الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخَلَاصِ والاسْتِخْلَاصِ، فالذى يَقْتَضِيهِ حُسْنُ العِشْرَةِ، أن يَبِيعَه منه، لِيَصِل إلى غَرَضِه من بَيْعِ نَصِيبِه، وتَخْلِيصِ شَرِيكِه من الضَّرَرِ، فإذا لم يَفْعَلْ ذلك، وبَاعَهُ لأَجْنَبِيٍّ، سَلَّطَ الشَّرْعُ الشَّرِيكَ على صَرْفِ ذلك إلى نَفْسِه. ولا نَعْلَمُ أحَدًا خَالَفَ هذا إلَّا الأَصَمَّ، فإنَّه قال: لا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ؛ لأنَّ في ذلك إِضْرَارًا بأَرْبَابِ الأَمْلَاكِ، فإنَّ المُشْتَرِىَ إذا عَلِمَ أنَّه يُؤْخَذُ منه إذا ابْتَاعَهُ، لم يَبْتَعْهُ، ويَتَقَاعَدُ الشَّرِيكُ عن الشِّرَاءِ، فيَسْتَضِرُّ المالِكُ. وهذا ليس بشيءٍ؛ لِمُخَالَفَتِه الآثَارَ الثابِتَةَ والإِجْمَاعَ المُنْعَقِدَ قبلَه. والجَوَابُ عمَّا ذَكَرَه من وَجْهَيْنِ؛ أحَدهما، أنَّا نُشَاهِدُ الشُّرَكَاءَ يَبِيعُون، ولا يُعْدَمُ مَنْ يَشْتَرِى منهم غيرَ شُرَكَائِهِم، ولم يَمْنَعْهُم اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ من الشِّرَاءِ. الثاني، أنَّه يُمْكِنُه إذا لَحِقَتْه بذلك مَشَقَّةٌ أن يُقَاسِمَ، فَيَسْقُطَ اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ، واشْتِقَاقُ الشُّفْعَةِ من الشَّفْعِ (5)، وهو الزَّوْجُ، فإنَّ الشَّفِيعَ كان نَصِيبُه مُنْفَرِدًا في مِلْكِه، فبالشُّفْعَةِ يَضُمُّ المَبِيعَ إلى مِلْكِه فيَشْفَعُهُ به. وقِيلَ: اشْتِقَاقُها من الزِّيَادَةِ؛ لأنَّ الشَّفِيعَ يَزِيدُ المَبِيعَ في مِلْكِهِ.
871 - مسألة؛ قال أبو القاسم: (وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ إلَّا لِلشَّرِيكِ الْمُقَاسِمِ، فَإذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ على (1) خِلَافِ الأَصْلِ، إذ هي انْتِزَاعُ مِلْكِ المُشْتَرِى بغيرِ رِضَاءٍ منه، وإِجْبَارٌ له على المُعَاوَضَةِ، مع ما ذَكَرَهُ الأَصَمُّ، لكنْ أَثْبَتَها الشَّرْعُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، فلا تَثْبُتُ إلَّا بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ: أحدها، أن يكونَ المِلْكُ مُشَاعًا غيرَ مَقْسُومٍ، فأمَّا الجارُ فلا شُفْعَةَ له. وبه قال عمرُ، وعثمانُ، وعمرُ بن عبد العزيزِ، وسَعِيدُ بن المُسَيَّبِ، وسُلَيْمانُ بن يَسَارٍ، والزُّهْرِيُّ، ويحيى الأَنْصَارِيُّ، وأبو الزِّنَادِ، ورَبِيعَةُ، والمُغِيرَةُ بن عبد الرحمنِ، ومالِكٌ، والأَوْزَاعِيُّ، والشّافِعِيُّ، وإسحاقُ، وأبو
(5) في ب: "المشفع".
(1)
في ب: "في".
ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وقال ابنُ شُبْرُمَةَ، والثَّوْرِيُّ، وابنُ أبي لَيْلَى، وأصْحَابُ الرَّأْىِ: الشُّفْعَةُ بالشَّرِكَةِ، ثم بالشَّرِكَةِ في الطَّرِيقِ، ثم بالجِوَارِ. وقال أبو حنيفةَ: يُقَدَّمُ الشَّرِيكُ، فإن لم يَكُنْ، وكان الطَّرِيقُ مُشْتَرَكًا، كدَرْبٍ لا يَنْفُذُ، تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لجَمِيعِ أهْلِ الدَّرْبِ، الأَقْرَبِ فالأَقْرَبِ، فإن لم يَأْخُذُوا، ثَبَتَتْ لِلمُلَاصِقِ من دَرْبٍ آخَرَ خاصَّةً. وقال العَنْبَرِيُّ، وسَوَّارٌ: تَثْبُتُ بالشَّرِكَةِ في المِلْكِ (2)، وبالشَّرِكَةِ في الطَّرِيقِ. واحْتَجُّوا بما رَوَى أبو رَافِعٍ، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الْجَارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ (3) ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأبو دَاوُدَ (4). ورَوَى الحَسَنُ، عن سَمُرَةَ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"جَارُ الدَّارِ أحَقُّ بالدَّارِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (5). قال: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. ورَوَى (6) التِّرْمِذِيُّ في حَدِيثِ جَابِرٍ (7): "الْجَارُ أحَقُّ بِدَارِه بِشُفْعَتِهِ (8) يَنْتَظِرُ بِهِ إذَا كَانَ غَائِبًا، إذَا
(2) في م: "المال".
(3)
الصقب: القرب.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع، من كتاب الشفعة، وفى: باب في الهبة والشفعة، من كتاب الحيل. صحيح البخاري 3/ 115، 9/ 35. وأبو داو، في: باب في الشفعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 256.
كما أخرجه النسائي، في: باب ذكر الشفعة وأحكامها، من كتاب البيوع. المجتبى 7/ 281، 282. وابن ماجه، في: باب الشفعة والجوار، من كتاب الشفعة. سنن ابن ماجه 2/ 833، 834. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 389، 390، 6/ 10، 390.
(5)
في: باب ما جاء في الشفعة، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى 6/ 129.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الشفعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 256. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 388، 5/ 8، 12، 13، 17، 18.
(6)
في ب، م:"ورواه".
(7)
تقدم تخريجه عنه في أول الباب، عن أبي داود، كما أخرجه في: باب ما جاء في الشفعة للغائب، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى 6/ 130.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في الشفعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 256. وابن ماجه، في: باب الشفعة والجوار، من كتاب الشفعة. سنن ابن ماجه 2/ 833. والدارمى، في: باب في الشفعة، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 273.
(8)
سقط من: م.
كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا". وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ. ولأنَّه اتِّصَالُ مِلْكٍ يَدُومُ ويَتَأَبَّدُ، فتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ به (9)، كالشَّرِكَةِ. ولَنا، قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فَلَا شُفْعَةَ" (10). ورَوَى ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن سَعِيد بن المُسَيَّبِ، أو عن أبي سَلَمَةَ، أو عنهما، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذَا قُسِمَتِ الْأَرْضُ، وحُدَّتْ، فلا شُفْعَةَ فيها". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (11). ولأنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ في مَوْضِعِ الوِفَاقِ على خِلَافِ الأَصْلِ، لِمَعْنًى مَعْدُومٍ في مَحلِّ النِّزَاعِ، فلا تَثْبُتُ فيه، وبَيَانُ انْتِفَاءِ المَعْنَى، هو أنَّ الشَّرِيكَ ربَّما دَخَلَ عليه شَرِيكٌ، فيَتَأَذَّى به، فتَدْعُوهُ الحاجَةُ إلى مُقَاسَمَتِه أو يَطْلُبُ (12) الدَّاخِلُ المُقَاسَمَةَ، فيَدْخُلُ الضَّرَرُ على الشَّرِيكِ بِنَقْصِ قِيمَةِ مِلْكِه، وما يَحْتَاجُ إلى إحْدَاثِه من المَرَافِقِ، وهذا لا يُوجَدُ في المَقْسُومِ. فأمَّا حَدِيثُ أبي رَافِعٍ، فليس بِصَرِيحٍ في الشُّفْعَةِ، فإنَّ الصَّقَبَ القُرْبُ. يقال بالسِّينِ والصّادِ. قال الشاعِرُ (13):
كُوفِيَّةٌ نازِحٌ مَحِلَّتُها
…
لا أَمَمٌ دارُها ولا صَقَبُ
فيَحْتَمِلُ أنَّه أرَادَ بإِحْسَانِ جارِه وصِلَتِه وعِيَادَتِه ونحوِ ذلك. وخَبَرُنا صَرِيحٌ صَحِيحٌ، فَيُقَدَّمُ، وبَقِيَّةُ الأحَادِيثِ في أسَانِيدِها مَقَالٌ، فحَدِيثُ سَمُرَةَ يَرْوِيهِ عنه الحَسَنُ، ولم يَسْمَعْ منه إلَّا حَدِيثَ العَقِيقَةِ. قالَه أصْحَابُ الحَدِيثِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: الثابِتُ عن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ جَابِرٍ، الذي رَوَيْناهُ، وما عَداهُ من الأحَادِيثِ فيها مَقَالٌ. على أنَّه يحتمِلُ أنَّه أرَادَ بالجارِ الشَّرِيكَ؛ فإنَّه جَارٌ أيضًا، (14) ويُسَمَّى كلُّ واحدٍ من الزَّوْجَيْنِ جارًا، قال الشاعِرُ:
أجَارَتَنَا بِينِى فإنَّكِ طَالِقَهْ
…
كذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ غادٍ وطَارِقَهْ
(9) سقط من: ب.
(10)
تقدم تخريجه في صفحة 435.
(11)
تقدم تخريجه في صفحة 435.
(12)
في الأصل، م:"يطالب".
(13)
هو ابن قيس الرقيات، والبيت في ديوانه 2.
(14)
من هنا إلى قوله: "الأعشى" سقط من: الأصل، ب.