الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُظِلُّه، وأَرْضُ صَاحِبِ العُلْوِ تُقِلُّه، فَاسْتَوَيَا فيه.
فصل:
وإن تَنَازَعَ صَاحِبُ العُلْوِ والسُّفْلِ في الدَّرَجَةِ التي يَصْعَدُ منها، فإن لم يَكُنْ تَحْتها مِرْفَقٌ لِصَاحِبِ السُّفْلِ، كَسُلَّم مُسَمَّرًا، أو دَكَّةٍ، فهى لِصَاحِبِ العُلْوِ وَحْدَهُ؛ لأنَّ له اليَدَ والتَّصَرُّفَ وحدَه؛ لأنَّها مَصْعَدُ صَاحِبِ العُلْوِ لا غيرُ. والعَرْصَةُ التي عليها الدَّرَجَةُ له أيضًا؛ لِانْتِفَاعِه بها وحدَه. وإن كان تحتها ثِنْىٌ (17) بُنِيَتْ لأَجْلِه، لتكونَ مَدْرَجًا لِلْعُلْوِ، فهى بينهما؛ لأنَّ يَدَيْهما عليها، ولأنَّها سَقْفٌ للسُّفْلَانِىِّ، ومَوْطِىءٌ لِلْفَوْقَانِيِّ، فهى كالسَّقْفِ الذي بينهما. وإن كان تحتهَا طَاقٌ صَغِيرٌ لم تُبْنَ الدَّرَجَةُ لأَجْلِه، وإنَّما جُعِلَ مِرْفَقًا يُجْعَلُ فيه جُبُّ الماءِ ونحوُه، فهى لِصَاحِبِ العُلْوِ؛ لأنَّها بُنِيَتْ لأَجْلِه وحدَه. ويَحْتَمِلُ أن تكونَ بينهما؛ لأنَّ يَدَهُما عليها، وانْتِفَاعَهما حَاصِلٌ بها، فهى كالسَّقْفِ.
فصل: ولو تَنَازَعَا مُسَنَّاةً (18) بين نَهْرِ أحَدِهِما وأَرْضِ الآخَرِ، تَحَالَفَا، وكانت بينهما؛ لأنَّها حَاجِزٌ بين مِلْكَيْهما، فهى كالحائِطِ بين المِلْكَيْنِ.
فصل: إذا كان بينهما حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ، فَانْهَدَمَ، فطَلَبَ أحَدُهما إعَادَتَه، فأبَى الآخَرُ، فهل يُجْبَرُ المُمْتَنِعُ على إعَادَتِه؟ قال القاضي: فيه رِوَايَتَانِ: إحداهما، يُجْبَرُ. نَقَلَها ابنُ القَاسِمِ، وحَرْبٌ، وسِنْدِيٌّ. قال القاضي: هي أصَحُّ. وقال ابن عَقِيلٍ: وعلى ذلك أصْحَابُنا. وبه قال مَالِكٌ، في إحدى رِوَايَتَيْهِ، والشَّافِعِىُّ في قَدِيمِ قَوْلَيْهِ. واخْتَارَهُ بعضُ أصْحَابِه، وصَحَّحَهُ؛ لأنَّ في تَرْكِ بِنَائِه إضْرارًا، فَيُجْبَرُ عليه، كما يُجْبَرُ على القِسْمَةِ إذا طَلَبهَا أحَدُهما، وعلى النَّقْضِ إذا خِيفَ سُقُوطُه عليهما، لقولِ (19) النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"لَا ضَرَرَ ولَا ضِرَارَ"(20). وهذا وشَرِيكُه يَتَضَرَّرَانِ في
(17) سقط من: م.
(18)
المسناة: سد يبنى لحجز ماء السيل أو النهر، به مفاتيح للماء تفتح على قدر الحاجة.
(19)
في ب: "ولقول".
(20)
في الأصل، أ:"إضرار". وتقدم تخريج الحديث في: 4/ 140.
تَرْكِ بِنَائِه. والرواية الثانية، لا يُجْبَرُ. نُقِلَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ على ذلك، وهو أقْوَى دَلِيلًا، ومذهبُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه مِلْكٌ لا حُرْمَةَ له في نَفْسِه، فلم يُجْبَرْ مَالِكُه على الإِنْفَاقِ عليه، كما لو انْفَرَدَ به، ولأنَّه بِنَاءُ حَائِطٍ، فلم يُجْبَرْ عليه، كالابْتِدَاءِ، ولأنَّه لا يَخْلُو، إمَّا أن يُجْبَرَ على بِنَائِه لِحَقِّ نَفْسِه، أو لِحَقِّ جَارِه، أو لِحَقَّيْهِما جَمِيعًا، لا يجوزُ أن يُجْبَرَ عليه لِحَقِّ نَفْسِه، بِدَلِيلِ ما لو انْفَرَدَ به، ولا لِحَقِّ غيره، كما لو انْفَرَدَ به جَارُه، فإذا لم يكُنْ كلُّ واحدٍ منهما موجَبًا عليه، فكذلك إذا اجْتَمَعَا. وفَارَقَ القِسْمَةَ، فإنَّها دَفْعٌ لِلضَّرَرِ عنهما بما لا ضَرَرَ فيه، والباءُ فيه مَضَرَّةٌ، لما فيه من الغَرَامَةِ وإِنْفَاقِ مَالِه، ولا يَلْزَمُ من إِجْبَارِه على إِزَالَةِ الضَّرَرِ بما لا ضَرَرَ فيه، إجْبَارُه على إِزَالَتِه بما فيه ضَرَرٌ، بِدَلِيلِ قِسْمَةِ ما في قِسْمَتِه ضَرَرٌ. ويُفَارِقُ هَدْمَ الحائِطِ إذا خِيفَ سُقُوطُه؛ لأنَّه يَخافُ سُقُوطَ حَائِطِه على ما يتْلِفُه، فيُجْبَرُ على ما يُزِيلُ ذلك، ولهذا يُجْبَرُ عليه، وإن انْفَرَدَ بالحَائِطِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. ولا نُسَلِّمُ أن في تَرْكِه إِضْرَارًا، فإنَّ الضَّرَرِ إنَّما حَصَلَ بِانْهِدَامِه، وإنَّما تَرْكُ البِنَاءِ تَرْكٌ لما يَحْصُلُ النَّفْعُ به، وهذا لا يَمْنَعُ الإِنْسانَ منه، بِدَلِيلِ حَالَةِ الابْتِدَاءِ، وإن سَلَّمْنَا أنَّه إِضْرَارٌ، لكنْ في الإِجْبَارِ إضْرَارٌ، ولا يُزَالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ، وقد يكونُ المُمْتَنِعُ لا نَفْعَ له في الحائِطِ، أو يكون الضَّرَرُ عليه أكْثَرَ من النَّفْعِ، أو يكونُ مُعْسِرًا ليس معه ما يَبْنِى به، فَيُكَلَّفُ الغَرَامَةَ مع عَجْزِه عنها، فعلَى هذه الرِّوَايَةِ إذا امْتَنَعَ أحَدُهما لم يُجْبَرْ، فإن أرَادَ شَرِيكُه البِنَاءَ فليس له مَنْعُه منه؛ لأنَّ له حَقًّا في الحَمْلِ ورَسْمًا، فلا يجوزُ مَنْعُه منه، وله بِنَاؤُه بِأَنْقَاضِه إن شاءَ، وبِنَاؤُه بآلَةٍ من عنده، فإن بَنَاهُ بآلَتِه وأنْقَاضِه، فالحائِطُ بينهما على الشَّرِكَةِ، كما كان؛ لأَنَّ المُنْفَقَ (21) إنَّما أُنْفِقَ على التَّالِفِ، وذلك أثَرٌ لا عَيْنٌ يَمْلِكُها. وإن بَنَاهُ بآلَةٍ من عنده، فالحَائِطُ مِلْكُه خَاصَّةً، وله مَنْعُ شَرِيكِه من الانْتِفاعِ به، ووَضْعِ خَشَبِه وَرُسُومِه عليه؛ لأنَّ الحَائِطَ له. وإذا أرَادَ نَقْضَه، فإن كان بَنَاهُ بآلتِه لم يَمْلِكْ نَقْضَهُ؛ لأنَّه مِلْكُهما، فلم يكنْ له التَّصَرُّفُ [بما] فيه
(21) في ب، م زيادة:"عليه".