الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن لطيف ما جاء فى هذا المعنى من التشبيه قول الأخطل فى مصلوب:
أو قائم من نعاس فيه لوثته «1»
…
مواصل لتمطّيه من الكسل
شبّهه بالمتمطّى «2» ، لأنّ المتمطّى يمدّ يديه وظهره ثم يعود إلى حالته الأولى، فزاد فيه أنّه مواصل لذلك، وعلّله بالقيام من النعاس لما فى ذلك من الّلوثة والكسل.
قال: والتشبيه ليس من المجاز، لأنه معنى من المعانى، وله ألفاظ تدلّ عليه وضعا فليس فيه نقل اللفظ عن موضوعه، وإنّما هو توطئة لمن يسلك سبيل الاستعارة والتمثيل، لأنه كالأصل لهما وهما كالفرع له، والذى يقع منه فى حيّز المجاز عند أهل هذا الفنّ هو الذى يجىء على حدّ الاستعارة، كقولك لمن يتردّد فى الأمر [بين «3» ] أن يفعله أو يتركه:«أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى» والأصل فيه أراك فى تردّدك كمن يقدّم رجلا ويؤخر أخرى.
وأما الاستعارة
- فهى ادعاء معنى الحقيقة فى الشىء للمبالغة فى التشبيه مع طرح ذكر المشبّه من البيّن «4» لفظا وتقديرا. وإن شئت قلت: هو جعل الشّىء الشّىء [أو جعل «5» الشىء للشىء] لأجل المبالغة فى التشبيه.
فالأوّل كقولك: لقيت أسدا وأنت تعنى الرجل الشجاع.
والثانى كقول لبيد:
إذ «6» أصبحت بيد الشمال زمامها
أثبت اليد للشمال مبالغة فى تشبيهها بالقادر فى التصرف فيه على ما يأتى بيان ذلك.
وحدّ الرّمانىّ الاستعارة فقال: هى تعليق العبارة على غير ما وضعت له فى أصل الّلغة على سبيل النقل للإبانة.
وقال ابن المعتزّ: هى استعارة الكلمة من شىء قد عرف بها إلى شىء لم يعرف بها. وذكر الخفاجىّ كلام الرّمانىّ وقال: وتفسير هذه الجملة أن قوله عز وجل:
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً
استعارة، لأن الاشتعال «1» للنار، ولم يوضع فى أصل اللغة للشيب فلما نقل اليه بان المعنى لما اكتسبه من التشبيه، لأن الشيب لما كان يأخذ فى الرأس شيئا فشيئا حتى يحيله إلى غير لونه الأوّل كان بمنزلة النار التى تسرى فى الخشب حتى تحيله إلى غير [حالته «2» ] المتقدّمة؛ فهذا هو نقل العبارة عن الحقيقة فى الوضع للبيان، ولا بدّ من أن تكون أوضح من الحقيقة لأجل التشبيه العارض فيها لأن الحقيقة لو قامت مقامها لكانت أولى بها «3» ، لأنها الأصل، وليس يخفى على المتأمّل أن قوله عز وجل: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً
أبلغ من كثر شيب الرأس، وهو حقيقة هذا المعنى.
ولا بدّ للاستعارة من حقيقة هى أصلها، وهى مستعار منه، ومستعار، ومستعار له، فالنار مستعار منها، والاشتعال مستعار، والشيب مستعار له. قال: وأمّا قولنا مع طرح ذكر المشبّه، فاعلم أننا اذا طرحناه كقولنا: رأيت أسدا، وأردنا الرجل الشجاع فهو استعارة بالاتفاق، وإن ذكرنا معه الصيغة الدالّة على المشابهة كقولنا:
زيد كالأسد أو مثله أو شبهه فليس باستعارة؛ وإن لم نذكر الصيغة وقلنا: زيد أسد فالمختار أنه ليس باستعارة إذ فى اللفظ ما يدلّ على أنّه ليس بأسد فلم تحصل
المبالغة، فاذا قلت: زيد الأسد فهو أبعد عن الاستعارة، فإنّ الأوّل خرج بالتنكير عن أن يحسن فيه كاف التشبيه، فإنّ قولك: زيد كأسد كلام نازل بخلاف الثانى.
قال ضياء الدين بن الأثير: وهذا التشبيه المضمر الأداة قد خلطه قوم بالاستعارة ولم يفرّقوا بينهما، وذلك خطأ محض.
قال: وسأوضح وجه الخطإ فيه وأحقق القول فى الفرق بينهما فأقول: أمّا التشبيه المظهر الأداة فلا حاجة بنا إلى ذكره لأنّه لا خلاف فيه، ولكن نذكر التشبيه المضمر الأداة فنقول: إذا ذكر المنقول والمنقول اليه على أنّه تشبيه مضمر الأداة قيل فيه: زيد أسد، أى كالأسد، فأداة التشبيه فيه مضمرة مقدرة، وإذا أظهرت حسن ظهورها، ولم تقدح فى الكلام الذى أظهرت فيه، ولم تزل عنه فصاحته؛ وهذا بخلاف ما إذا ذكر المنقول إليه «1» دون المنقول فإنه لا يحسن فيه ظهور أداة التشبيه، وإذا ظهرت زال عن ذلك الكلام ما كان متّصفا به من الحسن والفصاحة.
قال: ولنضرب لذلك مثالا يوضحه فنقول: قد ورد هذا البيت لبعض الشعراء وهو:
فرعاء «2» إن نهضت لحاجتها
…
عجل القضيب وأبطأ الدعص
وهذا لا يحسن تقدير أداة التشبيه فيه، فلا يقال: عجل [قدّ «3» ] كالقضيب وأبطأ [ردف] كالدّعص؛ فالفرق إذن بين التشبيه المضمر أداة التشبيه فيه وبين