الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوَجْهَيْنِ ضَمَانَ الجُعْلِ في الجُعَالَةِ قبلَ العَمَلِ، وما وَجَبَ شَىْءٌ بعدُ. ومنها، أنَّ الضَّمَانَ إذا صَحَّ لَزِمَ الضَّامِنَ أدَاءُ ما ضَمِنَهُ، وكان للْمَضْمُونِ (15) له مُطَالَبَتُهُ. ولا نَعْلَمُ في هذا خِلَافًا. وهو فَائِدَةُ الضَّمانِ، وقد دَلَّ قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"والزَّعِيمُ غَارِمٌ". واشْتِقَاقُ اللَّفْظِ. ومنها، صِحَّةُ الضَّمَانِ عن كلِّ غَرِيمٍ (16) وَجَبَ عليه حَقٌّ، حَيًّا كان أو مَيِّتًا، مَلِيئًا أو مُفْلِسًا؛ لِعُمُومِ لَفْظِه فيه. وهذا قولُ أكْثَر أهْلِ العِلْمِ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَصِحُّ ضَمَانُ دَيْنِ المَيِّتِ، إلَّا أن يَخْلُفَ وَفَاءً، فإن خَلَفَ بعضَ الوَفَاءِ، صَحَّ ضَمَانُه بِقَدْرِ ما خَلَفَ؛ لأنَّه دَيْنٌ سَاقِطٌ، فلم يَصِحَّ ضَمَانُه، كما لو سَقَطَ بالإِبْرَاءِ، ولأنَّ ذِمَّتَهُ قد خَرِبَتُ خَرابًا لا تَعْمُرُ بعدَه، فلم يَبْقَ فيها دَيْنٌ، والضَّمَانُ: ضَمُّ ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ في الْتِزَامِه. ولَنا، حَدِيثُ أبى قَتادَةَ وعلىٍّ، فإنَّهما ضَمِنَا دَيْنَ مَيِّتٍ لم يَخْلُفْ وَفَاءً. والنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم حَضَّهُم على ضَمَانِه في حَدِيثِ أبى قَتادَةَ، بقولِه:"ألَا قَامَ أحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ؟ " وهذا صَرِيحٌ في المَسْأَلَةِ، ولأنَّه دَيْنٌ ثَابِتٌ، فصَحَّ ضَمانُه، كما لو خَلَفَ وَفَاءً، وَدَلِيلُ ثُبُوتِه أنَّه لو تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِقَضاءِ دَيْنِه، جَازَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ اقْتِضَاؤُه، ولو ضَمِنَهُ حَيًّا ثم مَاتَ، لم تَبْرَأْ ذِمَّةُ الضَّامِنِ، ولو بَرِئَتْ ذِمَّةُ المَضْمُونِ عنه بَرِئَتْ ذِمَّةُ الضَّامِنِ، وفى هذا انْفِصَالٌ عما ذَكَرُوهُ. ومنها، صِحَّةُ الضَّمَانِ في كلِّ حَقٍّ، أعْنِى من الحُقُوقِ المالِيَّةِ الوَاجِبَةِ، أو التي تَؤُولُ إلى الوُجُوبِ، كثَمَنِ المَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيَارِ وبعدَه، والأُجْرَةِ والمَهْرِ قبلَ الدُّخُولِ وبعدَه (17)؛ لأنَّ هذه الحُقُوقَ لَازِمَةٌ، وجَوازُ سُقُوطِها لا يَمْنَعُ ضَمَانَها، كالثَّمَنِ في المَبِيعِ بعدَ انْقِضَاءِ الخِيارِ، ويجوزُ أن يَسْقُطَ بِرَدِّهِ (18) بِعَيْبٍ أو مُقَايَلَةٍ. وبهذا كلِّه قال الشَّافِعِىُّ.
فصل:
فيما يَصِحُّ ضَمَانُه: ويَصِحُّ ضَمانُ الجُعْلِ في الجُعَالَةِ، وفى المُسَابَقَةِ
(15) في م: "المضمون".
(16)
في م: "من".
(17)
في الأصل، أ، م:"أو بعده".
(18)
في أ، م:"برد".
والمُناضَلَةِ. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ: لا يَصِحُّ ضَمَانُه؛ لأنَّه لا يَؤُولُ إلى اللُّزُومِ، فلم يَصِحّ ضَمَانُه، كمَالِ الكِتَابَةِ. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} . ولأنَّه يَؤُولُ إلى اللُّزوُمِ إذا عَمِلَ العَمَلَ، وإنَّما الذي لا يَلْزَمُ العَمَلُ، والمالُ يَلْزَمُ بِوُجُودِه، والضَّمَانُ لِلْمَالِ دون العَمَلِ. ويَصِحُّ ضَمَانُ أَرْشِ الجِنَايَةِ، سواءٌ كانت نُقُودًا كَقِيَمِ المُتْلَفَاتِ، أو حَيَوانًا كالدِّياتِ. وقال أصْحابُ الشَّافِعِىِّ: لا يَصِحُّ ضَمَانُ الحَيَوَانِ الواجِبِ فيها؛ لأنَّه مَجْهُولٌ. وقد مَضَى الدَّلِيلُ على صِحَّةِ ضَمَانِ المَجْهُولِ، ولأنَّ الإِبِلَ الوَاجبَةَ في الذِّمَّةِ مَعْلُومَةُ الأَسْنَانِ والعَدَدِ، وجَهَالَةُ اللَّوْنِ أو غيره من الصِّفَاتِ البَاقِيَةِ لا تَضُرُّ؛ لأنَّه إنما يَلْزَمُهُ أَدْنَى لَوْنٍ أو صِفَةٍ فتَحْصُلُ مَعْلُومَةً، وكذلك غيرُها من الحَيَوانِ، ولأنَّ جَهْلَ ذلك لم يَمْنَعْ وُجُوبَه بالإِتْلَافِ، فلم يَمْنَعْ وُجُوبَهُ بالالْتِزَامِ. ويَصِحُّ ضَمَانُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، سواءٌ كانت نَفَقَةَ يَوْمِها أو مُسْتَقْبَلَةً؛ لأنَّ نَفَقَةَ اليَوْمِ وَاجِبَةٌ، والمُسْتَقْبَلَةَ مآلُها إلى اللُّزُومِ، ويَلْزَمُه ما يَلْزَمُ الزَّوْجَ في قِيَاسِ المَذْهَبِ. وقال القاضِى: إذا ضَمِنَ نَفَقَةَ المُسْتَقْبَلِ، لم تَلْزَمْهُ إلَّا نَفَقَةُ المُعْسِرِ؛ لأنَّ الزِّيَادَةَ على ذلك تَسْقُطُ بالإِعْسَارِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ على القولِ الذي [قال فيه: يَصِحُّ] (19) ضَمَانُها. ولَنا، أنَّه يَصِحُّ ضَمانُ ما لم يَجِبْ، واحْتِمَالُ عَدَمِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ لا يَمْنَعُ صِحَّةَ ضَمَانِها، بِدَلِيلِ الجُعْلِ في الجُعَالَةِ، والصَّدَاقِ قبلَ الدُّخُولِ، والمَبِيعِ في مُدَّةِ الخِيَارِ. فأمَّا النَّفَقَةُ في الماضِى، فإن كانت وَاجِبَةً، إمَّا بِحُكْمِ الحَاكِمِ بها، أو قُلْنا: بِوُجُوبِها بدون حُكْمِه، صَحَّ ضَمَانُها، وإلَّا فلا. ويَصِحُّ ضَمَانُ مَالِ السَّلَمِ، في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. والأُخْرَى لا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى اسْتِيفَاءِ المُسْلَمِ فيه من (20) غيرِ المُسْلَمِ إليه، فلم يَجُزْ، كالحَوَالَةِ به. والأُولَى (21) أصَحُّ؛ لأنَّه دَيْنٌ لَازِمٌ فَصَحَّ ضَمَانُه، كالأُجْرَةِ وثَمَنِ المَبِيعِ. ولا يَصِحُّ ضَمَانُ مَالِ الكِتَابَةِ، في
(19) في ب: "فارقه بصحة".
(20)
سقط من: أ.
(21)
في م: "والأول".
إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ وأكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. والأُخْرَى: يَصِحُّ؛ لأنَّه دَيْنٌ على المُكَاتَبِ، فَصَحَّ ضَمَانُه، كسَائِرِ الدُّيُونِ عليه. والأُولَى أصَحُّ؛ لأنَّه ليس بِلازِمٍ. ولا مَآلُه إلى اللُّزُومِ، فإنَّ لِلْمُكَاتَبِ تَعْجِيزَ نَفْسِه، والامْتِنَاعَ من (22) أدَائِه، فإذا لم يَلْزَم الأَصِيلَ، فالضَّمِينُ أَوْلَى. ويَصِحُّ ضَمَانُ الأَعْيَانِ المَضْمُونَةِ، كالمَغْصُوبِ والعَارِيَّةِ. وبه قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ في أحَدِ القَوْليْنِ (23)، وقال في الآخَرِ: لا يَصِحُّ؛ لأنَّ الأَعْيانَ غيرُ ثَابِتَةٍ في الذِّمَّةِ، وإنما يُضْمَنُ ما ثَبَتَ في الذِّمَّةِ، وَوَصْفُنَا لها بالضَّمَانِ إنَّما مَعْناهُ أنه يَلْزَمُه قِيمَتُها إن تَلِفَتْ، والقِيمَةُ مَجْهُولَةٌ. ولَنا، أنَّها مَضْمُونَةٌ على مَن هي في يَدِه، فصَحَّ ضَمَانُها، كالحُقُوقِ الثَّابِتَةِ في الذِّمَّةِ. وقولُهم: إنَّ الأَعْيَانَ لا تَثْبُتُ في الذِّمَّةِ. قُلْنا: الضَّمَانُ في الحَقِيقَةِ إنَّما هو ضَمَانُ اسْتِنْقَاذِهَا وَرَدِّهَا، والْتِزَامُ تَحْصِيلِها أو قِيمَتِهَا عند تَلَفِهَا. وهذا ممَّا يَصِحُّ ضَمَانُه، كعُهْدَةِ المَبِيعِ، فإنَّ ضَمَانَها يَصِحُّ، وهو في الحَقِيقَةِ الْتِزَامُ رَدِّ الثمَنِ أو عِوَضِه، إن ظَهَرَ بالبَيْعِ عَيْبٌ، أو خَرَجَ مُسْتَحَقًّا، فأمَّا الأَمَانَاتُ، كالوَدِيعَةِ، والعَيْنِ المُؤْجَرَةِ، والشَّرِكَةِ، والمُضَارَبَةِ، والعَيْنِ التي يدْفَعُها إلى القَصَّارِ والخَيَّاطِ، فهذه إن ضَمِنَها من غيرِ تَعَدٍّ فيها، لم يَصِحّ ضَمَانُها؛ لأنَّها غيرُ مَضْمُونَةٍ على مَن هي في يَدِه، فكذلك على ضَامِنِه (24). وإن ضَمِنَها إن تَعَدَّى فيها، فظَاهِرُ كلامِ أحمدَ، رحمه الله، يَدُلُّ على صِحَّةِ الضَّمَانِ؛ فإنَّه قال في رِوَايَةِ الأَثْرَمِ، في رَجُلٍ يَتَقَبَّلُ من النّاسِ الثِّيَابَ، فقال له رَجُلٌ: ادْفَعْ إليه ثِيَابَكَ، وأنا ضَامِنٌ. فقال له (25): هو ضَامِنٌ لما دَفَعَهُ إليه. يَعْنِى إذا تَعَدَّى أو تَلِفَ بِفِعْلِه. فعلى هذا إن تَلِفَ بغير تَفْرِيطٍ منه ولا فِعْلِه، لم يَلْزَمِ الضَّامِنَ شَيْءٌ، لما ذَكَرْنَا، وإن تَلِفَ بِفِعْلِه أو تَفْرِيطٍ لَزِمَهُ ضَمَانُها، ولَزِمَ ضَامِنَهُ ذلك؛ لأنَّها مَضْمُونَةٌ على مَن هي في
(22) في م: "عن".
(23)
في أ، ب:"الوجهين".
(24)
في م: "ضامنها".
(25)
سقط من: ب.
يَدِه، فَلَزِمَ (26) ضَامِنهُ، كالغُصُوبِ (27) والعَوَارِى. وهذا في الحَقِيقَةِ ضَمَانُ ما لم يَجِبْ، وقد بَيَّنَّا جَوَازَهُ. ويَصِحُّ ضَمَانُ عُهْدَةِ المَبِيعِ عن البَائِعِ لِلْمُشْتَرِى، وعن المُشْتَرِى لِلْبَائِعِ، فضَمَانُه على المُشْتَرِى هو أن يَضْمَنَ الثَّمَنَ الوَاجِبَ بالبَيْعِ قبل تَسْلِيمِه، وإن ظَهَرَ فيه عَيْبٌ أو اسْتُحِقَّ، رَجَعَ بذلك على الضَّامِنِ، وضَمَانُه عن البَائِعِ لِلْمُشْتَرِى هو أن يَضْمَنَ عن البائِعِ الثمَنَ متى خَرَجَ المَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، أو رُدَّ بِعَيْبٍ، أو أَرْشِ العَيْبِ. فَضَمَانُ العُهْدَةِ في المَوْضِعَيْنِ هو ضَمَانُ الثَّمَنِ أو جُزْءٍ منه عن أحَدِهِمَا لِلآخَرِ. وحَقِيقَةُ العُهْدَةِ الكِتَابُ الذي يَكْتُبُ فيه وَثِيقَةَ البَيْعِ، ويَذْكُرُ فيه الثَّمَنَ، فَعُبِّرَ به عن الثَّمَنِ الذي يَضْمَنُه. وممن أجازَ ضَمانَ العُهْدَةِ في الجملة أبو حنيفةَ، ومالِكٌ، والشَّافِعِىُّ. ومَنَعَ منه بعضُ الشَّافِعِيَّةِ؛ لكَوْنِه ضَمَانَ ما لم يَجِبْ، وضَمَانَ مَجْهُولٍ، وضَمَان عينٍ. وقد بَيَّنَّا جَوَازَ الضَّمَانِ في ذلك كلِّه. ولأنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلى الوَثِيقَةِ على البائِعِ، والوَثَائِقُ ثَلَاثَةٌ؛ الشَّهَادَةُ، والرَّهْنُ، والضَّمَانُ. فأمَّا الشَّهَادَةُ فلا يُسْتَوْفَى منها الحَقُّ، وأما الرَّهْنُ فلا يجوزُ في ذلك بالإِجْمَاعِ؛ لأنَّه يُؤَدِّى إلى أن يَبْقَى أبَدًا مَرْهُونًا، فلم يَبْقَ إلَّا الضَّمَانُ. ولأنَّه لا يَضْمَنُ إلَّا ما كان وَاجِبًا حالَ العَقْدِ؛ لأنَّه إنما يَتَعَلَّقُ بالضَّمَانِ حُكْمٌ إذا خَرَجَ مُسْتَحَقًّا أو مَعِيبًا حالَ العَقْدِ، ومتى كان كذلك، فقد ضَمِنَ ما وَجَبَ حين العَقْدِ، والجَهَالَةُ مُنْتَفِيَةٌ؛ لأنَّه ضَمِنَ الجُمْلَةَ، فإذا خَرَجَ بعضُه مُسْتَحَقًّا، لَزِمَهُ بعضُ ما ضَمِنَهُ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يَصِحُّ ضَمَانُ العُهْدَةِ عن البائِعِ لِلْمُشْتَرِى قبلَ قَبْضِ الثَّمَنِ وبعدَه. وقال الشَّافِعِىُّ: إنَّما يَصِحُّ بعدَ القَبْضِ؛ لأنَّه قبلَ القَبْضِ لو خَرَجَ مُسْتَحَقًّا لم يَجِبْ على البائِعِ شيءٌ. وهذا يَنْبَنِى على ضَمَانِ ما لم يَجِبْ إذا كان مُفْضِيًا إلى الوُجُوبِ، كالجُعَالَةِ. وأَلْفاظُ ضَمانِ العُهْدَةِ أن يقولَ: ضَمِنْتُ عُهْدَتَه أو ثَمَنَهُ أو دَرَكَهُ. أو يقولَ لِلْمُشْتَرِى: ضَمِنْتُ خَلَاصَكَ منه. أو يقولَ: متى خَرَجَ المَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فقد ضَمِنْتُ لك الثَّمَنَ. وحُكِىَ عن أبي يوسفَ، أنَّه قال: ضَمِنْتُ
(26) في ب: "فلزمه".
(27)
في ب: "كالمغصوب".
[عُهْدَته، أو ضَمِنْتُ](28) لك العُهْدَةَ. والعُهْدَةُ في الحَقِيقَةِ: هي الصَّكُّ المَكْتُوبُ فيه الابْتِيَاعُ. هكذا فَسَّرَهُ به أهْلُ اللُّغَةِ، فلا يَصِحُّ ضَمانُه لِلْمُشْتَرِى؛ لأنَّه مِلْكُه، وليس بِصَحِيحٍ؛ لأنَّ العُهْدَةَ صَارَتْ في العُرْفِ عِبارَةً عن الدَّرَكِ وضَمَانِ الثَّمَنِ، والكَلَامُ المُطْلَقُ يُحْمَلُ على الأَسْمَاءِ العُرْفِيَّةِ دون اللُّغَوِيَّةِ، كالرَّاوِيَةِ، تُحْمَلُ (29) عند إطْلَاقِهَا على الْمَزادَةِ، لا على الجَمَلِ، وإن كان هو المَوْضُوعَ. فأمَّا إن ضَمِنَ له خَلاصَ المَبِيعِ، فقال أبو بكرٍ: هو بَاطِلٌ؛ لأنَّه إذا خَرَجَ حُرًّا أو مُسْتَحَقًّا، لا يَسْتَطِيعُ تَخْلِيصَه، ولا يَحِلُّ. وقد قال أحمدُ، في رَجُلٍ بَاعَ عَبْدًا أو أَمَةً، وضَمِنَ له الخَلَاصَ، فقال: كيف يَسْتَطِيعُ الخَلَاصَ إذا خَرَجَ حُرًّا؟ فإن ضَمِنَ عُهْدَةَ المَبِيعِ وخَلَاصَه، بَطَلَ في الخَلاصِ. وهل يَصِحُّ في العُهْدَةِ؟ على وَجْهَيْنِ، بِناءً على تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. إذا ثَبَتَ صِحَّةُ ضَمَانِ العُهْدَةِ، فالكلامُ فيما يَلْزَمُ الضَّامِنَ، فنقولُ: إنَّ اسْتِحْقَاقَ رُجُوعِ المُشْتَرِى بالثمَنِ لا يَخْلُو، إمَّا أن يكونَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ بعدَ العَقْدِ، أو مُقَارِنٍ له، فأمَّا الحادِثُ فمثلُ (30) تَلَفِ المَبِيعِ من المَكِيلِ والمَوْزُونِ (31) في يَدِ البائِعِ أو بِغَصْبٍ من يَدِه أو يَتَقَايلَانِ، فإن المُشْتَرِىَ يَرْجِعُ على البائِعِ دون الضَّامِنِ؛ لأنَّ هذا الاسْتِحْقَاقَ لم يكُنْ مَوْجُودًا حالَ العَقْدِ، وإنَّما ضَمِنَ الاسْتِحْقاقَ المَوْجُودَ حالَ العَقْدِ. ويَحْتَمِلُ أن يَرْجِعَ به على الضَّامِنِ؛ لأنَّ ضَمَانَ ما لم يَجِبْ جَائِزٌ، وهذا منه. وأمَّا إن كان بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ، نَظَرْنَا؛ فإن كان بِسَبَبٍ لا تَفْرِيطَ من البائِعِ فيه، كأخْذِه بالشُّفْعَةِ، فإنَّ المُشْتَرِىَ يَأْخُذُ الثمَنَ من الشَّفِيعِ ولا يَرْجِعُ على البائِعِ ولا الضَّامِنِ. ومتى لم يَجِبْ على المَضْمُونِ عنه شيءٌ، لم يَجِبْ على الضَّامِنِ بِطَرِيقِ الأَوْلَى. وأمَّا إن زَالَ مِلْكُه عن المَبِيعِ بِسَبَبٍ مُقَارِنٍ لِتَفْرِيطٍ من البَائِعِ، بِاسْتحْقَاقٍ أو حُرِّيَّةٍ أو رَدٍّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ، فله الرُّجُوعُ إلى الضَّامِنِ، وهذا ضَمَانُ العُهْدَةِ، وإن أرادَ أخْذَ أَرْشِ العَيْبِ، رَجَعَ على الضَّامِنِ
(28) سقط من: م.
(29)
في ب: "وتحمل".
(30)
في الأصل: "قبل".
(31)
في م: "أو الموزون".