الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَزِمَهُ دِرْهَمانِ. وبهذا قال أبو حنيفةَ وأصْحَابُه. وذَكَرَ القاضي وَجْهًا، فيما إذا قال: دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ. وقال: أرَدْتُ: دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ لازِمٌ لِى. أنَّه يُقْبَلُ منه، وهو قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ الصِّفَةَ. ولَنا، أنَّ الفاءَ أحَدُ حُرُوفِ العَطْفِ الثَّلاثةِ، فأَشْبَهَتِ الوَاوَ وثُمَّ، ولأنَّه عَطَفَ شيئا على شيءٍ بالفاءِ، فاقْتَضَى ثُبُوتَهُما، كما لو قال: أنْتِ طَالِقٌ فطَالِقٌ. وقد سَلَّمَهُ الشّافِعِىُّ. وما ذَكَرُوهُ من احْتِمَالِ الصِّفَةِ بَعِيدٌ، لا يُفْهَمُ حَالَةَ الإِطْلَاقِ، فلا يُقْبَلُ تَفْسِيرُه به، كما لو فَسَّرَ الدَّرَاهِمَ المُطْلَقَةَ بأنها زُيُوفٌ أو صِغَارٌ أو مُؤَجَّلَةٌ. وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ ودِرْهَمَانِ. لَزِمَتْهُ ثَلَاثَةٌ. وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ ودِينَارٌ، أو فَدِينَار، أو قَفِيزُ حِنْطَةٍ. ونحو ذلك، لَزِمَهُ ذلك كلُّه. وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ ودِرْهَمٌ ودِرْهَمٌ. لَزِمَتْهُ ثَلَاثَةٌ. وحَكَى ابنُ أبي موسى عن بعضِ أصْحَابِنَا، أنَّه إذا قال: أرَدْتُ بالثَّالِثِ تَأْكِيدَ الثاني وبَيَانَهُ. أنَّه يُقْبَلُ. وهو قولُ بعضِ أصْحَابِ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ الثالِثَ في لَفْظِ الثانِى، وظاهرُ (12) مَذْهَبِه أنَّه تَلْزَمُه الثَّلَاثَةُ؛ لأنَّ الواوَ لِلْعَطْفِ، والعَطْفُ يَقْتَضِى المُغَايَرَةَ، فوَجَبَ أن يكونَ الثّالِثُ غيرَ الثانِى، كما كان الثَّانى غيرَ الأَوَّلِ، والإِقْرَارُ لا يَقْتَضِى تَأْكِيدًا، فوَجَبَ حَمْلُه على العَدَدِ. وكذلك الحُكْمُ إذا قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَم فَدِرْهَم، أو دِرْهَمٌ ثم دِرْهَمٌ ثم دِرْهَمٌ. وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ ثم دِرْهَمٌ، أو دِرْهَمٌ فَدِرْهَم ثم دِرْهَمٌ، أو دِرْهَمٌ ثم دِرْهَمٌ فَدِرْهَم. لَزِمَتْهُ الثَّلاثةُ، وَجْهًا واحِدًا؛ لأنَّ الثّالِثَ مُغَايِرٌ للثانِى، لِاخْتِلَافِ حَرْفَىِ العَطْفِ الدّاخِلَيْنِ عليهما، فلم يَحْتَمِلِ التَّأْكِيدَ.
فصل:
وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ بل دِرْهَمَانِ، أو دِرْهَمٌ لكن دِرْهَمَانِ. لَزِمَهُ دِرْهَمَانِ. وبه قال الشّافِعِىُّ. وقال زُفَرُ، ودَاوُدُ: تَلْزَمُه ثلاثةٌ؛ لأنَّ "بَلْ" للإِضْرَابِ، فلمّا (13) أقَرَّ بِدِرْهَمٍ وأضْرَبَ عنه، لَزِمَهُ؛ لأنَّه لا يُقْبَلُ رُجُوعُه عمَا أَقَرَّ به،
(12) في أ، ب، م:"فظاهر".
(13)
في ب، م:"لأنه لما".
ولَزِمَهُ الدِّرْهَمانِ اللَّذانِ أَقَرَّ بهما. ولَنا، أنَّه إنَّما نَفَى الاقْتِصَارَ على واحدٍ، وأَثْبَتَ الزِّيَادَةَ عليه، فأَشْبَهَ ما لو قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل أَكْثَرُ. فإنَّه لا يَلْزَمُه أكْثَرُ من اثْنَيْنِ. وإن قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل دِرْهَمٌ، أو لكن دِرْهَمٌ. ففيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، يَلْزَمُه دِرْهَمٌ واحِدٌ؛ لأنَّ أحمدَ قال في مَن قال لِامْرَأَتِه: أَنْتِ طالِقٌ، لا بل أنْتِ طَالِقٌ: إنها لا تُطَلَّقُ إلَّا واحِدَةً. وهذا في مَعْنَاه. وهذا مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه أقَرَّ بِدِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، فلم يَلْزَمْهُ أكْثَرُ من دِرْهَمٍ، كما لو أقَرَّ بِدِرْهَمٍ ثم أنْكَرَهُ، ثم قال: بل عَلَىَّ دِرْهَمٌ. و "لكن" للاسْتِدْرَاكِ، فهى [في مَعْنَى](14)"بَلْ" إلَّا أن الصَّحِيحَ أنَّها لا تُسْتَعْمَلُ إلَّا بعدَ الجَحْدِ، إلَّا أن يُذْكَرَ بعدَها جُمْلَةٌ. والوَجْهُ الثاني، يَلْزَمُه دِرْهَمانِ. ذَكَرَهُ ابنُ أبى موسى وأبو بكرٍ عبدُ العزيزِ. ويَقْتَضِيهِ (15) قَوْلُ زُفَرَ ودَاوُدَ؛ لأنَّ ما بعدَ الإِضْرَابِ يُغَايِرُ ما قَبْلَهُ، فيَجِبُ أن يكونَ الدِّرْهَمُ الذي أَضْرَبَ عنه غيرَ الدِّرْهَمِ (16) الذي أقَرَّ به بعدَه، فيَجِبُ الاثْنَانِ، كما لو قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل دِينَارٌ. ولأنَّ "بَلْ" من حُرُوفِ العَطْفِ، والمَعْطُوفُ [غيرُ المَعْطُوفِ](17) عليه، فوَجَبَا جَمِيعًا، كما لو قال: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ دِرْهَمٌ (18). ولأنَّا لو لم نُوجِبْ عليه إلَّا دِرْهَمًا، جَعَلْنَا كَلَامَهُ لغوًا، وإضْرَابَهُ عنه (19) غيرَ مُفِيدٍ، والأَصْلُ في كَلَامِ العاقِلِ أن يكونَ مُفِيدًا. ولو كان الذي أَضْرَبَ عنه لا يُمْكِنُ أن يكونَ المَذْكُورَ بعدَه، ولا بعضَه، مثل أن يقولَ: له عَلَىَّ دِرْهَمٌ، بل دِينَارٌ أو دِينَارَانِ. أو: له علَىَّ قَفِيزُ حِنْطَةٍ، بل قَفِيزُ شَعِيرٍ. أو: هذا الدِّرْهَمُ، بل هَذَانِ. لَزِمَهُ الجَمِيعُ، بغير خِلَافٍ عَلِمْناهُ؛ لأنَّ الأَوَّلَ لا يُمْكِنُ أن يكونَ الثانىَ ولا بعضَه، فكان مُقِرًّا بهما، ولا يُقْبَلُ رُجُوعُه عن شيءٍ منهما. وكذلك كلُّ جُمْلَتَيْنِ أقَرَّ بإِحْدَاهما ثم
(14) في أ، ب:"بمعنى".
(15)
في الأصل، ب، م:"ونقيضه".
(16)
سقط من: الأصل.
(17)
سقط من: الأصل.
(18)
في أ: "ودرهم".
(19)
سقط من: أ، ب.