الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعارة أن التشبيه المضمر الأداة يحسن إظهار أداة التشبيه فيه، والاستعارة لا يحسن ذلك فيها. والاستعارة أخصّ من المجاز إذ قصد المبالغة شرط فى الاستعارة دون المجاز، وأيضا فكلّ استعارة من البديع وليس كلّ مجاز منه. والحقّ أن المعنى يعار أوّلا ثم بواسطته يعار اللّفظ؛ ولا تحسن الاستعارة إلا حيث كان التشبيه مقرّرا بينهما ظاهرا، وإلا فلا بدّ من التصريح بالتشبيه، فلو قلت: رأيت نخلة أو خامة وأنت تريد مؤمنا إشارة إلى قول النّبى صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن كمثل النخلة «1» » أو «كمثل «2» الخامة» لكنت كالملغز التارك لما «3» يفهم. وكلّما زاد التشبيه خفاء زادت الاستعارة حسنا بحيث تكون ألطف من التصريح بالتشبيه، فإنّك لو رمت أن تظهر التشبيه فى قول ابن المعتزّ:
أثمرت أغصان راحته
…
لجناة الحسن عنّابا
احتجت أن تقول: أثمرت أصابع راحته التى هى كالأغصان لطالب الحسن.
شبه العنّاب من أطرافها المخضوبة، وهذا ممّا لا خفاء بغثاثته.
وربّما جمع بين عدّة استعارات إلحاقا للشكل بالشكل لإتمام التشبيه فتريد الاستعارة به حسنا، كقول امرئ القيس فى صفة اللّيل:
فقلت له لمّا تمطّى بصلبه
…
وأردف أعجازا وناء بكلكل
فصل فيما تدخله الاستعارة وما لا تدخله
قال: الأعلام لا تدخلها الاستعارة لما تقدّم فى المجاز. وأما الفعل فالاستعارة تقع أوّلا فى المصدر، ثم تقع بواسطة ذلك فى الفعل، فإذا قلت: نطقت الحال بكذا
فهذا إنّما يصحّ لأنّك وجدت الحال مشابهة للنطق فى الدلالة على الشىء، فلا جرم [أنك «1» ] استعرت النطق لتلك الحالة ثم نقلته إلى الفعل. والأسماء المشتقّة فى ذلك كالفعل؛ فظهر أنّ الاستعارة إنّما تقع وقوعا أوّليّا فى أسماء الأجناس. ثم الفعل إذا كان مستعارا فاستعارته إمّا من جهة فاعله، كقوله: نطقت الحال بكذا ولعبت بى الهموم، وقول جرير:
تحيى الروامس «2» ربعها فتجدّه
…
بعد البلى وتميته الأمطار
وقول أبى حيّة:
وليلة مرضت من كل ناحية
…
فما تضىء لها شمس ولا قمر
أو من جهة مفعوله، كقول ابن المعتز:
جمع الحقّ لنا فى إمام
…
قتل الجوع «3» وأحيى السماحا
أو من جهة مفعوليه، كقول الحريرى:
وأقرى المسامع إمّا نطقت
…
بيانا يقود الحرون الشموسا
أو من جهة أحد مفعوليه، كقول الشاعر «4» :
نقريهم لهذميّات نقدّ بها
…
ما كان خاط عليهم كلّ زرّاد
أو من جهة الفاعل والمفعول، كقوله تعالى: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ.
قال: ويتصل بهذا ترشيح الاستعارة وتجريدها، أما ترشيحها فهو أن ينظر فيها إلى المستعار، ويراعى جانبه، ويوليه ما يستدعيه، ويضمّ إليه ما يقتضيه، كقول كثير:
رمتنى بسهم ريشه الهدب لم يصب
…
بظاهر «1» جسمى وهو فى القلب جارح
وكقول النابغة:
وصدر أراح الليل عازب همّه
…
تضاعف فيه الحزن من كلّ جانب
فالمستعار فى كل واحد منهما وهو الرمى والإراحة منظور اليهما فى لفظ السهم والعازب، وكما أنشد صاحب الكشّاف «2» :
ينازعنى ردائى عند عمرو
…
رويدك يا أخا عمرو بن بكر
لى الشطر الذى ملكت يمينى
…
ودونك فاعتجر منه بشطر
أراد بردائه سيفه، ثم نظر إلى المستعار فى لفظ الاعتجار. وأما تجريدها فهو أن يكون المستعار له منظورا إليه، كقوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
فإن الإذاقة لمّا وقعت عبارة عما يدرك من أثر الضرر «3» والألم تشبيها له بما يدرك من الطعم المرّ البشع، واللباس عبارة عما يغشى منهما ويلابس فكأنه قال: فأذاقها الله ما غشيها من ألم الجوع والخوف، وكقول زهير:
لدى أسد شاكى «4» السلاح مقذّف
…
له لبد أظفاره لم تقلّم
فلو نظر الى المستعار لقال: أسد دامى المخالب أو دامى البراثن، ونظر زهير فى آخر البيت الى المستعار أيضا، ومنه قول كثّير:
غمر الرداء اذا تبسّم ضاحكا
…
غلقت لضحكته رقاب المال
استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه ووصفه «1» بالغمر الذى هو وصف المعروف والنوال لا وصف الرداء.
قال: ويقرب من ذلك الاستعارة بالكناية، وهى أن لا يصرّح بذكر المستعار بل بذكر بعض لوازمه تنبيها به عليه، كقولهم: شجاع يفترس أقرانه، وعالم يغترف منه الناس.
وكقول أبى ذؤيب:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
…
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
تنبيها على أنّ الشجاع أسد، والمنيّة سبع، والعالم «2» بحر، وهذا وإن كان يشبه الاستعارة المجرّدة إلّا أنّه أغرب وأعجب، ويقرب منه قول زهير:
ومن يعص أطراف الزجاج «3» فإنه
…
يطيع العوالى ركّبت كلّ لهذم
أراد أن يقول: من لم يرض بأحكام الصلح رضى بأحكام الحرب، وذلك أنهم كانوا اذا طلبوا الصلح قلبوا زجاج الرماح وجعلوها قدّامها مكان الأسنّة، واذا أرادوا الحرب أشرعوا الأسنّة؛ وقد يسمّى هذا النوع المماثلة أيضا.
قال: وقد ينزلون الاستعارة منزلة الحقيقة، وذلك أنهم يستعيرون الوصف المحسوس للشىء المعقول ويجعلون كأنّ تلك الصفة ثابتة لذلك الشىء فى الحقيقة، وأنّ الاستعارة لم توجد أصلا، مثاله استعارتهم العلوّ لزيادة الرجل على غيره فى الفضل والقدر والسلطان ثم وضعهم الكلام وضع من يذكر علوّا مكانيّا «4» ، كقول أبى تمّام: