الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المالُ. وذَكَرَ أبو الخَطَّابِ أنَّه يَنْعَزِلُ (44) مُطْلَقًا. وهو مذهبُ الشَّافِعِىَّ؛ لأنَّه عَقْد جائِزٌ، فأشْبَهَ الوَكَالةَ. فعلى هذا إن اتَّفَقَا على البَيْعِ أو القِسْمَةِ، فَعَلَا. وإن طَلَبَ أحَدُهما القِسمَةَ والآخَرُ البَيْعَ، أُجِيبَ طَالِبُ القِسمَةِ دون طَالِبِ البَيْعِ. فإن قِيل: أليس إذا فَسَخَ رَبُّ المالِ المُضَارَبةَ، فطَلَبَ العامِلُ البَيْعَ، أُجِيبَ إليه؟ فالجوابُ: أنَّ حَقَّ العَامِلِ في الرِّبْحِ، ولا يَظْهَرُ الرِّبْحُ إلَّا بالبَيْعِ، فاسْتَحَقَّهُ العامِلُ لِوُقُوفِ حُصُولِ حَقَه عليه (45)، وفي مَسْأَلَتِنَا، ما يَحْصُلُ من الرِّبْحِ يَسْتَدْرِكُه كلُّ واحِدٍ منهما في نَصِيبِه من المَتَاعِ، فلم يُجْبَرْ على البَيْعِ.
فصل:
فإن ماتَ أحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وله وارِثٌ رَشِيدٌ، فله أن يُقِيمَ على الشَّرِكَةِ، ويَأْذَنُ له الشَّرِيكُ في التَّصَرُّفِ. وله المُطَالَبَةُ بالقِسْمَةِ، فإن كان مُوَلَّيًا عليه قامَ وَلِيُّه مَقَامَهُ في ذلك؛ لأنَّه (46) لا يَفْعَلُ إلَّا ما فيه المَصْلَحَةُ لِلمُوَلَّى عليه. فإن كان المَيِّتُ قد وَصَّى بِمَالِ الشَّرِكَةِ، أو بِبَعْضِه، لِمُعَيَّنٍ، فالمُوصَى له كالوارِثِ فيما ذَكَرْنا. وإن وَصَّى به (47) لغيرِ مُعَيَّنٍ، كالفُقَراءٍ، لم يَجُزْ لِلوَصِىِّ الإِذْنُ في التَّصَرُّفِ؛ لأنَّه قد وَجَبَ دَفْعُه إليهم، فيَعْزِلُ نَصيبَهُم، ويُفَرِّقُهُ بينهم. وإن كان على المَيِّتِ دَيْنٌ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِه، فليس للوارِثِ إمْضَاءُ الشَّرِكَةِ حتى يَقْضِىَ دَيْنَهُ، فإن قَضَاهُ من غير مالِ الشَّرِكَةِ، فله الإِتْمامُ، وإن قَضَاهُ منه، بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ في قَدْرِ ما قَضَى.
فصل: القسم الثالث، أن يَشْتَرِكَ بَدَنٌ ومالٌ. وهذه المُضَارَبَةُ، وتُسَمَّى قِرَاضًا أيضًا، ومَعْناها أن يَدْفَعَ رَجُلٌ مالَه إلى آخَرَ يَتَّجِرُ له فيه، على أنَّ ما حَصَلَ من الرِّبْحِ بينهما
(44) في ب، م:"يعزل".
(45)
سقط من: أ.
(46)
في م: "إلا أنه".
(47)
سقط من: الأصل.
حسَب ما يَشْتَرِطَانِه، فأهْلُ العِرَاقِ يُسَمُّونَهُ مُضَارَبةً، مَأْخُوذٌ (48) من الضَّرْبِ في الأَرْضِ، وهو السَّفَرُ فيها للتِّجارَةِ، قال اللهُ تعالى:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (49). ويَحْتَمِلُ أن يكونَ من ضَرْبِ كلِّ واحدٍ منهما في الرِّبْحِ بِسَهْمٍ. ويُسَمِّيهِ أهْلُ الحِجَازِ القِرَاضَ. فقيل: هو مُشْتَقٌّ من القَطْعِ. يُقال: قَرَضَ الفَأْرُ الثَّوْبَ. إذا قَطَعَهُ. فكأنَّ صَاحِبَ المالِ اقْتَطَعَ من مَالِه قِطْعةً وسَلَّمَها إلى العامِلِ، واقْتَطَعَ له قِطْعَةً من الرِّبْحِ. وقيل: اشْتِقاقُة من المُسَاواةِ والمُوازَنةِ. يُقال: تَقَارَضَ الشَّاعِرانِ. إذا وَازَنَ كلُّ واحدٍ منهما الآخَرَ بِشِعْرِه. وههُنا من العامِلِ العَمَلُ، ومن الآخَرِ المالُ، فتَوَازَنَا. وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على جَوازِ المُضارَبةِ في الجُمْلةِ. ذَكَرَهُ ابنُ المُنْذِرِ. ورُوِىَ عن حُمَيْدِ بن عبدِ اللهِ، عن أبِيه، عن جَدِّه، أن عُمَرَ بن الخَطَّابِ أعْطاهُ مالَ يَتِيمٍ مُضَارَبةً يَعْمَلُ به في العِرَاقِ (50). ورَوَى مالِكٌ (51)، عن زَيْدِ بن أسْلَمَ، عن أبِيه: أنَّ عبدَ اللَّه وعُبَيْدَ اللهِ ابْنَىْ عمرَ بن الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّه عنهم، خَرَجَا في جَيْشٍ إلى العِرَاقِ، فتَسَلَّفَا من أبى مُوسَى مالًا، وابْتاعَا به مَتَاعًا. وقَدِمَا به إلى المَدِينةِ، فبَاعَاهُ، ورَبِحَا فيه، فأرادَ عُمَرُ أخْذَ رَأْسِ المالِ والرِّبْحِ كلِّه. فقالا: لو تَلِفَ كان ضَمَانُه علينا، فلِمَ لا يكونُ رِبْحُه لنا؟ فقال رَجُلٌ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لو جَعَلْتَهُ قِرَاضًا؟ قال: قد جَعَلْتُه. وأخَذَ منهما نِصْفَ الرِّبْحِ. وهذا يَدُلُّ على جَوَازِ القِرَاضِ. وعن مالِكٍ (52)، عن العَلَاءِ بن عبد الرحمنِ، عن أبِيه، عن جَدِّه، أن عثمانَ قارَضَهُ.
(48) في أ، ب، م:"مأخوذة".
(49)
سورة المزمل 20.
(50)
ذكر الزيلعي، أن البيهقي أخرجه في المعرفة، من طريق الشافعي، أنه بلغه عن حميد بن عبد اللَّه بن عبيد الأنصاري. فساق الأثر. نصب الراية 4/ 114، 115.
(51)
أخرجه في: باب ما جاء في القراض، من كتاب القراض. الموطأ 2/ 687.
وأخرجه أيضًا الدارقطني في: كتاب البيوع. سنن الدارقطني 3/ 63. والبيهقي، في: كتاب القراض. السنن الكبرى 6/ 110.
(52)
أخرجه في: باب ما جاء في القراض، من كتاب القراض. الموطأ 2/ 688.
كما أخرجه البيهقي، في: كتاب القراض: السنن الكبرى 6/ 111.