الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم النظر فى أيام العرب ووقائعهم وحروبهم
،
وتسمية الأيام التى كانت بينهم، ومعرفة يوم كل قبيلة على الأخرى، وما جرى بينهم فى ذلك من الأشعار والمنافسات، لما فى ذلك من العلم بما يستشهد به من واقعة قديمة، أو يرد عليه فى مكاتبة من ذكر يوما مشهورا، أو فارسا معيّنا. وسنذكر ذلك إن شاء الله تعالى فى فنّ التاريخ على ما ستقف عليه؛ فإن صاحب هذه الصناعة إذا لم يكن عارفا بأيام العرب، عالما بما جرى فيها لم يدر كيف يجيب عمّا «1» يرد عليه من مثلها، ولا ما يقول إذا سئل عنها، وحسبه ذلك نقصا فى صناعته وقصورا.
ثم النظر فى التواريخ ومعرفة أخبار الدول
،
لما فى ذلك من الاطلاع على سير الملوك وسياساتهم، وذكر وقائعهم ومكايدهم فى حروبهم، وما اتفق لهم من التجارب؛ فإن الكاتب قد يضطرّ إلى السؤال عن أحوال من سلف، أو يرد عليه فى كتاب ذكر واقعة بعينها، أو يحتجّ عليه بصورة قديمة فلا يعرف حقيقتها من مجازها؛ وقد أوردنا فى فن التاريخ ما لا يحتاج الكاتب معه إلى غيره من هذا الفن.
ثم حفظ أشعار العرب ومطالعة شروحها
،
واستكشاف غوامضها والتوفّر على ما اختاره العلماء بها «2» منها، كالحماسة، والمفضّليّات، والأصمعيّات، وديوان الهذليّين، وما أشبه ذلك، لما فى ذلك من غزارة الموادّ، وصحّة الاستشهاد، والاطلاع على أصول اللّغة، ونوادر العربيّة؛ وقد كان الصدر الأول يعتنون بذلك غاية الاعتناء، وقد حكى أن الإمام الشافعىّ رحمه الله كان يحفظ ديوان هذيل؛ فإذا أكثر المترشّح للكتابة من حفظ ذلك وتدبّر معانيه سهل عليه حلّه، وظهرت له مواضع
الاستشهاد به، وساقه الكلام إلى إبراز ما فى ذخيرة حفظه منه، ووضعه فى مكانه ونقله فى الاستشهاد والتضمين الى ما كأنه وضع له، كما اتفق للقاضى أبى بكر «1» الأرّجانىّ فى تضمين أنصاف أبيات العرب فى بعض قصائده، فقال:
وأهد الى الوزير المدح يجعل
…
«لك المرباع «2» منها والصفايا»
ورافق رفقة حلّوا إليه
…
«فآبوا «3» بالنهاب وبالسبايا»
وقل للراحلين الى ذراه
…
«ألستم «4» خير من ركب المطايا»
ولا تسلك سوى طرقى فإنّى
…
«أنا «5» ابن جلا وطلّاع الثّنايا»
وقال بديع الزمان الهمذانىّ:
أنا لقرب دار مولاى «كما طرب التشوان مالت به الخمر» ومن الارتياح إلى لقائه كما انتفض العصفور بلله القطر» ومن الامتزاج بولائه «كما التقت الصهباء والبارد العذب» ومن الابتهاج بمزاره «كما اهتزّ تحت البارح «6» الغصن الرطب» .
وكما قال ابن القرطبىّ وغيره فى رسائلهم على ما نذكره إن شاء الله تعالى.