الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصِّفَاتِ. وقال أبو الخَطَّابِ: لا تَصِحُّ في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأنَّها مَجْهُولَةٌ، ولأنَّ الإِبِلَ ليست من المِثْلِيَّاتِ التي تُضْمَنُ بِمِثْلِهَا في الإِتْلَافِ، ولا تَثْبُتُ في الذِّمَّةِ سَلَمًا في رِوَايَةٍ. وإن كان عليه إِبِلٌ من دِيَةٍ، وله على آخَرَ مِثْلُها قَرْضًا، فأحَالَه عليه، فإن قُلْنا: يَرُدُّ في القَرْضِ قِيمَتَها. لم تَصِحَّ الحَوَالَةُ؛ لِاخْتِلَافِ الجِنْسِ. وإن قُلْنا: يَرُدُّ مِثْلَها. اقْتَضَى قولُ القَاضِى صِحَّةَ الحَوَالَةِ؛ لأنَّه أمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الحَقِّ على صِفَتِه من المُحَالِ عليه، ولأن الخِيرَةَ في التَّسْلِيمِ إلى مَن عليه الدَّيْنُ، وقد رَضِىَ بِتَسْلِيمِ ماله في ذِمَّةِ المُقْتَرِضِ. وإن كانت بالعَكْسِ، فاحْتالَ المُقْرِضُ (8) بإِبِلِ الدِّيَةِ، لم تَصِحَّ؛ لأنَّنا إن قُلْنا: تَجِبُ القِيمَةُ في القَرْضِ. فقد اخْتَلَفَ الجِنْسُ. وإن قُلْنا: يَجِبُ المِثْلُ. فَلِلْمُقْرِضِ مثلُ ما أقْرَضَ في صِفَاتِه وقِيمَتِه، والذي عليه الدِّيَةُ لا يَلْزَمُهُ ذلك.
فصل:
الشَّرْطُ الرابعُ، أن يُحِيلَ بِرِضَائِه؛ لأنَّ الحَقَّ عليه، فلا يَلْزَمُه أدَاؤُه من جِهَةِ الدَّيْنِ الذي على المُحَالِ عليه، ولا خِلَافَ في هذا.
فإذا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُ الحَوَالَةِ وصَحَّتْ (9)، بَرِئَتْ ذِمَّةُ المُحِيلِ، في قولِ عَامَّةِ الفُقَهَاءِ، إلَّا ما يُرْوَى عن الحسنِ، أنَّه كان لا يَرَى الحَوَالَةَ بَرَاءَةً إلَّا أن يُبْرِئَهُ. وعن زُفَرَ أنَّه قال: لا تَنْقُلُ الحَقَّ. وأَجْرَاهَا مَجْرَى الضَّمَانِ، وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ الحَوَالَةَ مُشْتَقَّةٌ من تَحْوِيلِ الحَقِّ، بِخِلَافِ الضَّمَانِ، فإنَّه مُشْتَقٌّ من ضَمِّ ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ. فعُلِّقَ على كلِّ واحدٍ مُقْتَضَاهُ، وما دَلَّ عليه لَفْظُهُ. إذا ثَبَتَ أن الحَقَّ انْتَقَلَ، فمتى رَضِىَ بها المُحْتَالُ، ولم يَشْتَرِطِ اليَسَارَ، لم يَعُدِ الحَقُّ إلى المُحِيلِ أبَدًا، سواءٌ أمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الحَقِّ، أو تَعَذَّرَ لِمَطْلٍ أو فَلَسٍ أو مَوْتٍ أو غيرِ ذلك. هذا ظاهِرُ كَلامِ الخِرَقِىِّ، وبه قال اللَّيْثُ، والشَّافِعِىُّ، وأبو عُبَيْدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وعن أحْمَدَ ما يَدُلُّ على أنَّه إذا كان المُحَالُ عليه مُفْلِسًا، ولم يَعْلَم المُحْتَالُ بذلك، فله الرُّجُوعُ، إلَّا أن يَرْضَى بعدَ
(8) في ب: "المقترض".
(9)
في م: "وصحب" خطأ.
العِلمِ. وبه قال جَمَاعَةٌ من أصْحابِنا، ونحوُه قولُ مَالِكٍ؛ لأنَّ الفَلَسَ عَيْبٌ في المُحَالِ عليه، فكان له الرُّجُوعُ، [كما لو اشْتَرَى سِلْعَةً فوَجَدَها مَعِيبَةً، ولأنَّ المُحِيلَ غَرَّهُ، فكان له الرُّجُوعُ](10) ، كما لو دَلَّسَ المَبِيعَ. وقال شُرَيْحٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ: متى أفْلَسَ أو ماتَ، رَجَعَ على صَاحِبِه، وقال أبو حنيفةَ: يَرْجِعُ عليه في حَالَيْنِ؛ إذا مَاتَ المُحَالُ عليه مُفْلِسًا، وإذا جَحَدَهُ وحَلَفَ عليه [عند الحاكِمِ، وقال أبو يوسفَ ومحمدٌ: يَرْجِعُ عليه في هاتَيْنِ الحالَتَيْنِ، وإذا حُجِرَ عليه](11) لِفَلَسٍ؛ لأنَّه رُوِىَ عن عثمانَ، أنَّه سُئِلَ عن رَجُلٍ أُحِيلَ بِحَقِّه، فماتَ المُحالُ عليه مُفْلِسًا فقال: يَرْجِعُ بِحَقِّه، لا تَوًى (12) على مالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ. ولأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ لم يُسَلَّم العِوَضُ فيه لأحَدِ (13) المُتَعاوِضَيْنِ، فكان له الفَسْخُ، كما لو اعْتَاضَ بِثَوْبٍ فلم يُسَلَّمْ إليه. ولَنا، أنَّ حَزْنًا جَدَّ سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ، كان له على علىٍّ رَضِىَ اللهُ عنه دَيْنٌ، فأحَالَهُ به، فماتَ المُحالُ عليه، فأخْبَرَهُ، فقال: اخْتَرْتَ علينا، أَبْعَدَكَ اللهُ. فأبْعَدَهُ بمُجَرَّدِ احْتِيَالِه، ولم يُخْبِرْهُ أنَّ له الرُّجُوعَ. ولأنَّها بَراءَةٌ من دَيْنٍ ليس فيها قَبْضٌ ممَّن عليه، ولا ممَّن يَدْفَعُ عنه (14)، فلم يكُنْ فيها رُجُوعٌ، كما لو أَبْرَأَهُ من الدَّيْنِ، وحَدِيثُ عُثمانَ لم يَصِحَّ، يَرْوِيهِ خَالِدُ بن جَعْفَرٍ عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّةَ عن عثمانَ، ولم يَصِحَّ سَمَاعُه منه، وقد رُوِىَ أنَّه قال: في حَوَالَةٍ أو كَفَالَةٍ. وهذا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ، ولا يَصِحُّ، ولو صَحَّ كان قولُ علىٍّ مُخالِفًا له. وقولُهم: إنَّه مُعَاوَضَةٌ. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُفْضِى إلى بَيْعِ الدَّيْنِ بالدَّيْنِ، وهو مَنْهِىٌّ عنه، ويُفَارِقُ المُعَاوَضَةَ بالثَّوْبِ؛ لأنَّ فى ذلك قَبْضًا يَقِفُ اسْتِقْرَارُ العَقْدِ عليه، وهاهُنا الحَوَالَةُ بمَنْزِلَةِ القَبْضِ، وإلَّا كان بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.
(10) سقط من: ب.
(11)
سقط من: أ. وهو في الأصل، ب، م، وفي م زيادة:"في" في أوله خطأ.
(12)
التوى: الهلاك.
(13)
في ب: "لأجل".
(14)
في ب: "عليه".