الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالَه (15) الأَعْشَى. وتُسَمَّى الضَّرَّتَانِ جَارَتَيْنِ؛ لِاشْتِرَاكِهِما في الزَّوْجِ. قال حَمَلُ بن مالِكٍ: كنتُ بين جَارَتَيْنِ لي، فضَرَبَتْ إحْدَاهُما الأُخْرَى بِمِسْطَحٍ (16)، فقَتَلَتْها وجَنِينَها. وهذا يُمْكِنُ في تَأْوِيلِ حَدِيثِ أبي رَافِعٍ أيضًا. إذا ثَبَتَ هذا، فلا فَرْقَ بين كَوْنِ الطَّرِيقِ مُفْرَدَةً أو مُشْتَرَكَةً. قال أحمدُ، في رِوَايةِ ابن القاسِمِ، في رَجُلٍ له أَرْضٌ تَشْرَبُ هي وأَرْضُ غيرِه من نَهْرٍ واحدٍ: ولا شُفْعَةَ له من أجْلِ الشُّرْبِ، إذا وَقَعَتِ الحُدُودُ فلا شُفْعَةَ. وقال، في رِوَايةِ أبي طَالِبٍ، وعبدِ اللَّه، ومُثَنَّى، في مَن لا يَرَى الشُّفْعَةَ بالجِوَارِ، وقُدِّمَ إلى الحاكِمِ فأنْكَرَ: لم يَحْلِفْ، إنَّما هو اخْتِيَارٌ، وقد اخْتَلَفَ الناسُ فيه. قال القاضي: إنَّما هذا لأنَّ يَمِينَ المُنْكِرِ ههُنَا على القَطْعِ والبَتِّ، ومَسَائِلُ الاجْتِهادِ مَظْنُونَةٌ، فلا يُقْطَعُ بِبُطْلَانِ مَذْهَبِ المُخَالِفِ. ويُمْكِنُ أن يُحْمَلَ كلامُ أحمدَ ههُنا على الوَرَعِ، لا على التَّحْرِيمِ؛ لأنَّه يَحْكُمُ بِبُطْلَانِ مذهبِ المُخَالِفِ. ويجوزُ لِلْمُشْتَرِى الامْتِنَاعُ به من تَسْلِيمِ المَبِيعِ، فيما بَيْنَهُ وبين اللهِ تعالى.
فصل:
الشَّرْطُ الثاني، أن يكونَ المَبِيعُ أرْضًا؛ لأنَّها التي تَبْقَى على الدَّوَامِ، ويَدُومُ ضَرَرُها، وأمَّا غيرُها فيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ؛ أحدَهما، تَثْبُتُ فيه الشُّفْعَةُ تَبَعًا للأَرْضِ، وهو البِنَاءُ والغِرَاسُ يُبَاعُ مع الأَرْضِ، فإنَّه يُؤْخَذُ بالشُّفْعَةِ تَبَعًا للأَرْضِ، بغيرِ خِلَافٍ في المَذْهَب، ولا نَعْرِفُ فيه بينَ مَن أَثْبَتَ الشُّفْعَةَ خِلَافًا. وقد دَلَّ عليه (17) قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقَضَاؤُه بالشُّفْعَةِ في كُلِّ شِرْكٍ لم يُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أو حائِطٍ (18). وهذا يَدْخُلُ فيه البِنَاءُ والأَشْجَارُ (19). القسم الثاني، ما لا تَثْبُتُ فيه الشُّفْعَةُ تَبَعًا ولا مُفْرَدًا، وهو الزَّرْعُ
(15) في م: "قال".
والبيت للأعشى في ديوانه 263.
(16)
المسطح: عمود الخباء، وانظر الحديث عند أبي داود 2/ 498، والنسائي 8/ 51، 52.
(17)
في ب: "على ذلك".
(18)
تقدم تخريجه في صفحة 435.
(19)
في ب: "والغراس".
والثَّمَرةُ الظاهِرَةُ تُبَاعُ مع الأَرْضِ؛ فإنَّه لا يُؤْخَذُ بالشُّفْعَةِ مع الأَصْلِ. وبهذا قال الشّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ: يُؤْخَذُ ذلك بالشُّفْعَةِ مع أُصُولِه؛ لأنَّه مُتَّصِلٌ بما فيه الشُّفْعَةُ، فيَثْبُتُ فيه الشُّفْعةُ تَبَعًا (20)، كالبِنَاءِ والغِرَاسِ. ولَنا، أنَّه لا يَدْخُلُ في البَيْعِ تَبَعًا، فلا يُؤْخَذُ بالشُّفْعَةِ، كقُمَاشِ الدَّارِ، وعَكْسُه البِنَاءُ والغِرَاسُ، وتَحْقِيقُه أنَّ الشُّفْعَةَ بَيْعٌ في الحَقِيقَةِ، لكنَّ الشّارِعَ جَعَلَ له سُلْطَانَ الأَخْذِ بغيرِ رِضَى المُشْتَرِى، فإن بِيعَ الشَّجَرُ وفيه ثَمَرَةٌ غيرُ ظَاهِرَةٍ، كالطَّلْعِ غيرِ المُؤَبَّرِ، دَخَلَ في الشُّفْعَةِ؛ لأنَّها تَتْبَعُ في البَيْعِ، فأَشْبَهَتِ الغِرَاسَ في الأَرْضِ. وأمَّا ما بِيعَ مُفْرَدًا من الأَرْضِ، فلا شُفْعَةَ فيه، سواءٌ كان ممَّا يُنْقَلُ، كالحَيَوانِ والثِّيَابِ والسُّفُنِ والحِجَارَةِ والزَّرْعِ والثِّمارِ، أو لا يُنْقَلُ، كالبِنَاءِ والغِرَاسِ إذا بِيعَ مُفْرَدًا. وبهذا قال الشّافِعِيُّ، وأصْحَابُ الرَّأْى. ورُوِىَ عن الحَسَنِ، والثَّوْرِيِّ، والأَوْزَاعِيِّ، والعَنْبَرِيِّ، وقَتَادَةَ، ورَبِيعَةَ، وإسحاقَ: لا شُفْعَةَ في المَنْقُولَاتِ. واخْتَلَفَ (21) عن مالِكٍ وعَطَاءٍ، فقالا مَرَّةً كذلك، ومَرَّةً قالا: الشُّفْعَةُ في كلِّ شيءٍ، حتى في الثَّوْبِ. قال ابنُ أبي موسى: وقد رُوِىَ عن أبي عبدِ اللَّه رِوَايةٌ أُخْرَى، أنَّ الشُّفْعَةَ واجِبَةٌ فيما لا يَنْقَسِمُ كالحِجَارَةِ والسَّيْفِ والحَيَوانِ، وما في مَعْنَى ذلك. قال أبو الخَطَّابِ: وعن أحمدَ رِوَايةٌ أُخْرَى، أنَّ الشُّفْعةَ تَجِبُ في البِنَاءِ والغِرَاسِ، وإن بِيعَ مُفْرَدًا (22). وهو قولُ مالِكٍ؛ لِعُمُومِ قولِه عليه السلام:"الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ". ولأنَّ الشُّفْعَةَ وُضِعَتْ لِدَفْعِ (23) الضَّرَرِ، وحُصُولُ الضَّرَرِ بالشَّركِةِ فيما لا يَنْقَسِمُ أَبْلَغُ منه فيما يَنْقَسِمُ، ولأنَّ ابنَ أبي مُلَيْكَةَ رَوَى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"الشُّفْعَةُ في كُلِّ شَيْءٍ"(24). ولَنا، أنَّ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"الشُّفْعَةُ فِيمَا لم يُقْسَمْ، فَإذَا وَقَعَتِ الحُدُودُ، وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ". لا يتَنَاوَلُ إلَّا ما ذَكَرْناهُ، وإنَّما أرَادَ مالَا
(20) سقط من: ب.
(21)
أي النقل.
(22)
في الأصل: "منفردا".
(23)
في ب: "لرفع".
(24)
أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء أن الشريك شفيع، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى 6/ 134.