الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّفِيعِ، فإن باعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ في مُدَّةِ الخِيَارِ، عَالِمًا بِبَيْعِ الأَوَّلِ، سَقَطَتْ شُفْعَتُه، وثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ فيما باعَهُ للمُشْتَرِى الأَوَّلِ، في الصَّحِيحِ من المَذْهَبِ. وفى وَجْهٍ آخَرَ، أنَّه يَثْبُتُ للبائِعِ، بنَاءً على المِلْكِ في مُدَّةِ الخِيَارِ لمَن هو منهما. وإن بَاعَهُ قبل عِلْمِه بالبَيْعِ، فكذلك. وهو مذهبُ الشَّافِعِيِّ؛ لأنَّ مِلْكَهُ زَالَ قبلَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ. ويَتَوَجَّهُ على تَخْرِيجِ أبي الخَطَّابِ أنْ لا تَسْقُطَ شُفْعَتُه، فيكونُ له على هذا أَخْذُ الشِّقْصِ من المُشْتَرِى الأَوَّلِ، وللمُشْتَرِى الأَوَّلِ أن يَأْخُذَ الشِّقْصَ الذي باعَهُ الشَّفِيعُ من مُشْتَرِيه؛ لأنَّه كان شَرِيكًا لِلشَّفِيعِ حينَ بَيْعِه.
فصل:
وبَيْعُ المَرِيضِ كبَيْعِ الصَّحِيحِ، في الصِّحَّةِ، وثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، وسائِرِ الأَحْكامِ، إذا باعَ بِثَمَنِ المِثْلِ، سواءٌ كان لِوَارِثٍ أو غيرِ وارِثٍ. وبهذا قال الشّافِعِيُّ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ بَيْعُ المَرِيضِ مَرَضَ المَوْتِ لِوَارِثِه؛ لأنَّه مَحْجُورٌ عليه في حَقِّه، فلم يَصِحَّ بَيْعُه، كالصَّبِيِّ. ولَنا، أنَّه إنَّما حُجِرَ عليه في التَّبَرُّعِ في حَقِّه، فلم يَمْنَعِ الصِّحَّةَ فيما سِواه، كالأَجْنَبِيِّ إذا لم يَزِدْ على التَّبَرُّعِ بالثُّلُثِ؛ وذلك لأنَّ الحَجْرَ في شيءٍ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ غيرِه، كما أنَّ الحَجْرَ على المُرْتَهِنِ في الرَّهْنِ لا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ في غيرِه، والحَجْرَ على المُفْلِسِ في مالِه لا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ في ذِمَّتِه. فأمَّا بَيْعُه بالمُحَاباةِ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أن يكونَ لِوَارِثٍ أو لغيرِه، فإن كان لِوَارِثٍ، بَطَلَتِ المُحَاباةُ؛ لأنَّها في المَرض بِمَنْزِلَةِ الوَصِيَّةِ، والوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لا تجوزُ، ويَبْطلُ البَيْعُ في قَدْرِ المُحابَاةِ من المَبِيعِ. وهل يَصِحُّ فيما عَداهُ؟ على ثلاثةِ أَوْجُهٍ؛ أحَدِها، لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المُشْتَرِىَ بَذَلَ الثَّمنَ في كلِّ المَبِيعِ، فلم يَصِحَّ في بعضِه (59)، كما لو قال: بِعْتُكَ هذا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ. فقال: قَبِلْتُ البَيْعَ في نِصْفِه. أو قال: قَبِلْتُه بِخَمْسَةٍ. أو قال: قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِخَمْسَةٍ. ولأنَّه لم يُمْكِنْ تَصْحِيحُ البَيْعِ على الوَجْهِ الذي تَوَاجَبَا عليه، فلم يَصِحَّ، كتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. الثاني، أنَّه يَبْطُلُ البَيْعُ في قَدْرِ المُحابَاةِ، ويَصِحُّ
(59) في م: "بيعه".
فيما يُقَابِلُ الثَّمَنَ المُسَمَّى، ولِلْمُشْتَرِى الخِيَارُ بين الأَخْذِ والفَسْخِ؛ لأنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عليه، ولِلشَّفِيعِ أَخْذُ ما صَحَّ البَيْعُ فيه. وإنَّما قُلْنا بالصِّحَّةِ؛ لأنَّ البُطْلَانَ إنَّما جَاءَ من المُحابَاةِ، فَاخْتَصَّ بما قابَلَها (60) الثالث، أَنَّه يَصِحُّ في الجَمِيعِ، ويَقِفُ على إِجازَةِ الوَرَثَةِ، لأنَّ الوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ، في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وتَقِفُ على إِجازَةِ الوَرَثَةِ، فكذلك المُحابَاةُ له (61)، فإن أجَازُوا المُحاباةَ (62)، صَحَّ البَيْعُ في الجَمِيعِ، ولا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِى، ويَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأَخْذَ به؛ لأنَّه يَأْخُذُ بالثَّمَنِ، وإن رَدُّوا، بَطَلَ البَيْعُ في قَدْرِ المُحاباةِ، وصَحَّ فيما بَقِىَ. ولا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأَخْذَ قبلَ إجَازَة الوَرَثَةِ أو رَدِّهِم (63)؛ لأنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ (64) بالمَبِيعِ، فلم يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ، وله أَخْذُ ما صَحَّ البَيْعُ فيه. وإن اخْتَارَ المُشْتَرِى الرَّدَّ في هذه الصُّورَةِ، وفى التي قَبْلَها، واخْتَارَ الشَّفِيعُ الأَخْذَ بالشُّفْعَةِ، قُدِّمَ الشَّفِيعُ؛ لأنَّه لا ضَرَرَ على المُشْتَرِى، ويجْرِى (65) مَجْرَى المَعِيبِ إذَا رَضِيَهُ الشَّفِيعُ بِعَيْبِه. القسم الثاني، إذا كان المُشْتَرِى أَجْنَبِيًّا، والشَّفِيعُ أجْنَبِىٌّ فإن لم تَزِدِ المُحَاباةُ على الثُّلُثِ، صَحَّ البَيْعُ، ولِلشَّفِيعِ الأَخْذُ بها (66) بذلك الثمَنِ؛ لأنَّ البَيْعَ حَصَلَ به، فلا يَمْنَعُ منها كونُ المَبِيعِ مُسْتَرْخَصًا، وإن زَادَتْ على الثُّلُثِ، فالحُكْمُ فيه حُكْمُ أَصْلِ المُحاباةِ في حَقِّ الوارِثِ. وإن كان الشَّفِيعُ وَارِثًا، ففيه وَجْهَانِ؛ أحَدُهما، له الأَخْذُ بالشُّفْعَةِ؛ لأنَّ المُحاباةَ وَقَعَتْ لغيرِه، فلم يَمْنَعْ منها تَمَكُّنُ الوَارِثِ من أَخْذِها، كما لو وَهَبَ غَرِيمَ وَارِثه مالًا، فأَخَذَهُ الوارِثُ. والثاني، يَصِحُّ البَيْعُ، ولا تَجِبُ الشُّفْعَةُ. وهو قولُ أَصْحابِ أبي حنيفةَ، لأنَّنا لو أَثْبَتْنَاهَا جَعَلْنا لِلمَوْرُوثِ سَبِيلًا
(60) في م: "يقابلها".
(61)
سقط من: م.
(62)
سقط من: الأصل.
(63)
في الأصل، م:"وردهم".
(64)
في الأصل: "يتعلق".
(65)
في ب، م:"وجرى".
(66)
سقط من: الأصل، ب.