الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القلم، وانزوت أحشاء القرطاس، وأجرّ «1» فم الفكر، فلم يبق فى أحدها إسعاد لى على مكاتبتك، ولا بشاشة عند محاولة مخاطبتك- لقوارص «2» عتابك، وقوارع ملامك [التى أكلت أقلامك «3» ] ، وأغصّت «4» كتبك، وأضجرت رسلك، وضميرى طاو لم يطعم تجنيا عليك، ونفسى وادعة لم تحرّك ذنبا إليك، وعقدى مستحكم «5» لم يمسسه وهن فيك؛ وأنا الآن على طرف الإخاء معك، فإما أن تبهرنى بحجّة فأتنصّل «6» عندك، وإما أن تفى بحقيقة فأستديم خلّتك «7» ، وإما أن تأزم «8» على يأسك فأقطع حبلى منك؛ كثيرا ما يكون عتاب المتصافين حيلة تسبر المودّة بها، وتستثار دفائن «9» الأخوة عنها، كما يعرض الذهب على اللهب، ويصفّى المدام بالفدام «10» ، وقد يخلص الودّ على العتب خلوص الذهب على السبك، فأما إذا أعيد وأبدى وردّد وتوالى فإنه يفسد غرس الإخاء، كما يفسد الزرع توالى الماء.
ومن كلام أبى الوليد بن طريف
من جواب عن المعتمد الى ذى الوزارتين ابن يحفور صاحب شاطبة بسبب أبى بكر بن عمّار:
وقفت «1» على «2» الإشارة الموضوعة من قبلك على إخلاص دلّ «3» على وجوه السلامة، المستنام فيها الى شرف محتدك وصفاء معتقدك أكرم استنامة؛ بالشفاعة فيمن أساء لنفسه حظّ الاختيار، وسبّب لها سبب النكبة والعثار؛ بغمطه لعظيم النعمة؛ وقطعه لعلائق العصمة؛ وتخبّطه فى سنن غيّه واستهدافه، وتجاوزه فى «4» ارتكاب الجرائم وإسرافه؛ حتى لم يدع للصلح موضعا، وخرق ستر الإبقاء بينه وبين مولى النعمة عنده فلم يترك فيه مرقعا؛ وقد كان قبل استشراء رأيه، وكشفه لصفحة المعاندة، وإبدائه غدره فى جميع جناياته مقبولا، وجانب الصفح له معرّضا مبذولا؛ لكن عدته جوانب الغواية، عن طرق الهداية؛ فاستمرّ على ضلاله، وزاغ عن سنن اعتداله؛ وأظهر المناقضة، وتعرّض بزعمه الى المساورة والمعارضة؛ فلم يزل يريغ «5» الغوائل، وينصب الحبائل؛ ويركب فى العناد أصعب المراكب، ويذهب منه فى أوعر المذاهب؛ حتى علقته تلك الأشراك التى نصبها، وتشبّثت به مساوى المقدّمات التى جرّها وسبّبها؛ فذاق وبال فعله، «ولا يحيق المكر السّىّء إلّا بأهله» ولم يحصل فى الأنشوطة التى تورّطها، والمحنة التى اشتملت عليه وتوسّطها؛ إلا ووجه العفو له قد أظلم، وباب الشفاعة فيه قد ابهم «6» ؛ ومن تأمّل أفعاله الذميمة، ومذاهبه اللئيمة؛ رأى أنّ الصفح عنه بعيد، والإبقاء عليه داء حاضر عتيد.
وفى فصل منه: ففوّق لمناضلة الدولة نباله، وأعمل فى مكايدها جهده واحتياله؛ ثم لم يقتصر على ذلك بل تجاوزه الى إطلاق لسانه بالذمّ الذى صدر عن
لؤم نجاره، والطعن الشاهد بخبث طويّته وإضماره؛ ومن فسد هذا الفساد كيف يرجى استصلاحه، ومن استبطن مثل غلّه كيف يؤمّل فلاحه؛ ومن لك بسلامة الأديم «1» النّغل، وصفاء القلب الدّغل؛ وعلى ذلك فلا أعتقد عليك فيما عرضت به من وجه الشفاعة غير الجميل، ولا أتعدّى فيه حسن التأويل؛ ولو وفدت شفاعتك فى غير هذا الأمر الذى سبق فيه السيف العذل، وأبطل عاقل «2» الأقدار فيه الإلطاف والحيل؛ لتلقّيت بالإجلال، وقوبلت ببالغ المبرّة والاهتبال «3» .
ومن كلام ذى الوزارتين أبى «4» المغيرة بن حزم من رسالة.
لم أزل أزجر للقاء سيّدى السانح، وأستمطر الغادى والرائح «5» ؛ وأروم اقتناصه ولو بشرك المنام، وأحاول اختلاسه ولو بأيدى الأوهام؛ وأعاتب الأيّام فيه فلا تعتب، وأقودها اليه فلا تصحب؛ حتى إذا غلب الياس، وشمت الناس؛ وضربت بى الأمثال، فقيل: أكثر الآمال ضلال؛ تنبّه الدهر من رقدته، وحلّ من عقدته؛ وقبل منّى، وأظهر الرضى عنّى؛ وقال: دونك ما طمح «6» فقد سمح «7» ، وإليك فقد دنا ما قد جمح؛ فطرت بجناح الارتياح، وركبت الى الغمام كواهل الرّياح؛ وقلت:
فرصة تغتنم، وركن يستلم؛ وطرقت روضة [العلم «8» ] عميمة الأزهار، فصيحة الأطيار؛