الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتخلّوا عنها، وأطلقوا عقالها، وخلّوا سبيلها، ينتدب إليها آل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين شرّدتموهم فى البلاد، ومزّقتموهم فى كل واد، بل تثبت فى أيديكم لانقضاء المدّة، وبلوغ المهلة، وعظم المحنة؛ إنّ لكلّ قائم قدرا «1» لا يعدوه، ويوما لا يخطوه، وكتابا بعده يتلوه، «لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها» «وسيعلم الّذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون» . ثم التمس الرجل فلم يوجد.
ومن كلام قطرىّ بن الفجاءة
-
وكان من البلغاء الأبطال، فمن ذلك خطبته المشهورة التى قال فيها:
أما بعد، فإنى أحذّركم الدنيا فإنها حلوة خضرة، حفّت بالشهوات، وراقت بالقليل، وتحببت بالعاجلة، وحليت بالآمال، وتزيّنت بالغرور؛ لا تقوم «2» نضرتها، ولا تؤمن فجيعتها؛ غرّارة ضرّارة، وحائلة زائلة، ونافدة بائدة «3» ، أكّالة غوّالة؛ لا تعدو اذا تناهت الى أمنيّة أهل الرغبة فيها والرضا عنها أن تكون كما قال الله تعالى: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً
مع أن امرا لم يكن معها «4» فى حبرة (أى السرور) ، إلا أعقبته بعدها حسرة، ولم يلق من سرّائها بطنا إلا منحته من ضرّائها ظهرا، ولم تصله «5» غيثة رخاء، إلّا هطلت عليه مزنة بلاء؛ وحريّة اذا أصبحت له منتصرة، أن
تمسى [له «1» ] خاذلة متنكّره؛ وإن جانب منها اعذوذب واحلولى، أمرّ عليه منها جانب وأوبا «2» ، فإن أتت امرأ من غصونها «3» ورقا أرهقته من نوائبها تعبا، ولم يمس منها امرؤ فى جناح أمن إلا أصبح منها «4» فى قوادم خوف، غرّارة غرور ما فيها، فانية فان من عليها؛ لا خير من شىء من زادها إلا التقوى، من أقلّ منها استكثر مما يؤمّنه ومن استكثر منها استكثر مما يوبقه ويطيل حزنه، ويبكى عينه؛ كم واثق بها قد فجعته، وذى حلم تنبّه إليها قد صرعته، وذى احتيال فيها قد خدعته؛ وكم ذى أبّهة فيها قد صيّرته حقيرا، وذى نحوة قد ردّته ذليلا، ومن «5» ذى تاج قد كبّته لليدين والفم؛ سلطانها دول، وعيشها رنق (أى الماء الكدر) وعذبها أجاج، وحلوها صبر، وغذاؤها سمام، وأسبابها «6» رمام، وقطافها «7» سلع؛ حيّها بعرض موت، وصحيحها «8» بعرض سقم، ومنيعها بعرض اهتضام؛ وملكها مسلوب، وعزيزها مغلوب، وسليمها منكوب وجارها محروب؛ مع أنّ وراء ذلك سكرات الموت، وهول المطّلع، والوقوف بين يدى الحكم العدل «ليجزى الّذين أساؤا بما عملوا ويجزى الّذين أحسنوا بالحسنى»
ألستم فى مساكن من كان قبلكم أطول منكم أعمارا، وأوضح منكم آثارا؛ وأعد عديدا، وأكثف جنودا، وأشدّ عقودا، تعبّدوا «1» للدنيا أىّ تعبّد، وآثروها أىّ إيثار، وظعنوا «2» بالكره والصّغار، فهل بلغكم أنّ الدنيا سمحت لهم نفسا بفدية، أو أغنت عنهم فيما قد أهلكتهم بخطب «3» ؟ بل قد أرهقتهم بالفوادح، وضعضعتهم بالنوائب، وعقرتهم بالفجائع؛ وقد رأيتم تنكّرها لمن رادها وآثرها وأخلد إليها، حين ظعنوا عنها لفراق الأبد، الى آخر المسند «4» ؛ هل زوّدتهم إلا السّغب، وأحلّتهم إلا الضّنك، أو نوّرت لهم إلا الظّلمة، أو أعقبتهم إلّا الندامة؟ أفهذه تؤثرون، أم على هذه تحرصون، أم إليها تطمئنون؟ يقول الله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ
فبئست الدار لمن أقام فيها، فاعلموا إذ أنتم تعلمون أنكم تاركوها لا بدّ، فإنما هى كما وصفها الله باللعب واللهو، وقد قال الله [تعالى] : أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ.
وذكر الذين قالوا: من أشد منا قوّة ثم قال: لموا الى قبورهم فلا يدعون ركبانا، وأنزلوا فلا يرعون «5» ضيفانا، وجعل الله لهم من الضريح أكنانا «6» ، ومن الوحشة ألوانا، ومن الرّفات جيرانا «7» ؛ وهم فى جيرة لا يجيبون داعيا، ولا يمنعون ضيما، إن