الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يكونَ، ففى صِحَّةِ المُسَاقاةِ وَجْهانِ؛ أحدهما، تَصِحُّ؛ لأنَّ الشَّجَرَ يَحْتَمِلُ أن يَحْمِلَ، ويَحْتَمِلُ أن لا يَحْمِلَ، والمُسَاقاةُ جائِزَةٌ فيه. والثانى، لا يَصِحُّ؛ لأنَّه عَقْدٌ على مَعْدُومٍ، ليس الغالِبُ وُجُودَه، فلم تَصِحَّ، كالسَّلَمِ في مثلِ ذلك، ولأنَّ ذلك غَرَرٌ أمْكَنَ التَّحَرُّزُ عنه، فلم يَجُزِ العَقْدُ معه، كما لو شَرَطَ ثَمَرَ نَخْلَةٍ بِعَيْنِها. وفارَقَ ما إذا شَرَطَ مُدَّةً تَكْمُلُ فيها الثَّمرَةُ، فإنَّ الغالِبَ أنَّ الشَّجَرَ يَحْمِلُ، واحْتِمالُ أن لا يَحْمِلَ نَادِرٌ، لم يُمْكِنِ التَّحَرُّزُ عنه. فإن قُلْنا (61): العَقْدُ صَحِيحٌ. فله حِصَّتُه من الثّمَرِ. فإن لم يَحْمِلْ، فلا شىءَ له. وإن قُلْنا: هو فاسِدٌ. إسْتَحَقَّ أجْرَ المِثْلِ، سواءٌ حَمَلَ أو لم يَحْمِلْ؛ لأنَّه لم يَرْضَ بغيرِ عِوَضٍ، ولم يُسَلَّمْ له العِوَضُ، فكان له العِوَضُ (61)، وَجْهًا واحِدًا، بخِلَافِ ما لو جَعَلَ الأَجَل إلى مُدَّةٍ لا يَحْمِلُ في (61) مِثْلِها غالِبًا. ومتى خَرَجَتِ الثّمرَةُ قبلَ انْقِضاءِ الأجَلِ، فله حَقُّه منها إذا قُلْنا بِصِحَّةِ العَقْدِ، وإن خَرَجَتْ بعدَه، فلا حَقَّ له فيها. ومذهبُ الشّافِعِىِّ في هذا قَرِيبٌ ممَّا ذَكَرْنا.
فصل:
ولا يَثْبُتُ في المُسَاقاةِ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لأنَّها إن كانتْ جائِزَةً. فالجائِزُ مُسْتَغْنٍ بِنَفْسِه عن الخِيَارِ فيه، وإن كانت لازِمةً، فإذا فَسَخَ لم يُمْكِنْ رَدُّ المَعْقُودِ عليه، وهو العَمَلُ فيها. وأمَّا خِيَارُ المَجْلِسِ فلا يَثْبُتُ إن كانت جائِزَةً؛ لما تَقَدَّمَ. وإن كانت لازِمَةً، فعلى وَجْهَيْنِ؛ أحَدهما، لا يَثْبُتُ؛ لأنَّها (62) عَقْدٌ لا يُشْتَرَطُ فيه قَبْضُ العِوَضِ، ولا يَثْبُتُ فيه خِيَارُ الشَّرْطِ، فلا يَثْبُتُ فيه خِيَارُ المَجْلِسِ، كالنِّكَاحِ. والثانى، يَثْبُتُ؛ لأنَّه عَقْدٌ لازِمٌ يُقْصَدُ به المالُ، أشْبَهَ البَيْعَ.
فصل: ومتى قُلْنا بِجَوَازِها، لم يَفْتَقِرْ إلى ضَرْبِ مُدَّةٍ؛ لأنَّ إبْقَاءَها إليهما، وفَسْخَها جائِزٌ لكلِّ واحدٍ منهما متى شاءَ، فلم تَحْتَجْ إلى مُدَّةٍ، كالمُضَارَبةِ. وإن قَدَّرَها بمُدَّةٍ،
(61) سقط من: الأصل.
(62)
سقط من: ب.
جازَ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ في التَّقْدِيرِ، وقد بَيَّنَّا (63) جَوَازَ ذلك في المُضَارَبةِ، والمُسَاقاةُ مثلُها. وتَنْفَسِخُ بمَوْتِ كلِّ واحدٍ منهما، وجُنُونِه. والحَجْرِ عليه لِسَفَهٍ، كقَوْلِنا في المُضَارَبةِ. فإذا ماتَ العامِلُ أو رَبُّ المالِ، انْفَسَخَتِ المُسَاقاةُ فكان الحُكْمُ فيها كما لو فَسَخَها أحَدُهما، على ما أسْلَفْنَاه. وإن قُلْنا بِلُزُومِها، لم يَنْفَسِخِ العَقْدُ، ويَقُومُ الوارِثُ (64) مَقَامَ المَيِّتِ منهما؛ لأنَّه عَقْدٌ لازِمٌ، فأشْبهَ الإِجَارَةَ. ولكنْ إن كان المَيِّتُ العامِلَ، فأبَى وارِثُه القِيَامَ مَقَامَه، لم يُجْبَرْ؛ لأنَّ الوارِثَ لا يَلْزَمُه من الحُقُوقِ التي على مَوْرُوثِه (65) إلَّا ما أمْكَنَ دَفْعُه من تَرِكَتِه، والعَمَلُ ليس ممَّا يُمْكِنُ ذلك فيه. فعلى هذا يَسْتَأْجِرُ الحاكِمُ من التَّرِكَةِ مَن يَعْمَلُ العَمَلَ، فإن لم تَكُنْ له تَرِكَةٌ، أو تَعَذَّرَ الاسْتِئْجارُ منها، فلِرَبِّ المالِ الفَسْخُ؛ لأنَّه تَعَذَّرَ اسْتِيفاءُ المَعْقُودِ عليه، فيَثْبُتُ الفَسخُ، كما لو تَعَذَّرَ ثَمَنُ المَبِيعِ قبلَ قَبْضِه، ثم إن كانت الثّمرَةُ قد ظَهَرَتْ، بِيعَ من نَصِيبِ العامِلِ ما يَحْتاجُ إليه لأَجْرِ ما بَقِىَ من العَمَلِ، واسْتَؤْجِرَ من يَعْمَلُ ذلك. وإن احْتِيجَ إلى بَيْعِ الجَمِيعِ، بِيعَ. ثم لا يَخْلُو إمَّا أن تكونَ الثمَرَةُ قد بَدَا صَلَاحُها أو لم يَبْدُ، فإن كانتْ قد بَدَا صَلَاحُها، خُيِّرَ المالِكُ بين البَيْعِ والشِّرَاءِ، فإن اشْتَرَى نَصِيبَ العامِلِ، جازَ، وإن اخْتارَ بَيْعَ نَصِيبِه أيضًا، باعَهُ، وباعَ الحاكِمُ نَصِيبَ العامِلِ، وإن أبَى البَيْعَ والشِّرَاءَ، باعَ الحاكِمُ نَصِيبَ العامِلِ وحدَه، وما بَقِىَ على العامِلِ من العَمَلِ يُكْتَرَى عليه مَن يَعْمَلُه، وما فَضَلَ لِوَرَثَتِه، وإن كان لم يَبْدُ صَلَاحُها، خُيِّرَ المالِكُ أيضًا، فإنْ بِيعَ لأجْنَبِىٍّ، لم يَجُزْ إلَّا بِشَرْطِ القَطْعِ، ولا يجوزُ بَيْعُ نَصِيبِ العامِلِ وحدَه، لأنَّه لا يُمْكِنُ (66) قَطْعُه إلَّا بِقَطْعِ نَصِيبِ المالِكِ، فَيقِفُ إمكانُ قَطْعِه على قَطْعِ مِلْكِ غيرِه. وهل يجوزُ
(63) في ب، م:"تبينا".
(64)
في ب: "وارث الميت".
(65)
في م: "مورثه".
(66)
في ب، م:"يمكنه".