الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِقِيمَةٍ أُخْرَى، لأنَّ القِيمَةَ التي أخَذَها اسْتُحِقّتْ بِسَبَبٍ كان في يَدِ الغاصِبِ، فكانتْ من ضَمَانِه. ولو كان العَبْدُ وَدِيعَةً، فجَنَى جِنَايةً اسْتَغْرَقَتْ قِيمَتَهُ، ثم إن المُودِعَ قَتَلَه بعدَ ذلك، وَجَبَتْ عليه قِيمَتُه، وتَعَلَّقَ بها أَرْشُ الجِنَايَةِ، فإذا أخَذَها وَلِيُّ الجِنَايةِ، لم يَرْجِعْ على المُودعِ؛ لأنَّه جَنَى، وهو غيرُ مَضْمُونٍ عليه. ولو أنَّ العَبْدَ جَنَى في يَدِ سَيِّدِه جِنَايةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ، ثم غَصَبَهُ غاصِبٌ، فجَنَى في يَدِه جِنَايةً تَسْتَغْرِقُ قِيمَتَه، بِيعَ في الجِنَايَتَيْنِ، وقُسِمَ ثَمَنُه بينهما، ورَجَعَ صاحِبُ العَبْدِ على الغاصِبِ بما أَخَذَه الثانِى منهما؛ لأنَّ الجِنَايَةَ كانتْ في يَدِه، وكان لِلْمَجْنِيِّ عليه أوَّلا أن يَأْخُذَه دُونَ الثاني؛ لأنَّ الذي يَأْخُذُه المالِكُ من الغاصِبِ هو عِوَضُ ما أخَذَه المَجْنِيُّ عليه ثانِيًا، فلا يَتَعَلَّقُ به حَقُّهُ، ويَتَعَلَّقُ به حَقُّ الأَوَّلِ؛ لأنَّه بَدَلٌ عن قِيمَةِ الجانِى لا يُزاحمُ فيه، فإن ماتَ هذا العَبْدُ في يَدِ الغاصِبِ، فعليه قِيمَتُه تُقْسَمُ بينهما، ويَرْجِعُ المالِكُ على الغاصِبِ بِنِصْفِ القِيمَةِ؛ لأنَّه ضامِنٌ للجِنَايَةِ الثانِيَةِ، ويكونُ لِلْمَجْنِىِّ عليه أَوَّلًا أن يَأْخُذَه؛ لما ذَكَرْنَاهُ.
870 - مسألة؛ قال: (مَنْ أَتْلَفَ لِذِمِّيٍّ خمْرًا أو خِنْزِيرًا، فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، ويُنْهَى عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا لَا يُظْهِرُونَهُ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّه لا يَجِبُ ضَمَانُ الخَمْرِ والخِنْزِيرِ، سواءٌ كان مُتْلِفُه مُسْلِمًا أو ذِمِّيًّا لِمُسْلِمٍ أو ذِمِّيٍّ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايةِ أبي الحارِثِ، في الرَّجُلِ يُهَرِيقُ مُسْكِرًا لِمُسْلِمٍ، أو لِذِمِّيٍّ خَمْرًا، فلا ضَمَانَ عليه. وبهذا قال الشّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفةَ، ومالِكٌ: يَجِبُ ضَمَانُهُما إذا أَتْلَفَهُما على ذِمِّيٍّ. قال أبو حَنِيفَةَ: إن كان مُسْلِمًا بالقِيمَةِ، وإن كان ذِمِّيًّا بالمِثْلِ؛ لأنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ إذا عَصَمَ عَيْنًا قَوَّمَها، كنَفْسِ الآدَمِيِّ، وقد عَصَمَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ، بِدَلِيلِ أن المُسْلِمَ يُمْنَعُ من إِتْلَافِها، فيَجِبُ أن يُقَوِّمَها، ولأنَّها مالٌ لهم يَتَمَوَّلُونَها، بِدَلِيلِ ما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّ عَامِلَهُ كَتَبَ إليه: إنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يَمُرُّونَ بالعَاشِرِ (1)، ومعهم الخُمُورُ. فكَتَبَ إليه عمرُ: وَلُّوهُمْ بَيْعَها،
(1) العاشر: عامل الزكاة الذي يقدر العشر.
وخُذُوا منهم عُشْرَ ثَمَنِها. وإذا كانت مالًا لهم (2) وَجَبَ ضَمَانُها، كسَائِر أَمْوَالِهم. ولَنا، أنَّ جَابرًا، رَوَى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أَلَا إنَّ اللهَ ورسُولَهُ حَرَّمَا بَيْعَ الخَمْرِ والْمَيْتَةِ والخِنْزِيرِ والأَصْنَامِ". مُتَّفَقٌ على صِحَّتِهِ (3). وما حَرُمَ بَيْعُه لا لِحُرْمَتِه، لم تَجِبْ قِيمَتُه، كالمَيْتَةِ، ولأنَّ ما لم يكُنْ مَضْمُونًا في حَقِّ [المُسْلِمِ، لم يكُنْ مَضْمُونًا في حَقِّ](4) الذِّمِّيِّ، كالمُرْتَدِّ، ولأنَّها غيرُ مُتَقَوَّمَةٍ، فلا تُضْمَنُ، كالمَيْتَةِ، ودَلِيلُ أنَّها غيرُ مُتَقَوِّمَةٍ في حَقِّ المُسْلِمِ، فكذلك في حَقِّ الذِّمِّيِّ، فإنَّ تَحْرِيمَها ثَبَتَ في حَقِّهِما، وخِطَابُ النَّوَاهِى يَتَوَجَّهُ إليهما، فما ثَبَتَ في حَقِّ أحَدِهِمَا، ثَبَتَ في حَقِّ الآخَرِ. ولا نُسَلِّمُ أنَّها مَعْصُومَةٌ، بل متى أُظْهِرَتْ حَلَّتْ إِرَاقَتُها، ثم لو عَصَمَها ما لَزِمَ تَقْوِيمُها؛ فإنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الحَرْبِ وصِبْيَانَهُم مَعْصُومُونَ غيرُ مُتَقَوَّمِينَ. وقولُهم: إنَّها مالٌ عندهم. يَنْتَقِضُ بالعَبْدِ المُرْتَدِّ، فإنَّه مالٌ عندَهم. وأما حَدِيثُ عمرَ، فمَحْمُولٌ على أنَّه أرَادَ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لهم، وإنَّما أَمَرَ بأَخْذِ عُشْرِ أَثْمانِها، لأنَّهم إذا (5) تَبَايَعُوا وتَقَابَضُوا [حَكَمْنَا لهم](6) بالمِلْكِ ولم نَنْقُضْهُ، وتَسْمِيَتُها أَثْمَانًا مَجَازٌ، كما سَمَّى اللهُ تعالى ثَمَنَ يوسفَ ثَمَنًا، فقال:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} (7). وأمَّا قولُ الخِرَقِيِّ: ويُنْهَى عن التَّعَرُّضِ لهم فيما
(2) سقط من: م.
(3)
أخرجه البخاري، في: باب بيع الميتة والأصنام، من كتاب البيوع. صحيح البخاري 3/ 110. ومسلم، في: باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1207. كما أخرجه أبو داود، في: باب في ثمن الخمر والميتة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 250. والترمذي، في: باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام، من أبواب البيوع. عارضة الأحوذى 5/ 301. والنسائي، في: باب النهى عن الانتفاع بشحوم الميتة، من كتاب الفرع، وفى: باب بيع الخنزير، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 156، 273. وابن ماجه، في: باب ما لا يحل بيعه، من كتاب التجارات. سنن ابن ماجه 2/ 732. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 324، 326، 340.
(4)
سقط من: ب. نقلة نظر.
(5)
سقط من: م.
(6)
في ب: "حكمناهم".
(7)
سورة يوسف 20.