الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الِوَكالةِ
وهى جائِزَةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإِجْماعِ؛ أمَّا الكِتابُ فقولُ اللهِ تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} (1). فجَوَّزَ العَمَلَ عليها، وذلك بحُكْمِ النِّيَابةِ عن المُسْتَحِقِّينَ، وأيضا قولُه تعالى:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} (2). وهذه وَكَالةٌ. وأما السُّنَّةُ، فرَوَى أبو دَاوُدَ، والأَثْرَمُ، وابنُ مَاجَه (3)، عن الزُّبَيْرِ بن الْخِرِّيتِ، عن أبي لَبِيدٍ لِمَازَةَ بن زَبَّارٍ، عن عُرْوَةَ بن الجَعْدِ قال: عَرَضَ للنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم جَلَبٌ، فأعْطَانِى دِينَارًا، فقال:"يَا عُرْوَةُ، ائْتِ الجَلَبَ، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً". قال: فأتَيْتُ الجَلَبَ، فسَاوَمْتُ صَاحِبَه، فاشْتَرَيْتُ شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فجِئْتُ أسُوقُهُما، أو أقُودُهُما، فلَقِيَنِى رَجُلٌ بالطَّرِيقِ، فسَاوَمَنِى، فَبِعْتُ منه شَاةً بِدِينَارٍ، فأتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم بالدِّينارِ وبالشَّاةِ (4). فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، هذا دِينَارُكم، وهذه شَاتُكم. قال:"وصَنَعْتَ كَيْفَ؟ ". قال: فحَدَّثْتُه الحَدِيثَ. قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُ في صَفْقَةِ يَمِينِه". هذا لَفْظُ رِوَايةِ الأَثْرَمِ. ورَوَى أبو دَاوُدَ (5)، بإسْنادِه عن جابِرِ بن عبدِ اللَّه، قال: أرَدْتُ الخُرُوجَ إلى خَيْبَر، فأتَيْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلتُ له (6): إنِّي أرَدْتُ الخُرُوجَ إلى خَيْبَرٍ. فقال: "ائْتِ وَكِيلِى، فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا، فَإنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيةً، فَضَعْ يَدَكَ
(1) سورة التوبة 60.
(2)
سورة الكهف 19.
(3)
تقدم تخريجه في: 6/ 295.
(4)
في الأصل: "والشاة".
(5)
في: باب في الوكالة، من كتاب الأقضية. سنن أبي داود 2/ 282.
(6)
سقط من: الأصل.
عَلَى تَرْقُوَتِهِ". ورُوِىَ عنه صلى الله عليه وسلم، أنَّه وَكَّلَ عَمْرَو بن أُمَيَّةَ الضَّمْرِىَّ، في قَبُولِ نِكَاحِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وأبا رَافِعٍ في قَبُولِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ (7). وأجْمَعَتِ الأُمَّةُ على جَوَازِ الوَكَالَةِ في الجُمْلَةِ. ولأنَّ الحاجَةَ دَاعِيَةٌ إلى ذلك؛ فإنَّه لا يُمْكِنُ كلَّ واحدٍ فِعْلُ ما يَحْتَاجُ إليه، فدَعَتِ الحاجَةُ إليها.
فصل: وكلُّ مَن صَحَّ تَصَرُّفُه في شيءٍ بِنَفْسِه، وكان ممَّا تَدْخُلُه النِّيابَةُ، صَحَّ أن يُوَكِّلَ فيه رَجُلًا كان (8) أو امْرَأةً، حُرًّا كان (8) أو عَبْدًا، مُسْلِمًا كان أو كافِرًا. وأمَّا من يَتَصَرَّفُ بالإِذْنِ، كالعَبْدِ المَأْذُونِ له، والوَكِيلِ، والمُضَارِبِ، فلا يَدْخُلُون (9) في هذا. لكنْ يَصِحُّ من العَبْدِ التَّوْكِيلُ فيما يَمْلِكُه دون سَيِّدِه، كالطَّلَاقِ والخُلْعِ. [وكذلك الحُكْمُ في المَحْجُورِ عليه لِسَفَهٍ، لا يُوَكّلُ إلَّا فيما له فِعْلُه، من الطَّلَاقِ والخُلْعِ](10)، وطَلَبِ القِصَاصِ، ونحوِه. وكلُّ ما يَصِحُّ (11) أن يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِه، وتَدْخُلُه النِّيَابَةُ، صَحَّ أن يَتَوَكَّلَ لغيرِه فيه، إلَّا الفاسِقَ، فإنَّه يَصِحُّ أن يَقْبَلَ النِّكَاحَ لِنَفْسِه. وذَكَرَ القاضي أنَّه لا يَصِحُّ أن يَقْبَلَهُ لغيرِه. وكلامُ أبى الخَطَّابِ يَقْتَضِى جَوازَ ذلك. وهو القِيَاسُ. ولأَصْحابِ الشّافِعِىِّ في ذلك وَجْهانِ، كهذَيْنِ. فأمَّا تَوْكِيلُه في الإِيجابِ، فلا يجوزُ إلَّا على الرِّوَايةِ التي تُثْبِتُ الوِلَايَةَ له. وذَكَرَ أصْحابُ الشّافِعِىِّ في ذلك وَجْهَيْنِ؛ أحدَهما: يجوزُ تَوْكِيلُه؛ لأنَّه ليس بِوَلِىٍّ. وَوَجْهُ الوَجْهِ الآخَرِ، أنَّه مُوجِبٌ لِلنَّكَاحِ، أشْبَهَ الوَلِىَّ. ولأنَّه لا يجوزُ أن يَتَوَلَّى ذلك بِنَفْسِه، فلم يَجُزْ أن يَتَوَكَّلَ فيه، كالمَرْأةِ. ويَصِحُّ تَوْكِيلُ المَرْأةِ في طَلَاقِ نَفْسِها، وطَلَاقِ غيرِها. ويَصِحُّ تَوْكِيلُ العَبْدِ في قَبُولِ النِّكَاحِ؛ لأنَّه ممَّن يجُوزُ أن يَقْبَلَه لِنَفْسِه؛ وإنَّما يَقِفُ ذلك على إِذْنِ سَيِّدِه، لِيَرْضَى
(7) ذكرهما الحافظ ابن حجر في: كتاب الوكالة. تلخيص الحبير 3/ 50.
(8)
سقط من: م.
(9)
في الأصل: "يدخل".
(10)
سقط من: ب.
(11)
في الأصل: "صح".
بِتَعَلُّقِ الحُقُوقِ به. ومَن لا يَمْلِكُ. التَّصَرُّفَ في شيءٍ لِنَفْسِه، لا يَصِحُّ أن يَتَوَكَّلَ فيه، كالمَرْأةِ في عَقْدِ النِّكاحِ وقَبُولِه، والكافِرِ في تَزْوِيج مُسْلِمَة، والطِّفْلِ والمَجْنُون في الحُقُوقِ كلِّها.
فصل: ولِلمُكَاتَبِ أن يُوَكّلَ فيما يَتَصَرَّفُ فيه بِنَفْسِه. وله أن يَتوَكَّلَ بجُعْلٍ، لأنَّه من اكْتِسَابِ المالِ. ولا يُمْنَعُ المُكَاتَبُ من الاكْتِسَابِ، وليس له أن يَتَوَكَّلَ لغيرِه بغيرِ جُعْلٍ، إلا بإِذْنِ سَيِّدِه؛ لأنَّ مَنَافِعَه كأعْيانِ مالِه، وليس له بَذْلُ عَيْنِ مالِه بغيرِ عِوَضٍ. ولِلْعَبْدِ أن يَتَوَكَّلَ بإِذْنِ سَيِّدِه، وليس له التَّوْكِيلُ بغيرِ إِذْنِ سَيِّدِه، وإن كان مَأْذُونًا له في التِّجَارةِ؛ لأنَّ الإِذْنَ في التِّجَارةِ لا يَتَناوَلُ التَّوْكِيلَ. وتَصِحُّ وَكَالَةُ الصَّبِىِّ المُرَاهِقِ، إذا أَذِنَ له الوَلِىُّ؛ لأنَّه مِمَنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُه.
840 -
مسألة؛ قال: (ويَجُوزُ التَّوْكِيلُ في الشِّرَاءِ والْبَيْعِ، ومُطَالَبةِ (1) الحُقُوقِ، والْعِتْقِ والطَّلَاقِ، حَاضِرًا كَانَ المُوَكِّلُ أو غَائِبًا)
لا نَعْلَمُ خِلَافًا في جَوازِ التَّوْكِيلِ في البَيْعِ والشِّراءِ. وقد ذَكَرْنا الدَّلِيلَ عليه من الآيةِ والخَبَرِ، ولأنَّ الحاجةَ داعِيَةٌ إلى التَّوْكِيلِ فيه؛ لأنَّه قد يكونُ مِمَّنْ لا يُحْسِنُ البَيْعَ والشِّرَاءَ، أو لا يُمْكِنُه الخُرُوجُ إلى السُّوقِ. وقد يكونُ له مالٌ ولا يُحْسِنُ التِّجَارةَ فيه، وقد يُحْسِنُ ولا يَتَفَرَّغُ، وقد لا تَلِيقُ به التِّجَارَةُ لكَوْنِه امْرَأةً، أو ممَّن يَتَعَيَّرُ بها، ويَحُطُّ ذلك من مَنْزِلَتِه، فأبَاحَها الشَّرْعُ دَفْعًا للحاجَةِ، وتَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ الآدَمِىِّ المَخْلُوقِ لِعِبَادَةِ اللَّه سُبْحانَهُ. ويجوزُ التَّوْكِيلُ في الحَوَالةِ، والرَّهْنِ، والضَّمَانِ، والكَفَالةِ، والشَّرِكَةِ، والوَدِيعَةِ، والمُضَارَبةِ، والجَعَالَةِ، والمُسَاقاةِ، والإِجَارَةِ، والقَرْضِ، والصُّلْحِ، والوَصِيَّةِ، والهِبَةِ، والوَقْفِ، والصَّدَقَةِ، والفَسْخِ، والإِبْراءِ؛ لأنَّها في مَعْنَى البَيْعِ في الحاجَةِ إلى التَّوْكِيلِ فيها، فيَثْبُتُ فيها حُكْمُه. ولا نَعْلَمُ في شيءٍ من
(1) في الأصل: "وبمطالبة".