الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانٍ
(1)
. والخَرَجُ: لونانِ مِنْ بياضٍ وسوادٍ
(2)
. والخَرْجَاءُ: الشاةُ تَبْيَضُّ رجلاها إلى خاصرتِها
(3)
.
ثانيًا: التعريف الاصطلاحي للتخريج:
شاعَ استعمالُ مصطلحِ: (التخريج) بين المذاهب الفقهيةِ المتبوعةِ، وعرَّفتْ غالبُ المذاهبِ مصطلح:(التخريج)، ومنهم مَنْ أغفلَ تعريفَه.
والذي يظهرُ لي تقاربُ معنى: (التخريج) عند المذاهب الفقهية، ويظهرُ مِن استعمالِ مَنْ لم يعرِّفْه موافقتُه للمعنى المصطلحِ عليه عندَ غيره.
أولًا: التخريج عند علماء الحنفية:
لم أقفْ - فيما رجعتُ إليه مِنْ مصادر المذهبِ الحنفي - على مَنْ عرَّفَ مصطلح: (التخريج) أو بيَّنَ المرادَ منه، مع ورودِه في مدوّناتِهم الفقهيةِ.
وقبلَ بيانِ معناه عندهم أشيرُ إلى أن علماءَ الحنفيةِ لا يلجؤون إلى التخريجِ إلا حين لا يجدون قولًا لإمامِهم، ولا لأحدِ أصحابِه المشهورين.
يقولُ أحمدُ الحموي: "خرَّج أربابُ التخريجِ؛ لعدمِ وجدانِهم الرواية عن الإمامِ، وأصحابِه"
(4)
.
ومِنْ خلالِ تأمَّلِ عددٍ مِن المواضع التي جاءَ فيها مصطلحُ: (التخريج) في مدوناتِ المذهبِ الحنفي، ظَهَرَ لي أنَّهم يطلقُونه على الأمرين الآتيين:
الأمر الأول: إلحاقُ فرعٍ لم يَنصَّ الإمامُ على حكمِه، بفرعٍ نصَّ على حكمِه.
(1)
انظر: المصدر السابق، وتهذيب اللغة، مادة:(خرج)، (7/ 51)، ومفردات ألفاظ القرآن للأصبهاني، مادة:(خرج)، (ص/ 279)، وأساس البلاغة للزمخشري، مادة:(خرج)، (ص/157).
(2)
انظر: المصادر السابقة.
(3)
انظر: المصادر السابقة.
(4)
غمز عيون البصائر (3/ 147).
الأمر الثاني: إدراجُ فرعٍ لم ينصَّ الإمامُ على حكمِه تحتَ قاعدةٍ مِنْ قواعدِ المذهبِ
(1)
.
أمثلة التخريج عند الحنفية:
أولًا: مثال النوع الأول: (إلحاقُ فرعٍ لم ينصَّ الإمامُ على حكمِه، بفرعٍ نصَّ على حكمِه):
يقولُ ابنُ نجيم
(2)
: "أمَّا الوقفُ إذا سَكَنَه أحدُهما - أيْ: أحد الشريكين - بدونِ أذنِ الآخر، سواءٌ كان موقوفًا للسكنى، أو للاستغلالِ: فإنَّه يجبُ الأجرُ، ويُستثنى مِنْ مالِ اليتيمِ مسألةٌ: سكنتْ أُمُّه مع زوجِها في دارِه بلا أجرٍ، ليس لهما ذلك، ولا أجر عليهما"
(3)
.
نَقَلَ أحمدُ الحمويُّ تعليقًا لبعضِ الحنفيةِ على الفرعِ المذكورِ، وهو قوله: "يُمْكنُ أنْ يكونَ
…
عدمُ وجوب الأجرِ - كما نقله المصنّفُ في المسألةِ المستثناة - مخرَّجةً على القَولِ بعدمِ وجوبِ الأجرِ بسكنى دارِ اليتيمِ"
(4)
.
ثانيًا: أمثلة النوع الثاني: (إدراجُ فرعٍ لم ينصَّ الإمامُ على حكمِه تحت قاعدةٍ مِنْ قواعد المذهبِ):
المثال الأول: يقولُ ابنُ نجيمٍ: "هنا مسألتانِ لم أَرَهما الآن يمكنُ تَخْرِيجهما على أنَّ المعروفَ كالمشروطِ:
(1)
انظر: شرح عقود رسم المفتي لابن عابدين (ص/ 85).
(2)
هو: زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن محمد، المعروف بابن نجيم، ولد سنة 926 هـ كان من محققي المذهب الحنفي، علامةٌ بحرًا فهامةً، بارعًا في الفقه والأصول، مدققًا في عدة علوم، ليس له نظير في زمنه، اشتغل بالإفتاء والتدريس والتصنيف، من مؤلفاته: الأشباه والنظائر، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق، وفتح الغفار في شرح المنار، توفي سنة 970 هـ.
انظر ترجمته في: الطبقات السنية للغزي (3/ 275)، وشذرات الذهب لابن العماد (10/ 523)، والكواكب السائرة للغزي (3/ 154)، ومعجم المؤلفين لكحالة (1/ 740).
(3)
الأشباه والنظائر (ص / 340).
(4)
غمز عيون البصائر (2/ 450).
منها: لو جَرَتْ عادةُ المقترضِ بردِّ أزيد ممَّا اقترضَ، هل يحرمُ إقراضُه؛ تنزيلًا لعادتِه بمنزلةِ الشرطِ؟
ومنها: لو بارزَ كافرٌ مسلمًا، واطردت العادةُ بالأمانِ للكافرِ، هلْ يكونُ بمنزلةِ اشتراطِ الأمانِ له، فيَحْرُمُ على المسلمين إعانةُ المسلم عليه"
(1)
.
المثال الثاني: ذَكَرَ الحمويُّ عدةَ فروعٍ، منها:
- إذا اختلطَ موتى المسلمين بالكفارِ، يجبُ غسلُ الجميع، والصلاةُ عليهم.
- إذا اختلطَ الشهداءُ بغيرِهم، يجبُ غسلُ الجميعِ، والصلاةُ عليهم.
- المضطر يجبُ عليه أكلُ الميتةِ، وإنْ كانت حرامًا.
- الهجرةُ على المرأةِ مِنْ بلادِ الكفارِ واجبةٌ، وإنْ كان سفرُها وحدها حرامًا.
ثم قال بعد هذه الفروعِ: "وخرَّج أئمتُنا هذه المسائل على قاعدةِ: (ما إذا تعارض المانع والمقتضي) "
(2)
.
ثانيًا: التخريج عند المالكية:
وَرَدَ مصطلحُ: (التخريج) في مدوَّناتِ المذهبِ المالكي، وبينوا معناه.
فعرَّفه القاضي ابنُ فرحون بأنَّه: عبارةٌ عمَّا تدلُّ أصولُ المذهب على وجودِه، ولم ينصّوا عليه
(3)
.
وعرَّفَه عبدُ الله العلوي بأنَّه: عبارةٌ عن إلحاقِ ما سَكَتَ عنه الإمامُ بنظيرِ ما نصَّ على حكمِه
(4)
.
(1)
الأشباه والنظائر (ص/ 108).
(2)
غمز عيون البصائر (1/ 301).
(3)
كشف النقاب الحاجب (ص/99).
(4)
انظر: مراقي السعود (2/ 594)، مع شرحها نثر الورود.
وقد وافقَ عبدَ الله العلوي في تعريفِه: محمدٌ الأمين الجكني
(1)
، ومحمدٌ الأمين الشنقيطي
(2)
.
وعرَّفَ الدكتورُ محمد رياض التخريجَ: بأنْ ينظرَ مجتهدُ المذهبِ في مسألةٍ غيرِ منصوصٍ عليها، فيقسَها على مسألةٍ منصوصٍ عليها في المذهبِ، مع مراعاةِ ضوابطِ التخريجِ مِنْ علةٍ وغيرِها
(3)
.
ومع كونِ التعريفِ الذي أورده الدكتورُ محمدٌ رياض قاصرٌ على صورةٍ واحدةٍ للتخريجِ، إلا أنَّه حين ذَكَرَ أنواعَ التخريجِ ذَكَرَ منها: أنْ يُستخرجَ حكمُ المسكوتِ عنه مِنْ دخولِه تحتَ عمومٍ ذَكَرَه إمامُ المذهبِ، أو دخولِه تحتَ قاعدةٍ قررها
(4)
.
وما ذكره غيرُ داخلٍ في تعريفِه!
وقد بيَّن القاضي ابنُ فرحون أنواعَ التخريجِ عند المالكيةِ، فَذَكَرَ ثلاثةَ أنواعٍ:
النوع الأول: استخراجُ حكمِ مسألةٍ ليس فيها حكمٌ منصوصٌ عن إمامِ المذهبِ مِنْ مسألةٍ منصوصةٍ.
النوع الثاني: أنْ يكونَ في المسألةِ حكمٌ منصوصٌ عن إمامِ المذهبِ، فيُخرَّج فيها مِنْ مسألةٍ أخرى قولٌ له بخلافِه.
(1)
انظر: مراقي السعود إلى مراقي السعود (ص/ 415). ومحمد الأمين الجكني هو: محمد الأمين بن أحمد زيدان بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي، ولد ببادية موريتانيا سنة 1229 هـ تقريبًا، طلب العلم في قطره، وبلغ فيه مبلغًا كبيرًا، وطار ذكره في بلاده، وأقبل إليه طلاب العلم، كان علامة فقهيًا أصوليًا زاهدًا ورعًا مجتهدًا في العبادة، من مؤلفاته: منظومة في آداب التلاوة، والمنهج إلى المنهج إلى أصول المذهب المبرج، ومراقي السعود إلى مراقي السعود، ورسالة في النكاح، توفي سنة 1325 هـ. انظر ترجمته في: مقدمة محقق كتاب مراقي السعود إلى مراقي السعود (ص/ 16)، ومقدمة محقق المنهج إلى المنهج إلى أصول المذهب المبرج (ص/ 7).
(2)
انظر: نثر الورود (ص/ 594).
(3)
أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي (ص/577).
(4)
انظر: المصدر السابق.
النوع الثالث: أنْ يُوجدَ النصُّ في مسألةٍ على حكمٍ، ويُوجد نصُّ في مثلِها على ضدِّ ذلك الحكمِ، ولا يُوجد فارقٌ بينهما، ينقلون النصَّ مِن إحدى المسألتين، ويخرِّجونه في الأخرى؛ فيكون لإمامِ المذهبِ في كلِّ واحدةٍ منهما: قولٌ منصوصٌ، وقولٌ مخرَّجٌ
(1)
.
ووافقَ إبراهيمُ اللقاني ابنَ فرحون في الأنواعِ الثلاثةِ التي ذَكَرَها
(2)
.
ومِنْ خلالِ تأمّلِ الأنواعِ الثلاثةِ يتبيَّن الآتي:
أولًا: أنَّ تعريفَ ابنِ فرحون غيرُ متلائمٍ مع الأنواعِ التي ذَكَرَها؛ إذ التعريفُ مقصورٌ على الفرعِ الذي لم يُنصَّ على حكمِه، بتخريجِه على أصولِ المذهبِ، وفي أنواع التخريج التي أوردها تخريجُ فروع نصَّ الإمامُ على حكمِها.
ثانيًا: أن تعريفَ عبدِ الله العلوي - ومَنْ تبعه - وتعريفَ الدكتورِ محمد رياض، غيرُ جامعين لأنواعِ التخريجِ في المذهبِ المالكي.
ثالثًا: سعةُ مصطلحِ: (التخريج) عن المالكية.
أمثلة التخريج عند المالكية:
أولًا: أمثلة النوع الأول: (استخراجُ حكمِ مسألةٍ ليس فيها حكمٌ منصوصٌ عن إمامِ المذهبِ مِنْ مسألةٍ منصوصةٍ).
المثال الأول: يقولُ الحطّابُ في مسألةِ: (حكم السجود على اليدين): "إنَّ في وجوب السجودِ على اليدين قولينِ مخرَّجينِ على قولينِ ذكرَهما بعضُ المالكَيةِ في بطلانِ صلاةِ مَنْ لم يرفعْ رأسَه ويديه مِن السجدتين، فعلى القولِ بالبطلانِ يكون السجودُ عليهما واجبًا؛ وإلا فلا"
(3)
.
(1)
انظر: كشف النقاب الحاجب (ص/ 104 - 105).
(2)
انظر: منار أصول الفتوى (ص/ 280).
(3)
مواهب الجليل (1/ 521)، بتصرفٍ يسير.
المثال الثاني: قول الجلابُ المتقدّم في الفرعِ الأولِ.
ثانيًا: أمثلة النوع الثاني: (أنْ يكونَ في المسألةِ حكمٌ منصوصٌ عن إمامِ المذهبِ، فيُخرَّج فيها مِنْ مسألةٍ أخرى قولٌ له بخلافِه).
المثال الأول: يقولُ ابنُ الحاجب: "الجسدُ في النضحِ كالثوبِ على الأصحِّ، وفيها - أيْ: في المدونة -: "وَلا يَغْسِل أنثييه من المذي، إلا أنْ يخشى إصابتهما"، فأَخَذَ منه الغسل"
(1)
.
قالَ خليلٌ في شرحِه: "أي: أنَّ الأصحَّ في الجسدِ أنَّه كالثوب
…
ومقابل الأصحّ: أنَّ الجسدَ يُغْسَلُ؛ لعدمِ فسادِه، واستُقرِئ مِن (المدوَنةِ)، مِنْ قولِه:"ولا يغسلُ أنثييه من المذي، إلا أنْ يخشى إصابتهما"، فإنَّ ظاهرَه: أنهَّ إذا خَشِيَ، يغسلُهما"
(2)
.
المثال الثاني: جاءَ في: (المدونة) النصُّ في البيوعِ الفاسدةِ على مَنْعِ جمعِ الرَجُلين سلعتيهما في البيعِ
(3)
، يقولُ ابن فرحون:"ويتخرَّجُ مِن الشفعةِ، ومِنْ كتابِ التجارةِ إلى أرضِ الحربِ: الجوازُ"
(4)
.
ثالثًا: مثال النوع الثالث: (أنْ يُوجدَ النصُّ في مسألةٍ على حكمٍ، ويُوجدَ نصٌّ في مثلِها على ضدِّ ذلك الحكم، ولا يوجد فارقٌ بينهما، وإنقل النصُّ مِنْ إحدى المسألتين، ويخرِّج في الأَخرى):
يقولُ ابن الحاجب: "ويستترُ العُرْيان - أي: في الصلاة - بالنجسِ وبالحريرِ، ونصَّ ابن القاسم، وأشهب في الحرير: يصلي عريانًا.
فإن اجتمعا: فالمشهور لابنِ القاسم: بالحريرِ، وأصبغ
(5)
: بالنجسِ.
(1)
جامع الأمهات (ص/ 39).
(2)
التوضيح (ص / 148 - 149).
(3)
انظر: المدونة (3/ 189).
(4)
كشف النقاب الحاجب (ص/ 105).
(5)
هو: أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع المصري، أبو عبد الله، ولد بعد 150 هـ من موالي عبد العزيز بن مروان، كان إمامًا ثقةً فقيهًا أصوليًا محدثًا، من أعيان المالكية، ومفتي الديار المصرية، طلب العلم وهو شاب، ففاته الأخذ عن مالك والليث، وقد رحل إلى المدينة؛ ليسمع من الإمام مالك، فدخلها يوم مات، فأخذ عن: ابن وهب وابن القاسم وأشهب، كان =
فخرَّج - في الجميعِ -: قولانِ"
(1)
.
ثالثًا: التخريجُ عند الشافعية:
وَرَدَ مصطلحُ: (التخريج) عند علماءِ الشافعيةِ، يقولُ تقي الدّين السبكي:"قد يؤخذ - أي: الحُكم - مِنْ نصٍّ معيَّن في مسألةٍ معينةٍ، فيخرّجُ منها إلى مثلِها المساوية لها مِنْ غيرِ فرقٍ، ولا نصّ يعارضُه، وهذا أقوى ما يكون مِن التخريجِ"
(2)
.
وقد بيَّنَ بدرُ الدينِ الزركشيُّ المرادَ بالقولِ المخرَّجِ، بأنَّه إذا لم يُعرفْ للمجتهدِ قولٌ في المسألةِ، لكنْ له قولٌ في نظيرِها، ولم يُعلمْ بينهما فرقٌ، فهو قولُه المخرَّجُ فيها
(3)
.
وعرَّفَ علوي السقاف
(4)
التخريجَ بـ: أنْ ينقلَ فقهاءُ المذهبِ الحكمَ
= عارفًا بأقوال مالك، من مؤلفاته: كتاب في الأصول، وتفسير غريب الموطأ، وآداب القضاء، توفي بمصر سنة 225 هـ. انظر ترجمته في: المعرفة والتاريخ للفسوي (1/ 207)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (2/ 321)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (1/ 217)، وترتيب المدارك للقاضي عياض (4/ 17)، وتهذيب الكمال للمزي (3/ 304)، وسير أعلام النبلاء (10/ 656)، والمقفى الكبير للمقريزي (2/ 214)، والديباج المذهب لابن فرحون (1/ 299)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/ 66).
(1)
جامع الأمهات (ص/ 90). وقد نقل الونشريسي في: المعيار المعرب (1/ 187) عن بعض المالكية توضيحًا لهذه المسألة، فذكر ما ملخصه: العريان إذا لم يجد إلا ثوبًا نجسًا استتر به للصلاة، هذا هو المنصوص، ومقابله قولٌ مخرّج يصلي عريانا أخذًا من القول: إنْ وجد العريان ثوب الحرير خاصة يصلي عريانًا.
وإذا وجد العريان ثوب الحرير خاصة، فالمنصوص: يصلي عريانًا، ومقابله أنه يصلي بالحرير، وهو مخرج من التي قبلها.
(2)
قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص/ 411).
(3)
البحر المحيط (6/ 127).
(4)
هو: علوي بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف، ولد بمكة سنة 1255 هـ من أعيان علماء الشافعية في وقته، كان فقيهًا وأديبًا، ولي نقابة العلويين بمكة، سافر إلى الحج سنة 1311 هـ وانتفع به الطلاب هناك، وأقام بها إلى سنة 1327 هـ ثم رجع إلى مكة، وبقي بها إلى أن توفي، من مؤلفاته: الفوائد المكية فيما يحتاجه طلبة الشافعية، ومختصر الفوائد المكية، وفتح=
مِنْ نصِّ إمامِهم في صورةٍ، إلى صورةٍ مشابهةٍ
(1)
.
وظاهرٌ مِنْ كلامِهما أنَّ التخريجَ بمعنى القياسِ على الفرعِ المنصوصِ، فهما متفقانِ في الحقيقةِ.
أمَّا ابنُ الصلاحِ - وهو متقدمٌ على الزركشي والسقاف - فَجَعَلَ التخريجَ على صورتين:
الصورة الأولى: أنْ يُنقلَ حكمُ الفرعِ الذي نصَّ عليه إمامُ المذهبِ، إلى فرعٍ مشابهٍ له لم ينصَّ على حكمِه
(2)
.
ويتفقُ الزركشيُّ والسقافُ مع ابنِ الصلاحِ في هذه الصورةِ.
الصورة الثانية: أنْ يُخرَّجَ في فرعٍ نصَّ إمامُ المذهب على حكمِه قولٌ بخلافِه، مِنْ نصّ آخرَ له في فرعٍ مشابهٍ للأولِ
(3)
.
وتبعَ ابنَ الصلاحِ على هذا المعنى جمعٌ من الشافعيةِ، منهم: محيي الدين النووي
(4)
، وابنُ حجرٍ الهيتمي
(5)
، والخطيبُ الشربيني
(6)
.
= العلام بأحكام السلام، والقول الجامع النجيح في أحكام صلاة التسابيح، توفي بمكة سنة 1335 هـ. انظر ترجمته في: الأعلام للزركلي (4/ 249)، ومعجم المؤلفين لكحالة (2/ 385).
(1)
الفوائد المكية (ص/ 42 - 43).
(2)
انظر: أدب المفتي والمستفتي (ص/ 97).
(3)
انظر: المصدر السابق.
(4)
انظر: المجموع شرح المهذب (1/ 43 - 44).
(5)
انظر: تحفة المحتاج (1/ 53).
(6)
انظر: مغني المحتاج (1/ 12). والخطيب الشربيني هو: محمد بن أحمد الشربيني، الخطيب شمس الدين، من أهل القاهرة، وأحد فقهاء المذهب الشافعي، ومن المعروفين بتفسير كتاب الله، كان علامة فقيهًا إمامًا في العلم، زاهدًا ورعًا، كثير العبادة، درَّس وأفتى في حياة أشياخه، وانتفع به خلق كثيرون، واتفق أهل مصر على صلاحه، من مؤلفاته: مغني المحتاج في شرح المنهاج، والسراج المنير، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع، توفي سنة 977 هـ. انظر ترجمته في: الكواكب السائرة للغزي (3/ 79)، وشذرات الذهب لابن العماد (10/ 561)، والأعلام للزركلي (6/ 6)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 69).
واصطلحَ بعضُ العلماءِ - ومنهم بعضُ الشافعيةِ كما سيأتي بعد قليلٍ - على تسميةِ الصورةِ الثانية التي ذكرها ابنُ الصلاح، ومنْ تبعَه بالنقلِ والتخريجِ.
الفرقُ بين مصطلح: (الوجه)، ومصطلح:(القول المخرَّج) عند الشافعية:
ذَكَرَ بدرُ الدين الزركشيُّ الفرقَ بين مصطلح: (الوجه)، ومصطلح:(القول المخرَّج)، مِنْ جهةِ: أنَّ الوجهَ مخرَّجٌ مِن قواعد عامةِ في المذهبِ، أمَّا القولُ المخرج، فإنه مخرَّج مِنْ صورةٍ خاصةٍ
(1)
.
أمثلة التخريج عند الشافعية:
لنْ أذكرَ أمثلةً للصورةِ الثانيةِ الذي ذكرها ابنُ الصلاح للتخريجِ (النقل والتخريج)؛ لأنَّني سأتحدث عنه في فرعٍ مستقلٍّ؛ وسأكتفي بالتمثيل للصورة الأولى:
المثال الأول: يقولُ ابنُ القاصِّ: "كذلك لو أَمَرَ رجلًا فيممه - أيْ: لا يصح تيممه - قلتُه تخريجًا"
(2)
.
يقولُ محيي الدين النووي معلقًا على قولِ ابنِ القاصِّ: "وهذه المسألةُ خرّجها مِن التي بعدها، وهي مسألةُ: الرِّيحِ"
(3)
.
المثال الثاني: نَقَلَ محيي الدين النوويُّ عن بعضِ الشافعيةِ قولَه: "إذا أُغْمِيَ عليه - أي: على المعتكفِ - في الاعتكافِ، فإنْ لم يخرجْ مِن المسجدِ، فأفاقَ: فاعتكافُه باقٍ لا يبطلُ
…
والمذهبُ أنَّ زمانَ الإغماءِ محسوبٌ مِن الاعتكافِ
…
وفيه وجهٌ: أنَّه لا يُحسبُ ذلك الزمان عن
(1)
انظر: البحر المحيط (6/ 128).
(2)
التلخيص (ص/106).
(3)
المجموع شرح المهذب (2/ 235). وذكر ابن القاص في: التلخيص (ص / 106) مسألةَ الريح، فقال: "وكذلك لو وقف على وجه الريح حتى سفت على وجهه التراب، فمسح بيديه على وجهه لم يجز
…
قاله نصًا".
الاعتكافِ؛ تخريجًا مِنْ قولِنا في الصائمِ إذا أُغْمِيَ عليه: يبطلُ"
(1)
.
رابعًا: التخريج عند الحنابلة:
وَرَدَ مصطلحُ: (التخريج) في كتبِ الحنابلةِ، وقد عرّفه طائفةٌ منهم، مِنْ هؤلاءِ:
التعريف الأول: عرَّفَ شمسُ الدينِ البعليّ مصطلح: (التخريجَ) بقولِه: "إذا أفتى المجتهدُ في مسألتينِ متشابهتينِ بحكمينِ مختلفينِ، في وقتينِ، نُقِلَ حُكمُ كلِّ واحدةٍ منها إلى الأخرى"
(2)
.
وتَبعَ البعليَّ في تعريفه: منصورٌ البهوتي
(3)
، لكنه جَعَلَ التخريجَ مِنْ إحدى المسألتين فقط، فقالَ:"التخريجُ: نقلُ حُكمِ إحدى المسألتين المتشابهتين إلى الأخرى، ما لم يُفرِّقْ، أو يقرُب الزمنُ"
(4)
.
واصطلحَ بعضُ علماءِ الحنابلةِ على تسميةِ ما ذكره شمسُ الدين البعلي بالنقلِ والتخريج، وسيأتي في الفرعِ القادمِ بيانُه.
التعريف الثاني: نقلُ حكمِ مسألةٍ إلى ما يشبهها، والتسويةُ بينهما فيه.
وهذا تعريفُ تقيِّ الدين بنِ تيمية
(5)
.
(1)
المجموع شرح المهذب (6/ 517).
(2)
المطلع على أبواب المقنع (ص/ 461).
(3)
هو: منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن البهوتي المصري، أبو السعادات، ولد سنة 1000 هـ من أعيان الحنابلة المتأخرين، وشيخ الحنابلة بمصر، كان علامةً عالمًا فقيهًا أصوليًا عاملًا ورعًا، متبحرًا في العلوم، صارفًا أوقاته في تحرير المسائل الفقهية، وقد انتهت إليه رئاسة الإفتاء والتدريس، ورحل الناس إليه من الآفاق لأخذ مذهب الإمام أحمد عنه، قال عنه ابن حميد:"وبالجملة، فهو مؤيد المذهب ومحرره، وموطد قواعده ومقرره، والمعول عليه، والمتكفل بإيضاح خافيه، جزاه الله أحسن الجزاء"، من مؤلفاته: كشاف القناع عن الإقناع، والروض المربع شرح زاد المستنقع، وشرح منتهى الإرادات، وعمدة الطالب لنيل المآرب، توفي بصر سنة 1051 هـ. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للمحبي (4/ 414)، والنعت الأكمل للغزي (ص/ 210)، وعنوان المجد لابن بشر (2/ 224)، والسحب الوابلة لابن حميد (3/ 1131)، والأعلام للزركلي (7/ 307).
(4)
شرح منتهى الإرادات (1/ 15).
(5)
انظر: المسودة (2/ 948).
وتَبعَ تقيَّ الدين جمعٌ من الحنابلةِ، منهم: المرداويُّ
(1)
، وابنُ النجار
(2)
، ومحمدٌ السفاريني
(3)
.
ويشملُ التعريفُ صورةَ الفرعِ الذي لم يَرِدْ بشأنِه نصٌّ إمامِ المذهبِ، فيحلق بما يشبهه، وصورةَ الفرعِ الذي نصَّ إمامُ المذهب على حكمِه، فيلحقُ بما يشبهُه مِن الفروعِ التي تحالفُه في الحكم.
التعريف الثالث: بيانُ حكمِ الفرعِ بإدراجِه تحتَ القواعدِ الكليةِ للإمامِ المذهب، أو الشرعِ، أو العقل.
وهذا تعريفُ الطوفي
(4)
، ولم يذكر التخريجَ مِن نصوصِ الإمامِ.
وقد مثَّل له بقولِ القائلِ: لا يصحُّ التيممُ لفرضٍ قبلَ وقتِه، ولا لنفلٍ في وقتِ المنعِ منه، ويبطلُ التيممُ بخروجِ الوقتِ، ولا يصلي به حتى يجدد
(5)
، ويتخرَّجُ ذلك كله بناءً على أنَّ التيممَ يرفعُ الحدثَ، وهو قاعدةٌ مِنْ قواعد التيممِ
(6)
.
وما ذكره مُتعقَّبٌ؛ فما وَرَدَ في عباراتِ علماءِ الحنابلةِ المتقدمةِ آنفًا، وما أوردوه في مصنفاتِهم تخدش ما قرره الطوفي.
أمثلة التخريج عند الحنابلة:
لنْ أذكرَ أمثلةً للتخريجِ بالمعنى الذي ذكره شمسُ الدينِ البعلي (النقل والتخريج)؛ لأنَّني سأتحدثُ عنه في فرعٍ مستقلٍّ، وسأُمثل للتخريجِ بالمعنى الذي ذكره تقيُّ الدّينِ بنُ تيميةَ، والبهوتيُّ:
المثال الأول: يقولُ الحافظ ابنُ رجبٍ تحت قاعدة: (مَنْ عليه فرضٌ، هل له أنْ يَتَنَفَّلَ قبلَ أدائِه بجنسِه؟ ): "إذا تصرَّفَ بها - أي: التصرفات
(1)
انظر: الإنصاف (1/ 6)، و (12/ 257).
(2)
انظر: معونة أولي النهى (9/ 585).
(3)
انظر: غذاء الألباب (1/ 39).
(4)
انظر: شرح مختصر الروضة (3/ 644).
(5)
وقع في المطبوع من المصدر السابق: "يحدث"، وهو تصحيف.
(6)
انظر: المصدر السابق.
المالية، كالعتقِ والوقفِ والصدقةِ - وعليه دَيْنٌ، ولم يكنْ حُجِرَ عليه: فالمذهب: صحةُ تَصرّفِه، وإن استغرقَ مالَه في ذلك.
واختار الشيخُ تقيُّ الدين رحمه الله أنَّه لا ينفذُ شيءٌ مِنْ ذلك مع مطالبةِ الغرماءِ .. .
ويمكنُ تخريجُه في المذهبِ مِنْ أصلين:
أحدهما: ما نصَّ عليه أحمدُ رحمه الله في روايةِ حنبلٍ، فيمَنْ تبرعَّ بمالِه بوقفٍ أو صدقةٍ، وأبواه محتاجان: أنَّ لهما رَدَّه
…
والثاني: أنَّه نصَّ في روايةٍ أخرى على أن مَنْ أوصى لأجانب، وله أقارب محتاجون أنَّ الوصيةَ تُرَدُّ عليهم.
فتخرَّج مِنْ ذلك أن مَنْ تبرّعَ، وعليه نفقةٌ واجبةٌ لوارثٍ، أو دينٌ ليس له وفاء: أنَّه يُرَدّ"
(1)
.
المثال الثاني: يقولُ ابنُ مفلحٍ: "مَن ائتمَّ بمقيمٍ
…
أَتَمَّ
…
ويتوجّه تخريجٌ مِنْ صلاةِ الخوفِ: يقصرُ مطلقًا"
(2)
.
المثال الثالث: يقولُ ابنُ مفلحٍ - أيضًا -: "لو أَرادَ وطأها - أيْ: وطء زوجتِه - فادَّعتْ حيضًا، وأمكن: قُبِلَ، نصَّ عليه
…
ويتوجّه تخريجٌ مِن الطلاقِ"
(3)
.
وقد علَّق ابنُ قندس
(4)
على تخريجِ ابنِ مفلحٍ قائلًا: "أي: إذا علَّق
(1)
تقرير القواعد (1/ 69 - 71).
(2)
الفروع (3/ 90).
(3)
المصدر السابق (1/ 356).
(4)
هو: أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف البعلي، ثم الدمشقي الصالحي، تقي الدين أبو الصدق، المعروف بابن قُنْدُس، ولد ببعلبك قريبًا من سنة 809 هـ ونشأ بها، كان شيخ الحنابلة في زمانه، وإمامهم، ومفتيهم، وقد لزم الإقبال على العلوم حتى تفنن وصار متبحرًا في الفقه وأصوله، والتفسير والحديث، والعربية، والمنطق، والمعاني والبيان، مع الذكاء المفرط، واستقامة الفهم، وقوة الحفظ، والفصاحة والطلاقة، والزهد، من مؤلفاته: حاشية على كتاب الفروع لابن مفلح، وحاشية على المحرر للمجد بن تيمية، توفي بدمشق سنة 861 هـ، وقيل: =