجدِ، على الأرجحِ"
(2)
.
المثال الرابع: يقولُ الحطّابُ: "أمَّا الوطءُ: فيحرمُ في الفيافي والصحاري مِنْ غيرِ ساترٍ، ويجوزُ في المنزلِ إذا كان ساترٌ، ويختلفُ فيه في السطوحِ مِنْ غيرِ ساترٍ، وفي الفيافي بساترٍ، والجوازُ أرجحُ"
(3)
.
أمثلة الراجح عند بقية المذاهب:
أولًا: المذهب الحنفي:
المثال الأول: يقولُ محمد بن علي الحصكفي
(4)
لما تحدثَ عن الماءِ المستعملِ: "ليس بطهورٍ لحدثٍ، بلْ لخَبَثٍ على الراجحِ المعتمدِ"
(5)
.
المثال الثاني: يقولُ ابنُ نجيم: "الراجحُ في المذهبِ وجوبُ صلاةِ الجماعةِ"
(6)
.
ثانيًا: المذهب الشافعي:
يقولُ محيي الدين النوويُّ: "قال بعضُهم - أيْ: بعضُ الخراسانيين -:
(1)
مواهب الجليل (1/ 140).
(2)
الشرح الكبير (1/ 252، 254).
(3)
مواهب الجليل (1/ 281).
(4)
هو: محمد بن علي بن محمد بن علي الدمشقي، علاء الدين الحصكفي، ولد بدمشق سنة 1205 هـ من فقهاء المذهب الحنفي، كان فقيهًا أصوليًا مفسرًا محدثًا نحويًا، كثير الحفظ، فصيح العبارة، جيد التقرير والتحرير، فاضلًا عالي الهمة، تولى التدريس، ومنصب إفتاء الحنفية بدمشق، من مؤلفاته: الدر المختار في شرح تنوير الأبصار، والدر المنتقى شرح ملتقى الأبحر، وإفاضة الأنوار في شرح المنار، وتعليق على صحيح البخاري، وتعليق على تفسير البيضاوي، توفي بدمشق سنة 1088 هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (4/ 63)، والأعلام للزركلي (6/ 294)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 543).
(5)
الدر المحتار (1/ 668) مع رد المحتار.
(6)
البحر الرائق (2/ 78).