الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ميامنها؛ حتى تقرّرت على أجمل قاعدة، وتحرّرت على أكمل فائدة؛ وسنزيد ما قدّمناه من هذه الفصول وضوحا وتبيانا، ونقيم على تفصيل مجملها وبسط مدمجها أدلّة وبرهانا.
[ثم الكتابة «1» بحسب من] يحترفون بها على أقسام:
وهى كتابة الإنشاء، وكتابة الديوان والتصرّف، وكتابة الحكم والشروط، وكتابة النّسخ، وكتابة التعليم؛ ومنهم من عدّ فى الكتابة كتابة الشرط «2» ، ولم نرد ذكرها تنزيها لكتابنا عنها، ولا حكمة فى إيرادها.
ولنبدأ بذكر كتابة الإنشاء وما يتعلّق بها.
ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه من البلاغة والإيجاز والجمع فى المعنى الواحد بين الحقيقة والمجاز؛ والتلعب بالألفاظ والمعانى والتوصّل إلى بلوغ الأغراض والأمانى
ولنبدأ من ذلك بوصف البلاغة وحدّها والفصاحة:
فأما البلاغة
- فهى أن يبلغ الرجل بعبارته كنه ما فى نفسه. ولا يسمّى البليغ بليغا إلا إذا جمع المعنى الكثير فى اللفظ القليل، وهو المسمّى إيجازا.
وينقسم الإيجاز إلى قسمين: إيجاز حذف، وهو أن يحذف شىء من الكلام وتدلّ عليه القرينة، كقوله تعالى:(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها)
والمراد أهل القرية وكقوله تعالى: (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى)
والمراد ولكن البرّ برّ من اتقى، وكقوله تعالى:
(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا)
والمراد من قومه، وقوله تعالى:(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)
والمراد لا يطيقونه؛ ونظائر هذا وأشباهه كثير.
وإيجاز قصر، وهو تكثير المعنى وتقليل الالفاظ، كقوله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم مما جمع فيه شرائط الرسالة:(فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)
وسمع أعرابىّ رجلا يتلوها فسجد وقال: سجدت لفصاحته، ذكره أبو عبيد. وقوله تعالى مما جمع فيه مكارم الأخلاق:(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)
وقوله تعالى:
(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)
فجمع فى ثلاث كلمات بين العنوان والكتاب والحاجة؛ وقوله تعالى: (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)
فجمع فى هذا على لسان النملة بين النداء والتنبيه والأمر والنهى «1» والتحذير والتخصيص والعموم والإشارة والإعذار؛ ونظير ذلك ما حكى عن الأصمعىّ أنه سمع جارية تتكلّم فقال لها:
قاتلك الله، ما أفصحك! فقالت: أو يعدّ هذا فصاحة بعد قول الله تعالى:
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
فجمع فى آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
ولما سمع الوليد بن المغيرة من النبى صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
قال: والله إنّ له لحلاوة «2» ، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق «3» ، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر.