الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّرِكَةِ، وهى شَرِكَةُ العِنَانِ. ومَعْناهَا: أن يَشْتَرِك رَجُلَانِ بمَالَيْهِما على أن يَعْمَلَا فيهما (10)، بأبْدَانِهِما، والرِّبْحُ بينهما. وهى جَائِزَةٌ بالإِجْماعِ. ذَكَرَهُ ابنُ المُنْذِرِ. وإنَّما اخْتُلِفَ في بعضِ شُرُوطِها، واخْتُلِفَ في عِلَّةِ تَسْمِيَتِها شَرِكَةَ العِنَانِ، فقِيلَ: سُمِّيَتْ بذلك لأنَّهما يَتَسَاوَيانِ في المالِ والتَّصَرُّفِ، كالفَارِسَيْنِ إذا سَوَّيَا بين فَرَسَيْهِما، وتَسَاوَيا في السَّيرِ، فإنَّ عِنَانَيْهِما يكُونانِ سَوَاءً. وقال الفَرَّاءُ: هي مُشْتَقَّةٌ من عَنَّ الشىءُ إذا عَرَضَ، يقال: عَنَّتْ لي حَاجَةٌ. إذا عَرَضَتْ، فَسُمِّيَتِ الشَّرِكَةُ بذلك؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما عَنَّ له أن يُشَارِكَ صَاحِبَهُ. وقيل: هي مُشْتَقّةٌ من المُعَانَنَةِ (11)، وهى المُعَارَضَةُ، يقال: عانَنْتُ (12) فُلَانًا. إذا عَارَضْتَه بمثلِ مَالِه وأَفْعَالِه. فكُلُّ واحدٍ من الشَّرِيكَيْنِ مُعَارِضٌ لِصَاحِبِه بمالِه وفِعَالِه. وهذا يَرْجِعُ إلى قولِ الفَرَّاءِ.
فصل:
ولا خِلَافَ في أنَّه يجوزُ جَعْلُ رَأْسِ المالِ الدَّرَاهِمَ والدَّنانِيرَ، فإنَّهما (13) قِيَمُ الأَمْوالِ وأثْمَانُ البِيَاعاتِ، والناسُ يَشْتَرِكُون بها من لَدُنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى زَمَنِنَا من غيرِ نَكِيرٍ. فأمَّا العُرُوضُ، فلا تجوزُ الشَّرِكَةُ فيها، في ظَاهِرِ المَذْهَبِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ أبى طالِبٍ وحَرْبٍ. وحَكاهُ عنه ابنُ المُنْذِرِ. وكَرِهَ ذلك ابنُ سِيرِينَ، ويحيى بن أبي كَثِيرٍ، والثَّوْريُّ، والشَّافِعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ إمَّا أن تَقَعَ على أعْيَانِ العُرُوضِ أو قِيمَتِها أو أثْمانِها، لا يجوزُ وُقُوعُها على أعْيانِها؛ لأنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِى الرُّجُوعَ عندَ المُفَاصَلَةِ بِرَأسِ المالِ أو بِمِثْلِه، وهذه لا مِثْلَ لها، فَيُرْجَعُ إليه، وقد تَزِيدُ قِيمَةُ جِنْسِ أحَدِهما دونَ الآخَرِ، فيَسْتَوْعِبُ بذلك جَمِيعَ الرِّبْحِ أو جَمِيعَ المالِ، وقد تَنْقُصُ قِيمَتُه، فيُؤَدِّى إلى أن يُشَارِكَهُ الآخَرُ في ثَمِن مِلْكِه الذي ليس بِرِبْحٍ، ولا على قِيمَتِها؛ لأنَّ القِيمَة غيرُ مُتَحَقِّقَةِ القَدْرِ، فيُفْضِى إلى التَّنَازُعِ، وقد يُقَوَّمُ الشىءُ بأكْثَرَ من
(10) في ب: "فيها".
(11)
في النسخ: "المعانتة".
(12)
في النسخ: "عانت".
(13)
في أ، م:"فإنها".
قِيمَتِه، ولأنَّ القِيمَةَ قد تَزِيدُ في أحَدِهِما قبلَ بَيْعِه، فيُشَارِكُه الآخَرُ في العَيْنِ المَمْلُوكَةِ له، ولا يجوزُ وُقُوعُها على أثْمانِها؛ لأنَّها مَعْدُومَةٌ حالَ العَقْدِ ولا يَمْلِكَانِها، ولأنَّه (14) إن أرادَ ثَمَنَها الذي اشْتَراهَا به، فقد خَرَجَ عن مِلْكِه (15) وصَارَ لِلْبَائِعِ، وإن أرادَ ثَمَنَها الذي يَبِيعُها به، فإنَّها تَصِيرُ شَرِكَةً مُعَلَّقَةً على شَرْطٍ، وهو بَيْعُ الأَعْيانِ، ولا يجوزُ ذلك. وعن أحمدَ رِوَايةٌ أُخْرَى، أنَّ الشَّرِكَةَ والمُضَارَبَةَ تجوزُ بالعُرُوضِ، وتُجْعَلُ قِيمَتُها وَقْتَ العَقْدِ رَأْسَ المالِ. قال أحمدُ: إذا اشْتَرَكَا في العُرُوضِ، يُقَسَّمُ الرِّبْحُ على ما اشْتَرَطَا. وقال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْأَلُ عن المُضَارَبَةِ بالمَتَاعِ؟ فقال: جائِزٌ. فظَاهِرُ هذا صِحَّةُ الشَّرِكَةِ بها. اخْتَارَ هذا أبو بكرٍ، وأبو الخَطَّابِ. وهو قولُ مالِكٍ، وابنِ أبي لَيْلَى. وبه قال في المُضَارَبَةِ طَاوُسٌ، والأَوْزَاعِىُّ، وحَمَّادُ بن أبي سليمانَ؛ لأنَّ مَقْصُودَ الشَّرِكَةِ جَوَازُ تَصَرُّفِها في المَالَيْنِ جَمِيعًا، وكَوْنُ رِبْحِ المالَيْنِ (16) بينهما، وهذا يَحْصُلُ في العُرُوضِ كَحُصُولِه في الأَثْمانِ، فيَجِبُ أن تَصِحَّ الشَّرِكَةُ والمُضارَبَةُ بها، كالأثْمانِ. ويَرْجِعُ كلُّ واحدٍ منهما عندَ المُفَاصَلَةِ بِقِيمَةِ مَالِه عند العَقْدِ، كما أنَّنا جَعَلْنَا نِصَابَ زَكَاتِها قِيمَتَها. وقال الشَّافِعِىُّ: إن كانت العُرُوضُ من ذَوَاتِ الأَمْثالِ؛ كالحُبُوبِ والأَدْهانِ، جَازَتِ الشَّرِكَةُ بها، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّها من ذَوَاتِ الأَمْثالِ، أشْبَهَتِ النُّقُودَ، ويَرْجِعُ عند المُفَاصَلَةِ بِمِثْلِها. وإن لم تَكُنْ من ذَوَاتِ الأَمْثَالِ، لم يَجُزْ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّه لا يمكنُ الرُّجُوعُ بِمِثْلِها. ولَنا، أنَّه نَوْعُ شَرِكَةٍ، فاسْتَوَى فيها مَالَهُ مِثْلٌ من العُرُوضِ وما لا مِثْلَ له، كالمُضَارَبَةِ، وقد سَلَّمَ أنَ المُضَارَبةَ لا تجوزُ بشيءٍ من العُرُوضِ، ولأنَّها ليست بِنَقْدٍ، فلم تَصِحَّ الشَّرِكَةُ بها، كالذى لا مِثْلَ له.
(14) في أ: "ولأنها".
(15)
في الأصل، م:"مكانه".
(16)
في الأصل: "المال".