الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّفِيعَ يُبْطِلُ الهِبَةَ، ويَأْخُذُ الشِّقْصَ بحُكْمِ العَقْدِ الأوَّلِ، ولو لم يكن وَهَبَ، كان الثمنُ له، كذلك بعدَ الهِبَةِ المَفْسُوخةِ.
فصل:
فإن جَعَلَه صَدَاقًا، أو عِوَضًا في خُلْعٍ أو صُلْحٍ عن دَمٍ (11) عَمْدٍ، انْبَنَى ذلك على الوَجْهَيْنِ في الأَخْذِ بالشُّفْعةِ.
فصل (12): فإن قايَلَ البائِعُ المُشْتَرِىَ، أو رَدَّه (13) عليه بِعَيْبٍ، فلِلشَّفِيعِ فَسْخُ الإِقَالةِ والرَّدِّ، والأخْذُ بالشُّفْعةِ؛ لأنَّ حَقَّهُ سابِقٌ عليهما، ولا يُمْكِنُه الأَخْذُ معهما. وإن تَحالَفَا على الثّمَنِ، وفَسَخَا البَيْعَ، فلِلشَّفِيعِ أن يَأْخُذَ الشِّقْصَ بما حَلَفَ عليه البائِعُ؛ لأنَّ البائِعَ مُقِرٌّ بالبَيْعِ بالثمنِ الذي حَلَفَ عليه، ومُقِرٌّ لِلشَّفِيعِ باسْتِحْقاقِ الشُّفْعةِ بذلك، فإذا بَطَلَ حَقُّ المُشْتَرِى بإنْكارِه، لم يَبْطُلْ حَقُّ الشَّفِيعِ بذلك، وله أن يُبْطِلَ فَسْخَهُما ويَأْخُذَ؛ لأنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ.
فصل: وإن اشْتَرَى شِقْصًا بِعَبْدٍ، ثم وَجَدَ بائِعُ الشِّقْصِ بالعَبْدِ عَيْبًا، فله رَدُّ العَبْدِ واسْتِرْجاعُ الشِّقْصِ، ويُقَدَّمُ على حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لأنَّ في تَقْدِيِم حَقِّ الشَّفِيعِ إضْرَارًا بالبائِعِ، بإسْقاطِ حَقِّه في (14) الفَسْخِ الذي اسْتَحَقَّه، والشُّفْعَةُ (15) تَثْبُتُ لإِزَالةِ الضَّرَرِ، فلا تَثْبُتُ على وَجْهٍ يَحْصُلُ بها الضَّرَرُ، فإن الضَّرَرَ لا يُزَالُ بالضَّرَرِ. وقال أصْحابُ الشّافِعِىِّ، في أحدِ الوَجْهَيْنِ: يُقَدَّمُ حَقُّ الشَّفِيعِ؛ لأنَّ حَقَّه أسْبَقُ، فوَجَبَ تَقْدِيمُه، كما لو وَجَدَ المُشْتَرِى بالشِّقْصِ عَيْبًا فرَدَّهُ. ولَنا، أنَّ في الشُّفْعةِ إبْطالَ حَقِّ البائِعِ، وحَقُّه أسْبَقُ؛ لأنَّه اسْتَنَدَ إلى وُجُودِ العَيْبِ، وهو مَوْجُودٌ حالَ البَيْعِ، والشُّفْعةُ ثَبَتَتْ بالبَيْعِ، فكان حَقُّ البائِعِ سابِقًا، وفى الشُّفعةِ إِبْطالُه، فلم تَثْبُتْ، ويُفارِقُ (16) ما
(11) سقط من: الأصل، ب.
(12)
سقط من: م.
(13)
في الأصل، ب:"رد".
(14)
في الأصل، م:"من".
(15)
في م زيادة: "لا".
(16)
في ب: "وفارق".
إذا كان الشِّقْصُ مَعِيبًا، فإنَّ حَقَّ المُشْتَرِى إنَّما هو في اسْتِرْجاعِ الثمَنِ، وقد حَصَلَ له من الشَّفِيعِ، فلا فائِدَةَ في الرَّدِّ، وفي مَسْأَلَتِنا حَقُّ البائِعِ في اسْتِرْجاعِ الشِّقْصِ، ولا يَحْصُلُ ذلك مع الأَخْذِ بالشُّفْعةِ، فَافْتَرقَا. فإن لم يَرُدَّ البائِعُ [العَبْدَ المَعِيبَ](17) حتى أخَذَ الشَّفِيعُ، كان له رَدُّ العَبْدِ، ولم يَمْلِكْ اسْتِرْجاعَ المَبِيعِ؛ لأنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ بالأخْذِ، فلم يَمْلِك البائِعُ إبْطالَ مِلْكِه، كما لو باعَهُ المُشْتَرِى لأجْنَبِىٍّ، فإنَّ الشُّفْعةَ بَيْعٌ في الحَقِيقَةِ، ولكن يَرْجِعُ بقِيمَةِ الشِّقْصِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ التَّالِفِ، والمُشْتَرِى قد أخَذَ من الشَّفِيعِ قِيمَةَ العَبْدِ، فهل يَتَراجَعانِ؟ فيه وَجْهانِ؛ أحَدُهما، لا يَتَراجَعانِ؛ لأنَّ الشَّفِيعَ أخَذَ بالثَّمنِ الذي وَقَعَ عليه العَقْدُ، وهو قِيمَةُ العَبْدِ صَحِيحًا لا عَيْبَ فيه، بِدَلِيلِ أنَّ البائِعَ إذا عَلِمَ بالعَيْبِ مَلَكَ رَدَّه. ويَحْتَمِلُ أن يَأْخُذَه بقِيمَتِه مَعِيبًا؛ لأنَّه إنَّما أعْطَى عَبْدًا مَعِيبًا، فلا يَأْخُذُ قِيمَةَ غيرِ ما أَعْطَى. والثانى، يَتَراجَعانِ؛ لأنَّ الشَّفِيعَ إنَّما يَأْخُذُ بالثَّمنِ الذي اسْتَقَرَّ عليه العَقْدُ، والذي اسْتَقَرَّ عليه العَقْدُ قِيمَةُ الشِّقْصِ، فإذا قُلْنا: يَتَراجَعانِ. فأيُّهما كان ما دَفَعَهُ أَكْثَرَ، رَجَعَ بالفَضْلِ على صَاحِبِه، وإن لم يَرُدَّ البائِعُ العَبْدَ، ولكن أخَذَ أرْشَه، لم يَرْجِع المُشْتَرِى على الشَّفِيعِ بشيءٍ؛ لأنَّه إنَّما دَفَعَ إليه قِيمَةَ العَبْدِ غيرَ مَعِيبٍ. وإن أدَّى قِيمَتَه مَعِيبًا رَجَعَ المُشْتَرِى عليه، بما أدَّى من أَرْشِه. وإن عَفَا عنه، ولم يَأْخُذْ أرْشًا، لم يَرْجِع الشَّفِيعُ عليه بشيءٍ؛ لأنَّ البَيْعَ لازِمٌ من جِهَةِ المُشْتَرِى، لا يَمْلِكُ فَسْخَه، فأشْبَه ما لو حَطَّ عنه بعضَ الثمَنِ بعدَ لُزُومِ العَقْدِ. وإن عادَ الشِّقْصُ إلى المُشْتَرِى، بِبَيْعٍ أو هِبَةٍ أو إِرْثٍ أو غيرِه، فليس للشَّفِيعِ (18) أخْذُه بالبَيْعِ الأَوَّلِ؛ لأنَّ مِلْكَ المُشْتَرِى زالَ عنه، وانْقَطَعَ حَقُّه منه، وانْتَقَلَ حَقُّه إلى القِيمَةِ، فإذا أخَذَها لم يَبْقَ له حَقٌّ، بخِلَافِ ما لو غَصَبَ شَيْئًا لم يَقْدِرْ على رَدِّه، فأدَّى قِيمَتَهُ (19)، ثم
(17) في الأصل: "العيب".
(18)
في م: "للبائع".
(19)
في ب: "القيمة".