الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والدفاعَ عن المسلمين لازمًا لها في أعناقِها لزومَ القلائدِ للأعناقِ
(1)
.
تعريف التقليد في الاصطلاح:
تعددتْ تعريفاتُ الأصوليينَ للتقليدِ، وليس المقامُ هنا مقامَ استقصاءٍ وبسطٍ لها؛ لذا سأذكرُ أبرزَ التعريفاتِ مِنْ وجهةِ نظري؛ لأبيّنَ في ضوئِها العلاقةَ بين التمذهب، والتقليدِ.
أشارَ إمامُ الحرمين الجويني
(2)
، وبدرُ الدينِ الزركشي
(3)
إلى أنَّ تعريفاتِ الأصوليين للتقليدِ سارتْ في أحد اتجاهين:
الاتجاه الأول: قبولُ قولِ القائلِ، مع عدمِ معرفةِ مستندِ قولِه.
الاتجاه الثاني: قبولُ القولِ الذي ليس له حجةٌ.
ويترتب على هذين الاتجاهين: دخولُ أخذِ العامي قول العالمِ في مسمَّى التقليدِ:
= وجوّد المنذريُّ في: الترغيب والترهيب (2/ 223) حديثَ جابر.
وقال الهيثمي في: مجمع الزوائد (5/ 259): "رواه الطبراني في: الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وحديثُه حسن، ورواه أحمد أتم منه، ورجاله ثقات".
وحسن الألبانيُّ روايةَ أحمد، وروايةَ الطبراني في: صحيح الجامع الصغير (1/ 633).
وأخرج الحديث بلفظه الثاني موقوفًا على أبي أمامة رضي الله عنه: ابنُ أبي شيبة في: المصنف، كتاب: السير، باب: في النهي عن تقليد الإبل الأوتار (18/ 153)، برقم (34184).
وجاء الحديثُ بلفظٍ أطول، من حديث أبي وهب الجشمي رضي الله عنه، وفيه: (واربطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها، وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار
…
) الحديث، وأخرجه: أحمد في: المسند (30/ 377)، برقم (19032)؛ والدولابي في: الكنى والأسماء (1/ 177 - 178)؛ والطبراني في: المعجم الكبير (22/ 380 - 381)، برقم (949)؛ والبيهقى في: السنن الكبرى، كتاب: قسم الفيء والغنيمة، باب: ما ينهى عنه من تقليد الخيل الأوتار (6/ 330).
وفي سند الحديث: عقيل بن شَبِيْب، قال عنه الذهبي في: ميزان الاعتدال (2/ 88): "لا يُعْرف هو ولا الصحابي إلا بهذا الحديث، تفرَّد به محمد بنُ مهاجر عنه". وقال عنه أبو حاتم في: العلل (6/ 202): "مجهول، لا أعرفه".
(1)
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، مادة:(قلد)، (4/ 99)، ولسان العرب، مادة:(قلد)، (3/ 366).
(2)
انظر: البرهان (2/ 888).
(3)
انظر: البحر المحيط (6/ 270).
فعلى الاتجاهِ الأول: يُعَدُّ تقليدًا، وعلى الاتجاهِ الثاني: لا يُعَدُّ تقليدًا.
وقبلَ عرضِ التعريفاتِ، أُبيّنُ أنَّ هناك مسائلَ اختُلفَ في دخولِها تحتَ حقيقةِ التقليدِ، وعلى رأسها: العملُ بقولِ النبي صلى الله عليه وسلم، هل يُسمَّى تقليدًا
(1)
؟ والأخذُ بقولِ المجمعين
(2)
، والأخذُ بقولِ الصحابي
(3)
، وأخذُ القاضي بقولِ الشهودِ
(4)
، هل يُسمَّى - ما تقدم - تقليدًا؟
ونظرًا لأنَّ المقامَ ليس مقامَ عرضٍ للخلافِ في المسألةِ، فإنِّي سأسيرُ على القولِ المشهورِ - وهو قولُ الأكثرِ
(5)
- وهو أنَّ الأخذَ بما تقدّمَ ذكرُه آنفًا ليس بتقليدٍ.
من التعريفاتِ التي سارتْ في الاتجاه الأول:
التعريفُ الأولُ: قبولُ قولِ القائلِ، وأنتَ لا تدري مِنْ أين قاله؟
وهذا تعريفُ القفالِ الشاشي
(6)
، وقد ذكره إمامُ الحرمين الجويني في
(1)
انظر: المصدر السابق، وسلاسل الذهب (ص/ 439).
(2)
انظر: العدة (4/ 1216)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 395).
(3)
انظر: التحبير (8/ 4013).
(4)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 221).
(5)
انظر: العدة (4/ 1216)، وقواطع الأدلة (5/ 97 - 98)، والمنخول (ص/ 472)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 395)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (4/ 221)، ومختصر منتهى السول لابن الحاجب (2/ 1248)، والبحر المحيط (6/ 271)، وسلاسل الذهب (ص/ 439)، ومسلم الثبوت (2/ 400).
(6)
انظر: البحر المحيط (6/ 270). والقفال الشاشي هو: عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي الخراساني، أبو بكر، المعروف بالقفال الشاشي، ولد سنة 327 هـ من كبار علماء الشافعية، وشيخ الخراسانين وإمام طريقتهم، كان وحيد عصره فقهًا وحفظًا، وورعًا وزهدًا، غواصًا على المعاني الدقيقة، جليل القدر، وأحد أئمة زمنه، له في مذهبه من الآثار ما ليس لغيره من أبناء عصره، صار معتمد المذهب، وكان قد بدأ بالتفقه وهو ابن ثلاثين عامًا، اشتغل عليه خلقٌ كثير، وانتفعوا به، من مؤلفاته: شرح التلخيص، وشرح فروع أبي بكر بن الحداد، والفتاوى، توفي سنة 417 هـ. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان لابن خلكان (3/ 46)، وسير أعلام النبلاء (17/ 405)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 53)، وطبقات =
كتابِه: (البرهان)
(1)
.
التعريفُ الثاني: أخذُ القولِ مِنْ غيرِ معرفةِ دليلِه.
وهذا تعريفُ تاجِ الدينِ بنِ السبكي
(2)
.
وجليٌّ شمولُ التقليدِ - في ضوءِ هذينِ التعريفينِ - لأخذِ العامي قولَ المجتهدِ، وأخذِ العامي قولَ عامي مثلِه، وأخذِ المجتهدِ قولَ عامي، وأخذِ المجتهدِ قولَ مجتهدٍ مثلِه.
التعريفُ الثالثُ: أخذُ مذهبِ الغيرِ، بلا معرفةِ دليلِه.
وهذا تعريفُ المرداوي
(3)
، وابنِ النجارِ الفتوحي
(4)
.
ويدخلُ تحتَ التعريفِ أخذُ العامي قولَ مجتهدٍ.
مِن التعريفاتِ التي سارت في الاتجاه الثاني:
التعريفُ الأولُ: اتباعُ مَنْ لم يقمْ باتباعه حجةٌ، ولم يستندْ إلى علمٍ.
وهذا تعريفُ القاضي أبي بكرٍ الباقلاني
(5)
.
يقولُ القاضي أبو بكرٍ الباقلاني معلِّقًا على هذا التعريفِ: "الذي نختارُه أنَّ ذلك - أي: أخذ العامي قول المجتهد - ليس بتقليدٍ أصلًا؟ فإنَّ قولَ العالمِ حجةٌ في حقِّ المستفتي؛ إذ الربُّ - تعالى وجلَّ - نَصَبَ قولَ العالم عَلَمًا في حقِّ العامي، وأوَجَبَ عليه العملَ به
…
ويتخرّجُ لك مِنْ هذا الأصلِ أنَّه لا يُتَصوّر - على ما نرتضيه - تقليدٌ مباحٌ في الشريعةِ"
(6)
.
= الشافعية للإسنوي (2/ 298)، طبقات الشافعية لابن هداية الله (ص/ 134)، وشذرات الذهب لابن العماد (5/ 87).
(1)
انظر: (2/ 888).
(2)
انظر: جمع الجوامع (2/ 392) بشرح المحلي.
(3)
انظر: التحبير (8/ 4011).
(4)
انظر: شرح الكوكب المنير (4/ 529 - 530).
(5)
انظر: التلخيص في أصول الفقه للجويني (3/ 425).
(6)
المصدر السابق (3/ 426 - 427).
التعريفُ الثاني: قبولُ قولِ الغيرِ مِنْ غيرِ حجةٍ.
ذَكَرَ إمامُ الحرمين الجويني هذا التعريف في كتابِه: (البرهان)
(1)
.
وقريبٌ منه تعريفُ أبي حامدٍ الغزالي؛ إذ عرَّفه بأنَّه: "قبولُ قولٍ، بلا حجةٍ"
(2)
.
وقريبٌ منهما تعريفُ الآمدي، إذ عرَّفَ التقليدَ بأنَّه:"العملُ بقولِ الغيرِ مِنْ غيرِ حجةٍ ملزمةٍ"
(3)
، وقالَ عقيبه:"وعلى هذا، فرجوعُ العامي إلى قولِ المفتي لا يكونُ تقليدًا؛ لعدمِ عُرُوّهِ عن الحجةِ الملزمةِ"
(4)
.
وأنبّه إلى أنَّ بعضَ مَنْ سارَ مع أصحاب الاتجاه الثاني - كالموفقِ ابنِ قدامةَ؛ إذ عرَّفَ التقليدَ بأنَّه "قبولُ قولِ الغيرِ مِنْ غيرِ حجةٍ"
(5)
- لم يقصدْ ما أرادَه أصحابُ الاتجاه الثاني، بلْ أرادَ المعنى الذي سار عليه أصحابُ الاتجاهِ الأولِ، وهو شمولُ التقليدِ لأخذِ العامي قولَ المجتهدِ
(6)
، فيكونُ معنى تعريفِهم قبولَ قولِ الغيرِ مِنْ غيرِ أنْ تَعْرِفَ حجتَه
(7)
.
وقد أشارَ بعضُ الأصوليين: كالآمدي
(8)
، وابنِ الحاجبِ
(9)
، وابنِ الساعاتي
(10)
،
(1)
انظر: (2/ 888).
(2)
المستصفى (2/ 462).
(3)
الإحكام في أصول الأحكام (4/ 221).
(4)
المصدر السابق، بتصرف.
(5)
روضة الناظر (3/ 1017).
(6)
انظر: المصدر السابق (3/ 1018)، وأصول الفقه للدكتور عياض السلمي (ص/ 477).
(7)
انظر: قواطع الأدلة (5/ 98 - 99).
(8)
انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 221).
(9)
انظر: مختصر منتهى السول (2/ 1249).
(10)
انظر: نهاية الوصول (2/ 689). وابن الساعاتي هو: أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء البغدادى البعلبكي الأصل، أبو الضياء مظفر الدين، وقيل: أبو العباس، المعروف بابن الساعاتي، ولد ببعلبك سنة 651 هـ من علماء الحنفية، كان إمامًا علامةً كبيرًا حافظًا متقنًا متفننًا، عارفًا بالمنقول والمعقول، فصيحًا بليغًا قوي الذكاء، أقر له شيوخه بأنَّه فارس جواد في ميدانه، من مؤلفاته: بديع النظام الجامع بين أصول البزدوي والإحكام، ومجمع البحرين في الفقه، وشرح مجمع البحرين، توفي سنة 694 هـ. انظر ترجمته في: الجواهر المضية =