الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشاعر «1» :
وكأنّ أحرف خطّه شجر
…
والشكل فى أغصانه «2» ثمره «3» .
وأما ما قيل فى حسن الخطّ وجودة الكتابة ومدح الكتّاب والكتاب
.
قال علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه: الخط الحسن يزيد الحقّ وضوحا.
وقال: حسن الخطّ إحدى البلاغتين.
وقال عبيد الله بن العباس: الخط لسان اليد. وقال جعفر بن يحيى: الخطّ سمط «4» الحكمة، به تفصّل شذورها، وينتظم منثورها؛ وقال أبو هلال العسكرىّ:
الكتب عقل شوارد الكلم
…
والخطّ خيط فى يد الحكم
والخطّ نظّم كلّ منتثر
…
منها وفصّل كلّ منتظم
والسيف وهو بحيث تعرفه
…
فرض عليه عبادة القلم.
وقد اختلف الناس فى الخطّ واللفظ، فقال بعضهم: الخطّ أفضل من اللفظ لأن اللفظ يفهم الحاضر، والخطّ يفهم الحاضر والغائب.
قالوا: ومن أعاجيب الخطّ كثرة اختلافه والأصل فيه واحد، كاختلاف صور الناس مع اجتماعهم فى الصبغة. قال الصّولى «5» : سئل بعض الكتاب عن الخطّ متى
يستحقّ أن يوصف بالجودة؟ قال: اذا اعتدلت أقسامه، وطالت ألفه ولامه؛ واستقامت سطوره، وضاهى سعوده حدوره؛ وتفتّحت عيونه، ولم تشتبه راؤه ونونه؛ وأشرق قرطاسه، وأظلمت أنقاسه «1» ، ولم تختلف أجناسه؛ وأسرع الى العيون تصوّره، والى القلوب ثمره «2» ؛ وقدّرت فصوله، [واندمجت «3» وصوله، وتناسب دقيقه وجليله] ؛ وتساوت أطنابه، واستدارت أهدابه؛ وخرج عن [نمط «4» الورّاقين]، وبعد عن تصنّع المحرّرين؛ [وقام لكاتبه «5» مقام النسبة والحلية] وكان حينئذ كما قلت فى صفة الخطّ:
اذا ما تخلّل قرطاسه
…
وساوره القلم الأرقش «6»
تضمّن من خطّه حلّة
…
كمثل الدنانير أو أنقش
حروف تكون لعين الكليل
…
نشاطا ويقرؤها الأخفش «7»
وقال ابن المعتزّ:
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه
…
تفتّح نورا أو تنظّم جوهرا
وقيل لبعضهم: كيف رأيت ابراهيم الصّولىّ؟ فقال:
يؤلّف اللّؤلؤ المنثور منطقه
…
وينظم الدرّ بالأقلام فى الكتب
وقال آخر «1» :
أضحكت قرطاسك عن جنّة
…
أشجارها من حكم مثمره
مسودّة سطحا ومبيضّة
…
أرضا «2» كمثل الليلة المقمره
وقال آخر:
كتبت فلولا أن هذا محلّل
…
وذاك حرام قست خطّك بالسحر
فو الله ما أدرى أزهر خميلة
…
بطرسك أم درّ يلوح على نحر
فان كان زهرا فهو صنع سحابة
…
وإن كان درّا فهو من لجج البحر
وقال آخر:
وكاتب يرقم فى طرسه
…
روضا به ترتع ألحاظه
فالدرّ ما تنظم أقلامه
…
والسحر ما تنثر ألفاظه
وقال آخر:
وشاذن من بنى الكتّاب مقتدر
…
على البلاغة أحلى الناس إنشاء
فلا يجاريه فى ميدانه أحد
…
يريك سحبان فى الإنشاء إن شاء
وقال آخر:
إن هزّ أقلامه يوما ليعملها
…
أنساك كلّ كمىّ هزّ عامله «3»
وإن أمرّ على رقّ «4» أنامله
…
أقرّ بالرّق كتّاب الأنام له
وقال أبو الفتح كشاجم:
واذا نمنمت بنانك خطّا
…
معربا عن بلاغة وسداد
عجب الناس من بياض معان
…
تجتنى من سواد ذاك المداد
وقال الممشوق «1» الشامىّ شاعر اليتيمة:
لا يخطر الفكر فى كتابته
…
كأنّ أقلامه لها خاطر
القول والفعل يجريان معا
…
لا أوّل فيهما ولا آخر
قال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: الكتاب نعم الذّخر والعقدة «2» ، ونعم الجليس والعمدة، ونعم النّشرة «3» والنّزهة، ونعم المستغلّ والحرفة، ونعم الأنيس ساعة الوحدة ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدّخيل، والوزير والنّزيل؛ والكتاب وعاء ملئ علما، وظرف حشى ظرفا، وإناء شحن مزاحا وجدّا، إن شئت كان أبين من سحبان وائل، وإن شئت كان أعيا من باقل، وإن شئت ضحكت من نوادره وعجبت من غرائب فوائده، وإن شئت ألهتك نوادره، وإن شئت شجتك مواعظه ومن لك بواعظ مله، وبزاجر مغر، وبناسك فاتك، وناطق أخرس، وببارد حارّ ومن لك بطبيب أعرابىّ، وبرومىّ «4» هندىّ، وفارسىّ يونانىّ، وبقديم مولّد، وبميت ممتع، ومن لك بشىء يجمع لك الأوّل والآخر، والناقص والوافر، والشاهد والغائب
والرفيع والوضيع، والغثّ والسمين، والشكل وخلافه، والجنس وضدّه؛ وبعد: فمتى رأيت بستانا يحمل فى ردن «1» ؟ وروضة تقلّب فى حجر؟ ينطق عن الموتى، ويترجم كلام الأحيا، ومن لك بمؤنس لا ينام إلّا بنومك، ولا ينطق إلّا بما تهوى، «آمن من الأرض» وأكتم للسر من صاحب السرّ، وأضبط لحفظ الوديعة من أرباب الوديعة، وأحضر لما استحفظ من الأمّيين، ومن الأعراب المعربين، بل من الصّبيان قبل اعتراض الأشغال، ومن العميان قبل التمتّع بتمييز الأشخاص، حين العناية تامة لم تنتقص والأذهان فارغة لم تقتسم، والإرادات وافرة لم تستعتب «2» ، والطينة لينة فهى أقبل ما تكون للطابع، والقضيب رطب فهو أقرب ما يكون للعلوق، حين هذه الخصال لم يلبس جديدها، ولم تتفرّق قواها، وكانت كقول الشاعر:
أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى
…
فصادف قلبى فارغا فتمكّنا
وقال ذو الرمّة لعيسى بن عمر: اكتب شعرى، فالكتاب أعجب إلى من الحفظ لأن الأعرابىّ ينسى الكلمة قد تعب فى طلبها يوما أو ليلة، فيضع موضعها كلمة فى وزنها «3» لم ينشدها الناس، والكتاب لا ينسى ولا يبدّل كلاما بكلام. قال: ولا أعلم جارا أبرّ، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلّما أخضع، ولا صاحبا أظهر كفاية، ولا أقلّ خيانة، ولا أقلّ إبراما وإملالا، ولا أقل خلافا وإجراما ولا أقلّ غيبة، ولا أكثر أعجوبة وتصرّفا، ولا أقلّ صلفا وتكلّفا، ولا أبعد من مراء، ولا أترك لشغب، ولا أزهد فى جدال، ولا أكفّ عن قتال من كتاب؛ ولا أعلم شجرة أطول عمرا، ولا أجمع «4» أمرا، ولا أطيب ثمرة، ولا أقرب مجتنى