الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خَلَّصَهُ ورَدَّ نَقْصَه، وإنْ لم يُمْكِنْ تَخْلِيصُه، أو كان ذلك يُفْسِدُه، رَجَعَ عليه بمِثْلِه؛ لأنَّه صارَ كالهالِكِ، وإن لم يُفْسِدْه. رَدَّهُ ورَدَّ نَقْصَه. وإن احْتِيجَ في تَخْلِيصِه إلى غَرَامَةٍ، لَزِمَ الغاصِبَ ذلك؛ لأنَّه بِسَبَبِه. ولأَصْحابِ الشّافِعِىّ في هذا ال
فَصْلِ
نحوُ ما ذَكَرْنَا.
فصل: وإن غَصَبَ ثَوْبًا فصَبَغَهُ، لم يَخْلُ من ثلاثةِ أَقْسامٍ: أَحَدُها، أن يَصْبُغَهُ بِصِبْغٍ له. والثانى، أن يَصْبُغَهُ بِصِبْغٍ لِلْمَغْصُوبِ منه. الثالث، أن يَصْبُغَهُ بِصِبْغٍ لِغَيْرِهِما.
والأَوَّلُ لا يَخْلُو من ثلاثةِ أحْوَالٍ؛ أحَدها، أن يكونَ الثَّوْبُ والصِّبْغُ بحَالِهِما، لم تَزِدْ قِيمَتُهما ولم تَنْقُصْ، مثل إن كانت قِيمَةُ كلِّ واحِدٍ منهما خَمْسَةً، فصَارَتْ قِيمَتُهُما بعدَ الصِّبْغِ عَشَرَةً، فهما شَرِيكانِ؛ لأنَّ الصِّبْغَ عَيْنُ مالٍ له قِيمَةٌ، فإن تَرَاضَيَا بِتَرْكِه لهما، جَازَ، وإن باعَاهُ، فثَمَنُه بينهما نِصْفَيْنِ. الحالُ الثاني، إذا زَادَتْ قِيمَتُهُما، فصَارَا يُسَاوِيَانِ عِشْرِينَ، نَظَرْتَ؛ فإن كان ذلك لزِيَادَةِ الثِّيَابِ في السُّوقِ، كانت الزِّيَادَةُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ، وإن كانت لِزَيَادَةِ الصِّبْغِ في السُّوقِ، فالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِه، وإن كانت لِزِيَادَتِهِمَا معا، فهى بينهما على حَسَبِ زِيَادَةِ كلِّ واحدٍ منهما، فإن تَسَاوَيَا في الزِّيَادَةِ في السُّوقِ، تَسَاوَى صَاحِبَاهُما فيهما، وإن زَادَ أحَدُهُما ثمَانِيَةً والآخرُ اثْنَيْنِ، فهى بينهما كذلك، وإن زَادَ بالعَمَلِ، فالزِّيَادَةُ بينهما؛ لأنَّ عَمَلَ الغاصِبِ زَادَ به في الثَّوْبِ والصِّبْغِ، وما عَمِلَهُ في المَغْصُوبِ لِلْمَغْصُوبِ منه إذا كان أثَرًا، وزِيَادَةُ مالِ الغاصِبِ له. وإن نَقَصَتِ القِيمَةُ لِتَغَيُّرِ الأَسْعارِ، لم يَضْمَنْهُ الغاصِبُ؛ لما تَقَدَّمَ. وإن نَقَصَ لأَجْلِ العَمَلِ، فهو على الغاصِبِ؛ لأنَّه بتَعَدِّيه، فإذا صَارَ قِيمَةُ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا خَمْسَةً، فهو كلُّه لِمَالِكِه، ولا شىءَ للغاصِبِ؛ لأنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِعُدْوانِه، فكان عليه، وإن صَارَتْ قِيمَتُه سَبْعَةً، صارَ الثَّوْبُ بينهما، لِصَاحِبِه خَمْسَةُ أسْبَاعِه، ولِصَاحِبِ الصِّبْغِ (33) سُبْعَاهُ. وإن زَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ في السُّوقِ، فصَارَ يُسَاوِى
(33) في الأصل: "الثوب" خطأ.
سَبْعَةً، ونَقَصَ الصِّبْغُ، فصَارَ يُسَاوِى ثَلَاثَةً، وكانت قِيمَةُ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا عَشَرَةً، فهو بينهما، لِصَاحِبِ الثَّوْبِ سَبْعَةً، ولِصَاحِبِ الصِّبْغِ ثَلَاثَةٌ. وإن سَاوَى اثْنَى عَشَرَ، قُسِمَتْ بينهما، لِصَاحِبِ الثَّوْبِ نِصْفُها وخُمْسُها، ولِلْغَاصِبِ خُمْسُها وعُشْرُها، وإن انْعَكَسَ الحالُ، فصَارَ الثَّوْبُ يُسَاوِى في السُّوقِ ثلاثةً، والصِّبْغُ سَبْعَةً، انْعَكَسَتِ القِسْمَةُ (34)، فصار (35) لِصَاحِبِ الصِّبْغِ ههُنا ما كان لِصَاحِبِ الثَّوْبِ في التي قَبْلَها ولِصَاحِبِ الثَّوْبِ مِثلُ (36) ما كان لِصَاحِبِ الصِّبْغِ؛ لأنَّ زِيَادَةَ السِّعْرِ لا تُضْمَنُ، فإن أرَادَ الغاصِبُ قَلْعَ الصِّبْغِ، فقال أَصْحَابُنَا: له ذلك، سواءٌ أَضَرَّ بالثَّوْبِ أو لم يَضُرّ به (36)، ويَضْمَنُ نَقْصَ الثَّوْبِ إن نَقَصَ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ؛ لأنَّه عَيْنُ مَالِه، فمَلَكَ أخْذَه، كما لو غَرَسَ في أَرْضِ غيرِه. ولم يُفَرِّقْ أصْحَابُنا بين ما يَهْلَكُ صِبْغُهُ بالقَلْعِ، وبين ما لا يَهْلَكُ. ويَنْبَغِى أن يُقَالَ: ما يَهْلَكُ بالقَلْعِ لا يَمْلِكُ قَلْعَه؛ لأنَّه سَفَهٌ. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه لا يُمَكَّنُ من قَلْعِه إذا تَضَرَّرَ الثَّوْبُ بِقَلْعِه؛ لأنَّه قال في المُشْتَرِى إذا بَنَى أو غَرَسَ في الأَرْضِ المَشْفُوعَةِ: فله أَخْذُه، إذا لم يكُنْ في أَخْذِه ضَرَرٌ. وقال أبو حنيفةَ: ليس له أَخْذُه؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا بالثَّوْبِ المَغْصُوبِ، فلم يُمَكَّنْ منه، كقَطْعِ خِرْقَةٍ منه، وفارَقَ قَلْعَ الغَرْسِ؛ لأنَّ الضَّرَرَ قَلِيلٌ يَحْصُلُ به نَفْعُ قَلْعِ العُرُوقِ من الأَرْضِ. وإن اخْتَارَ المَغْصُوبُ منه قَلْعَ الصِّبْغِ، ففيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما، يَمْلِكُ إِجْبَارَ الغاصِبِ عليه، كما يَمْلِكُ إجْبَارَهُ على قَلْعِ شَجَرَةٍ من أَرْضِه، وذلك لأنَّه شَغَلَ مِلْكَه بمِلْكِه على وَجْهٍ أمْكَنَ تَخْلِيصُه، فلَزِمَهُ تَخْلِيصُه، وإن اسْتَضَرَّ الغاصِبُ، كقَلْعِ الشَّجَرِ، وعلى الغاصِبِ ضَمَانُ نَقْصِ الثَّوْبِ، وأَجْرُ القَلْعِ، كما يَضْمَنُ ذلك في الأَرْضِ. والثانى، لا يَمْلِكُ إِجْبَارَهُ عليه، ولا يُمَكَّنُ من قَلْعِه؛ لأنَّ الصِّبْغَ يَهْلَكُ بالاسْتِخْرَاجِ، وقد أمْكَنَ
(34) في ب، م:"القيمة".
(35)
في الأصل: "فصارت".
(36)
سقط من: م.
وُصُولُ الحَقِّ إلى مُسْتَحِقِّه بدُونِه بالبَيْعِ، فلم يُجْبَرْ على قَلْعِه، كقَلْعِ الزَّرْعِ من الأَرْضِ، وفارَقَ الشَّجَرَ، فإنَّه لا يَتْلَفُ بالقَلْعِ. قال القاضي: هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، ولَعَلَّه أخَذَ ذلك من قولِ أحمدَ في الزَّرْعِ، وهذا (37) مُخَالِفٌ لِلزَّرْعِ؛ لأنَّ له غايَةً يَنْتَهِى إليها، ولِصَاحِبِ الأَرْضِ أَخْذُه بِنَفَقَتِه، فلا يَمْتَنِعُ عليه اسْتِرْجَاعُ أَرْضِه في الحالِ، بِخِلَافِ الصِّبْغِ، فإنَّه لا نِهَايَةَ له إلَّا تَلَفُ الثَّوْبِ، فهو أشْبَهُ بالشَّجَرِ في الأَرْضِ. ولا يَخْتَصُّ وُجُوبُ القَلْعِ في الشَّجَرِ بما لا يَتْلَفُ، فإنَّه يُجْبَرُ على قَلْعِ ما يَتْلَفُ وما لا يَتْلفُ. ولأَصْحَابِ الشّافِعِىِّ وَجْهَانِ كهذَيْنِ. وإن بَذَلَ رَبُّ الثَّوْبِ قِيمَةَ الصِّبْغِ للغاصِبِ لِيَمْلِكَه، لم يُجْبَرْ على قَبُولِه؛ لأنَّه إِجْبَارٌ على بَيْعِ مالِه، فلم يُجْبَرْ عليه، كما لو بَذَلَ له قِيمَةَ الغِرَاسِ. ويَحْتَمِلُ أن يُجْبَرَ على ذلك إذا لم يَقْلَعْهُ، قِيَاسًا على الشَّجَرِ، والبِنَاءِ في الأَرْضِ المَشْفُوعَةِ، والعَارِيَّةِ، وفى الأَرْضِ المَغْصُوبَةِ إذا لم يَقْلَعْهُ الغاصِبُ، ولأنَّه أَمْرٌ يَرْتَفِعُ به النِّزَاعُ، ويَتَخَلَّصُ به أحَدُهُما من صَاحِبِه من غيرِ ضَرَرٍ، فأُجْبِرَ عليه، كما ذَكَرْنا. وإن بَذَلَ الغاصِبُ قِيمَةَ الثَّوْبِ لِصَاحِبِه لِيَمْلِكَهُ، لم يُجْبَرْ على ذلك، كما لو بَذَلَ صاحِبُ الغِرَاسِ قِيمةَ الأَرْضِ لِمَالِكِها في هذه المَوَاضِع. وإن وَهَبَ الغاصِبُ الصِّبْغَ لِمَالِكِ الثَّوْبِ، فهل يَلْزَمُه قَبُولُه؟ على وَجْهَيْنِ؛ أحَدِهما، يَلْزَمُه؛ لأنَّ الصِّبْغَ صارَ من صِفَاتِ العَيْنِ، فهو كزِيَادَةِ الصِّفَةِ (38) في المُسْلَمِ فيه. الثاني، لا يُجْبَرُ؛ لأنَّ الصِّبْغَ عَيْنٌ يُمْكِنُ إِفْرَادُها، فلم يُجْبَرْ على قَبُولِها. وظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّه يُجْبَرُ؛ لأنَّه قال في الصَّدَاقِ: إذا كان ثَوْبًا فصَبَغَه (39)، فبَذَلْتَ له نِصْفَهُ مَصْبُوغًا، لَزِمَهُ قَبُولُه. وإن أرَادَ المالِكُ بَيْعَ الثَّوْبِ، وأبَى الغاصِبُ، فله بَيْعُه؛ لأنَّه مِلْكُه، فلا يَمْلِكُ الغاصِبُ مَنْعَه من بَيْعِ مِلْكِه بِعُدْوَانِه. وإن أرَادَ الغاصِبُ بَيْعَه، لم يُجْبَر المالِكُ على بَيْعِه؛ لأنَّه
(37) في ب: "وهو".
(38)
في الأصل: "الصبغة".
(39)
في أ، ب:"فغصبه".
مُتَعَدٍّ، فلم يَسْتَحِقَّ إِزالَةَ مِلْكِ صاحِبِ الثَّوْبِ عنه بِعُدْوانِه. ويَحْتَمِلُ أن يُجْبَرَ لِيَصِلَ الغاصِبُ إلى ثَمَنِ صِبْغِه.
القسم الثاني، أن يَغْصِبَ ثَوْبًا وصِبْغًا من واحِدٍ، فَيَصْبُغَه به، فإن لم تَزِدْ قِيمَتُهُما ولم تَنْقُصْ، رَدَّهُمَا ولا شىءَ عليه. وإن زَادَتِ القِيمَةُ فهى لِلْمالِكِ، ولا شىءَ للغاصِبِ؛ لأنَّه (40) إنَّما له في الصِّبْغِ أثَرٌ لا عَيْنٌ. وإن نَقَصَتْ بالصِّبْغِ، فعلى الغاصِبِ ضَمَانُ النَّقْصِ؛ لأنَّه بِتَعَدِّيه. وإن نَقَصَ لِتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ لم يَضْمَنْهُ.
القسم الثالث، أن يغْصِبَ ثَوْبَ رَجُلٍ وصِبْغَ آخَرَ، فيَصْبُغَه به، فإن كانت القِيمَتَانِ بحَالِهِما، فهما شَرِيكانِ بِقَدْرِ مَالِهِما، وإن زَادَتْ، فالزِّيَادَةُ لهما، وإن نَقَصَتْ بالصّبْغِ، فالضَّمَانُ على الغاصِبِ، ويكون النَّقْصُ من صاحِبِ الصّبْغِ؛ لأنَّه تَبَدَّدَ فى الثَّوْبِ، ويَرْجِعُ به على الغاصِبِ، وإن نَقَصَ لِنَقْصِ سِعْرِ الثِّيابِ، أو سِعْرِ الصِّبْغِ، أو لِنَقْصِ سِعْرِهِما، لم يَضْمَنْهُ الغاصِبُ، وكان نَقْصُ مالِ كلِّ واحدٍ منهما من صَاحِبِه. وإن أرَادَ صاحِبُ الصِّبْغِ قَلْعَهُ، أو أرَادَ ذلك صاحِبُ الثَّوْبِ، فحُكْمُهما حُكْمُ ما لو صَبَغهُ الغاصِبُ بِصِبْغٍ من عندِه، على ما مَرَّ بَيَانُه. وإن غَصَبَ عَسَلًا ونَشَاءً، وعَقَدَهُ حَلْوَاءَ، فحُكْمُهُ حُكْمُ ما لو غَصَبَ ثَوْبًا فصَبَغَهُ، على ما ذُكِرَ فيه. الحكم الثاني، أنَّه متى كان لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ، فعلى الغاصِبِ أَجْرُ مِثْلِه مُدَّةَ مُقَامِه في يَدَيْهِ، سواءٌ اسْتَوْفَى المَنَافِعَ أو تَرَكَها تَذْهَبُ. هذا هو المَعْرُوفُ في المذهبِ. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ. وبه قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَضْمَنُ المَنَافِعَ. وهو الذي نَصَرَهُ أصْحَابُ مالِكٍ. وقد رَوَى محمدُ بن الحَكَمِ، عن أحمدَ، في مَن غصَبَ دارًا فسَكَنَها عِشْرِينَ سَنَةً: لا أَجْتَرِىءُ أن أقولَ عليه سُكْنَى ما سَكَنَ. وهذا يَدُلُّ على توَقُّفِه عن إِيجَابِ الأَجْرِ، إلَّا أن أبا بكرٍ قال: هذا قولٌ قَدِيمٌ؛ لأنَّ محمدَ بن الحَكَمِ ماتَ قبلَ أبى عبدِ اللَّه بِعِشْرِينَ سَنَةً. واحْتَجَّ مَن لم يُوجِبِ الأَجْرَ، بقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
(40) في ب، م:"ولأنه".