المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ومن كلام الأحنف بن قيس - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٧

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌الباب الرابع عشر من القسم الخامس من الفن الثانى فى الكتابة وما تفرّع من أصناف الكتّاب

- ‌ولنبدأ باشتقاق الكتابة

- ‌وأما شرفها

- ‌وأمّا فوائدها:

- ‌ومنها رقم الأحاديث المرويّة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ومنها حفظ الحقوق، ومنع تمرّد ذوى العقوق

- ‌ومنها المكاتبة بين الناس بحوائجهم من المسافات البعيدة

- ‌ومنها ضبط أحوال الناس

- ‌ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه من البلاغة والإيجاز والجمع فى المعنى الواحد بين الحقيقة والمجاز؛ والتلعب بالألفاظ والمعانى والتوصّل إلى بلوغ الأغراض والأمانى

- ‌ولنبدأ من ذلك بوصف البلاغة وحدّها والفصاحة:

- ‌فأما البلاغة

- ‌وأما الفصاحة

- ‌ذكر صفة البلاغة

- ‌ومن أمثالهم فى البلاغة

- ‌فصول من البلاغة

- ‌جمل من بلاغات العجم وحكمها

- ‌وأما ما ينبغى للكاتب أن يأخذ به نفسه

- ‌وأما ما قيل فى حسن الخطّ وجودة الكتابة ومدح الكتّاب والكتاب

- ‌ذكر شىء مما قيل فى آلات الكتابة

- ‌ذكر شىء مما قيل فى القلم

- ‌ ذكر ما يحتاج الكاتب الى معرفته من الأمور الكلية [من كتاب حسن التوسل]

- ‌فأوّل ما يبدأ به من ذلك حفظ كتاب الله تعالى

- ‌ويتلو ذلك الاستكثار من حفظ الأحاديث النبوية- صلوات الله وسلامه على قائلها

- ‌ويتلو ذلك قراءة ما يتفق من كتب النحو

- ‌ويتصل بذلك حفظ خطب البلغاء من الصحابة وغيرهم

- ‌ثم النظر فى أيام العرب ووقائعهم وحروبهم

- ‌ثم النظر فى التواريخ ومعرفة أخبار الدول

- ‌ثم حفظ أشعار العرب ومطالعة شروحها

- ‌وكذلك حفظ جانب جيّد من شعر المحدثين

- ‌وكذلك النظر فى رسائل المتقدّمتين دون حفظها

- ‌وكذلك النّظر فى كتب الأمثال الواردة عن العرب نظما ونثرا

- ‌وكذلك النّظر فى الأحكام السّلطانيّة

- ‌قال: وأمّا الأمور الخاصّة التى تزيد معرفتها قدره، ويزين العلم بها نظمه ونثره

- ‌فأمّا علوم المعانى والبيان والبديع

- ‌أما الفصاحة والبلاغة

- ‌وأما الحقيقة والمجاز

- ‌وأما التشبيه

- ‌ومن المتأخرين من ذكر فى التشبيه سبعة أنواع:

- ‌الأوّل التشبيه المطلق

- ‌الثّانى التّشبيه المشروط

- ‌الثالث تشبيه الكناية

- ‌الرابع تشبيه التسوية

- ‌الخامس التشبيه المعكوس

- ‌السادس تشبيه الإضمار

- ‌السابع تشبيه التفضيل

- ‌وأمّا تشبيه شىء بأربعة أشياء

- ‌وأمّا تشبيه شيئين بشيئين

- ‌وأمّا تشبيه ثلاثة بثلاثة

- ‌وأمّا تشبيه أربعة بأربعة

- ‌وأمّا تشبيه خمسة بخمسة

- ‌وأما الاستعارة

- ‌فصل فيما تدخله الاستعارة وما لا تدخله

- ‌فصل فى أقسام الاستعارة

- ‌قال: وهى على نوعين:

- ‌الأوّل أن تعتمد نفس التشبيه

- ‌والثانى أن تعتمد لوازمه عند ما تكون جهة الاشتراك وصفا

- ‌قال: اذا عرف هذا فالنوع الأوّل على أربعة أقسام:

- ‌الأوّل- أن يستعار المحسوس للمحسوس

- ‌الثانى- أن يستعار شىء معقول لشىء معقول

- ‌الرابع- أن يستعار اسم المعقول للمحسوس

- ‌وأما الكناية

- ‌وأما التعريض

- ‌وأما التمثيل

- ‌وأما الخبر وأحكامه

- ‌وأما التقديم والتأخير

- ‌الأوّل الاستفهام

- ‌الثانى فى التقديم والتأخير فى النفى

- ‌الثالث فى التقديم والتأخير فى الخبر المثبت

- ‌فصل فى مواضع التقديم والتأخير

- ‌قال: أما التقديم فيحسن فى مواضع:

- ‌الأول أن تكون الحاجة إلى ذكره أشدّ

- ‌الثانى: أن يكون ذلك أليق بما قبله من الكلام أو بما بعده

- ‌الثالث: أن يكون من الحروف التى لها صدر الكلام

- ‌الرابع: تقديم الكلىّ على جزئياته

- ‌الخامس: تقديم الدليل على المدلول

- ‌الأوّل: تمام الاسم

- ‌الثانى:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع: المضمر

- ‌الخامس: ما يفضى إلى اللّبس

- ‌السادس: العامل الذى هو ضعيف عمله

- ‌وأما الفصل والوصل

- ‌وأما الحذف والإضمار

- ‌فصل فى حذف المبتداء والخبر

- ‌فصل الإضمار على شريطة التفسير

- ‌وأما مباحث إنّ وإنما

- ‌أما إنّ فلها فوائد:

- ‌الأولى أن تربط الجملة الثانية بالأولى

- ‌الثانية: أنك ترى لضمير الشأن والقصة فى الجملة الشرطيّة مع «إنّ» من الحسن واللطف ما لا تراه إذا هى لم تدخل عليها

- ‌الثالثة: أنها تهيّئ النكرة وتصلحها

- ‌الرابعة: أنها قد تغنى عن الخبر

- ‌الخامسة: قال المبرّد: اذا قلت عبد الله قائم، فهو إخبار عن قيامه

- ‌وأما إنما

- ‌فصل إذا دخل ما وإلّا على الجملة المشتملة على المنصوب

- ‌تنبيه

- ‌وأما النظم

- ‌وأما التجنيس

- ‌فمنه المستوفى التامّ

- ‌ومنه المختلف

- ‌ومنه المذيّل

- ‌ومنه المركب وهو على ضربين:

- ‌الأوّل: ما هو متشابه لفظا وخطا

- ‌الثانى: ما هو متشابه لفظا لا خطا ويسمّى التجنيس [المفروق]

- ‌ومنه المزدوج

- ‌ومن أجناس التجنيس المصحّف

- ‌ومنه المضارع

- ‌ومنه المشوّش

- ‌ومنه تجنيس الاشتقاق

- ‌ومن أجناس التجنيس تجنيس التصريف

- ‌ومنها التجنيس المخالف

- ‌ومنها تجنيس المعنى

- ‌وأما الطّباق

- ‌وأما السجع

- ‌قال: والسجع أربعة أنواع وهى: الترصيع والمتوازى والمطرّف والمتوازن

- ‌أما الترصيع

- ‌وأما المتوازى

- ‌وأما المطرّف

- ‌وأما المتوازن

- ‌فصل فى الفقر المسجوعة ومقاديرها

- ‌وأما ردّ العجز على الصدر

- ‌وهو فى النّظم على أربعة أنواع:

- ‌الأوّل: أن يقعا طرفين

- ‌الثانى: أن يقعا فى حشو المصراع الأوّل وعجز الثانى

- ‌الثالث: أن يقعا فى آخر المصراع الأوّل وعجز الثانى

- ‌وأما الإعنات

- ‌وأما المذهب الكلامىّ

- ‌وأما حسن التعليل

- ‌وأما الالتفات

- ‌وأما التمام

- ‌وأما الاستطراد

- ‌وأما تأكيد المدح بما يشبه الذمّ

- ‌وأما تأكيد الذمّ بما يشبه المدح

- ‌أحدهما أن يستثنى من صفة مدح منفيّة عن الشىء صفة ذمّ بتقدير دخولها فيها

- ‌والثانى: أن تثبت للشىء صفة ذمّ وتعقّب بأداة استثناء تليه صفة ذمّ له أخرى

- ‌وأما تجاهل العارف

- ‌وأما الهزل الذى يراد به الجدّ

- ‌وأما الكنايات

- ‌وأما المبالغة

- ‌وأما عتاب المرء نفسه

- ‌وأما حسن التضمين

- ‌وأما التلميح

- ‌وأما إرسال المثل

- ‌وأما إرسال مثلين

- ‌وأما الكلام الجامع

- ‌وأما الّلفّ والنشر

- ‌وأما التفسير

- ‌وأما التعديد

- ‌وأما تنسيق الصفات

- ‌وأما الإيهام

- ‌وأما حسن الابتداءات

- ‌وأما براعة التخليص

- ‌وأما براعة الطلب

- ‌وأما براعة المقطع

- ‌وأما السؤال والجواب

- ‌وأما صحة الأقسام

- ‌وأما التوشيح

- ‌وأما الإيغال

- ‌وأما الإشارة

- ‌وأما التذييل

- ‌وأما الترديد

- ‌وأما التفويف

- ‌وأما التسهيم

- ‌وأما الاستخدام

- ‌وأما العكس والتبديل

- ‌وأما الرجوع

- ‌وأما التغاير

- ‌وأما الطاعة والعصيان

- ‌وأما التسميط

- ‌وأما التشطير

- ‌وأما التطريز

- ‌وأما التوشيع

- ‌وأما الإغراق

- ‌وأما الغلوّ

- ‌وأما القسم

- ‌وأما الاستدراك

- ‌وأما المؤتلفة والمختلفة

- ‌وأما التفريق المفرد

- ‌وأما التقسيم المفرد

- ‌وأما الجمع مع التقسيم

- ‌وأما التزويج

- ‌وأما السلب والإيجاب

- ‌وأما الاطّراد

- ‌وأما التجريد

- ‌وأما التكميل

- ‌وأما المناسبة

- ‌وأما التفريع

- ‌وأما نفى الشىء بإيجابه

- ‌وأما الإيداع

- ‌وأما الإدماج

- ‌وأما سلامة الاختراع

- ‌وأما حسن الاتباع

- ‌وأما الذمّ فى معرض المدح

- ‌وأما العنوان

- ‌وأما الإيضاح

- ‌وأما التشكيك

- ‌وأما القول بالموجب

- ‌وأما القلب

- ‌وأما التندير

- ‌وأما الإسجال بعد المغالطة

- ‌وأما الافتنان

- ‌وأما الإبهام

- ‌وأما حصر الجزئىّ وإلحاقه بالكلىّ

- ‌وأما المقارنة

- ‌وأما الإبداع

- ‌وأما الانفصال

- ‌وأما التصرف

- ‌وأما الاشتراك

- ‌وأما التهكّم

- ‌وأما التدبيج

- ‌وأما الموجّه

- ‌وأما تشابه الأطراف

- ‌وأما ما يتصل بذلك من خصائص الكتابة-‌‌ فالاقتباسوالاستشهاد والحل:

- ‌ فالاقتباس

- ‌وأما الاستشهاد بالآيات

- ‌[وأما الحلّ

- ‌ذكر ما يتعين على الكاتب استعماله والمحافظة عليه والتمسّك به وما يجوز فى الكتابة وما لا يجوز

- ‌ذكر شىء من الرسائل المنسوبة إلى الصحابة رضى الله عنهم والتابعين وشىء من كلام الصدر الأوّل وبلاغتهم

- ‌فمن ذلك الرسالة المنسوبة إلى أبى بكر الصّدّيق إلى علىّ، وما يتّصل بها من كلام عمر بن الخطاب وجواب علىّ رضى الله عنهم

- ‌ومن كلام عائشة أمّ المؤمنين بنت أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنهما

- ‌ذكر شرح غريب رسالتها رضى الله عنها

- ‌ومن كلام على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام الأحنف بن قيس

- ‌ومن كلام أمّ الخير بنت الحريش البارقيّة

- ‌وممن اشتهر بالفصاحة والبلاغة زياد بن أبيه، والحجّاج بن يوسف الثّقفى

- ‌ومن مكاتباته الى المهلّب بن أبى صفرة وأجوبة المهلّب له

- ‌وخطب عبد الملك بن مروان

- ‌ومن كلام قطرىّ بن الفجاءة

- ‌ومن كلام أبى مسلم الخراسانى صاحب الدولة

- ‌ومن كلام جماعة من أمراء الدولتين

- ‌ذكر شىء من رسائل وفصول الكتاب والبلغاء المتقدّمين والمتأخّرين والمعاصرين من المشارقة والمغاربة

- ‌ومن كلام بديع الزّمان أبى الفضل أحمد بن الحسين الهمذانىّ

- ‌ومن كلام أبى الفضل محمد بن الحسين بن العميد

- ‌وكتب الصاحب أبو القاسم كافى الكفاة فى وصف كتاب:

- ‌وقال أبو الفرج الببغاء من رسالة إلى عدّة الدّولة أبى تغلب

- ‌وقال محمد بن العباس الخوارزمىّ:

- ‌ذكر شىء من رسائل فضلاء المغاربة ووزرائهم وكتابهم ممن ذكرهم ابن بسام فى كتابه المترجم بالذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة

- ‌منهم ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون

- ‌ومن كلام أبى عبد الله محمد بن أبى الخصال من جواب لابن بسّام

- ‌ومن كلام الوزير الفقيه أبى القاسم محمد بن عبد الله بن الجدّ

- ‌ومن كلام أبى عبد الله محمد بن الخيّاط

- ‌ومن كلام أبى حفص عمر بن برد الأصغر الأندلسى

- ‌ومن كلامه يعاتب بعض إخوانه:

- ‌ومن كلام أبى الوليد بن طريف

- ‌ومن كلام الوزير الكاتب أبى محمد بن عبد الغفور الى بعض إخوانه

الفصل: ‌ومن كلام الأحنف بن قيس

حمل» فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد، وأنا مرقل نحوك فى جحفل من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، شديد زحامهم، ساطع قتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحبّ اللقاء إليهم لقاء ربّهم، قد صحبتهم ذرّية بدرية، وسيوف هاشميّة، قد عرفت مواقع نصالها فى أخيك وخالك وجدك «1» وأهلك «وما هى من الظّالمين ببعيد» .

‌ومن كلام الأحنف بن قيس

حين وبّخه معاوية بن أبى سفيان بتخذيله عائشة رضى الله عنها، وأنه شهد صفّين، وقال له: فعلت وفعلت؛ فقال:

يا أمير المؤمنين، لم تردّ الأمور على أعقابها؟ أما والله إنّ القلوب النى أبغضناك بها لبين جوانحنا، والسيوف التى قاتلناك بها لعلى عواتقنا، ولئن مددت بشبر من غدر، لنمدّنّ باعا من ختر «2» ، ولئن شئت لتسصفين كدر قلوبنا بصفو حلمك؛ قال معاوية: أفعل.

وجلس معاوية يوما وعنده وجوه الناس، وفيهم الأحنف، فدخل رجل من أهل الشام، فقام خطيبا، فكان آخر كلامه أن لعن عليّا رضى الله عنه، فأطرق الناس، وتكلّم الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين، إن هذا القائل آنفا ما قال لو علم أن رضاك فى لعن المرسلين للعنهم، فاتّق الله، ودع عليّا فقد لقى الله، وأفرد فى حفرته، وخلا بعمله، وكان والله- ما علمنا- المبرّز بسبقه، الطاهر فى خلقه؛ الميمون النّقيبه، العظيم المصيبة. قال معاوية: يا أحنف، لقد أغضيت العين على القذى، وقلت بغير ما ترى، وايم الله لتصعدنّ المنبر فلتلعننّه طائعا أو كارها؛ فقال الأحنف:

إن تعفنى فهو خير، وإن تجبرنى على ذلك فو الله لا تجرى به شفتاى؛ فقال معاوية:

قم فاصعد؛ قال: أما والله لأنصفنّك فى القول والفعل؛ قال معاوية: وما أنت

ص: 237

قائل إن أنصفتنى؟ قال: أصعد فأحمد الله وأثنى عليه وأصلّى على نبيّه، ثم أقول:

أيها الناس، إنّ معاوية أمرنى أن ألعن عليّا، ألا وإنّ عليّا ومعاوية اختلفا واقتتلا، وادّعى كلّ واحد منهما أنه مبغىّ عليه وعلى فئته، فإذا دعوت فأمّنوا رحمكم الله؛ ثم أقول: اللهم العن أنت وملائكتك وأنبياؤك ورسلك وجميع خلقك الباغى منهما على صاحبه، والفئة الباغية على المبغىّ عليها، آمين يا ربّ العالمين؛ فقال معاوية:

إذن نعفيك يا أبا بحر.

وأتى الأحنف مصعب بن الزبير يكلّمه فى قوم حبسهم فقال: أصلح الله الأمير، إن كانوا حبسوا فى باطل فالحقّ يخرجهم، وإن كانوا حبسوا فى حقّ فالعفو يسعهم؛ فحلّاهم.

ولما قدم وفد العراق على معاوية وفيهم الأحنف، خرج الآذن فقال: إنّ أمير المؤمنين يعزم عليكم الّا يتكلّم أحد إلّا لنفسه، فلما وصلوا اليه قال الأحنف:

لولا عزمة أمير المؤمنين لأخبرته «1» أن دافّة (أى الجماعة) دفّت «2» ، ونازلة نزلت، ونائبة نابت، وكلّهم بهم الحاجة إلى معروف أمير المؤمنين وبرّه؛ فقال: حسبك يا أبا بحر، فقد كفيت الغائب والشاهد.

ولما خطب زياد بن أبيه بالبصرة قام الأحنف فقال:

لله الأمير! قد قلت فأسمعت، ووعظت «3» فأبلغت؛ أيها الأمير، إنما السّيف بحدّه، والقوس بشدّه، والرجل بمجده؛ وإنما الثناء بعد البلاء، والحمد بعد العطاء؛ ولن نثنى حتى نبتلى، ولا نحمد حتّى نعطى.

ص: 238

ولما حكّم أبو موسى الأشعرىّ أتاه الأحنف فقال له: يا أبا موسى، إنّ هذا مسير له ما بعده من عزّ الدنيا أو ذلّها آخر الدهر، ادع القوم إلى طاعة علىّ، فإن أبوا فادعهم أن يختار أهل الشام من قريش العراق من أحبّوا، ويختار أهل العراق من قريش الشام من أحبّوا، وإياك إذا لقيت ابن العاص أن تصافحه بنيّة، وأن يقعدك على صدر المجلس، فإنها خديعة، وأن يضمّك وإيّاه بيت فيكمن لك فيه الرجال، ودعه فليتكلّم لتكون عليه بالخيار، فالبادئ مستغلق «1» ، والمجيب ناطق؛ فما عمل أبو موسى إلّا بخلاف ما قال الأحنف وأشار به، فكان من الأمر ما كان؛ فلقيه الأحنف بعد ذلك فقال له: أدخل والله قدميك فى خفّ واحدة.

وقال بخراسان: يا بنى تميم، تحابّوا [تجتمع «2» كلمتكم] وتباذلوا «3» تعتدل أموركم، وابدءوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح دينكم، ولا تغلّوا «4» يسلم لكم جهادكم.

ولمّا قدمت الوفود على عمر بن الخطاب رضى الله عنه، قام هلال بن بشر «5» فقال: يا أمير المؤمنين: إنا غرّة من خلفنا من قومنا، وسادة من وراءنا من أهل مصرنا؛ وإنك إن تصرفنا بالزيادة فى أعطياتنا، والفرائض لعيالاتنا، يزدد بذلك

ص: 239

الشريف تأميلا، وتكن «1» لهم أبا وصولا؛ وإن تكن مع ما نمت «2» [به «3» ] من وسائلك، وندلى [به «4» ] من أسبابك كالجدل «5» لا يحلّ ولا يرتحل، نرجع بأنوف مصلومة»

، وجدود عاثرة، فمحنا «7» وأهالينا بسجل مترع (أى الدّلو الملآنة) من سجالك المترعة.

وقام زيد بن جبلة فقال: يا أمير المؤمنين، سوّد الشريف، وأكرم الحسيب، وازرع عندنا من أياديك ما تسدّ به الخصاصة، وتطرد به الفاقة؛ فإنا بقفّ «8» من الأرض يابس «9» الأكناف، مقشعرّ الذّروة، لا متّجر «10» ولا زرع، وإنا من العرب اليوم إذ أتيناك بمرأى ومسمع.

فقام الأحنف فقال: يا أمير المؤمنين، إن مفاتيح الخير بيد الله، والحرص قائد الحرمان، فاتق الله فيما لا يغنى عنك يوم القيامة قيلا ولا قالا، واجعل بينك وبين رعيّتك من العدل والإنصاف شيئا يكفيك وفادة الوفود، واستماحة الممتاح، فإنّ كلّ امرئ إنما يجمع فى وعائه إلا الأقلّ ممن عسى أن تقتحمه الأعين فلا يوفد إليك.

ص: 240