الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما أروى وإن كرمت علينا
…
بأدنى من موقّفة «1» حرون
أروى: اسم امرأة. والموقّفة الحرون من الوحش: أروى، وبها سميت المرأة فلم يمكنه أن يأتى باسمها فأنى بصفتها، وقد صرح بذلك المعرّى فى قوله:
أروى النّياق كأروى النّيق «2» يعصمها
…
ضرب يظلّ له السّرحان مبهوتا
وبعضهم لا يدخل هذا فى باب التجنيس. قال: وإنما يحسن التجنيس إذا قلّ، وأتى فى الكلام عفوا من غير كدّ «3» ولا استكراه، ولا بعد ولا ميل إلى جانب الرّكّة ولا يكون كقول الأعشى:
وقد غدوت إلى الحانوت يتبعنى
…
شاو «4» مشلّ شلول شلشل شول
ولا كقول مسلم بن الوليد:
سلّت وسلّت ثم سلّ سليلها
…
فأتى سليل سليلها مسلولا
ولا كقول المتنبىّ:
فقلقلت بالهمّ الذى قلقل الحشا
…
قلاقل عيش كلّهن قلاقل.
وأما الطّباق
- قال: المطابقة أن تجمع بين ضدّين مختلفين، كالإيراد والإصدار والليل والنهار، والسواد والبياض؛ قال الأخفش وقد سئل عنه: أجد قوما يختلفون
فيه، فطائفة- وهم الأكثر- يزعمون أنه الشىء وضدّه، وطائفة تزعم أنه اشتراك المعنيين فى لفظ واحد، كقول زياد الأعجم:
ونبّئتهم يستنصرون بكاهل
…
وللّؤم فيهم كاهل وسنام
ثم قال: وهذا هو التجنيس بعينه، ومن ادعى أنه طباق فقد خالف الأصمعىّ والخليل، فقيل له: أو كانا يعرفان ذلك؟ فقال: سبحان الله! وهل أعلم منهما بالشعر وتمييز خبيثه من طيّبه؟. ويسمونه المطابقة والطّباق والتضادّ والتكافؤ وهو أن تجمع بين المتضادّين مع مراعاة التقابل، فلا تجىء باسم مع فعل ولا بفعل مع اسم، مثاله قوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً
وقوله تعالى: وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ
وقوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ
وقوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ
إلى قوله:
بِغَيْرِ حِسابٍ*
وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار: «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع» ومن النظم قول جرير:
وباسط خير فيكم بيمينه
…
وقابض شرّ عنكم بشماليا
وقول البحترىّ:
وأمّة كان قبح الجور يسخطها
…
حينا فأصبح حسن العدل يرضيها
وقوله أيضا:
تبسّم وقطوب فى ندى ووغى
…
كالبرق والرعد وسط العارض البرد
وقول دعبل:
لا تعجبى يا سلم من رجل
…
ضحك المشيب برأسه فبكى
وقول ابن المعتز:
مها الوحش إلا أنّ هاتا أوانس
…
قنا الخطّ إلا أنّ تلك ذوابل
فإنّ هاتا للحاضر، وتلك للغائب، فكانتا متقابلتين؛ وقد تجىء المطابقة بالنفى [والإثبات «1» ] كقول البحترىّ:
تقيّض «2» لى من حيث لا أعلم النوى
…
ويسرى إلىّ الشوق من حيث أعلم.
وقال الزكىّ بن أبى الإصبع المصرىّ فى الطباق: وهو على ضربين: ضرب يأتى بألفاظ الحقيقة، وضرب يأتى بألفاظ المجاز، فما كان بلفظ [الحقيقة «3» ] سمّى طباقا وما كان بلفظ المجاز سمّى تكافؤا، فمثال التكافؤ قول أبى الأشعث العبسىّ من إنشادات قدامة:
حلو الشمائل وهو مرّ باسل
…
يحمى الذّمار صبيحة الإرهاق
لأن «4» قوله: حلو ومرّ خارج مخرج الاستعارة، إذ ليس الإنسان ولا شمائله مما يذاق بحاسّة الذوق.
ومن أمثلة التكافؤ قول ابن رشيق:
وقد أطفأوا شمس النهار وأوقدوا
…
نجوم العوالى فى سماء عجاج
وقد جمع دعبل فى بيته المتقدّم بين الطباق والتكافؤ، وهو:
لا تعجبى يا سلم من رجل
…
ضحك المشيب برأسه فبكى
لأن ضحك المشيب مجاز، وبكاء الشاعر حقيقة.
قال: هكذا قال ابن أبى الإصبع، وفيه نظر، لأنه إذا كان الطباق عنده هو التضادّ من حقيقتين، والتكافؤ التضادّ من مجازين، فليس فى البيت ما شرطه.
قال: ومما جمع بين طباقى السلب والإيجاب قول الفرزدق من إنشادات ابن المعتزّ:
لعن الإله بنى كليب إنّهم
…
لا يغدرون ولا يفون لجار
يستيقظون إلى نهيق حميرهم
…
وتنام أعينهم عن الأوتار.
وذكر فى آخر الباب طباق الترديد، وهو أن يردّ آخر الكلام المطابق إلى أوّله فإن لم يكن الكلام مطابقا فهو ردّ الأعجاز على الصدور، ومثاله قول الأعشى:
لا يرقع الناس ما أوهوا وإن جهدوا
…
طول الحياة ولا يوهون ما رقعوا.
وأما «1» المقابلة
- وهى أعم من الطباق، وذكر بعضهم أنها أخص، وذلك أن تضع معانى تريد الموافقة بينها وبين غيرها أو المخالفة، فتأتى فى الموافق بما وافق، وفى المخالف بما خالف أو تشرط شروطا وتعدّ أحوالا فى أحد المعنيين فيجب أن تأتى فى الثانى بمثل ما شرطت وعددت [فى الأوّل «2» ]، كقوله عز وجل: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى
وقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ
ومثاله من النظم قول الشاعر:
فيا عجبا كيف اتفقنا فناصح
…
وفىّ ومطوىّ على الغلّ غادر!
وقول آخر:
تقاصرن واحلولين لى ثم إنه
…
أتت بعد أيام طوال أمرّت
وقول زهير بن أبى سلمى:
حلماء فى النادى إذا ما جئتهم
…
جهلاء يوم عجاجة ولقاء.
ومن فساد ذلك أن يقابل الشىء بما لا يوافقه ولا يخالفه، كقول أبى عدىّ القرشىّ:
يا ابن خير الأخيار من عبد شمس
…
أنت زين الدنيا وغيث لجود
فليس قوله: غيث لجود موافقا لقوله: زين الدنيا ولا مخالفا له وكقول الكميت:
وقد رأينا بها حورا منعّمة
…
بيضا تكامل فيها الدّلّ والشّنب
فالشنب لا يشاكل الدّلّ.
وقول آخر:
رحماء بذى الصلاح وضرّا
…
بون قدما لهامة الصّنديد.
قال: وقد ذكر بعض أئمة هذا الفن تفصيلا فى المقابلة فقال:
فمن مقابلة اثنين باثنين قوله تعالى: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً
؛ وقول النابغة:
فتى تمّ فيه ما يسرّ صديقه
…
على أنّ فيه ما يسوء الأعاديا؛
ومن مقابلة ثلاثة بثلاثة قول الشاعر «1» :
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
…
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
وقول أبى نواس:
أنا استدعيت عفوك من قريب
…
كما استعفيت سخطك من بعيد؛