الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما المقارنة
- فهى أن يقرن الشاعر الاستعارة بالتشبيه أو المبالغة أو غير ذلك بوصل يخفى أثره إلّا على مدمن النظر فى هذه الصناعة، وأكثر ما يقع ذلك بالجمل الشرطيّة، كقول بعض «1» شعراء المغرب:
وكنت إذا استنزلت من جانب الرضى
…
نزلت نزول الغيث فى البلد المحل
وإن هيّج الأعداء منك حفيظة
…
وقعت وقوع النار فى الحطب الجزل
فإنه لاءم بين الاستعارة والتشبيه المنزوع الأداة «2» فى صدرى بيتيه وعجزيهما.
وأما ما قرنت به الاستعارة من المبالغة فمثاله قول النابغة الذّبيانىّ:
وأنت ربيع ينعش الناس سيبه
…
وسيف أعيرته المنيّة قاطع
فإن فى كل من صدر البيت وعجزه استعارة ومبالغة، وإنما التى فى العجز أبلغ.
ومما اقترن فيه الإرداف بالاستعارة قول تميم بن مقبل:
لدن غدوة حتى نزعنا عشيّة
…
وقد مات شطر الشمس والشّطر مدنف
فإنه عبّر بموت شطر الشمس عن الغروب، واستعار الدّنف للشطر الثانى.
وأما الإبداع
- فهو أن يأتى فى البيت الواحد من الشّعر، أو القرينة الواحدة من النثر بعدّة ضروب من البديع بحسب عدد كلماته أو جمله، وربما كان فى الكلمة الواحدة المفردة ضربان من البديع، ومتى لم تكن كلّ كلمة بهذه المثابة فليس بإبداع قال ابن أبى الإصبع: وما رأيت فيما استقريت من الكلام كآية استخرجت منها أحدا وعشرين ضربا من المحاسن، وهى قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ
وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
: وهى المناسبة التامّة فى «ابلعى» و «أقلعى» ؛ والمطابقة بذكر الأرض والسماء؛ والمجاز فى قوله: «يا سماء» ، فإن المراد- والله أعلم- يا مطر السماء؛ والاستعارة فى قوله تعالى:«أَقْلِعِي»
؛ والإشارة فى قوله تعالى: «وَغِيضَ الْماءُ»
فإنه عبّر بهاتين اللفظتين عن معان كثيرة؛ والتمثيل فى قوله تعالى: «وَقُضِيَ الْأَمْرُ» *
فإنه عبّر عن هلاك الهالكين ونجاة الناجين بغير لفظ المعنى الموضوع له؛ والإرداف فى قوله:
«وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ»
فإنه عبّر عن استقرارها بهذا المكان استقرارا متمكّنا بلفظ قريب من لفظ المعنى؛ والتعليل، لأن غيض الماء علّة الاستواء؛ وصحة التقسيم إذ استوعب الله تعالى أقسام أحوال الماء حالة نقصه، إذ ليس إلا احتباس ماء السماء، واحتقان الماء الذى ينبع من الأرض، وغيض الماء الحاصل على ظهرها؛ والاحتراس فى قوله تعالى:«وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»
إذ الدعاء عليهم يشعر أنهم مستحقّو الهلاك احتراسا من ضعيف العقل يتوهّم أن العذاب شمل من يستحقّ ومن لا يستحقّ، فتأكّد بالدعاء كونهم مستحقّين؛ والإيضاح فى قوله:«لِلْقَوْمِ» *
ليبيّن أن القوم الذين سبق ذكرهم فى الآية المتقدّمة حيث قال: (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ)
هم الذين وصفهم بالظلم ليعلم أن لفظة القوم ليست فضلة وأنه يحصل بسقوطها لبس فى الكلام؛ والمساواة لأن لفظ الآية لا يزيد على معناها؛ وحسن النّسق، لأنه تعالى عطف القضايا بعضها على بعض بحسن ترتيب؛ وائتلاف اللفظ مع المعنى، لأن كلّ لفظة لا يصلح موضعها غيرها؛ والإيجاز، لأنه سبحانه وتعالى اقتصّ القصّة بلفظها مستوعبة بحيث لم يخلّ منها بشىء فى أقصر عبارة؛ والتسهيم، لأن أوّل الآية الى قوله:«أَقْلِعِي»