الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[النوازع «1» إلى أعطانها] ؛ لا يسأل المرء عن أخيه، ولا يلوى الشيخ على بنيه؛ حتى عظّكم «2» السلاح، وقصمتكم الرماح، ثم دير الجماجم، وما دير الجماجم! بها كانت المعارك والملاحم؛ بضرب يزيل الهام عن مقيله، ويصرف الخليل عن خليله؛ يا أهل العراق، والكفرات بعد الفجرات، والغدرات بعد الخترات، والثّورة بعد الثّورات؛ إن بعثتكم إلى ثغوركم غللتم «3» وجبنتم، وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم؛ لا تذكرون حسنة، ولا تشكرون نعمة؛ [يا أهل العراق «4» ] هل استخفّكم ناكث، أو استغواكم غاو، أو استفزّكم عاص، أو استنصركم ظالم، أو استعضدكم خالع، إلا اتّبعتموه وآويتموه ونصرتموه وزكّيتموه؟ يا أهل العراق، قلّما شغب شاغب، أو نعب ناعب، أو زفر كاذب «5» إلا كنتم أتباعه وأنصاره؛ يا أهل العراق، ألم تنهكم المواعظ، ولم تزجركم الوقائع. ثم التفت الى أهل الشام فقال: يا أهل الشام، أنا لكم كالظّليم «6» الرامح عن فراخه «7» ، ينفى عنها المدر، ويباعد عنها الفجر، ويكنّها من المطر؛ ويحميها من الضّباب، ويحرسها من الذئاب؛ يا أهل الشام، أنتم الجنّة والرّداء، وأنتم العدّة والحذاء.
ومن مكاتباته الى المهلّب بن أبى صفرة وأجوبة المهلّب له
كتب الحجاج إليه وهو فى وجه الخوارج: أما بعد، فإنه بلغنى أنك قد أقبلت على جباية الخراج، وتركت قتال العدوّ، وإنى ولّيتك وأنا أرى مكان عبد الله
ابن حكيم المجاشعىّ، وعبّاد بن حصين الحبطىّ، واخترتك وأنت رجل من الأزد، وأنا أقسم إن لم تلقهم فى يوم كذا أشرعت «1» إليك صدر الرمح. فأجابه المهلّب:
ورد علىّ كتابك تزعم أنى أقبلت على جباية الخراج، وتركت قتال العدوّ لعجز؛ وزعمت أنك ولّيتنى وأنت ترى مكان عبد الله بن حكيم وعبّاد بن حصين، ولو ولّيتهما لكانا مستحقّين لذلك فى فضلهما وغنائهما؛ وأنك اخترتنى وأنا رجل من الأزد، ولعمرى إنّ شرّا من الأزد لقبيلة تنازعها ثلاث قبائل لم تستقرّ فى واحدة منهنّ؛ وزعمت أنّى إن لم ألقهم فى يوم كذا أشرعت إلىّ صدر الرمح، فلو فعلت لقلبت إليك ظهر المجنّ «2» .
ووجّه إليه الحجّاج يستبطه فى مناجزة القوم، وكتب إليه: أما بعد، فإنك جبيت الخراج بالعلل، وتحصّنت بالخنادق، وطاولت القوم وأنت أعزّ ناصرا وأكثر عددا، وما أظنّ بك مع هذا معصية ولا جبنا، ولكنك اتخذتهم أكلا، ولإبقاؤهم أيسر عليك من قتالهم، فناجزهم وإلّا أنكرتنى، والسلام.
فقال المهلّب للجرّاح: يا أبا عقبة، والله ما تركت حيلة إلّا احتلتها، ولا مكيدة إلّا عملتها، وليس «3» العجب من إبطاء النصر، وتراخى الظّفر، ولكن العجب أن يكون الرأى لمن يملكه دون من يبصره «4» ؛ ثم ناهضهم ثلاثة أيّام يغاديهم، ولا يزالون كذلك الى العصر حتى قال الجرّاح: قد اعتذرت؛ وكتب الى الحجّاج: أتانى كتابك
يستبطئ لقاء القوم، على أنك لا تظنّ بى معصية ولا جبنا، وقد عاتبتنى معاتبة الجبان، وأوعدتنى وعيد العاصى، فسل الجرّاح والسلام. فكتب إليه الحجّاج:
أما بعد، فإنك تتراخى عن الحرب حتى تأتيك رسلى ويرجعون بعذرك، وذاك أنك تمسك حتى تبرأ الجراح وتنسى القتلى «1» ، ويجمّ الناس، ثم تلقاهم فتحمل منهم مثل ما يحملون منك من وحشة القتل وألم الجراح، ولو كنت تلقاهم بذلك الجدّ لكان الداء قد حسم، والقرن قد قصم، ولعمرى ما أنت والقوم سواء، لأنّ من ورائك رجالا، وأمامك أموالا، وليس للقوم إلّا ما معهم، ولا يدرك الوجيف بالدّبيب، ولا الظّفر بالتعذير «2» .
فكتب إليه المهلّب: أمّا بعد، فإنى لم أعط رسلك على قول الحق أجرا، ولم أحتج منهم مع المشاهدة الى تلقين؛ وذكرت أنّى أجمّ القوم، ولا بدّ من راحة يستريح فيها الغالب ويحتال المغلوب؛ وذكرت أن فى الإجمام «3» ما ينسى القتلى، ويبرئ الجراح، وهيهات أن ينسى ما بيننا وبينهم، يأبى ذلك قتل من لم يجن، وقروح لم تتقرّف «4» ؛ ونحن والقوم على حالة، وهم يرقبون حالات، إن طمعوا حاربوا، وإن ملّوا وقفوا، ونطلب اذا هربوا، فإن تركتنى فالداء «5» بإذن الله محسوم، وإن أعجلتنى لم أطعك ولم أعص، وجعلت وجهى الى بابك، وأنا أعوذ بالله من سخط الله ومقت الناس.