الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عنه، أنَّ العَقْدَ صَحِيحٌ. ذَكَرَه عنه الأَثْرَمُ وغيرُه؛ لأنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ على مَجْهُولٍ، فلم تُبْطِلْهُ الشُّرُوطُ الفاسِدَة، كالنِّكَاحِ والعَتاقِ والطَّلَاقِ. وذَكَرَ القاضي، وأبو الخَطَّابِ، رِوَايَةً أُخْرَى، أنَّها تُفْسِدُ العَقْدَ؛ لأنَّه شَرْطٌ فاسِدٌ، فأفْسَدَ العَقْدَ، كشَرْطِ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ، أو شَرْطِ أن يَأْخُذَ له بِضَاعةً، والحُكْمُ في الشَّرِكَةِ كالمُضارَبَةِ (17) سَوَاءً.
فصل:
وفى المُضَارَبَةِ الفاسِدَةِ فُصُولٌ ثلاثةٌ؛ أحدُها، أنَّه إذا تَصَرفَ نَفَذَ تَصَرُّفُه؛ لأنَّه أَذِنَ له فيه، فإذا بَطَلَ العَقْدُ بَقِىَ الإِذْنُ، فمَلَكَ به التَّصَرُّفَ، كالوَكِيلِ. فإن قِيل: فلو اشْتَرَى الرَّجُلُ شِرَاءً فاسِدًا، ثم تَصَرَّفَ فيه، لم يَنْفُذْ تَصَرُّفُه (18)، مع أن البائِعَ قد أَذِنَ له في التَّصَرُّفِ. قُلْنا: لأنَّ المُشْتَرِىَ يَتَصَرَّفُ من جِهَةِ المِلْكِ لا بالإِذْنِ، فإن أَذِنَ له البائِعُ كان على أنَّه مِلْكُ المأْذُونِ له، فإذا لم يَمْلِكْ، لم يَصِحَّ، وههُنا أَذِنَ له رَبُّ المالِ في التَّصَرُّفِ في مِلْكِ نَفْسِه، وما شَرَطَهُ من الشَّرْطِ الفاسِدِ فليس بمَشْرُوطٍ في مُقَابَلَةِ الإِذْنِ؛ لأنَّه أَذِنَ له في تَصَرُّفٍ يَقَعُ له. الفصل الثاني، أنَّ الرِّبْحَ جَمِيعَهُ لِرَبِّ المالِ؛ لأنَّه نَمَاءُ مَالِه، وإنَّما يَسْتَحِقُّ العامِلُ بالشَّرْطِ، فإذا فَسَدَتِ المُضَارَبةُ فَسَدَ الشَّرْطُ، فلم يَسْتَحِقَّ منه شيئا، ولكن (19) له أَجْرُ مِثْلِه. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو مذهبُ الشَّافِعِىّ. واخْتارَ الشَّرِيفُ أبو جعفرٍ أنَّ الرِّبْحَ بينهما على ما شَرَطَاهُ، واحْتَجَّ بما رُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه قال: إذا اشْتَرَكا في العُرُوضِ، قُسِمَ الرِّبْحُ على ما شَرَطا (20). قال: وهذه الشَّرِكَةُ (21) فاسِدَةٌ. واحْتَجَّ بأنَّه عَقْدٌ يَصِحُّ مع الجَهالَةِ، فيَثْبُتُ المُسَمَّى في فاسِدِه، كالنِّكَاحِ. قال: ولا أَجْرَ له. وجَعَلَ أحْكَامَها كلَّها كأحْكَامِ الصَّحِيحَةِ. وقد ذَكَرْنا
(17) في م: "كالحكم في المضاربة".
(18)
سقط من: الأصل.
(19)
في م: "وكان".
(20)
في م: "شرطاه".
(21)
في الأصل: "شركة".
هذا. قال القاضي أبو يَعْلَى: والمذهبُ ما حَكَيْنا، وكلامُ أحمدَ مَحْمُولٌ على أنَّه صَحَّحَ الشَّرِكَةَ بالعُرُوضِ. وحُكِىَ عن مالِكٍ أنَّه يَرْجِعُ إلى إقْرَاضِ (22) المِثْلِ. وحُكِىَ عنه: إن لم يَرْبَحْ فلا أجْرَ له. ومُقْتَضَى (23) هذا أنَّه إن رَبِحَ، فله الأَقَلُّ ممَّا شَرَطَ له أو أجْرُ مثله. ويَحْتَمِلُ أن يَثْبُتَ عِنْدَنا مثلُ هذا؛ لأنَّه إذا كان الأَقَلُّ ما شَرَطَ له، فقد رَضِىَ به، فلا يَسْتَحِقُّ أكْثَرَ منه، كما لو تَبَرَّعَ بالعَمَلِ الزَّائِدِ. ولَنا، أنَّ تَسْمِيةَ الرِّبْحِ من تَوَابِعِ المُضَارَبةِ، أو رُكْنٌ من أَرْكَانِها، فإذا فَسَدَتْ فَسَدَتْ أرْكانُها وتَوَابِعُها، كالصَّلَاةِ. ولا نُسَلِّمُ في النِّكَاحِ وُجُوبَ المُسَمَّى إذا كان العَقْدُ فاسِدًا، وإذا لم يَجِبْ له المُسَمَّى، وَجَبَ أَجْرُ المِثْلِ؛ لأنَّه إنَّما عَمِلَ ليَأْخُذَ المُسَمَّى، فإذا لم يَحْصُلْ له المُسَمَّى وَجَبَ رَدُّ عَمَلِه إليه، وذلك مُتَعَذِّرٌ، فتَجِبُ (24) قِيمَتُه، وهو أجْرُ مِثْلِه، كما لو تَبَايَعا بَيْعًا فاسِدًا، وَتَقَابَضَا، وتَلِفَ أحَدُ العِوَضَيْنِ في يَدِ القابِضِ له، وَجَبَ رَدُّ قِيمَتِه. فعلى هذا سواءٌ ظَهَرَ في المالِ رِبْحٌ أو لم يَظْهَرْ، فأمَّا إن رَضِىَ المُضَارِبُ بالعَمَلِ بغيرِ عِوَضٍ، مثل أن يقولَ: قارَضْتُكَ والرِّبْحُ كلُّه لِى. فالصَّحِيحُ أنَّه لا شىءَ لِلْمُضارِبِ ههُنا؛ لأنَّه تَبَرَّعَ بعَمَلِه، فأشْبَه ما لو أعَانَهُ في شيءٍ، أو تَوَكَّلَ له بغيرِ جُعْلٍ، أو أخَذَ له بِضَاعَةً. الفصل الثالث، في الضَّمَانِ، ولا ضَمَانَ عليه فيما يَتْلَفُ بغير تَعَدِّيهِ وتَفرِيطِه؛ لأنَّ ما كان القَبْضُ في صَحِيحِه مَضْمُونًا، كان مَضْمُونًا في فاسِدِه، وما لم يكُنْ مَضْمُونًا في صَحِيحِه، لم يُضْمَنْ في فاسِدِه. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو يوسفَ ومحمدٌ: يَضْمَنُ. ولَنا، أنَّه عَقْدٌ لا يَضْمَنُ ما قَبَضَهُ في صَحِيحِه، فلم يَضْمَنْهُ في فاسِدِه، كالوَكَالةِ، ولأنَّها إذا فَسَدَتْ صارَتْ إجَارَةً، والأَجِيرُ لا يَضْمَنُ سُكْنَى ما تَلِفَ بغيرِ تَعَدِّيهِ ولا فِعْلِه، فكذا ههُنا. وأمَّا الشَّرِكَةُ إذا فَسَدَتْ، فقد ذَكَرْناها قبلَ هذا.
(22) في الأصل: "قراض".
(23)
في الأصل: "ويقتضى".
(24)
في ب زيادة: "رد".