الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنا جرّأتك علىّ باحتمالك، فإن كنت للذنب متعمّدا فقد شاركتك فيه، وإن كنت مغلوبا فالعفو يسعك؛ فقال له صاحب مرو: عظم ذنبى يمنع قلبى من الهدوء؛ فقال ابو مسلم: يا عجبا، أقابلك بإحسان وأنت تسىء، ثم أقابلك بإساءة وأنت تحسن! فقال صاحب مرو: الآن وثقت بعفوك.
ومن كلام جماعة من أمراء الدولتين
خطب يوسف بن عمر فقال: اتقوا الله عباد الله، فكم من مؤمّل أملا لا يبلغه، وجامع مالا لا يأكله، ومانع ما سوف يتركه؛ ولعلّه من باطل جمعه، ومن حقّ منعه؛ أصابه حراما، وورّثه عدوّا؛ واحتمل إصره، وباء بوزره، وورد على ربّه آسفا لاهفا «خسر الدّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين» .
وقام خالد بن عبد الله القسرىّ «1» على المنبر خطيبا،
فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على النبى صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس، نافسوا فى المكارم، وسارعوا الى المغانم، واشتروا الحمد بالجود، ولا تكسبوا بالمطل ذمّا، ولا تعتدّوا «2» بالمعروف ما لم تعجّلوه، ومهما يكن لأحدكم عند أحد نعمة فلم يبلغ شكرها فالله أحسن لها جزاء، وأجزل عليها عطاء؛ واعلموا أنّ حوائج الناس إليكم نعمة من الله عليكم؛ فلا تملّوا النعم فتحوّل نقما؛ واعلموا أنّ أفضل المال ما أكسب أجرا، وأورث ذكرا؛ ولو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسرّ الناظرين، ولو رأيتم البخل رجلا رأيتموه مشوّها قبيحا، تنفر عنه القلوب، وتغضّ عنه الأبصار؛ أيها الناس، إنّ أجود الناس من أعطى من لا يرجوه، وأعظم الناس عفوا من عفا عن
قدرة، وأوصل الناس من وصل من قطعه، ومن لم يطب حرثه لم يزك نبته؛ والأصول عن مغارسها تنمو، وبأصولها تسمو؛ أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم.
قيل لما ولى أبو بكر بن عبد الله «1» المدينة وطال مكثه عليها
كان يبلغه عن قوم من أهلها أنهم ينالون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسعاف من آخرين لهم على ذلك، فأمر أهل البيوتات ووجوه الناس فى يوم جمعة أن يقربوا من المنبر، فلما فرغ من خطبة الجمعة قال: أيها الناس، إنى قائل قولا، فمن وعاه وأدّاه فعلى الله جزاؤه، ومن لم يعه فلا يعدو «2» من ذمامها، إن قصرتم عن تفصيله «3» ، فلن تعجزوا عن تحصيله، فأرعوه أبصاركم، وأوعوه أسماعكم، وأشعروه قلوبكم؛ فالموعظة حياة، والمؤمنون إخوة «وعلى الله قصد السّبيل» «ولو شاء لهداكم أجمعين» فأتوا الهدى تهتدوا، واجتنبوا الغى ترشدوا، «وتوبوا إلى الله جميعا أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون» والله جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، أمركم بالجماعة ورضيها لكم، ونهاكم عن الفرقة وسخطها منكم، ف «اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها» جعلنا الله وإيّاكم ممّن تبع رضوانه، وتجنب سخطه، فإنما نحن به وله؛ وإنّ الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالدّين، واختاره على العالمين، واختار له أصحابا على
الحقّ، ووزراء دون الخلق، اختصّهم به، وانتخبهم له، فصدّقوه ونصروه، وعزّروه ووقّروه، فلم يقدموا إلّا بأمره، ولم يحجموا إلّا عن رأيه، وكانوا أعوانه بعهده، وخلفاءه من بعده، فوصفهم فأحسن صفتهم، وذكرهم فأثنى عليهم، فقال- وقوله الحقّ-: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
الى قوله: مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً*
فمن غاظوه «1» كفر وخاب، وفجر وخسر، وقال الله عز وجل: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً
الى قوله: رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ
فمن خالف شريطة الله عليه لهم، وأمره إيّاه فيهم، فلا حقّ له فى الفىء، ولا سهم له فى الإسلام فى آى كثيرة من القرآن؛ فمرقت مارقة من الدّين، وفارقوا المسلمين، وجعلوهم عضين «2» ؛ وتشعّبوا أحزابا، أشابات وأوشابا «3» ؛ فخالفوا كتاب الله فيهم، وثناءه عليهم، وآذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ*
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ
؛ ما لى أرى عيونا خزرا «4» ، ورقابا صعرا، وبطونا بجرا «5» ؟ شجى لا يسيغه الماء، وداء لا يشرب فيه الدواء؛ أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ
كلّا والله، بل هو
الهناء «1» والطّلاء حتى يظهر العذر «2» ، ويبوح السرّ، ويضح الغيب، ويسوّس «3» الجنب؛ فإنكم لم تخلقوا عبثا، ولم تتركوا سدى؛ ويحكم، إنى لست أتاويّا «4» أعلم، ولا بدويّا أفهّم؛ قد حلبتكم أشطرا، وقلبتكم أبطنا وأظهرا؛ فعرفت أنحاءكم وأهواءكم، وعلمت أنّ قوما أظهروا الإسلام بألسنتهم، وأسرّوا الكفر فى قلوبهم، فضربوا بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ببعض «5» ] ، وولّدوا الروايات فيهم، وضربوا الأمثال، ووجدوا على ذلك من أهل الجهل من أبنائهم أعوانا يأذنون لهم، ويصغون إليهم؛ مهلا مهلا قبل وقوع القوارع، وطول الروائع، هذا لهذا ومع هذا «6» ، فلست أعتنش «7» آئبا ولا تائبا، عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ
فأسروا خيرا وأظهروه، واجهروا به وأخلصوا، فطالما مشيتم القهقرى ناكصين، وليعلم من أدبر وأصرّ أنها موعظة بين يدى نقمة؛ ولست أدعوكم الى أهواء تتبع، ولا الى رأى يبتدع؛ إنما أدعوكم إلى الطريقة المثلى، التى فيها خير الآخرة والأولى؛ فمن أجاب فإلى رشده، ومن عمى فعن قصده؛ فهلمّ إلى الشرائع الجدائع «8» ، ولا تولّوا عن سبيل المؤمنين، ولا تستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير،