الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال محمد بن العباس الخوارزمىّ:
الحمد لله الذى جعل الشيخ يضرب فى المحاسن بالقدح المعلّى، ويسمو منها إلى الشرف الأعلى، ولم يجعل فيه موضعا للولا، ولا مجالا لإلّا؛ فإن الاستثناء إذا اعترض فى المدح انصب ماؤه، وكدّر صفاؤه، وانطلق فيه حسّاده وأعداؤه؛ ولذلك قالوا: ما أحسن الظّبى لولا خنس «1» أنفه! وما أحسن البدر لولا كلف وجهه! وما أطيب الخمر لولا الخمار! وما أشرف الجود لولا الإقتار! وما أحمد مغبة الصبر لولا فناء العمر! وما أطيب الدنيا لو دامت
ما أعلم الناس أنّ الجود مكسبة
…
للحمد لكنّه يأتى على النّشب.
ذكر شىء من رسائل فضلاء المغاربة ووزرائهم وكتابهم ممن ذكرهم ابن بسام فى كتابه المترجم بالذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة
منهم ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون
،
فمن كلامه رسالة كتبها على لسان محبوبته ولّادة بنت محمد بن عبد الرحمن الناصرىّ الى إنسان استمالها إلى نفسه عنه، وهى:
أما بعد، أيها المصاب بعقله، المورّط بجهله؛ البيّن سقطه، الفاحش غلطه؛ العاثر فى ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره؛ الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش فى «2» الشهاب؛ فإنّ العجب أكذب، ومعرفة المرء نفسه أصوب؛ وإنك راسلتنى مستهديا من صلتى ما صفرت منه أيدى أمثالك، متصدّيا من
خلّتى لما قرعت فيه «1» أنوف أشكالك؛ مرسلا خليلتك مرتادة، مستعملا عشيقتك فوّادة؛ كاذبا نفسك [أنك «2» ] ستنزل عنها إلىّ، وتخلف بعدها علىّ
ولست» بأوّل ذى همّة
…
دعته لما ليس بالنائل
ولا شكّ فى أنها قلتك إذ لم تضنّ بك، وملّتك إذ لم تغر عليك، فإنها أعذرت فى السّفارة لك، وما قصرت فى النيابة عنك؛ زاعمة أنّ المروءة لفظ أنت معناه، والإنسانيّة اسم أنت جسمه وهيولاه؛ قاطعة أنّك انفردت بالجمال، واستأثرت بالكمال، واستعليت فى مراتب الجلال، واستوليت «4» على محاسن الخلال؛ حتى خيّلت أنّ يوسف عليه السلام حاسنك فغضضت منه، وأنّ امرأة العزيز رأتك فسلت عنه؛ وأنّ قارون أصاب بعض ما كنزت، والنّطف «5» عثر على فضل
ما ركزت «1» ؛ وكسرى حمل غاشيتك «2» ، وقيصر رعى ماشيتك؛ والإسكندر قتل دارا «3» فى طاعتك، وأردشير «4» جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك؛ والضّحّاك «5» استدعى مسالمتك، وجذيمة «6» الأبرش تمنّى منادمتك؛ وشيرين «7» نافست بوران «8» فيك؛
وبلقيس «1» غايرت الزّباء «2» عليك؛ وأنّ مالك «3» بن نويرة إنما ردف لك؛ وعروة «4» بن جعفر إنما رحل إليك؛ وكليب «5» بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزّتك؛ وجسّاسا «6» إنما قتله بأنفتك؛ ومهلهلا «7» إنما طلب ثأره بهمّتك؛ والسموءل «8» إنما وفى عن عهدك،
والأحنف «1» إنما احتبى فى بردك؛ وحاتما «2» إنما جاد بوفرك، ولقى الأضياف ببشرك؛ وزيد «3» بن مهلهل إنما ركب بفخذيك، والسّليك «4» بن السّلكة إنّما عدا على رجليك، وعامر «5» بن مالك [إنما لاعب الألسنة بيديك «6» ؛ وقيس بن زهير] إنما استعان بدهائك «7» ، وإياس «8» بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك؛ وسحبان «9» إنما تكلّم بلسانك،
وعمر «1» بن الأهتم إنما سحر ببيانك؛ وأنّ الصلح بين بكر وتغلب «2» تمّ برسالتك، والحمالات فى دماء عبس وذبيان أسندت إلى كفالتك «3» ؛ وأن احتيال هرم «4» لعامر وعلقمة حتى رضيا كان عن رأيك؛ وجوابه لعمر وقد سأله عن أيّهما كان ينفّر «5» وقع بعد مشورتك؛
وأنّ الحجّاج «1» تقلّد ولاية العراق بجدّك، وقتيبة «2» فتح ماوراء النهر بسعدك؛ والمهلّب «3» أو هى شوكة الأزارقة بأيدك، وأفسد ذات بينهم بكيدك؛ وأنّ هرمس «4» أعطى بلينوس ما أخذ منك، وأفلاطون «5» أورد على أرسطوطاليس ما حدّث عنك؛
وبطلميوس «1» سوّى الأسطرلاب بتدبيرك، وصوّر الكرة على تقديرك؛ وأبقراط «2» علم العلل والأمراض بلطف حسّك، وجالينوس «3» عرف طبائع الحشائش بدقة نظرك «4» ؛ وكلاهما قلّدك فى العلاج، وسألك عن المزاج؛ واستوصفك تركيب الاعضاء، واستشارك فى الداء والدواء؛ وأنك نهجت لأبى معشر «5» طريق القضاء، وأظهرت
جابر «1» بن حيّان على سرّ الكيمياء؛ وأعطيت النظّام «2» أصلا أدرك به الحقائق، وجعلت للكندىّ «3» رسما استخرج به الدقائق؛ وأن صناعة الألحان اختراعك، وتأليف الأوتار توليدك وابتداعك؛ وأن عبد الحميد «4» بن يحيى بارى أقلامك، وسهل «5» بن
هارون مدوّن كلامك؛ وعمر «1» بن بحر مستمليك، ومالك «2» بن أنس مستفتيك؛ وأنك الذى أقام البراهين، ووضع القوانين؛ وحدّ الماهيّة، وبيّن الكيفيّة والكميّة؛ وناظر فى الجوهر والعرض، وبيّن الصحّة من المرض؛ وفكّ المعمّى، وفصل بين الاسم والمسمّى؛ وضرب وقسّم، وعدل وقوّم؛ وصنّف الأسماء والأفعال، وبوّب الظّرف والحال؛ وبنى وأعرب، ونفى وتعجّب؛ ووصل وقطع، وثنّى وجمع؛ وأظهر وأضمر، وابتدأ وأخبر؛ واستفهم وأهمل وقيّد، وأرسل وأسند، وبحث ونظر، وتصفّح الأديان، ورجّح بين مذهبى مانى وغيلان «3» ؛ وأشار بذبح الجعد «4» ، وقتل بشار «5»
ابن برد؛ وأنك لو شئت خرقت العادات، وخالفت المعهودات؛ فأحلت البحار عذبة، وأعدت السّلام «1» رطبة؛ ونقلت غدا فصار أمسا، وزدت فى العناصر فكانت خمسا؛ وأنك المقول فيه:«كلّ الصيد «2» فى جوف الفرا»
و: ليس على الله بمستنكر
…
أن يجمع العالم فى واحد «3»
والمعنىّ بقول أبى تمّام:
فلو صوّرت نفسك لم تزدها
…
على ما فيك من كرم الطباع
والمراد بقول أبى الطيّب:
ذكر الأنام لنا فكان قصيدة
…
كنت البديع الفرد من أبياتها
ف «كدمت غير «4» مكدم» ونفخت فى غير فحم؛ ولم تجد لرمح مهزّا، ولا لشفرة محزّا؛ بل رضيت من الغنيمة بالإياب، وتمنّيت الرجوع بخفىّ حنين، لأنى قلت لها:
«لقد هان من بالت عليه الثعالب «5» » وأنشدت:
على «6» أنها الأيام قد صرن كلّها
…
عجائب حتى ليس فيها عجائب
ونخرت «1» وكفرت، وعبست وبسرت «2» ؛ وأبدأت وأعدت، [وأبرقت وأرعدت «3» ] و «هممت ولم أفعل وكدت [وليتنى «4» ] » ولولا [أنّ] للجوار ذمّة، وللضيافة حرمة؛ لكان الجواب فى قذال الدّمستق «5» ، ولكنّ النعل حاضرة إن عادت العقرب، والعقوبة ممكنة إن أصرّ المذنب؛ وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك، ملؤها حبيبها، وحسن فيها من تودّ، وكانت إنما حلّتك بحلاك «6» ، ووسمتك بسيامك؛ ولم تعرك شهاده، ولا تكلّفت لك زياده؛ بل صدقتك سنّ بكرها «7» فيما ذكرته عنك، ووضعت الهناء «8» مواضع النّقب فيما نسبته إليك؛ ولم تكن (كاذبة فيما أثنت «9» به عليك) ،
فالمعيدىّ «1» تسمع به لا أن تراه، هجين «2» القذال، أرعن السّبال؛ طويل العنق والعلاوة «3» ، مفرط الحمق والغباوة؛ جافى الطبع، سيّئ الجابة «4» والسّمع؛ بغيض الهيئة، سخيف الذّهاب والجيئة؛ ظاهر الوسواس، منتن الأنفاس؛ كثير المعايب، مشهور المثالب؛ كلامك تمتمة، وحديثك وغمغمة؛ وبيانك فهفهة، وضحكك قهقهة؛ ومشيك هرولة، وغناك مسألة؛ ودينك زندقة، وعلمك مخرقة
مساو «5» لو قسمن على الغوانى
…
لما أمهرن إلا بالطّلاق
حتى إنّ باقلا «6» موصوف بالبلاغة إذا قرن بك، وهبنّقة «7» مستحقّ لاسم العقل إذا نسب منك «8» ، وأبا غبشان «9» محمود منه سداد الفعل إذا أضيف إليك،
وطويسا «1» مأثور عنه يمن الطائر إذا قيس عليك؛ فوجودك عدم، والاغتباط بك ندم؛ والخيبة منك ظفر، والجنّة معك سقر؛ كيف رأيت لؤمك لكرمى كفاء، وضعتك لشرفى وفاء؟ وأنّى جهلت أن الأشياء إنما تنجذب إلى أشكالها، والطير إنّما تقع على ألّافها؟ وهلّا علمت أن الشرق والغرب لا يجتمعان، وشعرت أن نادى المؤمن والكافر لا يتراءيان، وقلت: الخبيث والطيّب لا يستويان «2» ، وتمثلت:
أيها «3» المنكح الثريّا سهيلا
…
عمرك الله كيف يلتقيان
وذكرت أنّى علق لا يباع ممن زاد، وطائر لا يصيده من أراد، وغرض لا يصيبه إلا من أجاد؛ ما أحسبك إلا كنت قد تهيّأت للتهنئة، وترشّحت للترفئة؛ أولى لك، لولا أنّ جرح العجماء «4» جبار، للقيت ما لقى من الكواعب يسار «5» ؛ فما همّ إلا بدون
ما هممت به، ولا تعرّض «1» إلا لأيسر ما تعرّضت له؛ أين ادّعاؤك رواية الأشعار، وتعاطيك حفظ السّير والأخبار؟
بنو دارم أكفاؤهم آل مسمع
…
وتنكح فى أكفائها الحبطات «2»
وهلّا عشّيت «3» ولم تغترّ، وما أمّنك «4» أن تكون وافد البراجم، أو ترجع بصحيفة المتلمّس «5» ، وأفعل بك ما فعله عقيل بن علفة «6» بالجهنىّ إذ جاءه خاطبا فدهن اسنته بزيت وأدناه من قرية «7» النمل؟ ومتى كتر تلاقينا، واتصل ترائينا؛ فيدعونى اليك
ما دعا ابنة «1» الخسّ الى عبدها من طول السواد، وقرب الوساد؟ وهل فقدت الأراقم «2» فأنكح فى جنب «3» ، أو عضلنى «4» همّام بن مرّة فأقول:«زوج من عود، خير من قعود» ؟ ولعمرى لو بلغت هذا المبلغ لارتفعت عن»
هذه الحطّة، وما رضيت بهذه الخطّة؛ ف «النار ولا العار» و «المنيّة ولا الدّنيّة» والحرّة تجوع ولا تأكل بثدييها:
فكيف وفى أبناء قومى منكح
…
وفتيان هزّان «6» الطوال الغرانقة
ما كنت لأتخطّى المسك الى الرّماد، ولا لأمتطى الثّور دون الجواد؛ فإنما يتيمّم من لا يجد ماء، ويرعى الهشيم من عدم الجميم «7» ، ويركب الصّعب من لا ذلول
له؛ ولعلك «1» إنما غرّك من علمت صبوتى اليه، وشهدت مساعفتى له، من أقمار العصر، ورياحين المصر؛ الذين هم الكواكب علوّ همم، والرياض طيب شيم
من تلق منهم تقل: لاقيت سيّدهم
…
مثل النجوم التى يسرى بها السارى «2»
فيحنّ «3» قدح ليس منها؛ ما أنت وهم؟ وأين تقع منهم؟ وهل أنت إلّا واو عمرو فيهم، وكالوشيظة «4» فى العظم بينهم؟ وان كنت إنما بلغت قعر تابوتك «5» ، وتجافيت لقميصك عن بعض قوتك؛ وعطّرت أردانك، وجررت هميانك؛ واختلت فى مشيتك، وحذفت فضول لحيتك؛ وأصلحت شاربك، ومططت حاجبك؛ ودققت خطّ عذارك، واستأنفت عقد إزارك؛ رجاء الا كتتاب «6» فيهم، وطمعا فى الاعتداد منهم؛ فظننت عجزا، وأخطأت استك الحفرة؛ والله لو كساك محرّق «7»
البردين، وحلّتك مارية «1» بالقرطين؛ وقلّدك عمرو «2» بالصّمصامة، وحملك الحارث «3» على النّعامة؛ ما شككت فيك، ولا تكلمت بملء فيك؛ ولا سترت أباك، ولا كنت إلا ذاك؛ وهبك ساميتهم فى ذروة المجد والحسب، وجاريتهم فى غاية الظرف والأدب؛ ألست تأوى الى بيت قعيدته لكاع؟ اذ كلّهم عزب خالى الذراع؛ وأين من أنفرد به، ممن لا أغلب إلا على الأقلّ الأخسّ منه؟ وكم بين من يعتمدنى بالقوّة الظاهرة، والشهوة الوافرة؛ والنفس المصروفة الىّ، واللذة الموقوفة علىّ؛ وبين آخر قد نزحت بيره، ونضب غديره؛ وذهب نشاطه، ولم يبق إلا ضراطه؛ وهل كان يجمع لى فيك إلا الحشف «4» وسوء الكيلة. ويقترن علىّ بك إلا الغدّة والموت فى بيت سلوليّة «5» ؟
تعالى الله يا سلم بن عمرو
…
أذلّ الحرص أعناق الرجال
(وهذا الشعر لأبى العتاهية يخاطب به سلم بن عمرو، ويلومه على حصرصه، ويتلوه) :
هب الدنيا تصير اليك عفوا
…
أليس مصير ذاك الى زوال
ما كان أحقّك بأن تقدر بذرعك، وتربع على ظلعك؛ ولا تكون براقش «6» الدالّة
على أهلها «1» ، وعنز السوء المستثيرة لحتفها؛ فما أراك إلا قد سقط العشاء بك على السّرحان «2» ، وبك لا بظبى أعفر «3» ، قد أعذرت إن أغنيت شيّا، وأسمعت لو ناديت حيّا؛ وقرعت عصا العتاب، وحذّرت سوء العقاب. «إنّ العصا قرعت لذى الحلم» «والشىء «4» تحقره وقد ينمى» . فإن بادرت بالندامة، ورجعت على نفسك بالملامة؛ [كنت «5» ] قد اشتريت العافية لك بالعافية منك؛ وإن قلت:«جعجعة ولا طحنا» و «ربّ صلف تحت الراعدة «6» » وأنشدت:
لا يؤيسنّك من مخبّأة
…
قول تغلّظه وإن جرحا
فعدت لما نهيت عنه، وراجعت ما استعفيت منه؛ بعثت من يزعجك إلى الخضراء «7» دفعا، ويستحثّك نحوها وكزا وصفعا؛ فاذا صرت «8» بها عبث أكّاروها «9»
بك، وتسلّط نواطيرها «1» عليك؛ فمن قرعة معوجّة تقوّم فى قفاك، وفجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك؛ لكى تذوق وبال أمرك، وترى ميزان قدرك.
فمن جهلت نفسه قدره
…
رأى غيره منه ما لا يرى «2» .
وقال أيضا فى رقعة خاطب بها ابن جهور- وهى من رسائله المشهورة- أوّلها:
يا مولاى وسيّدى الذى ودادى له، واعتدادى به، واعتمادى عليه- أبقاك الله ماضى حدّ العزم، وارى زند الأمل، ثابت عهد النعمة- إن سلبتنى أعزّك الله لباس إنعامك، وعطّلتنى من حلى إيناسك، وغضضت عنى طرف حمايتك؛ بعد أن نظر الأعمى الى تأميلى لك، وسمع الأصمّ ثنائى «3» عليك، وأحسّ الجماد باستنادى اليك؛ فلا غرو قد يغصّ بالماء شاربه، ويقتل الدواء المستشفى به، ويؤتى الحذر من مأمنه، وتكون منيّة المتمنّى فى أمنيّته «والحين «4» قد يسبق جهد الحريص» وإنّى لأتجلّد، وأرى الشامتين أنّى لا أتضعضع «5» ، وأقول:
هل أنا إلّا يد أدماها سوارها، وجبين عضّه «1» إكليله، ومشرفىّ «2» الصقه بالأرض صاقله، وسمهرى «3» عرضه على النار مثقّفه، وعبد ذهب «4» سيّده مذهب الذى يقول:
فقسا ليزدجروا «5» ومن يك حازما
…
فليقس أحيانا على من يرحم
والعتب «6» محمود عواقبه، والنّبوة «7» غمرة ثم تنجلى، والنكبة «سحابة صيف عن قريب تقشّع «8» » وسيّدى إن أبطأ معذور «9» .
فإن يكن الفعل الذى ساء واحدا
…
فأفعاله اللاتى سررن ألوف «10»
فليت شعرى ما الذنب الذى أذنبت ولم يسعه العفو؟ ولا أخلو من أن أكون بريئا فأين العدل؟ أو مسيئا فأين الفضل؟ وما أرانى إلا لو أمرت بالسجود لآدم فأبيت واستكبرت، وقال لى نوح:«اركب معنا» فقلت: «سآوى إلى جبل يعصمنى
من الماء» وتعاطيت فعقرت «1» ، وأمرت ببناء صرح لعلّى أطّلع إلى إله موسى «2» ، وعكفت على العجل «3» ، واعتديت فى السّبت «4» ، وشربت من النهر الذى ابتلى به جنود طالوت «5» ، وقدت الفيل لأبرهة «6» ، وعاهدت قريشا على ما فى الصحيفة «7» ، وتأوّلت فى بيعة العقبة «8» ،
ونفرت الى العير ببدر «1» ، وانخذلت «2» بثلث الناس يوم أحد، وتخلّفت عن صلاة العصر فى بنى قريظة «3» ، وجئت بالإفك على عائشة «4» ، وأبيت «5» من إمارة أسامة،
وزعمت أن خلافة أبى بكر كانت فلتة «1»
…
وروّيت رمحى من كتيبة خالد «2»
ومزّقت الأديم الذى باركت يد الله فيه «3» ، وضحّيت بالأشمط الذى عنوان السجود به «4» ، وكتبت الى عمر بن سعد [أن] جعجع «5» بالحسين، وبذلت لقطام.
ثلاثة آلاف وعبدا وقينة
…
وضرب علىّ بالحسام المخذّم «1»
وتمثّلت عند ما بلغنى من وقعة الحرّة «2» :
ليت أشياخى ببدر شهدوا
…
جزع الخزرج من وقع الأسل «3»
قد قتلنا القرن «4» من أشياخهم
…
وعدلناه ببدر فاعتدل «5»
ورجمت الكعبة «6» ، وصلبت العائذ بها على الثنيّة؛ لكان فيما جرى علىّ ما يحتمل أن يسمّى نكالا، ويدعى ولو على المجز عقابا.
وحسبك من حادث بامرئ
…
يرى حاسديه له راحمينا
فكيف ولا ذنب إلا نميمة أهداها كاشح، ونبأ جاء به فاسق؛ والله ما غششتك بعد النصيحة، ولا انحرفت عنك بعد الصاغية «1» ، ولا نصبت «2» لك بعد التشيّع فيك، ففيم عبث الجفاء بأذمّتى، وعاث فى مودّتى «3» ؟ وأنّى غلبنى المغلّب، وفخر علىّ الضعيف «4» ، ولطمتنى غير ذات سوار «5» ؟ وما لك لم تمنع منى قبل أن أفترس، وتدركنى ولمّا أمزّق «6» ، [أم كيف لا تتضرّم «7» جوانح الأكفاء حسدا لى على الخصوص بك، وتتقطّع أنفاس
النّظراء منافسة فى الكرامة عليك] وقد زاننى اسم خدمتك، [وزهانى وسم نعمتك «1» ] وأبليت [البلاء «2» ] الجميل فى «3» سماطك، وقمت المقام المحمود على بساطك.
ألست الموالى فيك نظم قصائد
…
هى الأنجم اقتادت مع الليل أنجما «4»
وهل لبس الصباح إلا بردا طرّزته بمحامدك، وتقلّدت الجوزاء إلا عقدا فصّلته بمآثرك، وبثّ المسك إلا حديثا أذعته «5» بمفاخرك؛ «ما يوم حليمة «6» بسرّ» وحاش لله أن أعدّ من العاملة الناصبة، وأكون كالذّبالة المنصوبة تضىء للناس وهى تحترق.
وفى فصل منه: ولعمرى ما جهلت [أن]«7» الرأى فى أن أتحوّل إذا بلغتنى الشمس، ونبا بى المنزل، وأضرب عن المطامع التى تقطع أعناق الرجال، ولا أستوطئ العجز فيضرب بى المثل:«خامرى «8» أمّ عامر» وإنى مع المعرفة بأن الجلاء
سباء، «1» والنّقلة مثلة، لعارف أن الأدب الوطن الذى لا يخشى «2» فراقه، والخليط الذى لا يتوقّع زواله «3» ؛ والنّسب «4» الذى لا يخفى، [والجمال [الذى] لا يخفى؛ ثم ما قران السّعد للكواكب أبهى أثرا، ولا أسنى خطرا، من اقتران غنى النفس به، وانتظامها نسقا معه؛ فإنّ الحائز لهما، الضارب بسهم فيهما- وقليل ما هم «5» -] أينما توجّه ورد منهل برّ، وحطّ «6» فى جناب قبول، وضوحك قبل إنزال رحله «7» ، وأعطى حكم الصبىّ على أهله
وقيل له: أهلا وسهلا ومرحبا
…
فهذا مبيت صالح وصديق
غير أنّ الموطن محبوب، والمنشأ مألوف؛ واللبيب يحنّ إلى وطنه، [حنين النجيب «8» إلى عطنه] ؛ والكريم لا يجفو أرضا فيها قوابله، ولا ينسى بلدا فيه مراضعه؛ وأنشد قول الأوّل:
أحبّ بلاد الله ما بين منعج «9»
…
إلىّ وسلمى «10» أن يصوب سحابها
بلاد بها «1» عقّ الشّباب تمائمى
…
وأوّل أرض مسّ جلدى ترابها
هذا إلى مغالاتى فى تعلّق «2» جوارك، ومنافستى فى الحظّ من قربك، واعتقادى أنّ الطمع فى غيرك طبع «3» ، والغنى من سواك عناء، والبدل منك أعور «4» ، والعوض لفاء «5» .
وإذا نظرت إلى أميرى زادنى
…
ضنّا به نظرى إلى الأمراء «6»
«كلّ الصّيد فى جوف الفرا» و «فى كلّ شجر نار، واستمجد المرخ «7» والغفار» ؛ فما هذه البراءة ممن تولّاك، والميل عمّن يميل إليك؟ وهلّا كان هواك فيمن هواه فيك، ورضاك لمن رضاه لك؟
يا من «1» يعزّ علينا أن نفارقهم
…
وجداننا كلّ شىء بعدكم عدم
أعيذك ونفسى من أن «2» أشيم خلّبا، واستمطر جهاما «3» ، وأكدم غير مكدم، وأشكو شكوى الجريح إلى العقبان والرّخم؛ وإنما أبسست «4» لك لتدرّ، وحرّكت لك الحوار «5» لتحنّ؛ وسريت لك «6» ليحمد المسرى «7» إليك؛ بعد اليقين من أنك إن شئت عقد أمرى تيسّر، ومتى أعذرت فى فكّ أسرى «8» لم يتعذّر؛ وعلمك يحيط بأنّ المعروف ثمرة النعمة، والشفاعة زكاة المروءة، وفضل الجاه تعود به صدقة.
واذا امرؤ «9» أسدى إليك صنيعة
…
من جاهه فكأنّها من ماله
لعلّى ألقى العصا بذراك «10» ، وتستقرّ بى النوى فى ظلّك، فتستلذّ جنى شكرى من غرس عارفتك، وتستطيب عرف ثنائى من روض صنيعتك؛ وأستأنف التأدّب
بأدبك «1» ، والاحتمال على مذهبك؛ فلا أوجد للحاسد مجال لحظة، ولا أدع للقادح مساغ لفظة؛ والله ميسّرك «2» من إطلابى هذه الطّلبة «3» ، وإشكائى «4» من هذه الشكوى لصنيعة تصيب بها طريق المصنع، ويد تستودعها أحفظ مستودع؛ حسبما أنت خليق له، وأنا منك حرىّ به؛ فذلك بيده، وهيّن «5» عليه. وشفعها بأبيات فقال:
الهوى فى طلوع تلك النجوم
…
والمعنى فى هبوب ذاك النسيم
سرّنا عيشنا الرقيق الحواشى
…
لو يدوم السرور للمستديم
وطر ما انقضى إلى أن تقضّى
…
زمن ما ذمامه بالذّميم
زار مستخفيا وهيهات أن يخ
…
تفى البدر فى الظلام البهيم
فوشى الحلى إذ مشى وهفا الطّي
…
ب إلى حيث كاشح بالنّميم
أيها المؤذنى بظلم الليالى
…
ليس يومى بواحد «6» من ظلوم
ما ترى البدر إن تأمّلت والشم
…
س هما «1» يكفان دون النجوم
وهو الدهر ليس ينفك ينحو
…
بالمصاب العظيم نحو العظيم
بوّأ الله جهورا أشرف السّؤد
…
د فى السّرّ «2» واللّباب الصميم
واحد سلّم الجميع له الفض
…
ل وكان الخصوص وفق العموم
قلّد الغمر ذا التجارب «3» فيه
…
واكتفى جاهل بعلم عليم
ومنها فى ذكر اعتقاله:
سقم لا أعاد منه وفى الع
…
ائد أنس يفى ببرء السقيم
نار بغى سرت إلى جنّة الأر
…
ض بياتا فأصبحت كالصريم
بأبى أنت إن «4» تشأتك بردا
…
وسلاما كنار إبراهيم
للشفيع الثناء «5» ، والحمد فى صو
…
ب الحيا للرياح لا للغيوم
ثم قال: هاكها أعزّك الله يبسطها الأمل، ويقبضها الخجل؛ لها ذنب التقصير، وحرمة الإخلاص، فهب ذنبا لحرمة، واشفع نعمة بنعمة؛ لتأتى الإحسان من جهاته، وتسلك الفضل من طرقاته؛ إن شاء الله تعالى.