الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليس هذا شَرِكَةً، ولا مُضَارَبةً؛ لأنَّ شَرِكَةَ العِنَانِ تَقْتَضِى (11) أن يَشْتَرِكَا في المالِ والعَمَلِ، والمُضَارَبَةُ تَقْتَضِى أن لِلْعَامِلِ نَصِيبًا من الرِّبْحِ في مُقَابَلَةِ عَمَلِه، ولم يَجْعَلَا (12) له ههُنا في مُقَابَلَةِ عَمَلِه شيئا. وإنَّما جَعَلَا الرِّبْحَ على قَدْرِ المالَيْنِ، وعَمَلُهُ في نَصِيبِ صاحِبِه تَبَرُّعٌ، فيكونُ ذلك إِبْضَاعًا، وهو جائِزٌ إن لم يكُنْ ذلك عِوَضًا عن قَرْضٍ، فإن كان العامِلُ اقْتَرَضَ الأَلْفَ أو بَعْضَها من صاحِبِه، لم يَجُزْ؛ لأنَّه جَعَلَ عَمَلَهُ في مالِ صاحِبِه عِوَضًا عن قَرْضِه، وذلك غيرُ جائِزٍ. وأمَّا إذا اشْتَرَكَ بَدَنانِ بمالِ أحَدِهما، مثل أن يُخْرِجَ أحَدُهما أَلْفًا ويَعْمَلانِ جَمِيعًا فيه، فإنَّ لِلْعَامِلِ الذي لا مالَ له من الرِّبْحِ ما اتَّفَقَا عليه؛ لأنَّه مُضَارِبٌ مَحْضٌ، فأشْبَهَ ما لو لم يَعْمَلْ معه رَبُّ المالِ، فحَصَلَ ممَّا ذَكَرْنا أنَّ الرِّبْحَ بينهما على ما اصْطَلَحا عليه في جَمِيعِ أنْواعِ الشَّرِكَةِ، سواءٌ ما ذَكَرْنا في المُضَارَبةِ التي فيها شَرِكَةٌ على ما شَرَحْنا.
فصل:
ومن شَرْطِ صِحَّةِ المُضَارَبَةِ تَقْدِيرُ نَصِيبِ العامِلِ؛ لأنَّه يَسْتَحِقُّه بالشَّرْطِ، فلم يُقَدَّرْ إلَّا به. ولو قال: خُذْ هذا المالَ مُضَارَبةً. ولم يُسَمِّ للعامِلِ شيئا من الرِّبْحِ، فالرِّبْحُ كلُّه لِرَبِّ المالِ، والوَضِيعَةُ عليه، ولِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِه. نَصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ الثَّوْرِيِّ، والشَّافِعِىِّ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وأصْحَابِ الرَّأُىِ. وقال الحَسَنُ، وابنُ سِيرِينَ، والأَوْزَاعِىُّ: الرِّبْحُ بينهما نِصْفَيْنِ (13)، لأنَّه لو قال: والرِّبْحُ بَيْنَنا. لَكان بينهما نِصْفَيْنِ، فكذلك إذا لم يَذْكُرْ شيئا. ولَنا، أنَّ المُضَارِبَ إنَّما يَسْتَحِقُّ بالشَّرْطِ، ولم يُوجَدْ. وقولُه: مُضَارَبةً. اقْتَضَى أنَّ له جُزْءًا من الرِّبْحِ مَجْهُولًا، فلم تَصِحَّ المُضَارَبةُ (14)، كما لو قال: ولك جُزْءٌ من الرِّبْحِ. فأمَّا إذا قال: والرِّبْحُ بَيْنَنا. فإنَّ المُضَارَبةَ تَصِحُّ، ويكونُ بينهما نِصْفَيْنِ؛ لأنَّه أضَافَهُ إليهما إضَافَةً واحِدَةً، لم يَتَرَجَّحْ
(11) في ب، م:"تقضى".
(12)
في الأصل: "يجعل".
(13)
كذا على تقدير: يقسم الربح بينهما نصفين.
(14)
في م زيادة: "به".
فيها أحَدُهما على الآخَرِ، فاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ، كما لو قال: هذه الدَّارُ بَيْنِى وبَيْنَكَ. وإن قَدَّرَ نَصِيبَ العامِلِ، فقال: ولك ثُلُثُ الرِّبْحِ، أو رُبْعُه، أو جُزْءٌ مَعْلُومٌ، أىّ جُزْءٍ كان. فالباقِى لِرَبِّ المالِ؛ لأنَّه يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بمالِه، لكَوْنِه نَمَاءَهُ وفَرْعَهُ، والعامِلُ يَأْخُذُ بالشَّرْطِ، فما شُرِطَ له (15) اسْتَحَقَّهُ، وما بَقِىَ فلِرَبِّ المالِ بِحُكْمِ الأَصْلِ. وإن قَدَّرَ نَصِيبَ رَبِّ (16) المالِ، مثل أن يقولَ: ولِى ثُلُثُ الرِّبْحِ. ولم يَذْكُرْ نَصِيبَ العامِلِ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، لا يَصِحُ؛ لأنَّ العامِلَ إنَّما يَسْتَحِقُّ بالشَّرْطِ، ولم يُشْتَرَطْ له شَيءٌ، فتكونُ المُضَارَبَةُ فاسِدَةً. والثانى، يَصِحُّ، ويكون الباقِى لِلْعَامِلِ. وهذا قولُ أبى ثَوْرٍ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّ الرِّبْحَ لهما لا يَسْتَحِقُّه غيرُهما، فإذا قُدِّرَ نَصِيبُ أحَدِهما منه فالباقِى للآخَرِ من مَفْهُومِ اللَّفْظِ، كما عُلِمَ ذلك من قَوْلِه تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (17). ولم يَذْكُرْ نَصِيبَ الأَبِ، فعُلِمَ أنَّ الباقِىَ له. ولأنَّه لو قال: أَوْصَيْتُ بهذه المائةِ لِزَيْدٍ وعَمْرٍو. ونَصِيبُ زَيْدٍ منها ثَلَاثُون، كان الباقِى لِعَمْرٍو. كذا ههُنا. وإن قال: لي النَّصْفُ ولك الثُّلُثُ. وسَكَتَ عن السُّدُسِ، صَحَّ. وكان لِرَبِّ المالِ؛ لأنَّه لو سَكَتَ عن جَمِيعِ الباقِى بعد جُزْءِ العامِلِ كان لِرَبِّ المالِ؛ فكذلك إذا ذَكَرَ بعضَه وتَرَكَ بعضَه. وإن قال: خُذْهُ مُضَارَبةً على الثُّلُثِ أو النِّصْفِ. أو قال: بالثُّلُثِ أو الرُّبْعِ. صَحَّ، وكان تَقْدِيرُ النَّصِيبِ لِلْعَامِل؛ لأنَّ الشَّرْطَ يُرَادُ لأَجْلِه، فإنَّ رَبَّ المالِ يَسْتَحِقُّ بمالِه لا بالشَّرْطِ، والعامِلُ يَسْتَحِقُّ بالعَمَلِ، والعَمَلُ يَكْثُرُ ويَقِلُّ، وإنَّما تَتَقَدَّرُ حِصَّتُه بالشَّرْطِ، فكان الشَّرْطُ له، ومتى شَرَطَا لأحَدِهِما شيئا، واخْتَلَفَا في الجُزْءِ المَشْرُوطِ لمن هو؟ فهو لِلْعَامِلِ، قَلِيلًا كان أو كَثِيرًا؛ لذلك. وإن قال: خُذْهُ مُضَارَبةً، ولك ثُلُثُ الرِّبْحِ، وثُلُثُ ما بَقِىَ. صَحَّ، وكان له خَمْسَةُ أَتْسَاعٍ؛ لأنَّ هذا معناه. وإن قال: لك ثُلُثُ الرِّبْحِ، ورُبْعُ ما بَقِى. فله
(15) سقط من: أ.
(16)
سقط من: الأصل.
(17)
سورة النساء 11.