المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌منهم ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٧

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌الباب الرابع عشر من القسم الخامس من الفن الثانى فى الكتابة وما تفرّع من أصناف الكتّاب

- ‌ولنبدأ باشتقاق الكتابة

- ‌وأما شرفها

- ‌وأمّا فوائدها:

- ‌ومنها رقم الأحاديث المرويّة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ومنها حفظ الحقوق، ومنع تمرّد ذوى العقوق

- ‌ومنها المكاتبة بين الناس بحوائجهم من المسافات البعيدة

- ‌ومنها ضبط أحوال الناس

- ‌ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه من البلاغة والإيجاز والجمع فى المعنى الواحد بين الحقيقة والمجاز؛ والتلعب بالألفاظ والمعانى والتوصّل إلى بلوغ الأغراض والأمانى

- ‌ولنبدأ من ذلك بوصف البلاغة وحدّها والفصاحة:

- ‌فأما البلاغة

- ‌وأما الفصاحة

- ‌ذكر صفة البلاغة

- ‌ومن أمثالهم فى البلاغة

- ‌فصول من البلاغة

- ‌جمل من بلاغات العجم وحكمها

- ‌وأما ما ينبغى للكاتب أن يأخذ به نفسه

- ‌وأما ما قيل فى حسن الخطّ وجودة الكتابة ومدح الكتّاب والكتاب

- ‌ذكر شىء مما قيل فى آلات الكتابة

- ‌ذكر شىء مما قيل فى القلم

- ‌ ذكر ما يحتاج الكاتب الى معرفته من الأمور الكلية [من كتاب حسن التوسل]

- ‌فأوّل ما يبدأ به من ذلك حفظ كتاب الله تعالى

- ‌ويتلو ذلك الاستكثار من حفظ الأحاديث النبوية- صلوات الله وسلامه على قائلها

- ‌ويتلو ذلك قراءة ما يتفق من كتب النحو

- ‌ويتصل بذلك حفظ خطب البلغاء من الصحابة وغيرهم

- ‌ثم النظر فى أيام العرب ووقائعهم وحروبهم

- ‌ثم النظر فى التواريخ ومعرفة أخبار الدول

- ‌ثم حفظ أشعار العرب ومطالعة شروحها

- ‌وكذلك حفظ جانب جيّد من شعر المحدثين

- ‌وكذلك النظر فى رسائل المتقدّمتين دون حفظها

- ‌وكذلك النّظر فى كتب الأمثال الواردة عن العرب نظما ونثرا

- ‌وكذلك النّظر فى الأحكام السّلطانيّة

- ‌قال: وأمّا الأمور الخاصّة التى تزيد معرفتها قدره، ويزين العلم بها نظمه ونثره

- ‌فأمّا علوم المعانى والبيان والبديع

- ‌أما الفصاحة والبلاغة

- ‌وأما الحقيقة والمجاز

- ‌وأما التشبيه

- ‌ومن المتأخرين من ذكر فى التشبيه سبعة أنواع:

- ‌الأوّل التشبيه المطلق

- ‌الثّانى التّشبيه المشروط

- ‌الثالث تشبيه الكناية

- ‌الرابع تشبيه التسوية

- ‌الخامس التشبيه المعكوس

- ‌السادس تشبيه الإضمار

- ‌السابع تشبيه التفضيل

- ‌وأمّا تشبيه شىء بأربعة أشياء

- ‌وأمّا تشبيه شيئين بشيئين

- ‌وأمّا تشبيه ثلاثة بثلاثة

- ‌وأمّا تشبيه أربعة بأربعة

- ‌وأمّا تشبيه خمسة بخمسة

- ‌وأما الاستعارة

- ‌فصل فيما تدخله الاستعارة وما لا تدخله

- ‌فصل فى أقسام الاستعارة

- ‌قال: وهى على نوعين:

- ‌الأوّل أن تعتمد نفس التشبيه

- ‌والثانى أن تعتمد لوازمه عند ما تكون جهة الاشتراك وصفا

- ‌قال: اذا عرف هذا فالنوع الأوّل على أربعة أقسام:

- ‌الأوّل- أن يستعار المحسوس للمحسوس

- ‌الثانى- أن يستعار شىء معقول لشىء معقول

- ‌الرابع- أن يستعار اسم المعقول للمحسوس

- ‌وأما الكناية

- ‌وأما التعريض

- ‌وأما التمثيل

- ‌وأما الخبر وأحكامه

- ‌وأما التقديم والتأخير

- ‌الأوّل الاستفهام

- ‌الثانى فى التقديم والتأخير فى النفى

- ‌الثالث فى التقديم والتأخير فى الخبر المثبت

- ‌فصل فى مواضع التقديم والتأخير

- ‌قال: أما التقديم فيحسن فى مواضع:

- ‌الأول أن تكون الحاجة إلى ذكره أشدّ

- ‌الثانى: أن يكون ذلك أليق بما قبله من الكلام أو بما بعده

- ‌الثالث: أن يكون من الحروف التى لها صدر الكلام

- ‌الرابع: تقديم الكلىّ على جزئياته

- ‌الخامس: تقديم الدليل على المدلول

- ‌الأوّل: تمام الاسم

- ‌الثانى:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع: المضمر

- ‌الخامس: ما يفضى إلى اللّبس

- ‌السادس: العامل الذى هو ضعيف عمله

- ‌وأما الفصل والوصل

- ‌وأما الحذف والإضمار

- ‌فصل فى حذف المبتداء والخبر

- ‌فصل الإضمار على شريطة التفسير

- ‌وأما مباحث إنّ وإنما

- ‌أما إنّ فلها فوائد:

- ‌الأولى أن تربط الجملة الثانية بالأولى

- ‌الثانية: أنك ترى لضمير الشأن والقصة فى الجملة الشرطيّة مع «إنّ» من الحسن واللطف ما لا تراه إذا هى لم تدخل عليها

- ‌الثالثة: أنها تهيّئ النكرة وتصلحها

- ‌الرابعة: أنها قد تغنى عن الخبر

- ‌الخامسة: قال المبرّد: اذا قلت عبد الله قائم، فهو إخبار عن قيامه

- ‌وأما إنما

- ‌فصل إذا دخل ما وإلّا على الجملة المشتملة على المنصوب

- ‌تنبيه

- ‌وأما النظم

- ‌وأما التجنيس

- ‌فمنه المستوفى التامّ

- ‌ومنه المختلف

- ‌ومنه المذيّل

- ‌ومنه المركب وهو على ضربين:

- ‌الأوّل: ما هو متشابه لفظا وخطا

- ‌الثانى: ما هو متشابه لفظا لا خطا ويسمّى التجنيس [المفروق]

- ‌ومنه المزدوج

- ‌ومن أجناس التجنيس المصحّف

- ‌ومنه المضارع

- ‌ومنه المشوّش

- ‌ومنه تجنيس الاشتقاق

- ‌ومن أجناس التجنيس تجنيس التصريف

- ‌ومنها التجنيس المخالف

- ‌ومنها تجنيس المعنى

- ‌وأما الطّباق

- ‌وأما السجع

- ‌قال: والسجع أربعة أنواع وهى: الترصيع والمتوازى والمطرّف والمتوازن

- ‌أما الترصيع

- ‌وأما المتوازى

- ‌وأما المطرّف

- ‌وأما المتوازن

- ‌فصل فى الفقر المسجوعة ومقاديرها

- ‌وأما ردّ العجز على الصدر

- ‌وهو فى النّظم على أربعة أنواع:

- ‌الأوّل: أن يقعا طرفين

- ‌الثانى: أن يقعا فى حشو المصراع الأوّل وعجز الثانى

- ‌الثالث: أن يقعا فى آخر المصراع الأوّل وعجز الثانى

- ‌وأما الإعنات

- ‌وأما المذهب الكلامىّ

- ‌وأما حسن التعليل

- ‌وأما الالتفات

- ‌وأما التمام

- ‌وأما الاستطراد

- ‌وأما تأكيد المدح بما يشبه الذمّ

- ‌وأما تأكيد الذمّ بما يشبه المدح

- ‌أحدهما أن يستثنى من صفة مدح منفيّة عن الشىء صفة ذمّ بتقدير دخولها فيها

- ‌والثانى: أن تثبت للشىء صفة ذمّ وتعقّب بأداة استثناء تليه صفة ذمّ له أخرى

- ‌وأما تجاهل العارف

- ‌وأما الهزل الذى يراد به الجدّ

- ‌وأما الكنايات

- ‌وأما المبالغة

- ‌وأما عتاب المرء نفسه

- ‌وأما حسن التضمين

- ‌وأما التلميح

- ‌وأما إرسال المثل

- ‌وأما إرسال مثلين

- ‌وأما الكلام الجامع

- ‌وأما الّلفّ والنشر

- ‌وأما التفسير

- ‌وأما التعديد

- ‌وأما تنسيق الصفات

- ‌وأما الإيهام

- ‌وأما حسن الابتداءات

- ‌وأما براعة التخليص

- ‌وأما براعة الطلب

- ‌وأما براعة المقطع

- ‌وأما السؤال والجواب

- ‌وأما صحة الأقسام

- ‌وأما التوشيح

- ‌وأما الإيغال

- ‌وأما الإشارة

- ‌وأما التذييل

- ‌وأما الترديد

- ‌وأما التفويف

- ‌وأما التسهيم

- ‌وأما الاستخدام

- ‌وأما العكس والتبديل

- ‌وأما الرجوع

- ‌وأما التغاير

- ‌وأما الطاعة والعصيان

- ‌وأما التسميط

- ‌وأما التشطير

- ‌وأما التطريز

- ‌وأما التوشيع

- ‌وأما الإغراق

- ‌وأما الغلوّ

- ‌وأما القسم

- ‌وأما الاستدراك

- ‌وأما المؤتلفة والمختلفة

- ‌وأما التفريق المفرد

- ‌وأما التقسيم المفرد

- ‌وأما الجمع مع التقسيم

- ‌وأما التزويج

- ‌وأما السلب والإيجاب

- ‌وأما الاطّراد

- ‌وأما التجريد

- ‌وأما التكميل

- ‌وأما المناسبة

- ‌وأما التفريع

- ‌وأما نفى الشىء بإيجابه

- ‌وأما الإيداع

- ‌وأما الإدماج

- ‌وأما سلامة الاختراع

- ‌وأما حسن الاتباع

- ‌وأما الذمّ فى معرض المدح

- ‌وأما العنوان

- ‌وأما الإيضاح

- ‌وأما التشكيك

- ‌وأما القول بالموجب

- ‌وأما القلب

- ‌وأما التندير

- ‌وأما الإسجال بعد المغالطة

- ‌وأما الافتنان

- ‌وأما الإبهام

- ‌وأما حصر الجزئىّ وإلحاقه بالكلىّ

- ‌وأما المقارنة

- ‌وأما الإبداع

- ‌وأما الانفصال

- ‌وأما التصرف

- ‌وأما الاشتراك

- ‌وأما التهكّم

- ‌وأما التدبيج

- ‌وأما الموجّه

- ‌وأما تشابه الأطراف

- ‌وأما ما يتصل بذلك من خصائص الكتابة-‌‌ فالاقتباسوالاستشهاد والحل:

- ‌ فالاقتباس

- ‌وأما الاستشهاد بالآيات

- ‌[وأما الحلّ

- ‌ذكر ما يتعين على الكاتب استعماله والمحافظة عليه والتمسّك به وما يجوز فى الكتابة وما لا يجوز

- ‌ذكر شىء من الرسائل المنسوبة إلى الصحابة رضى الله عنهم والتابعين وشىء من كلام الصدر الأوّل وبلاغتهم

- ‌فمن ذلك الرسالة المنسوبة إلى أبى بكر الصّدّيق إلى علىّ، وما يتّصل بها من كلام عمر بن الخطاب وجواب علىّ رضى الله عنهم

- ‌ومن كلام عائشة أمّ المؤمنين بنت أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنهما

- ‌ذكر شرح غريب رسالتها رضى الله عنها

- ‌ومن كلام على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام الأحنف بن قيس

- ‌ومن كلام أمّ الخير بنت الحريش البارقيّة

- ‌وممن اشتهر بالفصاحة والبلاغة زياد بن أبيه، والحجّاج بن يوسف الثّقفى

- ‌ومن مكاتباته الى المهلّب بن أبى صفرة وأجوبة المهلّب له

- ‌وخطب عبد الملك بن مروان

- ‌ومن كلام قطرىّ بن الفجاءة

- ‌ومن كلام أبى مسلم الخراسانى صاحب الدولة

- ‌ومن كلام جماعة من أمراء الدولتين

- ‌ذكر شىء من رسائل وفصول الكتاب والبلغاء المتقدّمين والمتأخّرين والمعاصرين من المشارقة والمغاربة

- ‌ومن كلام بديع الزّمان أبى الفضل أحمد بن الحسين الهمذانىّ

- ‌ومن كلام أبى الفضل محمد بن الحسين بن العميد

- ‌وكتب الصاحب أبو القاسم كافى الكفاة فى وصف كتاب:

- ‌وقال أبو الفرج الببغاء من رسالة إلى عدّة الدّولة أبى تغلب

- ‌وقال محمد بن العباس الخوارزمىّ:

- ‌ذكر شىء من رسائل فضلاء المغاربة ووزرائهم وكتابهم ممن ذكرهم ابن بسام فى كتابه المترجم بالذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة

- ‌منهم ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون

- ‌ومن كلام أبى عبد الله محمد بن أبى الخصال من جواب لابن بسّام

- ‌ومن كلام الوزير الفقيه أبى القاسم محمد بن عبد الله بن الجدّ

- ‌ومن كلام أبى عبد الله محمد بن الخيّاط

- ‌ومن كلام أبى حفص عمر بن برد الأصغر الأندلسى

- ‌ومن كلامه يعاتب بعض إخوانه:

- ‌ومن كلام أبى الوليد بن طريف

- ‌ومن كلام الوزير الكاتب أبى محمد بن عبد الغفور الى بعض إخوانه

الفصل: ‌منهم ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون

‌وقال محمد بن العباس الخوارزمىّ:

الحمد لله الذى جعل الشيخ يضرب فى المحاسن بالقدح المعلّى، ويسمو منها إلى الشرف الأعلى، ولم يجعل فيه موضعا للولا، ولا مجالا لإلّا؛ فإن الاستثناء إذا اعترض فى المدح انصب ماؤه، وكدّر صفاؤه، وانطلق فيه حسّاده وأعداؤه؛ ولذلك قالوا: ما أحسن الظّبى لولا خنس «1» أنفه! وما أحسن البدر لولا كلف وجهه! وما أطيب الخمر لولا الخمار! وما أشرف الجود لولا الإقتار! وما أحمد مغبة الصبر لولا فناء العمر! وما أطيب الدنيا لو دامت

ما أعلم الناس أنّ الجود مكسبة

للحمد لكنّه يأتى على النّشب.

‌ذكر شىء من رسائل فضلاء المغاربة ووزرائهم وكتابهم ممن ذكرهم ابن بسام فى كتابه المترجم بالذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة

‌منهم ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون

،

فمن كلامه رسالة كتبها على لسان محبوبته ولّادة بنت محمد بن عبد الرحمن الناصرىّ الى إنسان استمالها إلى نفسه عنه، وهى:

أما بعد، أيها المصاب بعقله، المورّط بجهله؛ البيّن سقطه، الفاحش غلطه؛ العاثر فى ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره؛ الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش فى «2» الشهاب؛ فإنّ العجب أكذب، ومعرفة المرء نفسه أصوب؛ وإنك راسلتنى مستهديا من صلتى ما صفرت منه أيدى أمثالك، متصدّيا من

ص: 271

خلّتى لما قرعت فيه «1» أنوف أشكالك؛ مرسلا خليلتك مرتادة، مستعملا عشيقتك فوّادة؛ كاذبا نفسك [أنك «2» ] ستنزل عنها إلىّ، وتخلف بعدها علىّ

ولست» بأوّل ذى همّة

دعته لما ليس بالنائل

ولا شكّ فى أنها قلتك إذ لم تضنّ بك، وملّتك إذ لم تغر عليك، فإنها أعذرت فى السّفارة لك، وما قصرت فى النيابة عنك؛ زاعمة أنّ المروءة لفظ أنت معناه، والإنسانيّة اسم أنت جسمه وهيولاه؛ قاطعة أنّك انفردت بالجمال، واستأثرت بالكمال، واستعليت فى مراتب الجلال، واستوليت «4» على محاسن الخلال؛ حتى خيّلت أنّ يوسف عليه السلام حاسنك فغضضت منه، وأنّ امرأة العزيز رأتك فسلت عنه؛ وأنّ قارون أصاب بعض ما كنزت، والنّطف «5» عثر على فضل

ص: 272

ما ركزت «1» ؛ وكسرى حمل غاشيتك «2» ، وقيصر رعى ماشيتك؛ والإسكندر قتل دارا «3» فى طاعتك، وأردشير «4» جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك؛ والضّحّاك «5» استدعى مسالمتك، وجذيمة «6» الأبرش تمنّى منادمتك؛ وشيرين «7» نافست بوران «8» فيك؛

ص: 273

وبلقيس «1» غايرت الزّباء «2» عليك؛ وأنّ مالك «3» بن نويرة إنما ردف لك؛ وعروة «4» بن جعفر إنما رحل إليك؛ وكليب «5» بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزّتك؛ وجسّاسا «6» إنما قتله بأنفتك؛ ومهلهلا «7» إنما طلب ثأره بهمّتك؛ والسموءل «8» إنما وفى عن عهدك،

ص: 274

والأحنف «1» إنما احتبى فى بردك؛ وحاتما «2» إنما جاد بوفرك، ولقى الأضياف ببشرك؛ وزيد «3» بن مهلهل إنما ركب بفخذيك، والسّليك «4» بن السّلكة إنّما عدا على رجليك، وعامر «5» بن مالك [إنما لاعب الألسنة بيديك «6» ؛ وقيس بن زهير] إنما استعان بدهائك «7» ، وإياس «8» بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك؛ وسحبان «9» إنما تكلّم بلسانك،

ص: 275

وعمر «1» بن الأهتم إنما سحر ببيانك؛ وأنّ الصلح بين بكر وتغلب «2» تمّ برسالتك، والحمالات فى دماء عبس وذبيان أسندت إلى كفالتك «3» ؛ وأن احتيال هرم «4» لعامر وعلقمة حتى رضيا كان عن رأيك؛ وجوابه لعمر وقد سأله عن أيّهما كان ينفّر «5» وقع بعد مشورتك؛

ص: 276

وأنّ الحجّاج «1» تقلّد ولاية العراق بجدّك، وقتيبة «2» فتح ماوراء النهر بسعدك؛ والمهلّب «3» أو هى شوكة الأزارقة بأيدك، وأفسد ذات بينهم بكيدك؛ وأنّ هرمس «4» أعطى بلينوس ما أخذ منك، وأفلاطون «5» أورد على أرسطوطاليس ما حدّث عنك؛

ص: 277

وبطلميوس «1» سوّى الأسطرلاب بتدبيرك، وصوّر الكرة على تقديرك؛ وأبقراط «2» علم العلل والأمراض بلطف حسّك، وجالينوس «3» عرف طبائع الحشائش بدقة نظرك «4» ؛ وكلاهما قلّدك فى العلاج، وسألك عن المزاج؛ واستوصفك تركيب الاعضاء، واستشارك فى الداء والدواء؛ وأنك نهجت لأبى معشر «5» طريق القضاء، وأظهرت

ص: 278

جابر «1» بن حيّان على سرّ الكيمياء؛ وأعطيت النظّام «2» أصلا أدرك به الحقائق، وجعلت للكندىّ «3» رسما استخرج به الدقائق؛ وأن صناعة الألحان اختراعك، وتأليف الأوتار توليدك وابتداعك؛ وأن عبد الحميد «4» بن يحيى بارى أقلامك، وسهل «5» بن

ص: 279

هارون مدوّن كلامك؛ وعمر «1» بن بحر مستمليك، ومالك «2» بن أنس مستفتيك؛ وأنك الذى أقام البراهين، ووضع القوانين؛ وحدّ الماهيّة، وبيّن الكيفيّة والكميّة؛ وناظر فى الجوهر والعرض، وبيّن الصحّة من المرض؛ وفكّ المعمّى، وفصل بين الاسم والمسمّى؛ وضرب وقسّم، وعدل وقوّم؛ وصنّف الأسماء والأفعال، وبوّب الظّرف والحال؛ وبنى وأعرب، ونفى وتعجّب؛ ووصل وقطع، وثنّى وجمع؛ وأظهر وأضمر، وابتدأ وأخبر؛ واستفهم وأهمل وقيّد، وأرسل وأسند، وبحث ونظر، وتصفّح الأديان، ورجّح بين مذهبى مانى وغيلان «3» ؛ وأشار بذبح الجعد «4» ، وقتل بشار «5»

ص: 280

ابن برد؛ وأنك لو شئت خرقت العادات، وخالفت المعهودات؛ فأحلت البحار عذبة، وأعدت السّلام «1» رطبة؛ ونقلت غدا فصار أمسا، وزدت فى العناصر فكانت خمسا؛ وأنك المقول فيه:«كلّ الصيد «2» فى جوف الفرا»

و: ليس على الله بمستنكر

أن يجمع العالم فى واحد «3»

والمعنىّ بقول أبى تمّام:

فلو صوّرت نفسك لم تزدها

على ما فيك من كرم الطباع

والمراد بقول أبى الطيّب:

ذكر الأنام لنا فكان قصيدة

كنت البديع الفرد من أبياتها

ف «كدمت غير «4» مكدم» ونفخت فى غير فحم؛ ولم تجد لرمح مهزّا، ولا لشفرة محزّا؛ بل رضيت من الغنيمة بالإياب، وتمنّيت الرجوع بخفىّ حنين، لأنى قلت لها:

«لقد هان من بالت عليه الثعالب «5» » وأنشدت:

على «6» أنها الأيام قد صرن كلّها

عجائب حتى ليس فيها عجائب

ص: 281

ونخرت «1» وكفرت، وعبست وبسرت «2» ؛ وأبدأت وأعدت، [وأبرقت وأرعدت «3» ] و «هممت ولم أفعل وكدت [وليتنى «4» ] » ولولا [أنّ] للجوار ذمّة، وللضيافة حرمة؛ لكان الجواب فى قذال الدّمستق «5» ، ولكنّ النعل حاضرة إن عادت العقرب، والعقوبة ممكنة إن أصرّ المذنب؛ وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك، ملؤها حبيبها، وحسن فيها من تودّ، وكانت إنما حلّتك بحلاك «6» ، ووسمتك بسيامك؛ ولم تعرك شهاده، ولا تكلّفت لك زياده؛ بل صدقتك سنّ بكرها «7» فيما ذكرته عنك، ووضعت الهناء «8» مواضع النّقب فيما نسبته إليك؛ ولم تكن (كاذبة فيما أثنت «9» به عليك) ،

ص: 282

فالمعيدىّ «1» تسمع به لا أن تراه، هجين «2» القذال، أرعن السّبال؛ طويل العنق والعلاوة «3» ، مفرط الحمق والغباوة؛ جافى الطبع، سيّئ الجابة «4» والسّمع؛ بغيض الهيئة، سخيف الذّهاب والجيئة؛ ظاهر الوسواس، منتن الأنفاس؛ كثير المعايب، مشهور المثالب؛ كلامك تمتمة، وحديثك وغمغمة؛ وبيانك فهفهة، وضحكك قهقهة؛ ومشيك هرولة، وغناك مسألة؛ ودينك زندقة، وعلمك مخرقة

مساو «5» لو قسمن على الغوانى

لما أمهرن إلا بالطّلاق

حتى إنّ باقلا «6» موصوف بالبلاغة إذا قرن بك، وهبنّقة «7» مستحقّ لاسم العقل إذا نسب منك «8» ، وأبا غبشان «9» محمود منه سداد الفعل إذا أضيف إليك،

ص: 283

وطويسا «1» مأثور عنه يمن الطائر إذا قيس عليك؛ فوجودك عدم، والاغتباط بك ندم؛ والخيبة منك ظفر، والجنّة معك سقر؛ كيف رأيت لؤمك لكرمى كفاء، وضعتك لشرفى وفاء؟ وأنّى جهلت أن الأشياء إنما تنجذب إلى أشكالها، والطير إنّما تقع على ألّافها؟ وهلّا علمت أن الشرق والغرب لا يجتمعان، وشعرت أن نادى المؤمن والكافر لا يتراءيان، وقلت: الخبيث والطيّب لا يستويان «2» ، وتمثلت:

أيها «3» المنكح الثريّا سهيلا

عمرك الله كيف يلتقيان

وذكرت أنّى علق لا يباع ممن زاد، وطائر لا يصيده من أراد، وغرض لا يصيبه إلا من أجاد؛ ما أحسبك إلا كنت قد تهيّأت للتهنئة، وترشّحت للترفئة؛ أولى لك، لولا أنّ جرح العجماء «4» جبار، للقيت ما لقى من الكواعب يسار «5» ؛ فما همّ إلا بدون

ص: 284

ما هممت به، ولا تعرّض «1» إلا لأيسر ما تعرّضت له؛ أين ادّعاؤك رواية الأشعار، وتعاطيك حفظ السّير والأخبار؟

بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع

وتنكح فى أكفائها الحبطات «2»

وهلّا عشّيت «3» ولم تغترّ، وما أمّنك «4» أن تكون وافد البراجم، أو ترجع بصحيفة المتلمّس «5» ، وأفعل بك ما فعله عقيل بن علفة «6» بالجهنىّ إذ جاءه خاطبا فدهن اسنته بزيت وأدناه من قرية «7» النمل؟ ومتى كتر تلاقينا، واتصل ترائينا؛ فيدعونى اليك

ص: 285

ما دعا ابنة «1» الخسّ الى عبدها من طول السواد، وقرب الوساد؟ وهل فقدت الأراقم «2» فأنكح فى جنب «3» ، أو عضلنى «4» همّام بن مرّة فأقول:«زوج من عود، خير من قعود» ؟ ولعمرى لو بلغت هذا المبلغ لارتفعت عن»

هذه الحطّة، وما رضيت بهذه الخطّة؛ ف «النار ولا العار» و «المنيّة ولا الدّنيّة» والحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها:

فكيف وفى أبناء قومى منكح

وفتيان هزّان «6» الطوال الغرانقة

ما كنت لأتخطّى المسك الى الرّماد، ولا لأمتطى الثّور دون الجواد؛ فإنما يتيمّم من لا يجد ماء، ويرعى الهشيم من عدم الجميم «7» ، ويركب الصّعب من لا ذلول

ص: 286

له؛ ولعلك «1» إنما غرّك من علمت صبوتى اليه، وشهدت مساعفتى له، من أقمار العصر، ورياحين المصر؛ الذين هم الكواكب علوّ همم، والرياض طيب شيم

من تلق منهم تقل: لاقيت سيّدهم

مثل النجوم التى يسرى بها السارى «2»

فيحنّ «3» قدح ليس منها؛ ما أنت وهم؟ وأين تقع منهم؟ وهل أنت إلّا واو عمرو فيهم، وكالوشيظة «4» فى العظم بينهم؟ وان كنت إنما بلغت قعر تابوتك «5» ، وتجافيت لقميصك عن بعض قوتك؛ وعطّرت أردانك، وجررت هميانك؛ واختلت فى مشيتك، وحذفت فضول لحيتك؛ وأصلحت شاربك، ومططت حاجبك؛ ودققت خطّ عذارك، واستأنفت عقد إزارك؛ رجاء الا كتتاب «6» فيهم، وطمعا فى الاعتداد منهم؛ فظننت عجزا، وأخطأت استك الحفرة؛ والله لو كساك محرّق «7»

ص: 287

البردين، وحلّتك مارية «1» بالقرطين؛ وقلّدك عمرو «2» بالصّمصامة، وحملك الحارث «3» على النّعامة؛ ما شككت فيك، ولا تكلمت بملء فيك؛ ولا سترت أباك، ولا كنت إلا ذاك؛ وهبك ساميتهم فى ذروة المجد والحسب، وجاريتهم فى غاية الظرف والأدب؛ ألست تأوى الى بيت قعيدته لكاع؟ اذ كلّهم عزب خالى الذراع؛ وأين من أنفرد به، ممن لا أغلب إلا على الأقلّ الأخسّ منه؟ وكم بين من يعتمدنى بالقوّة الظاهرة، والشهوة الوافرة؛ والنفس المصروفة الىّ، واللذة الموقوفة علىّ؛ وبين آخر قد نزحت بيره، ونضب غديره؛ وذهب نشاطه، ولم يبق إلا ضراطه؛ وهل كان يجمع لى فيك إلا الحشف «4» وسوء الكيلة. ويقترن علىّ بك إلا الغدّة والموت فى بيت سلوليّة «5» ؟

تعالى الله يا سلم بن عمرو

أذلّ الحرص أعناق الرجال

(وهذا الشعر لأبى العتاهية يخاطب به سلم بن عمرو، ويلومه على حصرصه، ويتلوه) :

هب الدنيا تصير اليك عفوا

أليس مصير ذاك الى زوال

ما كان أحقّك بأن تقدر بذرعك، وتربع على ظلعك؛ ولا تكون براقش «6» الدالّة

ص: 288

على أهلها «1» ، وعنز السوء المستثيرة لحتفها؛ فما أراك إلا قد سقط العشاء بك على السّرحان «2» ، وبك لا بظبى أعفر «3» ، قد أعذرت إن أغنيت شيّا، وأسمعت لو ناديت حيّا؛ وقرعت عصا العتاب، وحذّرت سوء العقاب. «إنّ العصا قرعت لذى الحلم» «والشىء «4» تحقره وقد ينمى» . فإن بادرت بالندامة، ورجعت على نفسك بالملامة؛ [كنت «5» ] قد اشتريت العافية لك بالعافية منك؛ وإن قلت:«جعجعة ولا طحنا» و «ربّ صلف تحت الراعدة «6» » وأنشدت:

لا يؤيسنّك من مخبّأة

قول تغلّظه وإن جرحا

فعدت لما نهيت عنه، وراجعت ما استعفيت منه؛ بعثت من يزعجك إلى الخضراء «7» دفعا، ويستحثّك نحوها وكزا وصفعا؛ فاذا صرت «8» بها عبث أكّاروها «9»

ص: 289

بك، وتسلّط نواطيرها «1» عليك؛ فمن قرعة معوجّة تقوّم فى قفاك، وفجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك؛ لكى تذوق وبال أمرك، وترى ميزان قدرك.

فمن جهلت نفسه قدره

رأى غيره منه ما لا يرى «2» .

وقال أيضا فى رقعة خاطب بها ابن جهور- وهى من رسائله المشهورة- أوّلها:

يا مولاى وسيّدى الذى ودادى له، واعتدادى به، واعتمادى عليه- أبقاك الله ماضى حدّ العزم، وارى زند الأمل، ثابت عهد النعمة- إن سلبتنى أعزّك الله لباس إنعامك، وعطّلتنى من حلى إيناسك، وغضضت عنى طرف حمايتك؛ بعد أن نظر الأعمى الى تأميلى لك، وسمع الأصمّ ثنائى «3» عليك، وأحسّ الجماد باستنادى اليك؛ فلا غرو قد يغصّ بالماء شاربه، ويقتل الدواء المستشفى به، ويؤتى الحذر من مأمنه، وتكون منيّة المتمنّى فى أمنيّته «والحين «4» قد يسبق جهد الحريص» وإنّى لأتجلّد، وأرى الشامتين أنّى لا أتضعضع «5» ، وأقول:

ص: 290

هل أنا إلّا يد أدماها سوارها، وجبين عضّه «1» إكليله، ومشرفىّ «2» الصقه بالأرض صاقله، وسمهرى «3» عرضه على النار مثقّفه، وعبد ذهب «4» سيّده مذهب الذى يقول:

فقسا ليزدجروا «5» ومن يك حازما

فليقس أحيانا على من يرحم

والعتب «6» محمود عواقبه، والنّبوة «7» غمرة ثم تنجلى، والنكبة «سحابة صيف عن قريب تقشّع «8» » وسيّدى إن أبطأ معذور «9» .

فإن يكن الفعل الذى ساء واحدا

فأفعاله اللاتى سررن ألوف «10»

فليت شعرى ما الذنب الذى أذنبت ولم يسعه العفو؟ ولا أخلو من أن أكون بريئا فأين العدل؟ أو مسيئا فأين الفضل؟ وما أرانى إلا لو أمرت بالسجود لآدم فأبيت واستكبرت، وقال لى نوح:«اركب معنا» فقلت: «سآوى إلى جبل يعصمنى

ص: 291

من الماء» وتعاطيت فعقرت «1» ، وأمرت ببناء صرح لعلّى أطّلع إلى إله موسى «2» ، وعكفت على العجل «3» ، واعتديت فى السّبت «4» ، وشربت من النهر الذى ابتلى به جنود طالوت «5» ، وقدت الفيل لأبرهة «6» ، وعاهدت قريشا على ما فى الصحيفة «7» ، وتأوّلت فى بيعة العقبة «8» ،

ص: 292

ونفرت الى العير ببدر «1» ، وانخذلت «2» بثلث الناس يوم أحد، وتخلّفت عن صلاة العصر فى بنى قريظة «3» ، وجئت بالإفك على عائشة «4» ، وأبيت «5» من إمارة أسامة،

ص: 293

وزعمت أن خلافة أبى بكر كانت فلتة «1»

وروّيت رمحى من كتيبة خالد «2»

ومزّقت الأديم الذى باركت يد الله فيه «3» ، وضحّيت بالأشمط الذى عنوان السجود به «4» ، وكتبت الى عمر بن سعد [أن] جعجع «5» بالحسين، وبذلت لقطام.

ص: 294

ثلاثة آلاف وعبدا وقينة

وضرب علىّ بالحسام المخذّم «1»

وتمثّلت عند ما بلغنى من وقعة الحرّة «2» :

ليت أشياخى ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل «3»

قد قتلنا القرن «4» من أشياخهم

وعدلناه ببدر فاعتدل «5»

ورجمت الكعبة «6» ، وصلبت العائذ بها على الثنيّة؛ لكان فيما جرى علىّ ما يحتمل أن يسمّى نكالا، ويدعى ولو على المجز عقابا.

وحسبك من حادث بامرئ

يرى حاسديه له راحمينا

ص: 295

فكيف ولا ذنب إلا نميمة أهداها كاشح، ونبأ جاء به فاسق؛ والله ما غششتك بعد النصيحة، ولا انحرفت عنك بعد الصاغية «1» ، ولا نصبت «2» لك بعد التشيّع فيك، ففيم عبث الجفاء بأذمّتى، وعاث فى مودّتى «3» ؟ وأنّى غلبنى المغلّب، وفخر علىّ الضعيف «4» ، ولطمتنى غير ذات سوار «5» ؟ وما لك لم تمنع منى قبل أن أفترس، وتدركنى ولمّا أمزّق «6» ، [أم كيف لا تتضرّم «7» جوانح الأكفاء حسدا لى على الخصوص بك، وتتقطّع أنفاس

ص: 296

النّظراء منافسة فى الكرامة عليك] وقد زاننى اسم خدمتك، [وزهانى وسم نعمتك «1» ] وأبليت [البلاء «2» ] الجميل فى «3» سماطك، وقمت المقام المحمود على بساطك.

ألست الموالى فيك نظم قصائد

هى الأنجم اقتادت مع الليل أنجما «4»

وهل لبس الصباح إلا بردا طرّزته بمحامدك، وتقلّدت الجوزاء إلا عقدا فصّلته بمآثرك، وبثّ المسك إلا حديثا أذعته «5» بمفاخرك؛ «ما يوم حليمة «6» بسرّ» وحاش لله أن أعدّ من العاملة الناصبة، وأكون كالذّبالة المنصوبة تضىء للناس وهى تحترق.

وفى فصل منه: ولعمرى ما جهلت [أن]«7» الرأى فى أن أتحوّل إذا بلغتنى الشمس، ونبا بى المنزل، وأضرب عن المطامع التى تقطع أعناق الرجال، ولا أستوطئ العجز فيضرب بى المثل:«خامرى «8» أمّ عامر» وإنى مع المعرفة بأن الجلاء

ص: 297

سباء، «1» والنّقلة مثلة، لعارف أن الأدب الوطن الذى لا يخشى «2» فراقه، والخليط الذى لا يتوقّع زواله «3» ؛ والنّسب «4» الذى لا يخفى، [والجمال [الذى] لا يخفى؛ ثم ما قران السّعد للكواكب أبهى أثرا، ولا أسنى خطرا، من اقتران غنى النفس به، وانتظامها نسقا معه؛ فإنّ الحائز لهما، الضارب بسهم فيهما- وقليل ما هم «5» -] أينما توجّه ورد منهل برّ، وحطّ «6» فى جناب قبول، وضوحك قبل إنزال رحله «7» ، وأعطى حكم الصبىّ على أهله

وقيل له: أهلا وسهلا ومرحبا

فهذا مبيت صالح وصديق

غير أنّ الموطن محبوب، والمنشأ مألوف؛ واللبيب يحنّ إلى وطنه، [حنين النجيب «8» إلى عطنه] ؛ والكريم لا يجفو أرضا فيها قوابله، ولا ينسى بلدا فيه مراضعه؛ وأنشد قول الأوّل:

أحبّ بلاد الله ما بين منعج «9»

إلىّ وسلمى «10» أن يصوب سحابها

ص: 298

بلاد بها «1» عقّ الشّباب تمائمى

وأوّل أرض مسّ جلدى ترابها

هذا إلى مغالاتى فى تعلّق «2» جوارك، ومنافستى فى الحظّ من قربك، واعتقادى أنّ الطمع فى غيرك طبع «3» ، والغنى من سواك عناء، والبدل منك أعور «4» ، والعوض لفاء «5» .

وإذا نظرت إلى أميرى زادنى

ضنّا به نظرى إلى الأمراء «6»

«كلّ الصّيد فى جوف الفرا» و «فى كلّ شجر نار، واستمجد المرخ «7» والغفار» ؛ فما هذه البراءة ممن تولّاك، والميل عمّن يميل إليك؟ وهلّا كان هواك فيمن هواه فيك، ورضاك لمن رضاه لك؟

ص: 299

يا من «1» يعزّ علينا أن نفارقهم

وجداننا كلّ شىء بعدكم عدم

أعيذك ونفسى من أن «2» أشيم خلّبا، واستمطر جهاما «3» ، وأكدم غير مكدم، وأشكو شكوى الجريح إلى العقبان والرّخم؛ وإنما أبسست «4» لك لتدرّ، وحرّكت لك الحوار «5» لتحنّ؛ وسريت لك «6» ليحمد المسرى «7» إليك؛ بعد اليقين من أنك إن شئت عقد أمرى تيسّر، ومتى أعذرت فى فكّ أسرى «8» لم يتعذّر؛ وعلمك يحيط بأنّ المعروف ثمرة النعمة، والشفاعة زكاة المروءة، وفضل الجاه تعود به صدقة.

واذا امرؤ «9» أسدى إليك صنيعة

من جاهه فكأنّها من ماله

لعلّى ألقى العصا بذراك «10» ، وتستقرّ بى النوى فى ظلّك، فتستلذّ جنى شكرى من غرس عارفتك، وتستطيب عرف ثنائى من روض صنيعتك؛ وأستأنف التأدّب

ص: 300

بأدبك «1» ، والاحتمال على مذهبك؛ فلا أوجد للحاسد مجال لحظة، ولا أدع للقادح مساغ لفظة؛ والله ميسّرك «2» من إطلابى هذه الطّلبة «3» ، وإشكائى «4» من هذه الشكوى لصنيعة تصيب بها طريق المصنع، ويد تستودعها أحفظ مستودع؛ حسبما أنت خليق له، وأنا منك حرىّ به؛ فذلك بيده، وهيّن «5» عليه. وشفعها بأبيات فقال:

الهوى فى طلوع تلك النجوم

والمعنى فى هبوب ذاك النسيم

سرّنا عيشنا الرقيق الحواشى

لو يدوم السرور للمستديم

وطر ما انقضى إلى أن تقضّى

زمن ما ذمامه بالذّميم

زار مستخفيا وهيهات أن يخ

تفى البدر فى الظلام البهيم

فوشى الحلى إذ مشى وهفا الطّي

ب إلى حيث كاشح بالنّميم

أيها المؤذنى بظلم الليالى

ليس يومى بواحد «6» من ظلوم

ص: 301

ما ترى البدر إن تأمّلت والشم

س هما «1» يكفان دون النجوم

وهو الدهر ليس ينفك ينحو

بالمصاب العظيم نحو العظيم

بوّأ الله جهورا أشرف السّؤد

د فى السّرّ «2» واللّباب الصميم

واحد سلّم الجميع له الفض

ل وكان الخصوص وفق العموم

قلّد الغمر ذا التجارب «3» فيه

واكتفى جاهل بعلم عليم

ومنها فى ذكر اعتقاله:

سقم لا أعاد منه وفى الع

ائد أنس يفى ببرء السقيم

نار بغى سرت إلى جنّة الأر

ض بياتا فأصبحت كالصريم

بأبى أنت إن «4» تشأتك بردا

وسلاما كنار إبراهيم

للشفيع الثناء «5» ، والحمد فى صو

ب الحيا للرياح لا للغيوم

ثم قال: هاكها أعزّك الله يبسطها الأمل، ويقبضها الخجل؛ لها ذنب التقصير، وحرمة الإخلاص، فهب ذنبا لحرمة، واشفع نعمة بنعمة؛ لتأتى الإحسان من جهاته، وتسلك الفضل من طرقاته؛ إن شاء الله تعالى.

ص: 302