الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضَرَرَه يَدُومُ، فأُجْبِرَ على إزَالَتِه، كأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ المُنْتَشِرَةِ في هَوَاءِ مِلْكِ غيرِ مَالِكِهَا. وإن حَمَلَ السَّيْلُ أَرْضًا بِشَجَرِهَا، فنَبَتَتْ في أَرْضِ آخَرَ كما كانت، فهى لِمَالِكِها، يُجْبَرُ على إزَالَتِها، كما ذَكَرْنا. وفى كلِّ ذلك، إذا تَرَكَ صاحِبُ الأَرْضِ المُنْتَقِلَةِ [أو الشَّجَرِ](56) أو الزَّرْعِ ذلك لِصَاحِبِ الأَرْضِ التي انْتَقَلَ إليها، لم يَلْزَمْهُ نَقْلُه ولا أَجْرٌ، ولا غيرُ ذلك؛ لأنَّه حَصَلَ بغيرِ تَفْرِيطِه ولا عُدْوَانِه، وكانت الخِيَرَةُ إلى صَاحِبِ الأَرْضِ المَشْغُولَةِ به، إن شاءَ أخَذَهُ لِنَفْسِه، وإن شَاءَ قَلَعَهُ.
فصل:
وإذا اخْتَلَفَ رَبُّ الدَّابّةِ ورَاكِبُها، فقال الرّاكِبُ: هي عارِيَّةٌ. وقال المالِكُ: بل اكْتَرَيْتَها (57). فإن كانت الدَّابّةُ باقِيَةً [لم تَنْقُصْ](58)، لم يَخْلُ مِن أن يكونَ الاخْتِلَافُ عَقِيبَ العَقْدِ، أو بعد مُضِىِّ مُدَّةٍ لمِثْلِها أَجْرٌ، فإن كان عَقِيبَ العَقْدِ، فالقولُ قولُ الرّاكِبِ؛ لأنَّ الأَصْلَ عَدَمُ عَقْدِ الإِجَارَةِ، وبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الرَّاكِبِ منها، فيَحْلِفُ، ويَرُدُّ الدّابّةَ إلى مَالِكِها؛ لأنَّها عَارِيّةٌ. وكذلك إن ادَّعَى المالِكُ أنَّها عَارِيَّةٌ. وقال الرَّاكِبُ: بل اكْتَرَيْتُها، فالقولُ قولُ المالِكِ مع يَمِينِه؛ لما ذَكَرْنَا. وإن كان الاخْتِلَافُ بعدَ مُضِىِّ مُدّةٍ لمِثْلِها أَجْرٌ، فادَّعَى المالِكُ الإِجَارَةَ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه. وحُكِىَ ذلك عن مالِكٍ. وقال أصْحَابُ الرَّأْىِ: القولُ قولُ الرَّاكِبِ. وهو مَنْصُوصُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّهما اتّفَقَا على تَلَفِ المَنَافِعِ على مِلْكِ الرّاكِبِ، وادَّعَى المالِكُ عِوَضًا لها، والأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِه. وبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الرّاكِبِ منه، فكان القولُ قولَه. ولَنا، أنَّهما اخْتَلَفَا في كَيْفِيّةِ انْتِقَالِ المنَافِعِ إلى مِلْكِ الرّاكِبِ، فكان القولُ قولَ المالِكِ، كما لو اخْتَلَفَا في عَيْنٍ، فقال المالِكُ: بِعْتُكَها. وقال الآخَرُ: وَهَبْتَنِيهَا. ولأنَّ المنافِعَ تَجْرِى مَجْرَى الأَعْيانِ، في المِلْكِ والعَقْدِ عليها، ولو اخْتَلَفَا في الأَعْيَانِ، كان القولُ قولَ المالِكِ، كذا ههُنا. وما
(56) سقط من: أ.
(57)
في الأصل: "أكرتها".
(58)
سقط من: أ، ب، م.
ذَكَرُوه يَبْطُلُ بهذه المَسْأَلَةِ. ولأنَّهما اتَّفَقَا على أنَّ المَنَافِعَ لا تَنْتَقِلُ إلى الرّاكِبِ إلَّا بِنَقْلِ المالِكِ لها، فيكونُ القولُ قولَه في كَيْفِيَّةِ الانْتِقَالِ، كالأَعْيانِ، فيَحْلِفُ المالِكُ، ويَسْتَحِقُّ الأَجْرَ. وفى قَدْرِه وَجْهَانِ؛ أحدهما: أَجْرُ المِثْلِ؛ لأنَّهما لو اتَّفَقَا على وُجُوبِه، واخْتَلَفَا في قَدْرِه، وَجَبَ أَجْرُ المِثْلِ، فمع الاخْتِلَافِ في أصْلِه أَوْلَى. والثانى: المُسمَّى؛ لأنَّه وَجَبَ بِقَوْلِ المالِكِ ويَمِينِه، فوَجَبَ ما حَلَفَ عليه، كالأَصْلِ. وإن كان اخْتِلَافُهُما في أثْنَاء المُدَّةِ، فالقولُ قولُ الرّاكِبِ فيما مَضَى منها (59)، والقولُ قولُ المُسْتَعِيرِ فيما بَقِىَ؛ [لأنَّ ما بَقِىَ](60) بمَنْزِلَةِ ما لو اخْتَلَفَا عَقِيبَ العَقْدِ. وإن ادَّعَى المالِكُ في (61) هذه الصُّورَةِ أنَّها عَارِيَّةٌ. وادَّعَى الرَّاكِبُ أنَّها بأَجْرٍ، فالرّاكِبُ يَدَّعِى اسْتِحْقَاقَ المَنَافِعِ، وَيعْتَرِفُ بالأَجْرِ لِلْمالِكِ، والمالِكُ يُنْكِرُ ذلك كلَّه، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه، فيَحْلِفُ، ويَأْخُذُ بَهِيمَتَه. وان اخْتَلَفَا في ذلك بعدَ تَلَفِ البَهِيمَةِ قبلَ مُضِىّ مُدَّةٍ لمِثْلِها أَجْرٌ، فالقولُ قولُ المالِكِ، سواءٌ ادَّعَى الإِجَارَةَ أو الإِعَارَةَ؛ لأنَّه إنِ ادَّعَى الإِجَارَةَ، فهو مُعْتَرِفٌ لِلرَّاكِبِ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِه مِن ضَمَانِها، فيُقْبَلُ إقْرَارُه على نَفْسِه، وإن ادَّعَى الإِعَارَةَ، فهو يَدَّعِى قِيمَتَها، فالقولُ قولُه؛ لأنَّهما اخْتَلَفَا في صِفَةِ القَبْضِ، والأَصْلُ فيما يَقْبِضُه الإِنْسَانُ من مالِ غيرِه الضَّمَانُ، لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"عَلَى الْيَدِ مَا أخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ". فإذا حَلَفَ المالِكُ، اسْتَحَقَّ القِيمَةَ، والقولُ في قَدْرِهَا قولُ الرّاكِبِ مع يَمِينِه؛ لأنَّه يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ المُخْتَلَفَ فيها، والأَصْلُ عَدَمُها. وإن اخْتَلَفَا في ذلك بعدَ مُضِىِّ مُدَّةٍ لمِثْلِها أَجْرٌ، وتَلَفِ البَهِيمَةِ، وكان الأَجْرُ بِقَدْرِ قِيمَتِها، أو كان ما يَدَّعِيه المالِكُ منهما أقَلَّ ممَّا يَعْتَرِفُ به الرَّاكِبُ، فالقولُ قولُ المالِكِ بغيرِ يَمِينٍ، سواءٌ ادَّعَى الإِجَارَةَ أو الإِعَارَةَ، إذ لا فائِدَةَ في اليَمِينِ على شيءٍ يَعْتَرِفُ له به. ويَحْتَمِلُ أن لا يَأْخُذَه إلَّا بِيَمِينٍ؛ لأنَّه يَدَّعِى شيئا لا يُصَدَّقُ فيه، ويَعْتَرِفُ
(59) سقط من: الأصل.
(60)
سقط من: الأصل، ب. نقلة نظر.
(61)
سقط من: م.