الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما التأخير فيحسن «1» فى مواضع:
الأوّل: تمام الاسم
كالصلة والمضاف اليه.
الثانى:
توابع الأسماء.
الثالث:
الفاعل.
الرابع: المضمر
،
وهو أن يكون متأخرا لفظا وتقديرا، كقولك: ضرب زيد غلامه أو مؤخرا فى اللفظ مقدّما فى المعنى كقوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ
أو بالعكس كقولك: ضرب غلامه زيد؛ وإن تقدّم لفظا ومعنى لم يجز كقولك: ضرب غلامه زيدا.
الخامس: ما يفضى إلى اللّبس
،
كقولك: ضرب موسى عيسى، أو أكرم هذا هذا، فيجيب فيه تقديم الفاعل.
السادس: العامل الذى هو ضعيف عمله
،
كالصفة المشبّهة والتمييز وما عمل فيه حرف أو معنى، كقولك: هو حسن وجها، وكريم أبا، وتصبب عرقا، وخمسة وعشرون درهما، وإن زيدا قائم، وفى الدار سعد جالسا. ولا يجوز الفصل بين العامل والمعمول بما ليس منه، فلا تقول: كانت زيدا الحمّى تأخذ إذا رفعت اخمّى بكانت «2» للفصل بين العامل وما عمل فيه، فإن أضمرت الحمّى فى كانت صحت المسألة.
وأما الفصل والوصل
- فهو العلم بمواضع العطف والاستئناف، والتهدّى إلى كيفيّة إيقاع حروف العطف فى مواقعها، وهو من أعظم أركان البلاغة، حتى إن
بعضهم حدّ البلاغة بأنها معرفة الفصل والوصل. وقال عبد القاهر: إنه لا يكمل لإحراز الفضيلة فيه أحد إلا كمل لسائر معانى البلاغة.
قال: اعلم أن فائدة [العطف «1» ] التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه، ثم من الحروف العاطفة ما لا يفيد إلا هذا القدر وهو الواو، ومنها ما يفيد «2» فائدة زائدة كالفاء وثمّ وأو، وغرضنا هاهنا متعلق بما لا يفيد إلا الاشتراك فنقول: العطف إما أن يكون فى المفردات، وهو يقتضى التشريك فى الإعراب، وإما أن يكون فى الجمل، وتلك الجملة إن كانت فى قوّة المفرد كقولك: مررت برجل خلقه حسن وخلقه قبيح، فقد أشركت بينهما فى الإعراب [والمعنى «3» ] لاشتراكهما فى كون كل واحد منهما تقييدا للموصوف، ولا يتصور أن يكون اشتراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الاشتراك فيه، وحتى يكونا كالنظيرين والشريكين، وبحيث إذا عرف السامع حاله الأوّل عساه يعرف حاله الثانى، يدلك على ذلك أنك اذا عطفت على الأول شيئا ليس منه بسبب ولا هو مما يذكر بذكره لم يستقم، فلو قلت:
خرجت اليوم من دارى، وأحسن الذى [يقول «4» ] بيت كذا قلت ما يضحك منه، ومن هاهنا عابوا على أبى تمّام قوله:
لا والذى هو عالم أن النوى
…
صبر وأن أبا الحسين كريم.
وإن لم تكن فى قوّة المفرد فهى على قسمين:
الأوّل أن يكون معنى إحدى الجملتين لذاته متعلقا بمعنى الأخرى «5» كما إذا كانت كالتوكيد لها أو كالصفة، فلا يجوز إدخال العاطف عليه، لأنّ التوكيد والصفة
متعلقان بالمؤكّد والموصوف لذاتهما، والتعلق الذاتىّ يغنى عن لفظ يدل على التعلق، فمثال التوكيد قوله تعالى: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ
فلا ريب فيه توكيد لقوله تعالى:
ذلِكَ الْكِتابُ
كأنه قال: هو ذلك الكتاب، وكذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ
وقوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ
تأكيد ثان أبلغ من الأوّل، وكذلك قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ
ولم يقل: ويخادعون، لأن المخادعة ليست شيئا غير قولهم: آمنّا مع أنهم غير مؤمنين، وكذلك قوله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً
ولم يقل تعالى: وكأن، وأمثال [ذلك] فى القرآن العزيز كثيرة.
القسم الثانى ألا يكون بين الجملتين تعلق ذاتىّ، فإن لم يكن بينهما مناسبة فيجب ترك العاطف أيضا، لأن العطف للتشريك ولا تشريك، ومن هاهنا أيضا عابوا على أبى تمّام البيت المتقدّم، لا والذى هو عالم
…
، إذ لا مناسبة بين مرارة النوى وبين كرم أبى الحسين، ولذلك لم يحسن جواز العاطف.
وإن كان بينهما مناسبة فيجب ذكر العاطف.
ثم إن كان المحدّث عنه فى الجملتين شيئين فالمناسبة بينهما إما أن تكون بالذى أخبر بهما، أو بالذى أخبر عنهما، أو بهما كليهما؛ وهذا الأخير هو المعتبر فى العطف.
قال: ونعنى بالمناسبة أن يكونا متشابهين، كقولك: زيد كاتب وعمرو [شاعر «1» ][أو متضادّين تضادّا على الخصوص، كقولك زيد طويل وعمرو «2» ] قصير، وكقولك:
العلم حسن والجهل قبيح، فلو قلت: زيد طويل والخليفة قصير لا اختل معنى عند
ما لا يكون لزيد تعلق بحديث الخليفة، ولو قلت: زيد طويل وعمرو شاعر لا اختل لفظا، إذ لا مناسبة بين الطويل القامة والشاعر.
وإن كان المحدّث عنه فى الجملتين شيئا واحدا، كقولك: فلان يقول ويفعل ويضرّ وينفع، ويأمر وينهى، ويسىء ويحسن، فيجب إدخال العاطف فإن الغرض جعله فاعلا لأمرين، فلو قلت: يقول يفعل بلا عاطف لتوهّم أن الثانى رجوع عن الأوّل.
وإذا أفاد العاطف الاجتماع ازداد الاشتراك «1» ، كقولك: العجب من أنك أحسنت وأسأت، والعجب من أنك تنهى عن شىء وتأتى مثله، وكقوله:
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم
…
وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا
فإن المعنى جعل الفعلين فى حكم واحد، أى لا تطمعوا أن تروا إكرامنا إيّاكم يوجد مع إهانتكم إيّانا.
قال: وقد يجب إسقاط العاطف فى بعض المواضع لاختلال المعنى عند إثباته كقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
فقوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ
كلام مستأنف، وهو إخبار من الله تعالى، فلو أتى بالواو لكان إخبارا عن اليهود بأنهم وصفوا أنفسهم بأنهم يفسدون فيختل المعنى، وكذلك قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ
وأمثال ذلك كثيرة؛ واذا كان كذلك فلا حاجة الى العاطف بخلاف قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ
فإن كل واحدة من الجملتين خبر من الله تعالى.
قال: ومما يجب ذكره هاهنا الجملة اذا وقعت حالا فإنها تجىء مع الواو تارة وبدونها أخرى فنقول: الجملة اذا وقعت حالا فلا بدّ أن تكون خبريّة تحتمل الصدق والكذب، وهو «1» على قسمين:
الأوّل وله أحوال:
الأولى: أن يجمع لها بين الواو وضمير صاحب الحال، كقولك: جاء زيد ويده على غلامه، ولقيت زيدا وفرسه سابقه، وهذه الواو تسمّى واو الحال.
الثانية: أن تجىء بالضمير من غير واو، كقولك: كلمته فوه الى فىّ، وهو فى معنى مشافها، والرابط الضمير، فلو قلت: كلّمته الى فىّ فوه، ولقيته عليه جبّة وشى لم يكن من باب وقوع الجملة حالا، لأنه يمكننا أن نرفع فوه وجبة بالجارّ والمجرور فيرجع الكلام الى وقوع المفرد حالا، والتقدير كلّمته كائنا الى فىّ فوه، ولقيته مستقرّة عليه جبّة وشى، وعليه قول بشّار:
اذا أنكرتنى بلدة أو نكرتها
…
غدوت مع البازى علىّ سواد.
الثالثة: أن تجىء الواو من غير ضمير وهو كثير، كقولك: لقيتك والجيش قادم وزرتنا والشتاء خارج. ويجوز أن يجمع بين حالين مفرد وجملة اذا أجزنا وقوع حالين كقولك: لقيتك راكبا والجيش قادم، فالجملة حال من التاء أو من الكاف، والعامل فيها لقيت، أو من ضمير «راكبا» و «راكبا» هو العامل فيها.
القسم الثانى الجملة الفعلية، ولا بدّ أن تكون ماضيا أو مضارعا أما الماضى فلا بدّ معه من الإتيان بالواو وقد أو بأحدهما، كقولك: تكلمت وقد