الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه من طَرِيقِ العادَةِ. ولَنا، أنَّه لم يَرُدَّهَا إلى مَالِكِها، ولا نَائِبِه فيها، فلم يَبْرَأْ منها كما لو دَفَعَها إلى أَجْنَبِىٍّ. وما ذَكَرَهُ يَبْطُلُ بالسَّارِقِ إذا رَدَّ المَسْرُوقَ إلى الحِرْزِ، ولا تُعْرَفُ العَادَة التي ذَكَرَها. وإن رَدَّهَا إلى مَنْ جَرَتْ عَادَتُه بِجَرَيانِ ذلك على يَدَيْهِ، كَزَوْجَتِه المُتَصَرِّفَةِ في مالِه، ورَدِّ الدَّابّةِ إلى سَائِسِها، فقِيَاسُ المَذْهَبِ أنَّه يَبْرَأُ. قالَه القاضي؛ لأنَّ أحمدَ قال في الوَدِيعَةِ: إذا سَلَّمَها المُودعُ إلى امْرأتِه، لم يَضْمَنْها. ولأنَّه مَأْذُونٌ في ذلك عُرْفًا، أشْبَهَ ما لو أُذِنَ فيه نُطْقًا. ومُؤْنَةُ الرَّدِّ على المُسْتَعِيرِ؛ لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"العَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ". وقوله: "عَلَى اليَدِ ما أخَذَتْ حتى تُؤَدِّيَهُ"(24). وعليه رَدُّها إلى المَوْضِعِ الذي أخَذَها منه؛ إلَّا أن يَتَّفِقَا على رَدِّها إلى غيرِه؛ لأنَّ ما وَجَبَ رَدُّهُ، لَزِمَ رَدُّه إلى مَوْضِعِه، كالمَغْصُوبِ.
فصل:
ولا تَصِحُّ العارِيَّةُ إلَّا من جائِزِ التَّصَرُّفِ؛ لأنَّه تَصَرُّفٌ في المالِ، فأشْبَهَ التَّصَرُّفَ بالبَيْعِ. وتُعْقَدُ بكلِّ فِعْلٍ أو لَفْظٍ يَدُلُّ عليها، مثل قوله: أعَرْتُكَ هذا. أو يَدْفَعُ إليه شيئا، ويقول: أبَحْتُكَ الانْتِفَاعَ به. أو خُذْ هذا فانْتَفِعْ به. أو يقول: أَعِرْنِى هذا. أو أَعْطِنِيه أرْكَبْه أو أَحْمِلْ عليه. ويُسَلِّمُه إليه. وأشْبَاه هذا؛ لأنَّه إبَاحَةٌ لِلتَّصَرُّفِ، فصَحَّ بالقولِ والفِعْلِ الدّالِّ عليه، كإِبَاحَةِ الطَّعَامِ بِقَوْلِه وتَقْدِيمِه إلى الضَّيْفِ.
فصل: وتجوزُ إعَارَةُ كلِّ عَيْنٍ يُنْتَفَعُ بها مَنْفَعَةً مُبَاحَةً مع بَقَائِها على الدَّوَامِ، كالدُّورِ، والعَقَارِ، والعَبِيدِ، والجَوَارِى، والدَّوَابِّ، والثِّيَابِ، والحَلْىِ لِلُّبْسِ، والفَحْلِ لِلضِّرَابِ، والكَلْبِ للصَّيْدِ، وغيرِ ذلك؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ أَدْرُعًا (25)، وذَكَرَ إعَارَةَ دَلْوِهَا وفَحْلِها. وذَكَرَ ابنُ مَسْعُودٍ عَارِيَّةَ القِدْرِ والمِيزَانِ، فيَثْبُتُ الحُكْمُ في هذه الأَشْيَاءِ، وما عداها مَقِيسٌ عليها إذا كان في مَعْناها. ولأنَّ ما جَازَ لِلْمالِكِ اسْتِيفَاؤُه
(24) في الأصل: "ترده". وتقدم في أول الباب.
(25)
في الأصل: "أدراعا".