المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الأول: الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد - التمذهب – دراسة نظرية نقدية - جـ ١

[خالد الرويتع]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أهمية الموضوع:

- ‌أسباب اختيار الموضوع:

- ‌أهداف الموضوع:

- ‌الدراسات السابقة:

- ‌خطة البحث:

- ‌الصعوبات الَّتي واجهت الباحث:

- ‌الشكر والتقدير:

- ‌الباب الأول: الدراسة النظرية للتمذهب

- ‌المبحث الأول تعريف التمذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف التمذهب في اللغة

- ‌ تعريفَ المذهبِ في اللغَةِ

- ‌تعريف التمذهب في اللغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف التمذهب في الاصطلاح

- ‌تعريف المذهب اصطلاحًا:

- ‌التعريف المُخْتَار:

- ‌المناسبة بين التعريض اللغوي للمذهب والاصطلاحي:

- ‌تعريف التمذهب في الاصطلاح:

- ‌تعريف التمذهب عند المتأخرين:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي للتمذهب والتعريف الاصطلاحي:

- ‌المبحث الثاني: العلاقة بين التمذهب، والمصطلحات ذات الصلة

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: العلاقة بين التمذهب والتقليد

- ‌تعريف التقليد في اللغة:

- ‌تعريف التقليد في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌العلاقةُ بين التمذهبِ والتقليدِ:

- ‌المطلب الثاني: العلاقة بين التمذهب والاجتهاد

- ‌تعريف الاجتهاد في اللغة:

- ‌تعريف الاجتهاد في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والاجتهاد:

- ‌المطلب الثالث: العلاقة بين التمذهب والاتباع

- ‌ تعريفَ الاتّباع في اللغةِ

- ‌تعريف الاتباع في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والاتباع:

- ‌المطلب الرابع: العلاقة بين التمذهب والتأسي

- ‌تعريف التأسي في اللغة:

- ‌تعريف التأسي في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والتأسي:

- ‌المطلب الخامس: العلاقة بين التمذهب والتعصب

- ‌تعريف التعصب في اللغة:

- ‌تعريف التعصب في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والتعصب:

- ‌المطلب السادس: العلاقة بين التمذهب والخلاف

- ‌تعريفُ الخلاف في اللغة:

- ‌تعريف الخلاف في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌فائدة علم الخلاف:

- ‌العلاقة بين التمذهب والخلاف:

- ‌المطلب السابع: العلاقة بين التمذهب والانتصار للمذهب

- ‌تعريف الانتصار في اللغة:

- ‌تعريف الانتصار للمذهب في الاصطلاح:

- ‌العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:

- ‌العلاقة بين التمذهب والانتصار للمذهب:

- ‌المطلب الثامن: العلاقة بين التمذهب والصلابة في المذهب

- ‌تعريف الصلابة في اللغة:

- ‌تعريف الصلابة في المذهب في الاصطلاح:

- ‌ العلاقةِ بين التمذهبِ، والصلابةِ في المذهبِ

- ‌العلاقة بين التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي:

- ‌المبحث الثالث: أركان التمذهب

- ‌المطلب الأول: إمام المذهب (صاحب المذهب)

- ‌توطئة

- ‌المسأله الأولى: تعريف إمام المذهب

- ‌المسألة الثانية: شروط إمام المذهب

- ‌النوع الأول: الشروطُ المتعلقةُ بالجانبِ الشخصي للمجتهدِ

- ‌النوع الثاني: الشروط المتعلقة بالجانب العلمي للمجتهد:

- ‌المسألة الثالثة: طرق إثبات أقوال إمام المذهب

- ‌توطئة

- ‌الفرع الأول: القول

- ‌الفرع الثاني: مفهوم القول

- ‌الفرع الثالث: الفعل

- ‌الفرع الرابع: السكوت

- ‌الفرع الخامس: التوقف

- ‌ طُرقِ معرفةِ توقّفِ إمامِ المذهبِ

- ‌الفرع السادس: القياس على القول

- ‌الفرع السابع: لازم القول

- ‌الفرع الثامن: ثبوت الحديث

- ‌المطلب الثاني: المتمذهب

- ‌توطئة

- ‌المسألة الأولى: تعريف المتمذهب

- ‌المسألة الثانية: شروط المتمذهب

- ‌المسألة الثالثة: العلاقة بين المتمذهب والمخرِّج

- ‌المسألة الرابعة: العلاقة بين المتمذهب والفروعي

- ‌المسألة الخامسة: تمذهب المجتهد

- ‌المسألة السادسة: مذهب العامي

- ‌المطلب الثالث: المذهب (المتمذهب فيه)

- ‌المسألة الأولى: تعريف المذهب في اللغة والاصطلاح

- ‌المسألة الثانية: محل التمذهب

- ‌المسائل التي ليست مجالًا للتمذهب:

- ‌المسأله الثالثة: شروط نقل المذهب

- ‌شروطُ الناقلِ عن إمامِ المذهبِ:

- ‌المسألة الرابعة: صور الخطأ في نقل المذهب

- ‌المسألة الخامسة: ألفاظ نقل المذهب

- ‌توطئة

- ‌الفرع الأول: الرواية

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للرواية:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للرواية:

- ‌الفرع الثاني: التنبيه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتنبيه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتنبيه:

- ‌الفرع الثالث: القول

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للقول:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للقول:

- ‌الفرع الرابع: الوجه

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للوجه:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للوجه:

- ‌الفرع الخامس: الاحتمال

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للاحتمال:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للاحتمال:

- ‌الفرع السادس: التخريج

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للتخريج:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتخريج:

- ‌الفرع السابع: النقل والتخريج

- ‌الفرع الثامن: الصحيح

- ‌الفرع التاسع: المعروف

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للمعروف:

- ‌ثانيًا: المعروف في الاصطلاح:

- ‌الفرع العاشر: الراجح

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للراجح:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للراجح:

- ‌الفرع الحادي عشر: قياس المذهب:

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للقياس:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي لقياس المذهب:

- ‌الفرع الثاني عشر: المشهور من المذهب

- ‌أولا: التعريف اللغوي للمشهور:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للمشهور من المذهب:

- ‌الفرع الثالث عشر: ظاهر المذهب

- ‌أولًا: التعريف اللغوي للظاهر:

- ‌ثانيًا: التعريف الاصطلاحي لظاهر المذهب:

الفصل: ‌النوع الأول: الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد

‌المسألة الثانية: شروط إمام المذهب

لقد أفاضَ الأصوليونَ في ذكرِ شروطِ الاجتهادِ، فلا يكادُ يخلو كتابٌ مؤلَّفٌ في أصولِ الفقهِ مِنْ ذكرِ شروطِ الاجتهادِ.

وقد اختلفتْ مناهجُ الأصوليين في عرضِها، فلم تكن وجهتُهم متحدةً؛ فمنهم مَنْ عَرَضَها شروطًا متعددةً متواليةً مفصَّلةً، وهذا منهجُ أكثرِ الأصوليين.

ومنهم مَنْ جعلها شرطين، ثم فرَّع على كلِّ شرطٍ شروطًا فرعيةً، وقد سَلَكَ هذا المنهجَ عددٌ من الأصوليين، منهم: أبو حامدٍ الغزالي

(1)

، والآمديُّ

(2)

، وأبو إسحاقَ الشاطبي

(3)

.

ويُمكن جعلُ شروطِ الاجتهادِ على نوعين:

‌النوع الأول: الشروطُ المتعلقةُ بالجانبِ الشخصي للمجتهدِ

.

النوع الثاني: الشروطُ المتعلقةُ بالجانبِ العلمي للمجتهدِ

(4)

.

وسأعرضُ أهمَّ الشروطِ المندرجةِ تحتَ هذينِ النوعينِ، مع ذكرِ ما لا يُشترط ممَّا نصَّ الأصوليون على عدمِ اشتراطِه.

النوع الأول: الشروط المتعلقة بالجانب الشخصي للمجتهد:

هناك شروطٌ للاجتهادِ تتعلقُ بالجانبِ الشخصي للمجتهدِ، وأهمُّها:

الشرط الأول: العقل

(5)

.

(1)

انظر: المستصفى (2/ 382).

(2)

انظر: الإحكام في أصول الأحكام (4/ 162).

(3)

انظر: الموافقات (5/ 41).

(4)

انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب للباحسين (ص/ 323).

(5)

انظر في تفسير العقل: التقريب والإرشاد للباقلاني (1/ 195)، والعدة (1/ 85)، والبرهان (1/ 95)، والبحر المحيط (1/ 85)، وشرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 382) بحاشية البناني، وشرح الكوكب الساطع للسيوطي (4/ 115).

ص: 163

مِنْ شروطِ الاجتهادِ البدهيةِ: العقلُ، والمرادُ باشتراطِه في المجتهدِ أنْ يكونَ سليمَ الإدراكِ، خاليًا عمَّا يُعْتَبرُ عيبًا فيه؛ كالجنونِ والعتهِ والسفهِ

(1)

، فلا يَتَأتَّى الاجتهادُ مِنْ غيرِ العاقلِ.

ولا يُكتفى بالعقلِ الذي يتعلقُ به التكليفُ، بلْ لا بُدَّ مِنْ أنْ يكونَ صحيحَ التمييزِ، جيدَ الفطنة، بعيدًا عن السهوِ

(2)

.

ويدلُّ على اشتراطِ العقلِ في المجتهدِ أدلةٌ، منها:

الدليل الأول: إجماعُ العلماءِ على أنَّ الجنونَ مانعٌ مِن الاجتهادِ

(3)

.

الدليل الثاني: أنَّ غيرَ العاقلِ لا يُدْرِكُ علمًا ولا فقهًا، ولا غيره

(4)

، ولا تمييزَ له يهتدي به لما يقولُه حتى يصحَّ نظرُه

(5)

.

الشرط الثاني: البلوغ.

لا بُدَّ أنْ يكونَ المجتهدُ بالغًا.

ودليلُ اشتراطِ البلوغِ: أنَّ الصبيَّ غيرُ مكتملِ العقلِ؛ فلا يصحَّ نظرُه

(6)

.

وقد ذَهَبَ بعضُ الأصوليين إلى تصوّرِ الاجتهادِ مِن الصبي. يقولُ إمامُ الحرمين الجويني: "إنَّ الصبيَّ، وإنْ بَلَغَ رتبةَ الاجتهادِ، وتيسَّر عليه دَركُ الأحكام، فلا ثقةَ بنظرِه وطلبِه، فالبالغُ هو الذي يُعْتَمدُ قولُه"

(7)

.

(1)

انظر: الاجتهاد ومدى حاجتنا إليه للدكتور سيد الأفغاني (ص/ 163).

(2)

انظر: لمع اللوامع لابن رسلان، القسم الثاني (2/ 588 - 589).

(3)

انظر: المصدر السابق (2/ 588)، والمفتي في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد العزيز الربيعة (ص/ 20).

(4)

انظر: البحر المحيط (6/ 199)، والتحبير (8/ 3870).

(5)

انظر: حاشية البناني على شرح جمع الجوامع (2/ 382).

(6)

انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 382) بحاشية البناني.

(7)

البرهان (2/ 869).

ص: 164

وجَنَحَ بعضُ الأصوليين إلى صحةِ اجتهادِ الصبي!

(1)

.

الشرط الثالث: الإسلام.

يُعَدُّ اشتراطُ الإسلامِ في المجتهدِ مِن الشروطِ المعلومةِ بداهةً؛ وقد نصَّ عليه طائفةٌ مِن الأصولَيين، في حين أَغْفَلَ ذكرَه كثيرٌ مِنْهم

(2)

.

يقولُ أبو حامدٍ الغزالي: "الإسلامُ شرطٌ في المفتي لا محالةَ"

(3)

.

ويقولُ الآمديُّ في سياقِ حديثِه عن شروطِ المجتهدِ: "الشرطُ الأولُ: أنْ يعلمَ وجودَ الربِّ تعالى، وما يجبُ له مِن الصفاتِ، ويستحقه مِن الكمالاتِ، وأنَّه واجبُ الوجودِ بذاتِه

وأنْ يكونَ مصدِّقًا بالرسولِ، وما جاءَ به الشرعُ المنقولُ"

(4)

.

ويدلُّ على اشتراطِ الإسلامِ في الاجتهادِ أدلةٌ، منها:

الدليل الأول: إجماعُ العلماءِ على اشتراطِ الإسلامِ في المجتهدِ، حكاه ابنُ حمدان، فقالَ عن المجتهدِ: "أمَّا اشتراطُ إسلامِه

فبالإجماعِ"

(5)

.

الدليل الثاني: أنَّ الإسلامَ شرطٌ لكلِّ العباداتِ، والاجتهادُ عبادةٌ، فلا بُدَّ في صحتِه مِن الإسلامِ

(6)

.

ومَعَ ظهورِ اشتراطِ الإسلامِ في المجتهدِ، إلا أنَّ أبا إسحاق الشاطبيَّ

(1)

انظر: المسودة (2/ 842)، والرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي (ص/ 157).

(2)

انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 324).

(3)

المستصفى (2/ 386).

(4)

الإحكام في أصول الأحكام (4/ 162 - 163). وانظر: الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي (ص/157).

(5)

صفة الفتوى (ص/ 13). وانظر: المفتي في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد العزيز الربيعة (ص/20).

(6)

انظر: فواتح الرحموت (2/ 363)، وسلم الوصول لمحمد المطيعي (4/ 553).

ص: 165

قرّرَ صحةَ اجتهادِ الكافرِ في الشريعةِ الإسلاميةِ، يقولُ:"وقد أجازَ النظارُ وقوعَ الاجتهادِ في الشريعةِ مِن الكافرِ المنكرِ لوجودِ الصانعِ والرسالةِ والشريعةِ؛ إذ كانَ الاجتهادُ إنَّما يَنْبَنِي على مقدماتٍ تفْرَضُ صحتها"

(1)

.

وقد نُوقِشَ رأيُ أبي إسحاقَ الشاطبي مِنْ ثلاثةِ أوجهٍ:

الوجه الأول: ما الثمرةُ الموجوة لاجتهادِ الكافرِ؟ فهلْ سيقلّدُه المسلمون فيما ذَهَبَ إليه؟ ! وهل سيعملُ بما أدّاه إليه اجتهادُه؟ !

(2)

.

الوجه الثاني: مِنْ شروطِ صحةِ استنباطِ الحكمِ: اعتقادُ صحتِه، أو ظنُّها، والكافرُ لا يعتقدُ صحةَ مقدِّماتِ الحُكمِ - وهي: الكتابُ والسنةُ وما يرجعُ إليهما - التي بَنَى عليها حكمَه

(3)

.

الوجه الثالث: يلزمُ مِن الأخذِ برأي أبي إسحاقَ الشاطبي، القولُ بصحةِ آراء المستشرقين، والمنكرين للإسلامِ، ولنبوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا باطلٌ قطعًا

(4)

.

الشرط الرابع: الملكة

(5)

.

يُشْتَرطُ لبلوغِ رتبةِ الاجتهادِ وجودُ الملكةِ الفقهيةِ في العالم، والتي يُعَبّرُ عنها بفقهِ النفسِ

(6)

.

(1)

الموافقات (5/ 48 - 49).

(2)

انظر: تعليق دراز على الموافقات (5/ 84).

(3)

انظر: المصدر السابق.

(4)

انظر: التخريج عند الفقهاء والأصوليين للدكتور يعقوب الباحسين (ص/ 324).

(5)

انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 86)، وتقريب الوصول لابن جزي (ص/ 427)، والبحر المحيط (6/ 199).

(6)

انظر: المنخول (ص/ 464)، وشرح الكوكب الساطع للسيوطي (4/ 116).

ولابن خلدون كلام جيد في توضيح المراد بالملكة، يقول في مقدمته (3/ 1019): "وذلك أنَّ الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده، والوقوف على مسائله، واستنباط فروعه من أصوله، وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك المتناول حاصلًا. =

ص: 166

يقولُ إمامُ الحرمينِ الجويني متحدّثًا عن أهميةِ الملكةِ الفقهيةِ: "ثمَّ يُشترطُ: فقهُ النفسِ؛ فهو رأسُ مالِ المجتهدِ، ولا يَتَأتَّى كسبُه؛ فإنْ جُبِلَ على ذلك فهو المرادُ، وإلا فلا يَتَأتَّى تحصيلُه مِن الكتبِ"

(1)

.

والمرادُ بـ (فقهِ النّفسِ): أنْ يكونَ الفقهُ سجيةً وطبعًا في نفسِ المجتهدِ

(2)

، فيكون شديدَ الفهم بالطَّبع لمقاصدِ الكلامِ

(3)

، وتكون له قدرةٌ على استخراجِ أحكامِ الفقهِ مِنْ أَدلتِها

(4)

.

ودليلُ اشتراطِ الملكةِ في المجتهدِ: الاشتقاقُ على القاعدةِ الصرفيةِ؛ لأنَّ الفقيهَ - وهو المجتهد - اسمُ فاعلٍ من (فقُه) - بضم القاف - إذا صار الفقهُ سجيةً له

(5)

.

تلك هي أهمُّ شروطِ الاجتهادِ المتعلقةِ بالجانب الشخصي للمجتهدِ، وبقي أنْ أقولَ: إنَّ ثمَّةَ أوصافًا متعلقةً بالجانبِ الشَخصي للمجتهدِ، لا تُشترطُ فيه، وقد نصَّ بعضُ الأصوليين على عدمِ اشتراطِها، وهي:

أولًا: العدالة.

ثانيًا: الذكورية.

ثالثًا: الحرية.

= وهذه الملكة غير الفهم والوعي؛ لأنا نجد فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد ووعيها مشتركًا بين من شدا في ذلك الفن وبين من هو مبتدئ فيه، وبين العامي الذي لم يحصَل علمًا وبين العالم النحرير، والملكة إنما هي للعالم أو الشادي في الفنون، دون من سواهما، فدل على أن هذه الملكة غير الفهم والوعي". وانظر: المصدر السابق (3/ 1286 وما بعدها).

(1)

البرهان (2/ 870) بتصرف يسير. وانظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 86).

(2)

انظر: لمع اللوامع لابن رسلان، القسم الثاني (2/ 592).

(3)

انظر: التحبير (8/ 3870)، وشرح الكوكب الساطع للسيوطي (4/ 116).

(4)

انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 86)، وشرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 382) بحاشية البناني.

(5)

انظر: لمع اللوامع لابن رسلان، القسم الثاني (2/ 592)، والفرائد الجديدة للسيوطي (2/ 675).

ص: 167

أولًا: العدالة.

عُرِّفَتْ العدالةُ بتعريفاتٍ متعددةٍ، ومِنْ أشهرِ التعريفاتِ، أنَّها: ملكةٌ تحملُ صاحبَها على ملازمةِ التقوى والمروءةِ

(1)

.

وقد ذَهَبَ جمهورُ الأصوليين إلى أنَّ العدالةَ ليستْ مِنْ شروطِ الاجتهادِ في الشريعةِ، فقد يبلغُ الفاسقُ درجةَ الاجتهادِ.

وممَّنْ نصَّ على عدم اشتراطِ العدالةِ في الاجتهادِ: أبو بكرٍ الجصاص

(2)

، وإمامُ الحرمين الجويني

(3)

، وأبو المظفرِ السمعاني

(4)

، وأبو حامدٍ الغزالي

(5)

، والموفقُ بنُ قدامة

(6)

، والطوفيُّ

(7)

، وتاجُ الدينِ بنُ السبكي

(8)

، وبدرُ الدينِ الزركشي

(9)

، والمرداويُّ

(10)

، وجلالُ الدينِ السيوطي

(11)

، وابنُ

(1)

انظر: المحصول في علم أصول الفقه للرازي (4/ 399)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (2/ 76 - 77)، وشرح تنقيح الفصول (ص / 361)، وصفة الفتوى (ص/ 13)، والبحر المحيط (3/ 273)، والتحبير (4/ 1858)، وشرح الكوكب المنير (2/ 384).

(2)

انظر: الفصول في الأصول (4/ 273).

(3)

انظر: الغياثي (ص / 404)، والبرهان (2/ 871).

(4)

انظر: قواطع الأدلة (5/ 9).

(5)

انظر: المنخول (ص/ 463)، والمستصفى (2/ 382).

(6)

انظر: روضة الناظر (3/ 960).

(7)

انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 588).

(8)

انظر: جمع الجوامع (ص / 119).

(9)

انظر: تشنيف المسامع (4/ 573).

(10)

انظر: التحبير (8/ 3880).

(11)

انظر: شرح الكوكب الساطع (4/ 125). وجلال الدين السيوطي هو: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي أو الأسيوطي، أبو الفضل جلال الدين، ولد سنة 849 هـ من علماء المذهب الشافعي، وقد ادعى بلوغ رتبة الاجتهاد المطلق في الشريعة مع انتسابه إلى المذهب الشافعي، كان مكثرًا من التأليف، مشاركًا في كثيرٍ من العلوم، يقول عن نفسه:"رُزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، على طريقة العرب البلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة"، وقد تفرغ بعد سن الأربعين للعبادة والتصنيف، من مؤلفاته: الرد على من أخلد إلى الأرض، والأشباه والنظائر، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، وحسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، والكوكب الساطع في نظم جمع الجوامع في أصول الفقه، وشرح الكوكب الساطع، . والجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، والجامع الكبير، والإتقان في علوم القرآن، توفي سنة 911 هـ. انظر ترجمته في: الكواكب السائر للغزي (1/ 226)، =

ص: 168

عبد الشكور

(1)

.

وقد أشارَ أبو المظفرِ السمعاني إلى الحدِّ الذي يُمكنُ معه صحةُ اجتهادِ الفاسقِ، بقولِه: "اعلمْ أنَّ الثقةَ والأمانةَ في أنْ لا يكونَ متساهلًا في أمرِ الدّينِ، لا بُدَّ منه؛ لأنَّه إذا لم يكنْ كذلك لا يستقصي في النظرِ في الدلائلِ، ومَنْ لا يستقصي النظرَ في الدلائلِ، لا يصلْ إلى المقصودِ.

وأمَّا الذي ذكره الأصحابُ أنَّه لا تُعتبرُ العدالةُ، فيجوز أنْ يكونَ المرادُ ما وراءَ هذا، وأمَّا هذا القدرُ فلا بُدَّ منه"

(2)

.

والدليل على عدم اشتراط العدالة: جوازُ تحصيلِ الفاسقِ قوةَ الاجتهادِ؛ باجتماعِ شروطِ الاجتهادِ الباقيةِ فيه

(3)

.

وقد ذَهَبَ بعضُ العلماءِ إلى اشتراطِ العدالةِ في الاجتهادِ

(4)

.

والذي يظهرُ لي أنَّه لا خلافَ بين الأصوليين في عدمِ اشتراطِ العدالةِ لبلوغِ رتبةِ الاجتهادِ، وأنَّ مرادَ مَنْ قال باشتراطها، اشتراطُها لقَبولِ فتوى

= والضوء اللامع للسخاوي (4/ 65)، وحسن المحاضرة للسيوطي (1/ 310)، وشذرات الذهب لابن العماد (10/ 74)، والبدر الطالع للشوكاني (ص/ 337)، وجامع كرامات الأولياء للنبهاني (2/ 62)، والأعلام للزركلي (3/ 301).

(1)

انظر: مسلم الثبوت (2/ 364) مع شرحه فواتح الرحموت. وابن عبد الشكور هو: محب الله بن عبد الشكور البهاري الهندي، يلقب بفاضل خان، ولد في كره في الهند، أحد علماء المذهب الحنفي، فقيه وأصولي ومنطقي، اشتهر بالذكاء، وقد تولى القضاء في لكنهو، من مؤلفاته: مسلم الثبوت شرح فواتح الرحموت، وسلم العلوم في المنطق، ورسالة في إثبات أنَّ مذهب الحنفية أبعد عن الرأي من مذهب الشافعية، توفي سنة 1119 هـ. انظر ترجمته في: مقدمة فواتح الرحموت (1/ 7)، وهدية العارفين للبغدادي (2/ 5)، وأبجد العلوم للقنوجي (ص / 703)، ونزهة الخواطر لعبد الحي الحسني (6/ 739)، والأعلام للزركلي (5/ 283)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 17).

(2)

قواطع الأدلة (5/ 10)، بتصرف يسير.

(3)

انظر: شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 385) بحاشية البناني، وغاية الوصول للأنصاري (ص / 148).

(4)

انظر: تقريب الوصول لابن جزي (ص/ 427)، وجمع الجوامع لابن السبكي (ص/ 119).

ص: 169

المجتهدِ

(1)

.

يدلُّ على هذا: كلامُ الأصوليين في الموطنِ الذي يوردونَ فيه شروطَ الاجتهادِ، وذلك بجعلِ الشروطِ - ومنها: العدالة - شروطًا للمفتي، أو بذكرِ شروطِ الاجتهادِ - ومنها: العدالة - وإردافها بأنْ مَن اجتمعتْ فيه، ساغَ له الاجتهادُ والإفتاءُ.

ويدلُّ على الاتفاقِ على عدمِ اشتراطِ العدالةِ في المجتهدِ أمورٌ، منها:

الأمر الأول: لمَّا ساق أبو المظفرِ السمعاني شروطَ الاجتهادِ، ذَكَرَ منها العدالةَ، ثم بيَّنَ أنَّ العدالةَ إنَّما تُعتبرُ في الحكمِ والفتوى، دونَ الاجتهادِ

(2)

.

الأمر الثاني: لمَّا ساقَ أبو حامدٍ الغزالي شروطَ الاجتهادِ، ذَكَرَ منها: العدالةَ، ثمَّ أعقبَ ذلك ببيانِ أنَّ العدالةَ شرطٌ لجوازِ الاعتمادِ على فتوى المجتهدِ، أمَّا في اجتهادِه، فليستْ بشرطٍ

(3)

.

والأمرانِ السابقانِ يدلانِ على أنَّ مرادَ مَنْ نصَّ على اشتراطِ العدالةِ في الاجتهادِ، اشتراطُها في قبولِ فتوى المجتهدِ.

الأمر الثالث: نصَّ جمعٌ مِن الأصوليين على عدمِ وجودِ خلافٍ في المسألةِ، وأنَّ مرادَ مَنْ قال باشتراطِ العدالةِ، اشتراطُها في قبولِ فتوى الفاسقِ.

(1)

انظر على سبيل المثال: التلخيص في أصول الفقه للجويني (3/ 460)، وأدب المفتي والمستفتي (ص/ 86)، وإحكام الفصول (ص/ 722)، وشرح اللمع (2/ 1035)، والتمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب (4/ 392).

(2)

انظر: قواطع الأدلة (5/ 9).

(3)

انظر: المستصفى (2/ 382 - 383). ويقول أبو حامد الغزالي في: المنخول (ص / 463): "ولا بُدَّ من الورع؛ فلا يصدق الفاسق، ولا يجوز التعويل على قوله".

ص: 170

يقولُ الشيخُ زكريا الأنصاري

(1)

: "يُعتبرُ؛ ليُعتمد على قولِه.

وتُعُقِّبَ بأنَّه لا تخالف بين القولين؛ إذ اعتبار العدالةِ؛ لاعتمادِ قولِه، لا ينافي عدمَ اعتبارِها لاجتهادِه؛ إذ الفاسقُ يعملُ باجتهادِ نفسِه، وإنْ لم يُعْتَمْد قولُه اتفاقًا"

(2)

.

وكذلك نفى الخلاف: وليُّ الدين العراقي

(3)

، وجلالُ الدين السيوطي

(4)

، والبنانيُّ

(5)

، وعبدُ الله العلوي

(6)

.

(1)

هو: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري المصري، أبو يحيى، ولد بسكينة سنة 826 هـ كان إمامًا محققًا متكلمًا فقهيًا أصوليًا منطقيًا، بارعًا في المنقول والمعقول، متمذهبًا بالمذهب الشافعي، عظيم الشأن عن الوالي، من مؤلفاته: لب الأصول، وغاية الوصول شرح لب الأصول، ومنهج الطالبين، وشرح ايساغوجي في المنطق، توفي بالقاهرة سنة 926 هـ.

انظر ترجمته في: الضوء اللامع للسخاوي (3/ 234)، وشذرات الذهب لابن العماد (10/ 186)، والكواكب السائرة للغزي (1/ 198)، والبدر الطالع للشوكاني (ص/ 264).

(2)

غاية الوصول (ص/ 148)، والاتفاق المحكي عائد إلى عدم العمل بفتوى الفاسق.

(3)

انظر: الغيث الهامع (3/ 878).

(4)

انظر: شرح الكوكب الساطع (2/ 738).

(5)

انظر: حاشية البناني على شرح المحلي على جمع الجوامع (2/ 385). والبناني هو: عبد الرحمن بن جاد الله أبو زيد البناني المغربي، أحد علماء المذهب المالكي ومحققيه، كان علامةً فهامةً فقيهًا أصوليًا مدققًا محققًا، ماهرًا في المنقول والمعفول، قدم مصر، ودَرَسَ بالجامع الأزهر، ودرَّس برواق المغاربة، وانتفع به الطلاب، وتولى مشيخة رواقهم، لم يتزوج حتى مات، من مؤلفاته: حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع، وحاشية على المقامة التصحيفية، توفي سنة 1198 هـ. انظر ترجمته في: عجائب الآثار للجبرتي (1/ 585)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 342)، والأعلام للزركلي (2/ 302)، ومعجم المؤلفين لكحالة (2/ 86).

(6)

انظر: نشر البنود (2/ 321). وعبد الله العلوي هو: عبد الله بن الحاج إبراهيم بن أحمد العلوي، أبو محمد الشنقيطي، ولد بعد منتصف القرن الثاني عشر بقرية تججكة بشنقيط، دَرَسَ على علماء قطره، ثم توجه إلى فاس ومراكش بالمغرب، فأقام بهما سنوات، تجرد أربعين سنة لطلب العلم في الصحاري والمدن، وكان مالكي المذهب، ومن علماء عصره البارزين، ومن الأصوليين المعروفين، مشاركًا في الحديث واللغة، من مؤلفاته: مراقي السعود - منظومة في أصول الفقه - ونشر البنود شرح مراقي السعود، ونيل النجاح، ونَوْر الأقاح - منظومة في علم البيان - وفيض الفتاح شرح نور الأقاح، توفي في حدود سنة 1230 هـ عن عمرٍ يناهز الثمانين عامًا. انظر ترجمته في: الوسيط في تراجم أدباء شنقيط للشنقيطي (ص/ 37)، والأعلام للزركلي (4/ 65)، ومعجم المؤلفين لكحالة (2/ 220).

ص: 171