الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعدَ السَّلَامِ: بارَكَ اللهُ لك في صَفْقَةِ يَمِينِكَ. أو دَعَا له بالمَغْفِرَةِ ونحوِ ذلك، لم تَبْطُلْ شُفْعَتُه؛ لأنَّ ذلك يَتَّصِلُ بالسَّلَامِ، فيكونُ من جُمْلَتِه، والدُّعَاءُ له بالبَرَكَةِ في الصَّفْقَةِ دُعَاءٌ لِنَفْسِه؛ لأنَّ الشِّقْصَ يَرْجِعُ إليه، فلا يكونُ ذلك رِضًى. وإن اشْتَغلَ بكَلَامٍ آخَرَ، أو سَكتَ لغيرِ حاجَةٍ، بَطَلَتْ شُفْعَتُه؛ لما قَدَّمْنَا.
فصل:
فإنْ أَخْبَرَهُ بالبَيْعِ مُخْبِرٌ، فَصَدَّقَهُ، ولم يُطَالِبْ بالشُّفْعَةِ، بَطَلَتْ شُفْعَتُه، سواءٌ كان المُخْبِرُ مِمَّن يُقْبَلُ خَبَرُه أو لا يُقبَلُ؛ لأنَّ العِلْمَ قد يَحْصُلُ بِخَبَرِ مَن لا يُقْبَلُ خَبَرُه، لِقَرَائِنَ دَالَّة على صِدْقِه. وإن قال: لم أُصَدِّقْهُ. وكان المُخْبِرُ ممَّن يُحْكَمُ بِشَهَادَتِه، كرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، بَطَلَتْ شُفْعَتُه؛ لأنَّ قَوْلَهُما حُجَّةٌ تَثْبُتُ بها الحُقُوقُ. وإن كان مِمَّن لا يُعْمَلُ بِقَوْلِه، كالفاسِقِ والصَّبِيِّ، لم تَبْطُلْ شُفْعَتُه. وحُكِىَ عن أبي يوسفَ أنَّها تَسْقُطُ؛ لأنَّه خَبَرٌ يُعْمَلُ به في الشَّرْعِ، في الإِذْنِ في دُخُولِ الدَّارِ وشِبْهِه، فسَقَطَتْ به الشُّفْعَةُ، كخَبَرِ العَدْلِ. ولَنا، أنَّه خَبَرٌ لا يُقْبَلُ في الشَّرْعِ، فأَشْبَهَ قولَ الطِّفْلِ والمَجْنُونِ. وإن أخْبَرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ، أو مَسْتُورُ الحالِ، سَقَطَتْ شُفْعَتُه. ويَحْتَمِل أن لا تَسْقُطَ. ويُرْوَى هذا عن أبي حنيفةَ، وزُفَرَ؛ لأنَّ الواحِدَ لا تَقُومُ به البَيِّنَةُ. ولَنا، أنَّه خَبَرٌ لا تُعْتَبَرُ فيه الشَّهَادَةُ، فقُبِلَ من العَدْلِ، كالرِّوَايةِ والفُتْيَا وسائِر الأخْبارِ الدِّينِيّة. وفارَقَ الشَّهادَةَ، فإنَّه يُحْتَاطُ لها باللَّفْظِ، والمَجْلِس، وحُضُورِ المُدَّعَى عليه، وإِنْكَارِه، ولأنَّ الشَّهَادَةَ يُعَارِضُها إنْكَارُ المُنْكِرِ، وتُوجِبُ الحَقَّ عليه، بِخِلَافِ هذا الخَبَر. والمَرْأةُ في ذلك كالرَّجُلِ، والعَبْدُ كالحُرِّ. وقال القاضي: هما كالفاسِقِ والصَّبِىِّ. وهذا مذهبُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ قَوْلَهما لا يَثْبُتُ به حَقٌّ. ولَنا، أنَّ هذا خَبَرٌ وليس بشَهَادَةٍ، فاسْتَوَى فيه الرَّجُلُ والمَرْأَةُ، والعَبْدُ والحُرُّ، كالرِّوَايةِ والأخْبَارِ الدِّينِيّةِ. والعَبْدُ من أهْلِ الشَّهَادَةِ فيما عدا الحُدُودَ والقِصَاصَ، وهذا ممَّا عَداها، فأَشْبَه الحُرَّ.
فصل: إذا أظْهَرَ المُشْتَرِى أنَّ الثَّمنَ أَكْثَرُ ممَّا وَقَعَ العَقْدُ به، فتَرَكَ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ، لم تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ بذلك. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، ومالِكٌ،
إلَّا أنَّه قال بعدَ أن (13) يَحْلِفَ: ما سَلَّمْتُ الشُّفْعَةَ إلَّا لمكانِ الثَّمَنِ الكَثِيرِ. وقال ابنُ أبي لَيْلَى: لا شُفْعَةَ له؛ لأنَّه سَلَّمَ وَرَضِىَ. ولَنا، أنَّه تَرَكَها لِلعُذْرِ، فإنَّه لا يَرْضاهُ بالثَّمنِ الكَثِيرِ، ويَرْضاهُ بالقَلِيلِ، وقد لا يكونُ معه الكَثِيرُ، فلم تَسْقُطْ بذلك، كما لو تَرَكَها لِعَدَمِ العِلْمِ. وكذلك إن أظْهَرَ أنَّ المَبِيعَ سِهَامٌ قَلِيلَةٌ، فبانَتْ كثِيرَةً (14)، أو أظْهَرَ أنَّهما تَبَايَعَا بِدَنَانِيرَ، فبانَ أنَّهما دَرَاهِمُ، أو بِدَرَاهِمَ فبانَتْ (15) دَنَانِيرَ. وبهذا قال الشَّافِعِىُّ، وزُفَر. وقال أبو حنيفةَ، وصاحِبَاه: إن كانت قِيمَتُهُما سواءً، سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ؛ لأنَّهما كالجِنْسِ الواحدِ. ولَنا، أنَّهما جِنْسانِ، فأَشْبَها الثِّيابَ والحَيَوانَ، ولأنَّه قد يَمْلِكُ بالنَّقْدِ الذي وَقَعَ به البَيْعُ دُونَ ما أظْهَرَه (16)، فَيَتْرُكُه لِعَدَمِ مِلْكِه له. وكذلك إن أظْهَرَ أنَّه اشْتَرَاه بِنَقْدٍ، فبانَ أنَّه اشْتَراهُ بِعَرْضٍ (17)، أو بِعَرْضٍ فبان أنَّه بِنَقْدٍ، أو بِنَوْعٍ من العَرْضِ فبانَ أنَّه بغيرِه، أو اشْتَراه مُشْتَرٍ فبانَ أنَّه اشْتَراه لغيرِه، أو أظْهَر أنَّه اشْتَراه لغيرِه فبانَ أنَّه اشْتَراه له، أو أنَّه اشْتَراهُ لإِنْسَانٍ فبانَ أنَّه اشْتَراهُ لغيرِه؛ لأنَّه قد يَرْضَى (18) شَرِكَةَ (19) إنْسانٍ دُونَ غيرِه، وقد يُحَابِى إنْسانًا أو يَخَافُه، فيَتْرُكُ لذلك. وكذلك إن أظْهَرَ أنَّه اشْتَرَى الكلَّ بثَمَنٍ فبانَ أنَّه اشْتَرَى نِصْفَه بِنِصْفِه، أو أنَّه اشْتَرَى نِصْفَه بثَمَنٍ فبانَ أنَّه اشْتَرَى جَمِيعَه بِضِعْفِه، أو أنَّه اشْتَرَى الشِّقْصَ وحدَه فبانَ أنَّه اشْتَراهُ هو أو غيرُه، أو أنَّه اشْتَراهُ هو وغيرُه فبانَ أنَّه اشْتَرَاهُ وحدَه، لم تَسْقُط الشُّفْعَةُ. في جَمِيعِ ذلك؛ لأنَّه قد يكونُ له غَرَضٌ فيما أَبْطَنَه دُونَ ما أظْهَرَه، فيَتْرُكُ لذلك، فلم تَسْقُطْ شُفْعَتُه، كما لو أظْهَرَ أنَّه اشْتَراهُ بثَمَنٍ فبانَ أَقَلَّ منه. فأمَّا إنْ أظْهَرَ أنَّه اشْتَراهُ بثَمَنٍ فبانَ أنَّه اشْتَراهُ بأكْثَرَ، أو أنَّه اشْتَرَى الكلَّ بثَمَنٍ فبانَ أنَّه اشْتَرَى به (20) بعضَه، سَقَطَتْ
(13) في ب: "ما".
(14)
في الأصل: "غيره".
(15)
في ب زيادة: "أنها".
(16)
في الأصل: "أظهر له". وفى ب: "أظهراه"
(17)
في ب، م:"بعوض".
(18)
في ب: "رضى".
(19)
في الأصل: "بشركة".
(20)
سقط من: الأصل.