الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: لا، فتَأَخَّرَ، فقِيل: لم لا تُصَلِّى (6) عليه؟ : فقال: "مَا تَنْفَعُه صَلَاتِى وَذِمَّتُهُ مَرْهُوَنَةٌ؟ أَلا (7) قامَ أحَدُكُم فضَمِنَهُ". فقام أبو قَتادَةَ، فقال: هما عَلَىَّ يا رسولَ اللهِ،
فَصَلَّ
ى عليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. وأجْمَعَ المُسلمونَ على جَوَازِ الضَّمَانِ في الجُمْلَةِ. وإنما اخْتَلَفُوا في فُرُوعٍ نَذْكُرُها إن شاءَ اللهُ تعالى. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يقال: ضَمِينٌ، وكَفِيلٌ، وقَبِيلٌ، وحَمِيلٌ، وزَعِيمٌ، وصَبِيرٌ، بِمَعْنًى واحِدٍ. ولا بُدَّ في الضَّمَانِ من ضَامِنٍ، ومَضْمُونٍ عنه، ومَضْمُونٍ له. ولا بُدَّ من رِضَى الضَّامِنِ، فإنْ أُكْرِهَ على الضَّمَانِ لم يَصِحَّ، ولا يُعْتَبَرُ رِضَى المَضْمُونِ عنه. لا نَعْلَمُ فيه خِلَافًا. لأنَّه لو قُضِىَ الدَّيْنُ عنه بغير إِذْنِه ورِضاهُ صَحَّ، فكذلك إذا ضُمِنَ عنه. ولا يُعْتَبَرُ رِضَى المَضْمُونِ له. وقال أبو حنيفةَ ومحمدٌ: يُعْتَبَرُ؛ لأنَّه إِثْبَاتُ مَالٍ لآدَمِىٍّ، فلم يَثْبُتْ إلَّا بِرِضَاهُ أو رِضَى من يَنُوبُ عنه، كالبَيْعِ والشِّرَاءِ. وعن أصْحَابِ الشَّافِعِىِّ كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أن أبا قَتَادَةَ ضَمِنَ من غيرِ رِضَى المَضْمُونِ عنه، فأجَازَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم، وكذلك رُوِىَ عن علىٍّ رَضِىَ اللَّه عنه، ولأنَّها وَثِيقَةٌ لا يُعْتَبَرُ فيها قَبْضٌ، فأَشْبَهَتِ الشَّهَادَةَ، ولأنَّه ضَمانُ دَيْنٍ، فأشْبَهَ ضَمانَ بعضِ الوَرَثَةِ دَيْنَ المَيِّتِ لِلْغَائِبِ، وقد سَلَّمُوهُ.
فصل: ولا يُعْتَبَرُ أن يَعْرِفَهُما الضَّامِنُ. وقال القاضي: يُعْتَبَرُ مَعْرِفَتُهما، لِيَعْلَم هل المَضْمُونُ عنه أَهْلٌ لِاصْطِنَاعِ المَعْرُوفِ إليه أولا؟ ولِيَعْرِفَ المَضْمُونَ له، فَيُؤَدِّىَ إليه. وذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ، أنَّه تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ المَضْمُونِ له لذلك. ولا تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ المَضْمُونِ عنه؛ لأنَّه لا مُعَامَلَةَ بينَه وبينَه. ولأَصْحابِ الشَّافِعِىِّ ثَلَاثَةُ أوْجُهٍ نحو هذه (8). ولَنا، حَدِيثُ عَلِىٍّ وأبى قَتادَةَ، فإنَّهما ضَمِنَا لمن لم يَعْرِفَاهُ عَمَّنْ لم يَعْرِفَاهُ. ولأنَّه تَبَرُّعٌ بالْتِزَامِ مَالٍ، فلم يُعْتَبَرْ مَعْرِفَةُ من يَتَبَرَّعُ له به، كالنَّذْرِ.
فصل: وقد دَلَّتْ مَسْأَلَةُ الخِرَقِىِّ على أحْكامٍ؛ منها، صِحَّةُ ضَمانِ المَجْهُولِ؛
(6) في النسخ: "تصل".
(7)
في م زيادة: "إن".
(8)
في ب: "هذا".
لقوله: مَا أَعْطَيْتَهُ فَهُوَ عَلَىَّ. وهذا مَجْهُولٌ فمتى قال: أنا ضَامِنٌ لك مَالَكَ على فُلَانٍ، أو ما يُقْضَى به عليه، أو ما تَقُومُ به البَيِّنَةُ، أو يُقِرُّ به لك، أو ما يَخْرُجُ في رُوزمَانَجك (9). صَحَّ الضَّمَانُ. وبهذا قال أبو حنيفةَ ومالِكٌ. وقال الثَّوْرِىُّ، واللَّيْثُ، وابنُ أبي لَيْلَى، والشَّافِعِىُّ، وابنُ المُنْذِرِ: لَا يَصِحُّ؛ لأنَّه الْتِزَامُ مَالٍ، فلم يَصِحَّ مَجْهُولًا، كالثمَنِ في المَبِيعِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} ، وحِمْلُ البَعِيرِ غيرُ مَعْلُومٍ؛ لأنَّ حِمْلَ البَعِيرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِه، وعُمُومُ قولِه عليه السلام:"الزَّعِيمُ غَارِمٌ"، ولأنَّه الْتِزَامُ حَقٍّ في الذِّمَّةِ من غير مُعَاوَضَةٍ، فصَحَّ في المَجْهُولِ، كالنَّذْرِ والإِقْرَارِ، ولأنَّه يَصِحُّ تَعْلِيقُه بِضَرَرٍ (10) وخَطَرٍ، وهو ضَمَانُ العُهْدَةِ. وإذا قال: أَلْقِ مَتَاعَكَ في البَحْرِ، وعَلَىَّ ضَمَانُه. أو قال: ادْفَعْ ثِيَابَكَ إلى هذا الرَّفَّاءِ، وعَلَىَّ ضَمَانُها. فَصَحَّ المَجْهُولُ، كالعِتْقِ والطَّلَاقِ. ومنها، صِحَّةُ ضَمَانِ ما لم يَجِبْ، فإنَّ مَعْنَى قولِه:"ما أَعْطَيْتَهُ"، [أي ما يُعْطِيه](11) في المُسْتَقْبَلِ، بِدَلِيلِ أنَّه عَطَفَهُ على مَن ضُمِنَ عنه حَقٌّ بعدَ وُجُوبِه عليه، فيَدُلُّ على أنَّه غيرُه، ولو كان "ما أعْطَيْتَهُ" في الماضِى، كان مَعْنَى المَسْأَلَتَيْنِ سواءً، أو إحْدَاهُما دَاخِلَةً في الأُخْرَى. والخِلَافُ في هذه المَسْأَلَةِ ودَلِيلُ القَوْلَيْنِ، كالتى قبلَها، إلَّا أنَّهم قالوا: الضَّمَانُ ضَمُّ ذِمَّةٍ (12) إلى ذِمَّةٍ في الْتِزَامِ الدَّيْنِ، فإذا لم يكُنْ على المَضْمُونِ عنه شيءٌ، فلا ضَمَّ فيه، فلا يكونُ ضَمَانًا. قُلْنا: قد ضَمَّ ذِمَّتَهُ (13) إلى ذِمَّةِ المَضمونِ عنه في أنَّه يَلْزَمُه ما يلزمُه، وأنَّ ما يَثْبُتُ (14) في ذِمَّةِ مَضْمُونِه يَثْبُتُ في ذِمَّتِه. وهذا كَافٍ. وقد سَلَّمُوا ضَمَانَ ما يُلْقِيهِ في البَحْرِ قبلَ وُجُوبِه بقولِه: أَلْقِ مَتَاعَكَ في البَحْرِ، وعَلَىَّ ضَمَانُه. وسَلَّمَ أصْحابُ الشَّافِعِيِّ في أحَدِ
(9) كذا في النسخ: "روزمانجك".
والروزنامة: كتيب يتضمن معرفة الأيام والشهور على مدار السنة.
(10)
في ب: "بغرر".
(11)
سقط من: الأصل، أ، م.
(12)
في ب زيادة: "الضامن".
(13)
من هنا إلى قوله: "في ذمته" الآتى سقط من: ب.
(14)
في الأصل، ب، م:"ثبت".