الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإن انْفَسَخَ القِرَاضُ، والمالُ دَيْنٌ، لَزِمَ العامِلَ تَقَاضِيه، سواءٌ ظَهَرَ في المالِ رِبْحٌ أو لم يَظْهَرْ. وبهذا قال الشّافِعِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: إن ظَهَرَ رِبْحٌ، لَزِمَهُ تَقَاضِيه، وإن لم يَظْهَرْ رِبْحٌ، لم يَلْزَمْهُ تَقَاضِيه؛ لأنَّه لا غَرَضَ له في العَمَلِ، فهو كالوَكِيلِ. ولَنا، أن المُضَارَبةَ تَقْتَضِى رَدَّ رَأْسِ المالِ على صِفَتِه، والدُّيُونُ لا تَجْرِى مَجْرَى النَّاضِّ، فلَزِمَه أن يَنِضَّه، كما لو ظَهَرَ في المالِ رِبْحٌ، وكما لو كان رَأْسُ المالِ عَرْضًا. ويُفَارِقُ الوَكِيلَ؛ فإنَّه لا يَلْزَمُهُ رَدُّ المالِ كما قَبَضَهُ، ولهذا لا يَلْزَمُه بَيْعُ العُرُوضِ (7). ولا فَرْقَ بين كَوْنِ الفَسْخِ من العامِلِ أو رَبِّ المالِ، فإن اقْتَضَى منه قَدْرَ رَأْسِ المالِ، أو كان الدَّيْنُ قَدْرَ الرِّبْحِ، أو دُونَه، لَزِمَ العامِلَ تَقَاضِيه أيضًا؛ لأنَّه إنَّما يَسْتَحِقُّ نَصِيبَه من الرِّبْحِ عندَ وُصُولِه إليهما على وَجْهٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُه، وَوُصُولُ كلِّ واحدٍ منهما إلى حَقِّه منه، ولا يَحْصُلُ ذلك إلَّا بعدَ تَقَاضِيه.
فصل: وأىُّ المُتَقَارِضَيْنِ ماتَ أو جُنَّ، انْفَسَخَ القِرَاضُ؛ لأنَّه عَقْدٌ جائِزٌ، فانْفَسَخَ بمَوْتِ أحَدِهِما وجُنُونِه، كالتَّوْكِيلِ. فإن كان المَوْتُ أو الجُنُونُ برَبِّ المالِ، فأرَادَ الوارِثُ أو وَلِيُّه إتْمَامَهُ، والمالُ ناضٌّ، جازَ، ويكونُ رَأْسُ المالِ وحِصَّتُه من الرِّبْحِ رَأْسَ المالِ، وحِصَّةُ العامِلِ من الرِّبْحِ شَرِكَةً له مُشاعٌ (8). وهذه الإِشَاعَةُ لا تَمْنَعُ؛ لأنَّ الشَّرِيكَ هو العامِلُ، وذلك لا يَمْنَعُ التَّصَرُّف. وإن كان المالُ عَرْضًا وأرَادُوا إتَمامَهُ، فظَاهِرُ كلامِ أحمدَ جَوَازُه؛ لأنَّه قال، في رِوَايةِ عليِّ بن سَعِيدٍ: إذا ماتَ رَبُّ المالِ، لم يَجُزْ لِلْعَامِلِ أن يَبِيعَ ولا يَشْتَرِىَ (9) إلَّا بإذْنِ الوَرَثَةِ. فظاهِرُ هذا بَقاءُ العامِلِ على قِرَاضِه، وهو مَنْضُوصُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ هذا إتْمَامٌ لِلْقِرَاضِ (10) لا ابْتِدَاءٌ له، ولأنَّ القِرَاضَ إنَّما مُنِعَ منه (11) في العُرُوضِ؛ لأنَّه يَحْتَاجُ عندَ المُفَاصَلَةِ إلى رَدِّ مِثْلِها أو قِيمَتِها، ويَخْتَلِفُ ذلك
(7) في الأصل: "المعروض".
(8)
في م: "مشاعة".
(9)
في الأصل: "ويشترى".
(10)
في أ، ب:"القراض".
(11)
سقط من: م.
باخْتِلافِ الأَوْقاتِ، وهذا غيرُ مَوْجُودٍ ههُنا؛ لأنَّ رَأْسَ المالِ غيرُ العُرُوضِ، وحُكْمُه باقٍ، ألا تَرَى أنَّ لِلْعامِلِ أن يَبِيعَهُ لِيُسَلِّمَ رَأْسَ المالِ ويَقْسِمَ الباقِىَ وذَكَرَ القاضي وَجْهًا آخَرَ، أنَّه لا يجوزُ؛ لأنَّ القِرَاضَ قد بَطَلَ بالمَوْتِ، وهذا ابْتِدَاءُ قِرَاضٍ على عُرُوضٍ. وهذا الوَجْهُ أقْيَسُ؛ لأنَّ المالَ لو كان نَاضًّا كان ابْتدَاءَ قِرَاضٍ، وكانت حِصَّةُ العامِلِ من الرِّبْحِ شَرِكَةً له يَخْتَصُّ بها دُونَ رَبِّ المالِ. وإن كان المالُ ناقصًا (12) بِخَسَارَةٍ أو تَلَفٍ، كان رَأْسُ المالِ المَوْجُودَ منه حالَ ابْتِداءِ القِرَاضِ، فلو جَوَّزْنا ابْتِدَاءَ القِرَاضِ ههُنا وبِنَاءَهما على القِرَاضِ، لَصارَتْ حِصَّةُ العامِلِ من الرِّبْحِ غيرَ مُخْتَصَّةٍ به، وحِصَّتُهما من الرِّبْحِ مُشْتَرَكَةً بينهما، وحُسِبَتْ عليه العُرُوضُ بأكْثَرَ من قِيمَتِها، فيما إذا كان المالُ نَاقِصًا، وهذا لا يجوزُ في القِرَاضِ بلا خِلَافٍ. وكلامُ أحمدَ يُحْمَلُ على أنَّه يَبِيعُ ويَشْتَرِى بإِذْنِ الوَرَثَةِ، كبَيْعِه وشِرَائِه بعدَ انْفِساخِ القِرَاضِ. فأمَّا إن ماتَ العامِلُ أو جُنَّ، وأرَادَ ابْتداءَ القِرَاضِ مع وارِثِه أو وَلِيِّه، فإن كان نَاضًّا، جازَ، كما قُلْنا فيما إذا ماتَ رَبُّ المالِ، وإن كان عَرْضًا، لم يَجُزِ ابْتِدَاءُ القِرَاضِ إلَّا على الوَجْهِ الذي يُجَوِّزُ ابْتِدَاءَ القِرَاضِ على العُرُوضِ، بأن تُقَوَّمَ العُرُوضُ، ويُجْعَلَ رَأْسُ المالِ قِيمَتها يَوْمَ العَقْدِ؛ لأنَّ الذي كان منه العَمَلُ قد ماتَ، أو جُنَّ، وذَهَبَ عَمَلُه، ولم يَخْلُفْ أصْلًا يَبْنِى عليه وارِثُه، بخِلَافِ ما إذا ماتَ رَبُّ المالِ، فإنَّ المالَ المُقَارَضَ عليه مَوْجُودٌ، ومَنَافِعَه مَوْجُودَةٌ، فأمْكَنَ اسْتِدامَةُ العَقْدِ، وبِنَاءُ الوَارِث عليه. وإن كان المالُ نَاضًّا، جَازَ ابْتِدَاءُ القِرَاضِ فيه إذا ابْتَدَءَا (13) ذلك، فإن لم يَبْتَدِئاهُ، لم يكُنْ لِلْوارِثِ شِرَاءٌ ولا بَيْعٌ؛ لأنَّ رَبَّ المالِ إنَّما رَضِىَ باجْتِهادِ مَوْرُوثِه (14)، فإذا لم يَرْضَ بِبَيْعِه، رَفَعَهُ إلى الحاكِمِ لِيَبِيعَهُ. فأمَّا إن كان المَيِّتُ رَبَّ المالِ، فليس لِلْعامِلِ الشِّرَاءُ؛ لأنَّ القِرَاضَ انْفَسَخَ. فأمَّا البَيْعُ، فإنَّ الحُكْمَ فيه وفى التَّقْوِيمِ واقْتِضَاءِ الدَّيْنِ، على ما ذَكَرْناهُ إذا فُسِخَتِ المُضَارَبةُ ورَبُّ المالِ حَىٌّ.
(12) في ب، م:"ناضا".
(13)
في، ب، م:"اختار".
(14)
في ب، م:"مورثه".