الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَالَحَه عمَّا أقَرَّ له بِعِوَضٍ، صَحَّ الصُّلْحُ، ولأَخِيهِ الأَخْذُ بالشُّفْعَةِ. ويَحْتَمِلُ أن يُفَرَّقَ بين ما إذا كان الإنْكَارُ مُطْلَقًا، وبينَ ما إذا قال: هذه لنا وَرِثْنَاهَا جَمِيعًا عن أبِينَا أو أخِينَا. فيُقال: إذا كان الإنْكَارُ مُطْلَقًا، كان له الأخْذُ بالشُّفْعَةِ، وإن قال: وَرِثْنَاهَا عن أبِينَا. فلا شُفْعَةَ له؛ لأنَّ المُنْكِرَ يَزْعُمُ أن المِلْكَ لأَخِيهِ المُقِرِّ لم يَزُلْ، وأن الصُّلْحَ باطِلٌ، فَيُؤَاخَذُ بذلك، ولا يَسْتَحِقُّ به شُفْعَةً. وَوَجْهُ الأَوَّلِ، أنَّ المِلْكَ ثَبَتَ لِلْمُدَّعِى حُكْمًا؛ وقد رَجَعَ إلى المُقِرِّ بالبَيْعِ، وهو مُعْتَرِفٌ بأنَّه بَيْعٌ صَحِيحٌ، فتَثْبُتُ فيه الشُّفْعَةُ، كما لو كان الإنْكَارُ مُطْلَقًا. ويجوزُ أن يكونَ انْتَقَلَ نَصِيبُ المُقِرِّ إلى المُدَّعِى بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو سَبَبٍ من الأسْبَابِ، فلا يَتَنَافَى إنْكَارُ المُنْكِرِ وإقْرَارُ المُقِرِّ، كحَالَةِ إطْلَاقِ الإِنْكَارِ. وهذا أصَحُّ.
819 - مسألة؛ قال: (وَإذَا تَدَاعَى نَفْسَانِ جِدَارًا مَعْقُودًا بِبِنَاءِ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا، تَحَالَفَا، وكَانَ بَيْنَهُمَا. وكَذلِك إنْ كَانَ مَحْلُولًا مِنْ بِنَائِهِمَا. وإن كَانَ مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أحَدِهمَا، كَانَ لَهُ مَعَ يَمينِهِ)
.
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الرَّجُلَيْنِ إذا تَدَاعَيَا حَائِطًا بين مِلْكَيْهِما، وتَسَاوَيا فى كَوْنِه مَعْقُودًا بِبِنَائِهِما معا، وهو أن يكونَ مُتَّصِلًا بهما اتِّصَالًا لا يمكنُ إحْدَاثُه بعدَ بِنَاءِ الحَائِطِ، مثل اتِّصَالِ البِنَاءِ بالطِّينِ، كهذه الفَطَائِرِ التى لا يُمْكِنُ إحْدَاثُ اتِّصَالِ بعضِها ببعضٍ، أو تَسَاوَيَا فى كونِه مَحْلُولًا من بِنَائِهِما، أو (1) غيرَ مُتَّصِلٍ بِبِنَائِهِما الاتِّصَالَ المَذْكُورَ، بل بينهما شَقُّ مُسْتَطِيلٌ، كما يكونُ بين الحَائِطَيْنِ اللذين أُلْصِقَ أحَدُهُما بالآخَرِ. فهما سواءٌ فى الدَّعْوَى، فإن لم يكُنْ لواحدٍ منهما بَيِّنَةٌ تَحَالَفَا، فَيَحْلِفُ كُلُّ واحدٍ منهما على نِصْفِ الحائِطِ، أنَّه لَهُ، ويُجْعَلُ بينهما نِصْفَيْنِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَدُه على نِصْفِ الحائِطِ؛ لِكَوْنِ الحائِطِ فى أَيْديهِما. وإن حَلَفَ كلُّ واحدٍ منهما على جَمِيعِ الحائِطِ، أنَّه له، وما هو لِصَاحِبِه، جَازَ، وهو بينهما. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ
(1) فى الأصل: "أى".
المُنْذِرِ. ولا أعْلَمُ فيه مُخَالِفًا؛ وذلك لأنَّ المُخْتَلِفَيْنِ فى العَيْنِ، إذا لم يكُنْ لواحدٍ منهما بَيِّنَةٌ، فالقولُ قولُ مَن هى فى يَدِه مع يَمِينِه، فإذا كانتْ فى أيْدِيهما، كانتْ يَدُ كلِّ واحدٍ منهما على نِصْفِها، فيكونُ القولُ قولَه فى نِصْفِها مع يَمِينِه. وإن كان لأَحَدِهِما بَيِّنَةٌ، حُكِمَ له بها، وإن كان لكلِّ واحدٍ منهما بَيِّنَةٌ، تَعَارَضَتَا، وصَارَا كمَن لا بَيِّنَةَ لهما. فإن لم يكُنْ لهما بَيِّنَةٌ، ونَكَلَا عن اليَمِينِ، كان الحائِطُ فى أيْدِيهما على ما كان. وإن حَلَفَ أحَدُهما، ونَكَلَ الآخَرُ، قُضِىَ على النَّاكِلِ، فكان الكلُّ للآخَرِ. وإن كان الحَائِطُ مُتَّصِلًا بِبنَاءِ أحَدِهِما دون الآخَرِ، فهو له مع يَمِينِه. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ. وقال أبو ثَوْرٍ: لا يُرَجَّحُ بالعَقْدِ، ولا يُنْظَرُ إليه. ولَنا، أنَّ الظَّاهِرَ أنَّ هذا البِنَاءَ بُنِىَ كله بِنَاءً واحِدًا، فإذا كان بعضُه لِرَجُلٍ، كان بَقِيَّتُه له، والبِنَاءُ الآخَرُ المَحْلُولُ، الظَّاهِرُ أنَّه بُنِىَ وَحْدَه، فإنَّه لو بُنِىَ مع هذا، كان مُتَّصِلًا به، فالظَّاهِرُ أنَّه لغيرِ صَاحِبِ هذا الحائِطِ المُخْتَلَفِ فيه، فوَجَد مَن يُرَجَّحَ بهذا، كاليدِ والأزَجِ (2). فإن قِيل: فَلِمَ لم تَجْعَلُوهُ له بغيرِ يَمِينٍ لذلك؟ قُلنا: لأنَّ ذلك ظَاهِرٌ، وليس بِيَقِينٍ، إذ يحْتَمِلُ أن يكونَ أحَدُهما بَنَى الحَائِطَ لِصَاحِبِه تَبَرُّعًا مع حَائِطِه، أو كان له فوَهَبَهُ إيَّاه، أو بَناهُ بِأُجْرَةٍ، فَشُرِعَتِ اليَمِينُ من أجْلِ الاحْتِمَالِ، كما شُرِعَتْ فى حَقِّ صَاحِبِ اليَدِ، وسَائِرِ من وَجَبَتْ عليه اليَمِينُ. فأمَّا إن كان مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أحَدِهما عَقْدًا يُمْكِنُ إحْدَاثُه، مثل البِنَاءِ باللَّبِنِ والآجُرِّ، فإنَّه يُمْكِنُ أن يُنْزَعَ من الحائِطِ المَبْنِىِّ نِصْفُ لَبِنَةٍ أو آجُرَّةٍ، ويُجْعَلَ (3) مكانَها لَبِنَةٌ صَحِيحَةٌ أو آجُرَّةٌ صَحِيحَةٌ تُعْقَدُ بين الحَائِطَيْنِ، فقال القاضى: لا يُرَجَّحُ بهذا؛ لِاحْتِمَالِ أن يكونَ [صَاحِبُ الحَائِطِ](4) فَعَلَ هذا لِيَتَمَلَّكَ الحَائِطَ المُشْتَرَكَ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه يُرَجَّحُ بهذا الاتِّصَالِ، كما يُرَجَّحُ بالاتِّصَالِ الذى لا يُمْكِنُ إحْدَاثُه؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ صَاحِبَ الحائِطِ لا يَدَعُ غيرَه يَتَصَرَّفُ فيه، بِنَزْعِ آجُرِّه،
(2) الأزج: نوع من الأبنية.
(3)
فى الأصل، أ، م:"أو يجعل".
(4)
سقط من: أ، ب.