الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لغوىّ، ويسمّى مجازا فى المثبت، ومجاز الجملة عقلىّ، ويسمّى مجازا فى الإثبات.
قال: فالمجاز قد يكون فى الإثبات وحده، وهو أن يضيف الفعل إلى غير الفاعل الحقيقىّ كما ذكرناه، وقد يكون فى المثبت وحده، كقوله تعالى: فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها
جعل خضرة الأرض ونضرتها حياة، وقد يكون فيهما جميعا، كقولك:
أحيتنى رؤيتك، تريد سرّتنى، فقد جعلت المسرّة حياة «1» وهو مجاز فى المثبت وأسندتها إلى الرؤية وهو مجاز فى الإثبات.
قال: واعلم أنهم تعرّضوا فى اعتبار كون اللّفظ مجازا إلى اعتبار شيئين:
الأوّل أن يكون منقولا عن معنى وضع اللّفظ بإزائه، وبهذا يتميّز عن اللّفظ المشترك.
الثانى أن يكون هذا النقل لمناسبة بينهما، فلا توصف الأعلام المنقولة بأنّها مجاز إذ ليس نقلها لتعلّق نسبة [بين «2» ] المنقول عنه ومن له العلم، وإذا تحقّق الشرطان سمى مجازا، وذلك مثل تسمية النعمة والقوّة باليد، لما بين اليد وبينهما من التعلّق وكما قالوا: رعينا الغيث، يريدون النبت الذى الغيث سببه، وصابتنا السّماء، يريدون المطر، وأشباه ذلك ونظائره.
وأما التشبيه
- فهو الدّلالة على اشتراك شيئين فى وصف هو من أوصاف الشىء فى نفسه، كالشجاعة فى الأسد، والنّور فى الشمس. وهو ركن من أركان البلاغة لإخراجه الخفىّ الى الجلىّ، وإدنائه البعيد من القريب. وهو حكم إضافىّ لا يوجد إلا بين الشيئين بخلاف الاستعارة.
ثم التّشبيه على أربعة أقسام: تشبيه محسوس [بمحسوس «1» ] ، وتشبيه معقول [بمعقول «2» ] ، وتشبيه معقول بمحسوس، وتشبيه محسوس بمعقول.
فأما تشبيه محسوس بمحسوس فلاشتراكهما إمّا فى المحسوسات الأولى: وهى مدركات السمع والبصر والذّوق والشمّ واللّمس، كتشبيه الخدّ بالورد والوجه بالنهار، [وأطيط الرّحل «3» بأصوات الفراريح] والفواكه الحلوة بالسكّر والعسل ورائحة بعض الرياحين بالمسك والكافور، والّليّن الناعم بالحرير، والخشن بالمسح» .
أو فى المحسوسات الثانية «5» : وهى الأشكال المستقيمة والمستديرة، والمقادير، والحركات كتشبيه المستوى المنتصب بالرّمح، والقدّ اللّطيف بالغصن، والشّىء المستدير بالكرة والحلقة، والعظم بالجبل، والذاهب على الاستقامة بنفوذ السهم. أو فى الكيفيّات الجسمانيّة، كالصلابة والرخاوة. أو فى الكيفيّات النفسانيّة، كالغرائز والأخلاق.
أو فى حالة إضافية، كقولك: هذه حجّة كالشّمس، وألفاظ كالماء فى السّلاسة وكالنّسييم فى الرقّة، وكالعسل فى الحلاوة. وربّما كان التشبيه بوجه عقلىّ، كقول فاطمة بنت الخرشب الأنماريّة حين وصفت بنيها الكملة فقالت: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها.
وأما تشبيه المعقول بالمعقول فهو كتشبيه الوجود العارى عن الفوائد بالعدم، وتشبيه الفوائد التى تبقى بعد عدم الشّىء بالوجود، كقول الشاعر:
رب حىّ كميّت ليس فيه
…
أمل يرتجى لنفع وضرّ
وعظام تحت التراب وفوق
…
الأرض منها آثار «6» حمد وشكر
وأمّا تشبيه المعقول بالمحسوس فهو كقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ.
وأما تشبيه المحسوس بالمعقول فهو غير جائز، لأن العلوم العقليّة مستفادة من الحواسّ ومنتهية إليها، ولذلك قيل: من فقد حسّا فقد علما، فإذا كان المحسوس أصلا للمعقول فتشبيه به يكون جعلا للفرع أصلا والأصل فرعا ولذلك لو حاول محاول المبالغة فى وصف الشمس بالظهور والمسك بالثناء «1» فقال:
الشمس كالحجّة فى الظّهور، والمسك كالثّناء فى الطّيب، كان ذلك سخفا من القول فأمّا ما جاء فى الشعر من تشبيه المحسوس بالمعقول فوجهه أن يقدّر المعقول محسوسا، ويجعل كالأصل «2» المحسوس على طريق المبالغة، فيصحّ التشبيه حينئذ وذلك كما قال الشاعر:
وكأنّ النجوم بين دجاها
…
سنن لاح بينهنّ ابتداع
فإنّه لما شاع وصف السنّة بالبياض والإشراق، واشتهرت البدعة وكلّ ما ليس بحقّ بالظلمة «3» تخيّل الشاعر أن السنن كأنها من الأجناس التى لها إشراق ونور، وأن البدع نوع من الأنواع الّتى لها اختصاص بالسواد والظلمة، فصار ذلك كتشبيه محسوس بمحسوس، فجاز له التشبيه، وهو لا يتمّ إلا بتخييل ما ليس بمتلوّن [متلوّنا «4» ] ثم يتخيّله أصلا فيشبّه به، وهذا هو الّذى تؤوّل فى قول أبى طالب الرّقّىّ:
ولقد ذكرتك والظلام كانّه
…
يوم النّوى وفؤاد من لم يعشق
فإنّه لمّا كانت الأوقات التى تحدث فيها المكاره توصف بالسواد كما يقال:
اسودّت الدنيا فى عينه، جعل يوم النوى كأنه أشهر بالسواد من الظلام، فعرّفه به وشبّه، ثم عطف عليه فؤاد من لم يعشق لأنّ من لم يعشق عندهم قاسى القلب والقلب القاسى يوصف بشدّة السواد، فأقامه أصلا، فقس على هذا المثال. قال:
واعلم أنّ ما به المشابهة قد يكون مقيّدا بالانتساب إلى شىء، وذلك إما الى المفعول به كقولهم:«أخذ القوس باريها» وإلى ما يجرى مجرى المفعول به وهو الجارّ والمجرور كقولهم لمن يفعل ما لا يفيد: «كالراقم على الماء» وإمّا الى الحال، كقولهم:
«كالحادى وليس له بعير» وإما الى المفعول والجارّ والمجرور معا، كقولهم:«هو كمن يجمع السيفين فى غمد» و «كمبتغى الصيد فى عرينة الأسد» ، ومن ذلك قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً
فإنّ التشبيه لم يحصل من مجرد الحمل، بل لأمرين آخرين، لأن الغرض توجيه الذّم إلى من أتعب نفسه فى حمل ما يتضمّن المنافع العظيمة ثم لا ينتفع به لجهله، وكقول لبيد:
وما النّاس إلا كالديار وأهلها
…
بها يوم حلّوها وغدوا «1» بلاقع
فإنّه لم يشبّه الناس بالديار، وإنّما شبّه وجودهم فى الدنيا وسرعة زوالهم بحلول أهل الدّيار فيها، ووشك رحيلهم منها. قال: وكلّما كانت التقييدات أكثر كان التشبيه أو غل فى كونه عقليّا، كقوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ
. فإن التشبيه منتزع من مجموع هذه الجمل من غير أن يمكن