الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِلْحَمْلِ. وإن أَطْلَقَ، فقال أبو عبدِ اللَّه ابن حامِدٍ: يَصِحُّ. وهو أصَحُّ قَوْلَىِ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه يجوزُ أن يَمْلِكَ بوَجْهٍ صَحِيحٍ، فصَحَّ له الإِقْرَارُ المُطْلَقُ، كالطِّفْلِ. فعلَى هذا، إن وَلَدَتْ ذَكَرًا أو أُنْثَى، كان بينهما نِصْفيْنِ. وإن عَزَاهُ إلى إِرْثٍ أو وَصِيَّةٍ، كان بينهما على حَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِما لذلك. وقال أبو الحَسَنِ التَّمِيمِىُّ: لا يَصِحُّ الإِقْرَارُ إلَّا أن يَعْزِيَهُ (22) إلى إِرْثٍ أو وَصِيَّةٍ. وهو قولُ أبى ثَوْرٍ، والقولُ الثاني لِلشّافِعِىِّ؛ لأنَّه لا يَمْلِك بغيرِهما. فإن وَضَعَتِ (23) الوَلَدَ مَيِّتًا، وكان قد عَزَا الإِقْرَارَ إلى إرْثٍ أو وَصِيَّةٍ، عادَتْ إلى وَرَثَةِ المُوصِى ومَوْرُوثِ الطِّفْلِ، وإن أطْلَقَ الإِقْرَارَ، كُلِّفَ ذِكْرَ السَّبَبِ، فيُعْمَلُ بقَوْله، فإن تَعَذَّرَ التَّفْسِيرُ بمَوْتِه أو غيرِه، بَطَلَ إقْرَارُه، كمَن أقَرَّ لِرَجُلٍ لا يَعْرِفُ مَن أرَادَ بإِقْرَارِه. وإن عَزَا الإِقْرَارَ إلى جِهَةٍ غيرِ صَحِيحَةٍ، فقال: لهذا الحَمْل علَىَّ أَلْفٌ أقْرَضَنِيهَا، أو وَدِيعَةٌ أخَذْتُها منه. فعلَى قولِ التَّمِيمِىِّ، الإِقْرَارُ باطِلٌ، وعلى قولِ ابنِ حامِدٍ، يَنْبَغِى أن يَصِحَّ إقْرَارُه؛ لأنَّه وَصَلَ إقْرَارَه بما يُسْقِطُه، فيَسْقُطُ ما وَصَلَهُ به، كما لو قال: له عَلىَّ أَلْفٌ لا تَلْزَمُنِى. وإن قال: له علىَّ أَلْفٌ جَعَلتُها له. أو نحوَ ذلك، فهى عِدَةٌ لا يُؤْخَذُ بها. ولا يَصِحُّ الإِقْرَارُ لِحَمْلٍ إلَّا إذا تُيُقِّنَ أنَّه كان مَوْجُودًا حالَ الإِقْرَارِ على ما تَبَيَّنَ (24) في مَوْضِعِه. وإن أقَرَّ لِمَسْجِدٍ أو مَصْنَعٍ أو طَرِيقٍ، وعَزَاهُ إلى سَبَبٍ صَحِيحٍ، مثل أن يقول: مِن غَلَّةِ وَقْفِه. صَحَّ. وإن أطْلَقَ، خُرِّجَ على الوَجْهَيْنِ.
849 - مسألة؛ قال: (وَمَنْ أقَرَّ بِشَىءٍ، وَاسْتَثْنَى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلًا، إلَّا أنْ يَسْتَثْنِىَ عَيْنًا مِنْ وَرِقٍ، أوْ وَرِقًا من عَيْنٍ)
في هذه المسألة فَصْلَانِ:
أوَّلُهما:
أنَّه لا يَصِحُّ الاسْتِثْناءُ في الإِقْرَارِ من غيرِ الجِنْسِ، وبهذا قال زُفَرُ، ومحمدُ
(22) كذا. وصوابه: "يعزوه".
(23)
في م: "ولدت".
(24)
في ب، م:"بين".
ابن الحَسَنِ. وقال أبو حنيفةَ: إن اسْتَثْنَى مَكِيلًا أو مَوْزُونًا، جَازَ، وإن اسْتَثْنَى عَبْدًا أو ثَوْبًا من مَكِيلٍ أو مَوْزُونٍ، لم يَجُزْ. وقال مالِكٌ، والشّافِعِىُّ: يَصِحُّ الاسْتِثْناءُ من غيرِ الجِنْسِ مُطْلَقًا؛ لأنَّه وَرَدَ في الكِتَابِ العَزِيزِ ولُغَةِ العَرَبِ، قال اللَّه تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} (1). وقال اللهُ تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا} (2). وقال الشاعِرُ (3):
وبَلْدَةٍ ليس بها أَنِيسُ
إلَّا الْيَعَافِيرُ، وإلَّا العِيْسُ
وقال آخر (4):
. . . . . . . . . . .
…
عَيَّتْ جَوابًا وما بالرَّبْعِ مِن أحَدِ
إلَّا أوَارِىُّ لَأْيًا ما أُبَيِّنُها
…
. . . . . . . . . . . . . .
ولَنا أنَّ الاسْتِثْناءَ صَرْفُ اللَّفْظِ بِحَرْفِ الاسْتِثْناءِ عمَّا كان يَقْتَضِيهِ لَوْلَاهُ. وقيل: هو (5) إِخْرَاجُ بعض ما تَنَاوَلَهُ المُسْتَثْنَى منه، مُشْتَقٌّ من ثَنَيْتُ فُلَانًا عن رَأْيِه. إذا صَرَفْتَه عن رَأْىٍ كان عَازِمًا عليه. وثَنَيْتُ عِنَانَ دَابَّتِى. إذا صَرَفْتَها به عن وِجْهَتِها التي كانت تَذْهَبُ إليها. وغيرُ الجِنْسِ المَذْكُورِ ليس بِدَاخِلٍ في الكلامِ، فإذا ذَكَرَهُ، فما صَرَفَ الكَلَامَ عن صَوْبِه، ولا ثَنَاهُ عن وَجْهِ اسْتِرْسَالِه، فلا يكونُ اسْتِثْناءً، وإنَّما سُمِّىَ (6)
(1) سورة الكهف 50.
(2)
سورة الواقعة 25، 26.
(3)
الرجز لجران العود، وهو من الشواهد النحوية. انظر معجم شواهد العربية 481.
واليعافير: جمع يعفور، وهو ولد الظبية وولد البقرة الوحشية أيضًا. والعيس: إبل بيض يخالط بياضها شقرة.
(4)
هو النابغة الذبيانى. ديوانه 2، 3.
وصدر الأول: * وقفتُ فيها أُصيْلا لا أُسائِلُها *
وعجز الثاني: * والنُّؤْىُ كالحوضِ بالمظلومةِ الجَلَدِ *
(5)
سقط من: أ، ب.
(6)
في الأصل: "يسمى".