الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الناس من استعمل الفصاحة والبلاغة بمعنى واحد فى الألفاظ والمعانى والأكثرون عليه.
ذكر صفة البلاغة
قيل لعمرو بن عبيد: ما البلاغة؟ قال: ما بلّغك الجنّة، وعدل بك عن النار؛ قال السائل «1» : ليس هذا أريد؛ قال: فما بصّرك مواقع رشدك وعواقب غيّك؛ قال:
ليس هذا أريد؛ قال: من لم يحسن أن يسكت لم يحسن أن يسمع، ومن لم يحسن أن يسمع لم يحسن أن يسأل، ومن لم يحسن أن يسأل لم يحسن أن يقول؛ قال:
ليس هذا أريد؛ قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: «إنّا «2» معشر النبيّين بكاء» - أى قليلوا الكلام، وهو جمع بكىء- وكانوا يكرهون أن يزيد منطق الرجل على عقله؛ قال السائل: ليس هذا أريد؛ قال: فكأنك تريد تخيّر اللفظ فى حسن إفهام؛ قال:
نعم؛ قال: إنّك إن أردت تقرير حجّة الله فى عقول المتكلمين، وتخفيف المؤونة على المستمعين، وتزيين المعانى فى قلوب المستفهمين بالألفاظ الحسنة رغبة فى سرعة استجابتهم، ونفى الشّواغل عن قلوبهم بالمواعظ الناطقة عن الكتاب والسّنة كنت قد أوتيت فصل الخطاب.
وقيل لبعضهم: ما البلاغة؟ قال: معرفة الوصل من الفصل. وقيل لآخر:
ما البلاغة؟ قال: ألّا يؤتى القائل من سوء فهم السامع، ولا يؤتى السامع من سوء بيان القائل.
وقيل للخليل بن أحمد: ما البلاغة؟ فقال: ما قرب طرفاه، وبعد منتهاه.
وقيل لبعض البلغاء: من البليغ؟ قال: الذى إذا قال أسرع، وإذا أسرع أبدع وإذا أبدع حرّك كلّ نفس بما أودع.
وقالوا: لا يستحقّ الكلام اسم البلاغة حتى يكون معناه الى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك.
وسأل معاوية صحارا «1» العبدىّ: ما هذه البلاغة؟ قال: أن تجيب فلا تبطئ وتصيب فلا تخطئ «2» .
وقال الفضل: قلت لأعرابىّ: ما البلاغة؟ قال: الإيجاز فى غير عجز والإطناب فى غير خطل.
وقال قدامة: البلاغة ثلاثة مذاهب: المساواة وهو مطابقة اللفظ المعنى لا زائدا ولا ناقصا؛ والإشارة وهو أن يكون اللفظ كاللّمحة الدالّة؛ والدليل وهو إعادة الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد، ليظهر لمن لم يفهمه، ويتأكد عند من فهمه.
قال بعض الشعراء:
يكفى قليل كلامه وكثيره
…
بيت إذا طال النّضال مصيب
وقال أحمد بن محمد بن عبد ربّه صاحب العقد: البلاغة تكون على أربعة أوجه: تكون باللفظ والخط والإشارة والدّلالة، وكل وجه منها له حظ من البلاغة والبيان، وموضع لا يجوز فيه غيره، وربّ إشارة أبلغ من لفظ.