الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الحَوالَةِ والضَّمانِ
الحَوَالَةُ ثابِتَةٌ بالسُّنَّةِ، والإِجْمَاعِ. أما السُّنَّةُ، فما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَطْلُ الغَنِىِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أحَدُكُم عَلَى مَلِىءٍ فَلْيَتْبَعْ". مُتَّفَقٌ عليه (1). وفى لَفْظٍ: "مَنْ أُحِيلَ بِحَقِّهِ عَلَى مَلِىءٍ فَلْيَحْتَلْ"(2). وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ على جَوَازِ الحَوَالَةِ في الجُمْلَةِ، واشْتِقَاقها من تَحْوِيلِ الحَقِّ من ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ، وقد قيل: إنَّها بَيْعٌ، فإن المُحِيلَ يَشْتَرِى ما في ذِمَّتِه بمَالِه في ذِمَّةِ المُحَالِ عليه، وجَازَ تَأْخِيرُ القَبْضِ رُخْصَةً؛ لأنَّه مَوْضُوعٌ على الرِّفْقِ، فيَدْخُلُها خِيَارُ المَجْلِسِ لذلك. والصَّحِيح أنَّها عَقْدُ إرْفَاقٍ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِه، ليس بمَحْمُولٍ على غيرِه؛ لأنَّها لو كانت بَيْعًا لمَا جَازَتْ، لِكَوْنِها بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، ولما جَازَ التَّفَرُّقُ (3) قبلَ القَبْضِ؛ لأنَّه بَيْعُ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِه. ولَجَازَتْ بِلَفْظِ البَيْعِ، ولَجَازَتْ بين جِنْسَيْنِ، كالبَيْعِ كله. ولأنَّ لَفْظَها يُشْعِرُ بالتَّحَوُّلِ لا بالبَيْعِ، فعلى هذا لا يَدْخُلُها خِيَارٌ، وَتَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ العَقْدِ، وهذا أشْبَهُ بِكَلَامِ أحمَدَ وأُصُولِه. ولا بُدَّ فيها من مُحِيلٍ ومُحْتَالٍ ومُحَالٍ عليه. ويُشْتَرَطُ في صِحَّتِهَا رِضَى المُحِيلِ، بلا خِلَافٍ؛ فإنَّ الحَقَّ عليه، ولا يَتَعَيَّنُ عليه جِهَةُ قَضَائِه. وأمَّا المُحْتَالُ والمُحَالُ عليه، فلا يُعْتَبَرُ رِضَاهُما، على ما سَنَذْكُرُه إن شاء اللهُ تعالى.
820 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أُحِيلَ بِحَقِّه عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مِثْلُ ذلِكَ الْحَقِّ، فَرَضِىَ، فَقَدْ بَرِئَ المُحِيلُ أَبَدًا)
ومن شَرْطِ صِحَّةِ الحَوَالَةِ شُرُوطٌ أرْبَعَةٌ: أحدُها، تَمَاثُلُ الحَقَّيْنِ؛ لأنَّها تَحْوِيلٌ
(1) تقدم تخريجه في: 6/ 589.
(2)
هذا اللفظ أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 2/ 463. والبيهقى، في: باب من أحيل على ملىء. . .، من كتاب البيوع. السنن الكبرى 6/ 70. وابن أبى شيبة، في: باب في مطل الغنى ودفعه، من كتاب البيوع. المصنف 7/ 79. والبزار، في: باب مطل الغنى ظلم، من كتاب البيوع. كشف الأستار 2/ 100. والهيثمى، في: باب مطل الغنى، من كتاب البيوع. مجمع الزوائد 4/ 131.
(3)
في ب: "التصرف".
لِلْحَقِّ ونَقْلٌ له، فَيُنْقَلُ على صِفَتِه، ويُعْتَبَرُ تَمَاثُلُهما في أُمُورٍ ثلاثةٍ: أحدُها، الجِنْسُ. فَيُحِيلُ مَن عليه ذَهَبٌ بِذَهَبٍ، ومن عليه فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ. ولو أحَالَ من عليه ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ، أو من عليه فِضَّةٌ بِذَهَبٍ، لم يَصِحَّ. الثانى، الصِّفَةُ. فلو أحَالَ مَن عليه صِحَاحٌ بمُكَسَّرَةٍ، أو من عليه مِصْرِيَّة بِأَمِيرِيَّةٍ، لم يَصِحَّ. الثالث، الحُلُولُ والتَّأْجِيلُ. ويُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ أجَلِ المُؤَجَّلَيْن، فإن كان أحَدُهُما حَالًّا والآخَرُ مُؤَجَّلًا، أو أُجِّل أحَدُهما إلى شَهْرٍ والآخَرُ إلى شَهْرَيْنِ، لم تَصِحَّ الحَوَالَةُ. ولو كان الحَقَّانِ حَالَّيْنِ، فشَرَطَ على المُحْتالِ أن يَقْبِضَ حَقَّهُ أو بَعْضَه بعدَ شَهْرٍ لم تَصِحَّ الحَوَالَةُ؛ لأنَّ الحالَّ لا يَتَأَجَّلُ، ولأنَّه شَرَطَ ما لو كان ثَابِتًا في نَفْسِ الأَمْرِ لم تَصِحَّ الحَوَالَةُ؛ فكذلك إذا شَرَطَهُ (1). وإذا اجْتَمَعَتْ هذه الأُمُورُ، وصَحَّت الحَوَالَةُ، وتَرَاضَيَا بأن يَدْفَعَ المُحَالُ عليه (2) خَيْرًا من حَقِّه، أو رَضِىَ المُحْتَالُ بدون الصِّفَةِ، أو رَضِىَ مَن عليه المُؤَجَّلُ بِتَعْجِيلِه، أو رَضِىَ مَن له الحالُّ بإِنْظَارِه، جازَ؛ لأنَّ ذلك يجوزُ في القَرْضِ، ففى الحَوَالَةِ أَوْلَى. وإن مَاتَ المُحِيلُ، أو المُحَالُ، فالأَجَلُ بِحَالِه. وإن مَاتَ المُحَالُ عليه، ففى حُلُولِ الحَقِّ رِوَايَتَانِ، مَضَى ذِكْرُهما.
الشَّرْطُ الثانى، أن تكونَ على دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ. ولا يُعْتَبَرُ أن يُحِيلَ بِدَيْنٍ [غيرِ](3) مُسْتَقِرٍّ، إلا أن السَّلَمَ لا تَصِحُّ الحَوَالَةُ به ولا عليه، لأن دَيْنَ السَّلَمِ ليس بمُسْتَقِرٍّ لكَوْنه بِعَرْضِ الفَسْخِ، لِانْقِطَاعِ المُسْلَمِ فيه. ولا تَصِحُّ الحَوَالَةُ به؛ لأنَّها لم تَصِحَّ إلَّا فيما يجوزُ أخْذُ العِوَضِ عنه، والسَّلَمُ لا يجوزُ أخْذُ العِوَضِ عنه؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَسْلَمَ في شيءٍ، فَلَا يَصْرِفْه إلَى غَيْرِهِ"(4). ولا تَصِحُّ الحَوَالَةُ على المُكَاتَبِ بمالِ
(1) في ب: "اشترطه".
(2)
في ب زيادة: "إليه".
(3)
تكملة يصح بها المعنى.
(4)
تقدم تخريجه في: 6/ 417.