الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر شىء مما قيل فى القلم
قال الله تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ
وقال: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ.
وقال الحكماء: القلم أحد اللسانين، وهو المخاطب للعيون بسرّ القلوب.
وقالوا: عقول الرجال تحت أسنّة أقلامها. بنوء «1» الأقلام يصوب غيث الحكمة.
القلم صائغ الكلام، يفرغ ما يجمعه القلب، ويصوغ ما يسبكه «2» اللّب.
وقال جعفر بن يحيى: لم أر باكيا أحسن تبسما من القلم.
وقال المأمون: لله درّ القلم كيف يحوك وشى المملكة!.
وقال ثمامة بن أشرس: ما أثّرته الأقلام، لم تطمع فى درسه الأيام. بالأقلام تدبّر الأقاليم. كتاب المرء عنوان عقله، ولسان فضله. عقل الكاتب فى قلمه.
وقال ابن المعتزّ: القلم مجهّز لجيوش الكلام، يخدم الإرادة كأنه يقبّل بساط سلطان، أو يفتّح نوّار بستان.
وقال الحسن بن وهب: يحتاج الكاتب إلى خلال: منها جودة برى القلم وإطالة جلفته «3» ، وتحريف قطّته، وحسن التأتّى لامتطاء الأنامل، وإرسال المدّة بعد إشباع الحروف، والتحرّز عند فراغها من الكسوف، وترك الشكل على الخطإ والإعجام على التصحيف.
وقال العتّابىّ: سألنى الأصمعىّ فى دار الرشيد: أىّ الأنابيب للكتابة أصلح وعليها أصبر؟ فقلت له: ما نشف «1» بالهجير ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ من التّبريّة القشور، الدّرّيّة الظهور، الفضّيّة الكسور؛ قال: فأى نوع من البرى أصوب وأكتب؟ فقلت: البرية المستوية القطّة التى عن يمين سنها برية تؤمن معها المحبّة عند المدة والمطّة، للهواء فى شقّها فتيق، والريح فى جوفها خريق «2» ، والمداد فى خرطومها رقيق. قال العتابىّ: فبقى الأصمعى شاخصا إلىّ ضاحكا، لا يحير مسألة ولا جوابا.
وكتب على بن الأزهر إلى صديق له يستدعى منه أقلاما: أما بعد: فإنا على طول الممارسة لهذه الكتابة التى غلبت على الاسم، ولزمت لزوم الوسم «3» ؛ فحلّت محل الأنساب، وجرت مجرى الألقاب؛ وجدنا الأقلام الصّحريّة «4» أجرى فى الكواغد «5» وأمرّ فى الجلود، كما أنّ البحريّة منها أسلس فى القراطيس، وألين فى المعاطف وأشد لتعريف «6» الخط فيها، ونحن فى بلد قليل القصب رديئه، وقد أحببت فى أن تتقدّم فى اختيار «7» أقلام صحريّة، وتتنوّق «8» فى اقتنائها قبلك، وتطلبها من مظانّها ومنابتها من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم، وأن تتيمّن «9» باختيارك منها الشديدة الصّلبة
النقيّة الجلود، القليلة الشحوم، الكثيرة اللحوم، الضيقة الأجواف «1» ، الرزينة المحمل فإنها أبقى على الكتابة، وأبعد من الحفا، وأن تقصد بانتقائك للرقاق القضبان المقوّمات المتون، الملس المعاقد «2» ، الصافية القشور، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، المستحكمة يبسا وهى قائمة على أصولها، لم تعجل عن إبّان ينعها، ولم تأخّر إلى الأوقات المخوفة عليها من خصر «3» الشتاء وعفن الأنداء؛ فإذا استجمعت عندك أمرت بقطعها ذراعا ذراعا قطعا رقيقا، ثم عبأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية، «4» [ووجّهتها مع من يؤدّى الأمانة فى حراستها وحفظها وإيصالها] وتكتب معها بعدّتها وأصنافها بغير تأخير ولا توان، إن شاء الله تعالى.
وأهدى ابن الحرون «5» إلى بعض إخوانه أقلاما وكتب إليه:
إنه لما كانت الكتابة- أبقاك الله- أعظم الأمور، وقوام الخلافة، وعمود المملكة أتحفتك من آلتها بما يخفف حمله، وتثقل قيمته، ويعظم نفعه، ويجلّ خطره، وهى أقلام من القصب النابت فى الصحراء الذى نشف بحرّ الهجير [فى قشره «6» ] ماؤه، وستره من تلويحه غشاؤه؛ فهى كاللآلئ المكنونة فى الصدف، والأنوار المحجوبة فى السدف «7» ؛ تبريّة القشور، درّية الظهور، فضية الكسور؛ قد كستها الطبيعة جوهرا كالوشى المحبّر، ورونقا «8» كاالديباج «9» المنيّر.
ومن كتاب لأبى الخطاب الصابى- يصف فيه أقلاما أهداها فى جملة أصناف- جاء منه:
وأضفت إليها أقلاما سليمة من المعايب، مبرّأة من المثالب؛ جمّة المحاسن بعيدة عن المطاعن؛ لم يربها طول ولا قصر، ولم ينقصها ضعف ولا خور؛ ولم يشنهالين ولا رخاوة، ولم يعبها كزازة «1» ولا قساوة؛ فهذه «2» آخذة بالفضائل من جميع جهاتها، مستوفية للمادح بسائر صفاتها؛ صلبة المعاجم، ليّنة المقاطع؛ موفية القدود والألوان، محمودة المخبر والعيان؛ قد استوى فى الملاسة خارجها وداخلها، وتناسب فى السلاسة عاليها وسافلها؛ نبتت بين الشمس والظلّ، واختلف عليها الحرّ والقر؛ فلفحها «3» وقدان الهواجر، وسفعتها [سمائم «4» ] شهر ناجر «5» ؛ ووقذها الشّفّان «6» بصرده، وقذفها الغمام ببرده؛ وصابتها الأنواء بصيّبها، واستهلّت عليها السحائب بشآبيبها «7» ؛ فاستمرّت مرائرها «8» على إحكام، واستحصد سحلها «9» بالإبرام؛ جاءت شتّى «10» الشيات، متغايرة الهيئات، متباينة المحالّ والبلدان؛ تختلف بتباعد ديارها، وتأتلف بكرم نجارها؛ فمن أنابيب ناسبت رماح الخط فى أجناسها، وشاكلت الذهب فى ألوانها، وضاهت
الحرير فى لمعانها؛ بطيئة «1» الحفا، نمرة «2» القوى؛ لا يشظيها «3» القطّ، ولا يشعّث «4» بها الخط؛ ومن مصريّة بيض، كأنها [قباطىّ «5» مصر نقاء، وغرقئ البيض صفاء؛ غذاها الصعيد من ثراه بلبّه] وسقاها النيل من نميره وعذبه؛ فجاءت ملتئمة الأجزاء، سليمة من الالتواء؛ تستقيم شقوقها فى أطوالها، ولا تنكّب عن يمينها ولا شمالها؛ تقترن بها صفراء كأنها معها عقيان «6» قرن بلجين، أو ورق خلط بعين؛ تختال فى صفر ملاحفها، وتميس فى مذهب مطارفها «7» ؛ بلون غياب الشمس، وصبغ ثياب الورس «8» ، ومن منقوشة تروق العين، وتونق النّفس؛ ويهدى حسنها الأريحيّة إلى القلوب، ويحلّ الطرب لها حبوة الحكيم اللبيب؛ كأنها اختلاف الزهر اللامع، وأصناف الثمر اليانع؛ [ومن بحريّة موشيّة الليط «9» ] رائقة التخليط «10» ؛ كأنّ داخلها قطرة دم، أو حاشية رداء
معلم، وكأنّ خارجها أرقم، أو متن واد مفعم، نثرت ألوانا تزرى بورد الخدود، وأبدت قامات تفصح بأود القدود.
وقد أكثر الشعراء القول فى وصف القلم، فمن ذلك قول أبى تمّام الطائىّ:
لك القلم الأعلى الذى بشباته
…
تصاب من الأمر الكلى والمفاصل
لعاب الأفاعى القاتلات لعابه
…
وأرى «1» الجنى اشتارته أيد عواسل
له ريقة طلّ ولكنّ وقعها
…
بآثاره فى الشرق والغرب وابل
فصيح إذا استنطقته وهو راكب
…
وأعجم إن خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الخمس الّلطاف وأفرغت
…
عليه شعاب «2» الفكر وهى حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوّضت
…
لنجواه تقويض الخيام والجحافل
إذا استغزر الذهن الجلىّ «3» وأقبلت
…
أعاليه فى القرطاس وهى أسافل
وقد رفدته الخنصران وسدّدت
…
ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل
رأيت جليلا شأنه وهو مرهف
…
ضنّى وسمينا خطبه وهو ناحل
وقال آخر:
قوم إذا أخذوا الأقلام من غضب
…
ثم استمدّوا بها ماء المنيّات
نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا
…
ما لم ينالوا بحدّ المشرفيّات
وقال ابن المعتزّ:
قلم ما أراه أم فلك يجرى
…
بما شاء قاسم ويسير «4»
خاشع فى يديه يلثم قرطا
…
سا كما قبّل البساط شكور
ولطيف المعنى جليل نحيف
…
وكبير الأفعال وهو صغير
كم منايا وكم عطايا وكم
…
حتف وعيش تضم تلك السطور
نقشت بالدجى نهارا فما أدرى
…
أخطّ فيهن أم تصوير
وقال محمد «1» بن علىّ:
فى كفه صارم لانت مضاربه
…
يسوسنا رغبا إن شاء أو رهبا
السيف والرمح خدّام له أبدا
…
لا يبلغان له جدّا ولا لعبا
تجرى دماء الأعادى بين أسطره
…
ولا يحس له صوت إذا ضربا
فما رأيت مدادا قبل ذاك دما
…
ولا رأيت حساما قبل ذا قصبا
وقال ابن الرومىّ:
لعمرك ما السيف سيف الكمىّ
…
بأخوف من قلم الكاتب
له شاهد إن تأمّلته
…
ظهرت على سره الغائب
أداة المنيّة فى جانبيه
…
فمن مثله رهبة الراهب
ألم تر فى صدره كالسنان
…
وفى الردف كالمرهف القاضب؟
وقال الرفّاء «2» :
أخرس ينبيك بإطراقه
…
عن كل ما شئت من الأمر
يذرى على قرطاسه دمعه
…
يبدى لنا السرّ وما يدرى
كعاشق أخفى هواه وقد
…
نمّت عليه عبرة تجرى
تبصره فى كل أحواله
…
عريان يكسو الناس أو يعرى
يرى أسيرا فى دواة وقد
…
أطلق أقواما من الأسر