المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر شىء مما قيل فى القلم - نهاية الأرب في فنون الأدب - جـ ٧

[النويري، شهاب الدين]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع

- ‌[تتمة الفن الثاني في الإنسان وما يتعلق به]

- ‌[تتمة القسم الخامس في الملك وما يشترط فيه و

- ‌الباب الرابع عشر من القسم الخامس من الفن الثانى فى الكتابة وما تفرّع من أصناف الكتّاب

- ‌ولنبدأ باشتقاق الكتابة

- ‌وأما شرفها

- ‌وأمّا فوائدها:

- ‌ومنها رقم الأحاديث المرويّة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ومنها حفظ الحقوق، ومنع تمرّد ذوى العقوق

- ‌ومنها المكاتبة بين الناس بحوائجهم من المسافات البعيدة

- ‌ومنها ضبط أحوال الناس

- ‌ذكر كتابة الإنشاء وما اشتملت عليه من البلاغة والإيجاز والجمع فى المعنى الواحد بين الحقيقة والمجاز؛ والتلعب بالألفاظ والمعانى والتوصّل إلى بلوغ الأغراض والأمانى

- ‌ولنبدأ من ذلك بوصف البلاغة وحدّها والفصاحة:

- ‌فأما البلاغة

- ‌وأما الفصاحة

- ‌ذكر صفة البلاغة

- ‌ومن أمثالهم فى البلاغة

- ‌فصول من البلاغة

- ‌جمل من بلاغات العجم وحكمها

- ‌وأما ما ينبغى للكاتب أن يأخذ به نفسه

- ‌وأما ما قيل فى حسن الخطّ وجودة الكتابة ومدح الكتّاب والكتاب

- ‌ذكر شىء مما قيل فى آلات الكتابة

- ‌ذكر شىء مما قيل فى القلم

- ‌ ذكر ما يحتاج الكاتب الى معرفته من الأمور الكلية [من كتاب حسن التوسل]

- ‌فأوّل ما يبدأ به من ذلك حفظ كتاب الله تعالى

- ‌ويتلو ذلك الاستكثار من حفظ الأحاديث النبوية- صلوات الله وسلامه على قائلها

- ‌ويتلو ذلك قراءة ما يتفق من كتب النحو

- ‌ويتصل بذلك حفظ خطب البلغاء من الصحابة وغيرهم

- ‌ثم النظر فى أيام العرب ووقائعهم وحروبهم

- ‌ثم النظر فى التواريخ ومعرفة أخبار الدول

- ‌ثم حفظ أشعار العرب ومطالعة شروحها

- ‌وكذلك حفظ جانب جيّد من شعر المحدثين

- ‌وكذلك النظر فى رسائل المتقدّمتين دون حفظها

- ‌وكذلك النّظر فى كتب الأمثال الواردة عن العرب نظما ونثرا

- ‌وكذلك النّظر فى الأحكام السّلطانيّة

- ‌قال: وأمّا الأمور الخاصّة التى تزيد معرفتها قدره، ويزين العلم بها نظمه ونثره

- ‌فأمّا علوم المعانى والبيان والبديع

- ‌أما الفصاحة والبلاغة

- ‌وأما الحقيقة والمجاز

- ‌وأما التشبيه

- ‌ومن المتأخرين من ذكر فى التشبيه سبعة أنواع:

- ‌الأوّل التشبيه المطلق

- ‌الثّانى التّشبيه المشروط

- ‌الثالث تشبيه الكناية

- ‌الرابع تشبيه التسوية

- ‌الخامس التشبيه المعكوس

- ‌السادس تشبيه الإضمار

- ‌السابع تشبيه التفضيل

- ‌وأمّا تشبيه شىء بأربعة أشياء

- ‌وأمّا تشبيه شيئين بشيئين

- ‌وأمّا تشبيه ثلاثة بثلاثة

- ‌وأمّا تشبيه أربعة بأربعة

- ‌وأمّا تشبيه خمسة بخمسة

- ‌وأما الاستعارة

- ‌فصل فيما تدخله الاستعارة وما لا تدخله

- ‌فصل فى أقسام الاستعارة

- ‌قال: وهى على نوعين:

- ‌الأوّل أن تعتمد نفس التشبيه

- ‌والثانى أن تعتمد لوازمه عند ما تكون جهة الاشتراك وصفا

- ‌قال: اذا عرف هذا فالنوع الأوّل على أربعة أقسام:

- ‌الأوّل- أن يستعار المحسوس للمحسوس

- ‌الثانى- أن يستعار شىء معقول لشىء معقول

- ‌الرابع- أن يستعار اسم المعقول للمحسوس

- ‌وأما الكناية

- ‌وأما التعريض

- ‌وأما التمثيل

- ‌وأما الخبر وأحكامه

- ‌وأما التقديم والتأخير

- ‌الأوّل الاستفهام

- ‌الثانى فى التقديم والتأخير فى النفى

- ‌الثالث فى التقديم والتأخير فى الخبر المثبت

- ‌فصل فى مواضع التقديم والتأخير

- ‌قال: أما التقديم فيحسن فى مواضع:

- ‌الأول أن تكون الحاجة إلى ذكره أشدّ

- ‌الثانى: أن يكون ذلك أليق بما قبله من الكلام أو بما بعده

- ‌الثالث: أن يكون من الحروف التى لها صدر الكلام

- ‌الرابع: تقديم الكلىّ على جزئياته

- ‌الخامس: تقديم الدليل على المدلول

- ‌الأوّل: تمام الاسم

- ‌الثانى:

- ‌الثالث:

- ‌الرابع: المضمر

- ‌الخامس: ما يفضى إلى اللّبس

- ‌السادس: العامل الذى هو ضعيف عمله

- ‌وأما الفصل والوصل

- ‌وأما الحذف والإضمار

- ‌فصل فى حذف المبتداء والخبر

- ‌فصل الإضمار على شريطة التفسير

- ‌وأما مباحث إنّ وإنما

- ‌أما إنّ فلها فوائد:

- ‌الأولى أن تربط الجملة الثانية بالأولى

- ‌الثانية: أنك ترى لضمير الشأن والقصة فى الجملة الشرطيّة مع «إنّ» من الحسن واللطف ما لا تراه إذا هى لم تدخل عليها

- ‌الثالثة: أنها تهيّئ النكرة وتصلحها

- ‌الرابعة: أنها قد تغنى عن الخبر

- ‌الخامسة: قال المبرّد: اذا قلت عبد الله قائم، فهو إخبار عن قيامه

- ‌وأما إنما

- ‌فصل إذا دخل ما وإلّا على الجملة المشتملة على المنصوب

- ‌تنبيه

- ‌وأما النظم

- ‌وأما التجنيس

- ‌فمنه المستوفى التامّ

- ‌ومنه المختلف

- ‌ومنه المذيّل

- ‌ومنه المركب وهو على ضربين:

- ‌الأوّل: ما هو متشابه لفظا وخطا

- ‌الثانى: ما هو متشابه لفظا لا خطا ويسمّى التجنيس [المفروق]

- ‌ومنه المزدوج

- ‌ومن أجناس التجنيس المصحّف

- ‌ومنه المضارع

- ‌ومنه المشوّش

- ‌ومنه تجنيس الاشتقاق

- ‌ومن أجناس التجنيس تجنيس التصريف

- ‌ومنها التجنيس المخالف

- ‌ومنها تجنيس المعنى

- ‌وأما الطّباق

- ‌وأما السجع

- ‌قال: والسجع أربعة أنواع وهى: الترصيع والمتوازى والمطرّف والمتوازن

- ‌أما الترصيع

- ‌وأما المتوازى

- ‌وأما المطرّف

- ‌وأما المتوازن

- ‌فصل فى الفقر المسجوعة ومقاديرها

- ‌وأما ردّ العجز على الصدر

- ‌وهو فى النّظم على أربعة أنواع:

- ‌الأوّل: أن يقعا طرفين

- ‌الثانى: أن يقعا فى حشو المصراع الأوّل وعجز الثانى

- ‌الثالث: أن يقعا فى آخر المصراع الأوّل وعجز الثانى

- ‌وأما الإعنات

- ‌وأما المذهب الكلامىّ

- ‌وأما حسن التعليل

- ‌وأما الالتفات

- ‌وأما التمام

- ‌وأما الاستطراد

- ‌وأما تأكيد المدح بما يشبه الذمّ

- ‌وأما تأكيد الذمّ بما يشبه المدح

- ‌أحدهما أن يستثنى من صفة مدح منفيّة عن الشىء صفة ذمّ بتقدير دخولها فيها

- ‌والثانى: أن تثبت للشىء صفة ذمّ وتعقّب بأداة استثناء تليه صفة ذمّ له أخرى

- ‌وأما تجاهل العارف

- ‌وأما الهزل الذى يراد به الجدّ

- ‌وأما الكنايات

- ‌وأما المبالغة

- ‌وأما عتاب المرء نفسه

- ‌وأما حسن التضمين

- ‌وأما التلميح

- ‌وأما إرسال المثل

- ‌وأما إرسال مثلين

- ‌وأما الكلام الجامع

- ‌وأما الّلفّ والنشر

- ‌وأما التفسير

- ‌وأما التعديد

- ‌وأما تنسيق الصفات

- ‌وأما الإيهام

- ‌وأما حسن الابتداءات

- ‌وأما براعة التخليص

- ‌وأما براعة الطلب

- ‌وأما براعة المقطع

- ‌وأما السؤال والجواب

- ‌وأما صحة الأقسام

- ‌وأما التوشيح

- ‌وأما الإيغال

- ‌وأما الإشارة

- ‌وأما التذييل

- ‌وأما الترديد

- ‌وأما التفويف

- ‌وأما التسهيم

- ‌وأما الاستخدام

- ‌وأما العكس والتبديل

- ‌وأما الرجوع

- ‌وأما التغاير

- ‌وأما الطاعة والعصيان

- ‌وأما التسميط

- ‌وأما التشطير

- ‌وأما التطريز

- ‌وأما التوشيع

- ‌وأما الإغراق

- ‌وأما الغلوّ

- ‌وأما القسم

- ‌وأما الاستدراك

- ‌وأما المؤتلفة والمختلفة

- ‌وأما التفريق المفرد

- ‌وأما التقسيم المفرد

- ‌وأما الجمع مع التقسيم

- ‌وأما التزويج

- ‌وأما السلب والإيجاب

- ‌وأما الاطّراد

- ‌وأما التجريد

- ‌وأما التكميل

- ‌وأما المناسبة

- ‌وأما التفريع

- ‌وأما نفى الشىء بإيجابه

- ‌وأما الإيداع

- ‌وأما الإدماج

- ‌وأما سلامة الاختراع

- ‌وأما حسن الاتباع

- ‌وأما الذمّ فى معرض المدح

- ‌وأما العنوان

- ‌وأما الإيضاح

- ‌وأما التشكيك

- ‌وأما القول بالموجب

- ‌وأما القلب

- ‌وأما التندير

- ‌وأما الإسجال بعد المغالطة

- ‌وأما الافتنان

- ‌وأما الإبهام

- ‌وأما حصر الجزئىّ وإلحاقه بالكلىّ

- ‌وأما المقارنة

- ‌وأما الإبداع

- ‌وأما الانفصال

- ‌وأما التصرف

- ‌وأما الاشتراك

- ‌وأما التهكّم

- ‌وأما التدبيج

- ‌وأما الموجّه

- ‌وأما تشابه الأطراف

- ‌وأما ما يتصل بذلك من خصائص الكتابة-‌‌ فالاقتباسوالاستشهاد والحل:

- ‌ فالاقتباس

- ‌وأما الاستشهاد بالآيات

- ‌[وأما الحلّ

- ‌ذكر ما يتعين على الكاتب استعماله والمحافظة عليه والتمسّك به وما يجوز فى الكتابة وما لا يجوز

- ‌ذكر شىء من الرسائل المنسوبة إلى الصحابة رضى الله عنهم والتابعين وشىء من كلام الصدر الأوّل وبلاغتهم

- ‌فمن ذلك الرسالة المنسوبة إلى أبى بكر الصّدّيق إلى علىّ، وما يتّصل بها من كلام عمر بن الخطاب وجواب علىّ رضى الله عنهم

- ‌ومن كلام عائشة أمّ المؤمنين بنت أبى بكر الصّدّيق رضى الله عنهما

- ‌ذكر شرح غريب رسالتها رضى الله عنها

- ‌ومن كلام على بن أبى طالب رضى الله عنه

- ‌ومن كلام الأحنف بن قيس

- ‌ومن كلام أمّ الخير بنت الحريش البارقيّة

- ‌وممن اشتهر بالفصاحة والبلاغة زياد بن أبيه، والحجّاج بن يوسف الثّقفى

- ‌ومن مكاتباته الى المهلّب بن أبى صفرة وأجوبة المهلّب له

- ‌وخطب عبد الملك بن مروان

- ‌ومن كلام قطرىّ بن الفجاءة

- ‌ومن كلام أبى مسلم الخراسانى صاحب الدولة

- ‌ومن كلام جماعة من أمراء الدولتين

- ‌ذكر شىء من رسائل وفصول الكتاب والبلغاء المتقدّمين والمتأخّرين والمعاصرين من المشارقة والمغاربة

- ‌ومن كلام بديع الزّمان أبى الفضل أحمد بن الحسين الهمذانىّ

- ‌ومن كلام أبى الفضل محمد بن الحسين بن العميد

- ‌وكتب الصاحب أبو القاسم كافى الكفاة فى وصف كتاب:

- ‌وقال أبو الفرج الببغاء من رسالة إلى عدّة الدّولة أبى تغلب

- ‌وقال محمد بن العباس الخوارزمىّ:

- ‌ذكر شىء من رسائل فضلاء المغاربة ووزرائهم وكتابهم ممن ذكرهم ابن بسام فى كتابه المترجم بالذخيرة فى محاسن أهل الجزيرة

- ‌منهم ذو الوزارتين أبو الوليد بن زيدون

- ‌ومن كلام أبى عبد الله محمد بن أبى الخصال من جواب لابن بسّام

- ‌ومن كلام الوزير الفقيه أبى القاسم محمد بن عبد الله بن الجدّ

- ‌ومن كلام أبى عبد الله محمد بن الخيّاط

- ‌ومن كلام أبى حفص عمر بن برد الأصغر الأندلسى

- ‌ومن كلامه يعاتب بعض إخوانه:

- ‌ومن كلام أبى الوليد بن طريف

- ‌ومن كلام الوزير الكاتب أبى محمد بن عبد الغفور الى بعض إخوانه

الفصل: ‌ذكر شىء مما قيل فى القلم

‌ذكر شىء مما قيل فى القلم

قال الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ

وقال: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ.

وقال الحكماء: القلم أحد اللسانين، وهو المخاطب للعيون بسرّ القلوب.

وقالوا: عقول الرجال تحت أسنّة أقلامها. بنوء «1» الأقلام يصوب غيث الحكمة.

القلم صائغ الكلام، يفرغ ما يجمعه القلب، ويصوغ ما يسبكه «2» اللّب.

وقال جعفر بن يحيى: لم أر باكيا أحسن تبسما من القلم.

وقال المأمون: لله درّ القلم كيف يحوك وشى المملكة!.

وقال ثمامة بن أشرس: ما أثّرته الأقلام، لم تطمع فى درسه الأيام. بالأقلام تدبّر الأقاليم. كتاب المرء عنوان عقله، ولسان فضله. عقل الكاتب فى قلمه.

وقال ابن المعتزّ: القلم مجهّز لجيوش الكلام، يخدم الإرادة كأنه يقبّل بساط سلطان، أو يفتّح نوّار بستان.

وقال الحسن بن وهب: يحتاج الكاتب إلى خلال: منها جودة برى القلم وإطالة جلفته «3» ، وتحريف قطّته، وحسن التأتّى لامتطاء الأنامل، وإرسال المدّة بعد إشباع الحروف، والتحرّز عند فراغها من الكسوف، وترك الشكل على الخطإ والإعجام على التصحيف.

ص: 20

وقال العتّابىّ: سألنى الأصمعىّ فى دار الرشيد: أىّ الأنابيب للكتابة أصلح وعليها أصبر؟ فقلت له: ما نشف «1» بالهجير ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور، الفضّيّة الكسور؛ قال: فأى نوع من البرى أصوب وأكتب؟ فقلت: البرية المستوية القطّة التى عن يمين سنها برية تؤمن معها المحبّة عند المدة والمطّة، للهواء فى شقّها فتيق، والريح فى جوفها خريق «2» ، والمداد فى خرطومها رقيق. قال العتابىّ: فبقى الأصمعى شاخصا إلىّ ضاحكا، لا يحير مسألة ولا جوابا.

وكتب على بن الأزهر إلى صديق له يستدعى منه أقلاما: أما بعد: فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التى غلبت على الاسم، ولزمت لزوم الوسم «3» ؛ فحلّت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب؛ وجدنا الأقلام الصّحريّة «4» أجرى فى الكواغد «5» وأمرّ فى الجلود، كما أنّ البحريّة منها أسلس فى القراطيس، وألين فى المعاطف وأشد لتعريف «6» الخط فيها، ونحن فى بلد قليل القصب رديئه، وقد أحببت فى أن تتقدّم فى اختيار «7» أقلام صحريّة، وتتنوّق «8» فى اقتنائها قبلك، وتطلبها من مظانّها ومنابتها من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم، وأن تتيمّن «9» باختيارك منها الشديدة الصّلبة

ص: 21

النقيّة الجلود، القليلة الشحوم، الكثيرة اللحوم، الضيقة الأجواف «1» ، الرزينة المحمل فإنها أبقى على الكتابة، وأبعد من الحفا، وأن تقصد بانتقائك للرقاق القضبان المقوّمات المتون، الملس المعاقد «2» ، الصافية القشور، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، المستحكمة يبسا وهى قائمة على أصولها، لم تعجل عن إبّان ينعها، ولم تأخّر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر «3» الشتاء وعفن الأنداء؛ فإذا استجمعت عندك أمرت بقطعها ذراعا ذراعا قطعا رقيقا، ثم عبأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية، «4» [ووجّهتها مع من يؤدّى الأمانة فى حراستها وحفظها وإيصالها] وتكتب معها بعدّتها وأصنافها بغير تأخير ولا توان، إن شاء الله تعالى.

وأهدى ابن الحرون «5» إلى بعض إخوانه أقلاما وكتب إليه:

إنه لما كانت الكتابة- أبقاك الله- أعظم الأمور، وقوام الخلافة، وعمود المملكة أتحفتك من آلتها بما يخفف حمله، وتثقل قيمته، ويعظم نفعه، ويجلّ خطره، وهى أقلام من القصب النابت فى الصحراء الذى نشف بحرّ الهجير [فى قشره «6» ] ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ فهى كاللآلئ المكنونة فى الصدف، والأنوار المحجوبة فى السدف «7» ؛ تبريّة القشور، درّية الظهور، فضية الكسور؛ قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشى المحبّر، ورونقا «8» كاالديباج «9» المنيّر.

ص: 22

ومن كتاب لأبى الخطاب الصابى- يصف فيه أقلاما أهداها فى جملة أصناف- جاء منه:

وأضفت إليها أقلاما سليمة من المعايب، مبرّأة من المثالب؛ جمّة المحاسن بعيدة عن المطاعن؛ لم يربها طول ولا قصر، ولم ينقصها ضعف ولا خور؛ ولم يشنهالين ولا رخاوة، ولم يعبها كزازة «1» ولا قساوة؛ فهذه «2» آخذة بالفضائل من جميع جهاتها، مستوفية للمادح بسائر صفاتها؛ صلبة المعاجم، ليّنة المقاطع؛ موفية القدود والألوان، محمودة المخبر والعيان؛ قد استوى فى الملاسة خارجها وداخلها، وتناسب فى السلاسة عاليها وسافلها؛ نبتت بين الشمس والظلّ، واختلف عليها الحرّ والقر؛ فلفحها «3» وقدان الهواجر، وسفعتها [سمائم «4» ] شهر ناجر «5» ؛ ووقذها الشّفّان «6» بصرده، وقذفها الغمام ببرده؛ وصابتها الأنواء بصيّبها، واستهلّت عليها السحائب بشآبيبها «7» ؛ فاستمرّت مرائرها «8» على إحكام، واستحصد سحلها «9» بالإبرام؛ جاءت شتّى «10» الشيات، متغايرة الهيئات، متباينة المحالّ والبلدان؛ تختلف بتباعد ديارها، وتأتلف بكرم نجارها؛ فمن أنابيب ناسبت رماح الخط فى أجناسها، وشاكلت الذهب فى ألوانها، وضاهت

ص: 23

الحرير فى لمعانها؛ بطيئة «1» الحفا، نمرة «2» القوى؛ لا يشظيها «3» القطّ، ولا يشعّث «4» بها الخط؛ ومن مصريّة بيض، كأنها [قباطىّ «5» مصر نقاء، وغرقئ البيض صفاء؛ غذاها الصعيد من ثراه بلبّه] وسقاها النيل من نميره وعذبه؛ فجاءت ملتئمة الأجزاء، سليمة من الالتواء؛ تستقيم شقوقها فى أطوالها، ولا تنكّب عن يمينها ولا شمالها؛ تقترن بها صفراء كأنها معها عقيان «6» قرن بلجين، أو ورق خلط بعين؛ تختال فى صفر ملاحفها، وتميس فى مذهب مطارفها «7» ؛ بلون غياب الشمس، وصبغ ثياب الورس «8» ، ومن منقوشة تروق العين، وتونق النّفس؛ ويهدى حسنها الأريحيّة إلى القلوب، ويحلّ الطرب لها حبوة الحكيم اللبيب؛ كأنها اختلاف الزهر اللامع، وأصناف الثمر اليانع؛ [ومن بحريّة موشيّة الليط «9» ] رائقة التخليط «10» ؛ كأنّ داخلها قطرة دم، أو حاشية رداء

ص: 24

معلم، وكأنّ خارجها أرقم، أو متن واد مفعم، نثرت ألوانا تزرى بورد الخدود، وأبدت قامات تفصح بأود القدود.

وقد أكثر الشعراء القول فى وصف القلم، فمن ذلك قول أبى تمّام الطائىّ:

لك القلم الأعلى الذى بشباته

تصاب من الأمر الكلى والمفاصل

لعاب الأفاعى القاتلات لعابه

وأرى «1» الجنى اشتارته أيد عواسل

له ريقة طلّ ولكنّ وقعها

بآثاره فى الشرق والغرب وابل

فصيح إذا استنطقته وهو راكب

وأعجم إن خاطبته وهو راجل

إذا ما امتطى الخمس الّلطاف وأفرغت

عليه شعاب «2» الفكر وهى حوافل

أطاعته أطراف القنا وتقوّضت

لنجواه تقويض الخيام والجحافل

إذا استغزر الذهن الجلىّ «3» وأقبلت

أعاليه فى القرطاس وهى أسافل

وقد رفدته الخنصران وسدّدت

ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل

رأيت جليلا شأنه وهو مرهف

ضنّى وسمينا خطبه وهو ناحل

وقال آخر:

قوم إذا أخذوا الأقلام من غضب

ثم استمدّوا بها ماء المنيّات

نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا

ما لم ينالوا بحدّ المشرفيّات

وقال ابن المعتزّ:

قلم ما أراه أم فلك يجرى

بما شاء قاسم ويسير «4»

خاشع فى يديه يلثم قرطا

سا كما قبّل البساط شكور

ص: 25

ولطيف المعنى جليل نحيف

وكبير الأفعال وهو صغير

كم منايا وكم عطايا وكم

حتف وعيش تضم تلك السطور

نقشت بالدجى نهارا فما أدرى

أخطّ فيهن أم تصوير

وقال محمد «1» بن علىّ:

فى كفه صارم لانت مضاربه

يسوسنا رغبا إن شاء أو رهبا

السيف والرمح خدّام له أبدا

لا يبلغان له جدّا ولا لعبا

تجرى دماء الأعادى بين أسطره

ولا يحس له صوت إذا ضربا

فما رأيت مدادا قبل ذاك دما

ولا رأيت حساما قبل ذا قصبا

وقال ابن الرومىّ:

لعمرك ما السيف سيف الكمىّ

بأخوف من قلم الكاتب

له شاهد إن تأمّلته

ظهرت على سره الغائب

أداة المنيّة فى جانبيه

فمن مثله رهبة الراهب

ألم تر فى صدره كالسنان

وفى الردف كالمرهف القاضب؟

وقال الرفّاء «2» :

أخرس ينبيك بإطراقه

عن كل ما شئت من الأمر

يذرى على قرطاسه دمعه

يبدى لنا السرّ وما يدرى

كعاشق أخفى هواه وقد

نمّت عليه عبرة تجرى

تبصره فى كل أحواله

عريان يكسو الناس أو يعرى

يرى أسيرا فى دواة وقد

أطلق أقواما من الأسر

ص: 26