الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعَلَىَّ. وَوَكَّلَ عبدَ اللَّه بن جَعْفَرٍ عند عثمانَ، وقال: إنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا، وإن الشَّيْطَانَ لَيَحْضُرهَا، وإنِّى لأَكْرَهُ أن أَحْضُرَها. قال أبو زِيَادٍ (6): القُحَمُ المَهالِكُ. وهذه قِصَصٌ انْتَشَرَتْ، لأنَّها في مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، فلم يُنْقَلْ إنْكَارُها، ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك، فإنَّه قد يكونُ له حَقٌّ، أو يُدَّعَى عليه، ولا يُحْسِنُ الخُصُومَةَ، أو لا يُحِبُّ أن يَتَوَلَّاها بِنَفْسِه. ويجوزُ التَّوْكِيلُ في الإِقْرَارِ. ولأَصْحابِ الشّافِعِىِّ وَجْهانِ؛ أحَدُهما، لا يجوزُ التَّوْكِيلُ فيه؛ لأنَّه إِخْبَارٌ بِحَقٍّ، فلم يَجُزِ التَّوْكِيلُ فيه، كالشَّهَادَةِ. ولَنا، أنَّه إِثْباتُ حَقٍّ في الذِّمَّةِ بالقَوْلِ، فجازَ التَّوْكِيلُ فيه، كالبَيْعِ، وفارَقَ الشَّهَادَةَ، فإنَّها لا تُثْبِتُ الحَقَّ، وإنَّما هي (7) إِخْبَارٌ بِثُبُوتِه على غيرِه.
فصل:
ولا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ في الشَهَادَةِ؛ لأنَّها تَتَعَلَّقُ بعَيْنِ الشَّاهِدِ (8) لِكَوْنِها خَبَرًا عما رَآه أو سَمِعَهُ، ولا يَتَحَقَّقُ هذا المَعْنَى في نائِبِه. فإن اسْتَنَابَ فيها، كان النَّائِبُ شَاهِدًا على شَهَادَتِه، لكَوْنِه يُؤَدِّى ما سَمِعَه من شَاهِدِ الأَصْلِ، وليس وَكِيلًا (9). ولا يَصِحُّ في الأَيْمانِ والنُّذُورِ؛ لأنَّها تَتَعَلَّقُ بعَيْنِ الحالِفِ والناذِرِ، فأشْبَهَتِ العِبادَاتِ البَدَنِيَّة والحُدُودَ. ولا يَصِحُّ في الإِيلَاءِ والقَسَامةِ واللِّعَانِ؛ لأنَّها أَيْمَانٌ. ولا في القَسْمِ بين الزَّوْجاتِ؛ لأنَّه يَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ الزَّوْجِ لأمْرٍ لا يُوجَدُ من غيرِه. ولا في الرَّضَاعِ؛ لأنَّه يَخْتَصُّ بالمُرْضِعَةِ والمُرْتَضِعِ، لأمْرٍ يَخْتَصُّ بإِثْباتِ لَحْمِ المُرْتَضِعِ، وإِنْشَازِ عَظْمِه بِلَبَنِ المُرْضِعَةِ. ولا في الظِّهَارِ؛ لأنَّه قَوْلٌ مُنْكَرٌ وزُورٌ، فلا يجوزُ فِعْلُه، ولا الاسْتِنَابَةُ فيه. ولا يَصِحُّ في الغَصْبِ؛ لأنَّه مُحَرَّمٌ. ولا في الجِنَايَاتِ؛ لذلك. ولا في كلِّ مُحَرَّمٍ؛ لأنَّه لا يجوزُ له فِعْلُه، فلم يَجُزْ لِنَائِبِه.
فصل: فأمَّا حُقُوقُ اللَّه تعالى فما كان منها حَدًّا كحَدِّ الزِّنَى والسَّرِقَةِ، جَازَ التَّوْكِيلُ
(6) في اللسان (ق ح م) أنه أبو زيد الكلابى.
(7)
في أ، ب، م:"هو".
(8)
في أ، ب، م:"الشهادة".
(9)
في الأصل، أ:"بوكيل".
في اسْتِيفَائِه؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هذَا، فَإن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْها". فغَدَا عليها أُنَيْسٌ، فاعْتَرَفَتْ، فأَمَرَ بها فَرُجِمَتْ. مُتَّفَقٌ عليه (10). وأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِ ماعِزٍ، فرَجَمُوهُ (11). ووَكَّلَ عُثْمانُ عَلِيًّا في إقَامَةِ حَدِّ الشُّرْبِ على الوَلِيدِ بن عُقْبَةَ. وَوَكَّلَ عَلِىٌّ الحَسَنَ في ذلك، فأبَى الحَسَنُ، فوَكَّلَ عبدَ اللَّه بن جَعْفَرٍ، فأقَامَهُ، وعَلِىٌّ يَعُدُّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (12). ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى ذلك؛ لأنَّ الإِمامَ لا يُمْكِنُه تَوَلِّى ذلك بنَفْسِه. ويجوزُ التَّوْكِيلُ في إِثْباتِها. وقال أبو الخَطَّابِ: لا يجوزُ في إِثْبَاتِها. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّها تَسْقُطُ بالشُّبُهاتِ، وقد أُمِرْنَا بدَرْئِها بها، والتَّوْكِيلُ يُوصِلُ إلى الإِيجابِ. ولَنا، حَدِيثُ أُنَيْسٍ؛ فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَّلَهُ في إِثْباتِه واسْتِيفائِه جَمِيعًا، فإنَّه قال:"فَإِن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْها". وهذا يَدُلُّ على أنَّه لم يكُنْ ثَبَتَ، وقد وَكَّلَهُ في إِثْباتِه [واسْتِيفَائِه جَمِيعًا](13). ولأنَّ الحاكِمَ إذا اسْتَنابَ، دَخَلَ في
(10) أخرجه البخاري، في: باب الوكالة في الحدود، من كتاب الوكالة، وفى: باب إذا اصطلحوا على جور فالصلح مردود، من كتاب الصلح، وفى: باب الشروط التي لا تحل في الحدود، من كتاب الشروط، وفى: باب هل يأمر الإِمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه، من كتاب الحدود، وفى: باب كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم، من كتاب الأيمان، وفى: باب الاعتراف بالزنى، وباب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنى. . .، من كتاب الحدود، وفى: باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور، من كتاب الأحكام، وفى: باب ما جاء في إجازة خبر الواحد، من كتاب الآحاد. صحيح البخاري 3/ 134، 240، 241، 250، 8/ 46، 161، 208، 214، 9/ 94، 110. ومسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود، صحيح مسلم 3/ 1324، 1325.
كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع، وفى: باب ما جاء في الرجم على الثيب، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 203، 205. والنسائي، في: باب صون النساء عن مجلس الحكم، من كتاب القضاة. المجتبى 8/ 211. وابن ماجه، في: باب حد الزنى، من كتاب الحدود. سنن ابن ماجه 2/ 852. والدارمى، في: باب الاعتراف في الزنى، من كتاب الحدود. سنن الدارمي 2/ 177. والإمام مالك، في: باب ما جاء في الرجم، من كتاب الحدود. الموطأ 2/ 822. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 115، 116.
(11)
أخرجه مسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1320. وأبو داود، في: باب رجم ماعز بن مالك، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 456 - 459. والدارمى، في: باب الاعتراف بالزناء، من كتاب الحدود. سنن الدارمي 2/ 176. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 62.
(12)
في: باب حد الخمر، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1331، 1332.
(13)
سقط من: الأصل.
ذلك الحُدُودُ، فإذا دَخَلَتْ في التَّوْكِيلِ بِطَرِيقِ العُمُومِ، وَجَبَ أن تَدْخُلَ بالتَّخْصِيصِ بها أَوْلَى، والوَكِيلُ يَقُومُ مُقَامَ المُوَكِّلِ في دَرْئِها بالشُّبُهاتِ. وأمَّا العِباداتُ، فما كان منها له تَعَلُّقٌ بالمالِ، كالزَّكَاةِ والصَّدَقاتِ والمَنْذُورَاتِ والكَفَّارَاتِ، جَازَ التَّوْكِيلُ في قَبْضِها وتَفْرِيقِها، ويجوزُ لِلْمُخْرِجِ التَّوْكِيلُ في إِخْرَاجِها ودَفْعِها إلى مُسْتَحِقِّها. ويجوزُ أن يقولَ لغيرِه: أَخْرِجْ زَكَاةَ مالِى من مالِكَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عُمَّالَهُ لِقَبْضِ الصَّدَقاتِ وتَفْرِيقِها، وقال لِمُعَاذٍ حين بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ:"أَعْلِمْهُم أنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِم، فَتُرَدُّ فِي (14) فُقَرَائِهِم، فإنْ هُمْ أطَاعُوكَ (15) بِذلِكَ، فَإيَّاكَ وكَرَائِمَ أَمْوَالِهِم، وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّهُ لَيْسَ بَيْنَها (16) وَبيْنَ اللهِ حِجَابٌ". مُتَّفَقٌ عليه (17). ويجوزُ التَّوْكِيلُ في الحَجِّ إذا أَيِسَ المَحْجُوجُ عنه من الحَجِّ بِنَفْسِه، وكذلك العُمْرَة. ويجوزُ أن يُسْتَنَابَ مَن يَحُجُّ عنه بعد المَوْتِ. وأما العِبادَاتُ البَدَنِيَّةُ المَحْضَةُ، كالصلاةِ والصيامِ والطَّهارَةِ من الحَدَثِ، فلا يَجوزُ التَّوْكِيلُ فيها؛ لأنَّها تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ مَن هي عليه، فلا يَقُومُ غيرُه مَقامَه فيها، إلَّا أنَّ الصِّيامَ المَنْذُورَ يُفْعَلُ عن المَيِّتِ، وليس ذلك بِتَوْكِيلٍ؛ لأنَّه لم يُوَكِّلْ في ذلك، ولا وَكَّلَ فيه غيرُه. ولا يجوزُ في الصلاةِ إلَّا في رَكْعَتَىِ الطَّوَافِ تَبَعًا لِلْحَجِّ. وفي فِعْلِ الصَّلَاةِ المَنْذُورَةِ، [وفى الاعْتِكافِ](18)
(14) في الأصل، م:"على".
(15)
في أ: "أطاعوا لك".
(16)
في الأصل: "بينه".
(17)
أخرجه البخاري، في: باب وجوب الزكاة، وباب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا، من كتاب الزكاة، وفى: باب بعث أبى موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 2/ 130، 158، 159، 5/ 205، 206. ومسلم، في: باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإِسلام، من كتاب الإِيمان. صحيح مسلم 1/ 50.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في زكاة السائمة، من كتاب الزكاة. سنن أبي داود 1/ 366. والترمذي، في: باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة، من أبواب الزكاة. عارضة الأحوذى 3/ 116. والنسائي، في: باب وجوب الزكاة، وباب إخراج الزكاة من بلد إلى بلد، من كتاب الزكاة. المجتبى 5/ 3، 41. وابن ماجه، في: باب فرض الزكاة، من كتاب الزكاة. سنن ابن ماجه 1/ 568. والدارمى، في: باب في فضل الزكاة، من كتاب الزكاة. سنن الدارمي 1/ 379. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 233.
(18)
في الأصل: "والاعتكاف".