الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
وإذا قَبَضَ الوَكِيلُ ثَمَنَ المَبِيعِ، فهو أمانَةٌ في يَدِه، لا يَلْزَمُه تَسْلِيمُه قبلَ طَلَبِه، ولا يَضْمَنُه بِتَأْخِيرِه؛ لأنَّه رَضِىَ بكَوْنِه في يَدِه، ولم يَرْجِع عن ذلك. فإن طَلَبَهُ فأَخَّرَ رَدَّهُ مع إمْكانِه، فتَلِفَ، ضَمِنَهُ. وإن وَعَدَهُ بِرَدِّه، ثم ادَّعَى أنَّنِى كُنْتُ رَدَدْتُه قبلَ طَلَبِه، أو أنَّه كان تَلِفَ، لم يُقبَلْ قَوْلُه؛ لأنَّه مُكَذِّبٌ لِنَفْسِه بِوَعْدِه بِرَدِّه. فإن صَدَّقَهُ المُوَكِّلُ، بَرِئَ، وإن كَذَّبَهُ، فالقولُ قولُ المُوَكِّلِ. فإن أقامَ الوَكِيلُ بَيِّنَةً بذلك، فهل يُقْبَلُ، على وَجْهَيْنِ؛ أحدهما، يُقبَلُ؛ لأنَّه لو صَدَّقَهُ المُوَكِّلُ بَرِئَ، فكذلك إذا قامَتْ له بَيِّنَةٌ، ولأنَّ البَيِّنَةَ إحْدَى الحُجَّتَيْنِ، فبَرِئَ بها كالإِقْرَارِ. والثانى: لا يُقْبَلُ؛ لأنَّه كَذَّبَها (25) بوَعْدِه بالدَّفْعِ. أمَّا إذا صَدَّقَهُ، فقد أقَرَّ بِبَرَاءَتِه، فلم يَبْقَ له مُنَازِعٌ. وإن لم يَعِدْهُ بِرَدِّه، لكنْ مَنَعَهُ أو مَطَلَهُ بِرَدِّه مع إمْكانِه، ثم ادَّعَى التَّلَفَ أو الرَّدَّ، لم يُقْبَلْ قَوْلُه؛ لأنَّه ضامِنٌ بالمَنْعِ، خارِجٌ عن حالِ الأَمَانةِ. وإن أقَامَ بِمَا ادَّعَاهُ من الرَّدِّ أو التَّلَفِ بَيِّنَةً، سُمِعَتْ؛ لأنَّه لم يُكَذِّبْها.
فصل: قال أحمدُ، في رِوَايَةِ أبى الحارِثِ، في رَجُلٍ له على آخَرَ دَرَاهِمُ، فبَعَثَ إليه رَسُولًا يَقْبِضُها، فبَعَثَ إليه مع الرَّسُولِ دِينَارًا، فضاعَ مع الرَّسُولِ، فهو من مالِ الباعِثِ؛ لأنَّه لم يَأْمُرْهُ بمُصَارَفَتِه، إنَّما كان من ضَمَانِ الباعِثِ لأنَّه دَفَعَ إلى الرَّسُولِ غيرَ ما أمَرَهُ به المُرْسِلُ، فإن المُرْسِلَ إنَّما أمَرَهُ بِقَبْضِ مالَه في ذِمَّتِه، وهى الدَّرَاهِم، ولم يَدْفَعْها، وإنما دَفَعَ دِينَارًا عِوَضًا عن (26) دَراهِمَ (27)، وهذا صَرْفٌ يَفْتَقِرُ إلى رِضَى صاحِبِ الدَّيْنِ وإِذْنِه، ولم يَأْذَنْ، فصَارَ الرَّسُولُ وَكِيلًا لِلْبَاعِثِ في تَأْدِيَتِه إلى صَاحِبِ الدَّيْن ومُصَارَفَتِه به، فإذا تَلِفَ في يَدِ وَكِيلِه. كان من ضَمَانِه، اللَّهُمَّ إِلَّا أن يُخْبِرَ الرَّسُولُ الغَرِيمَ أنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَ له في قَبْضِ الدِّينَارِ عن الدَّرَاهِم (28). فيكونُ حِينَئِذٍ من
(25) في ب، م:"كذبه".
(26)
في م زيادة: "عشرة".
(27)
في أ: "درهم".
(28)
في أ: "الدرهم".
ضَمَانِ الرَّسُولِ؛ لأنَّه غَرَّهُ وأخَذَ الدِّينارَ على أنَّه وَكِيلٌ لِلْمُرْسِلِ. وإن قَبَضَ منه الدَّرَاهِمَ التي أَمَرَ بِقَبْضِها، فضَاعَتْ من الرَّسُولِ، فهى مِن (29) ضَمَانِ صاحِبِ الدَّيْنِ؛ لأنَّها تَلِفَتْ في (30) يَدِ وَكِيلِه. وقال أحمدُ، في رِوَايةِ مُهَنَّا، في رَجُلٍ له عند آخَرَ دَنَانِيرُ وثِيَابٌ، فبَعَثَ إليه رَسُولًا، وقال: خُذْ دِينارًا وثَوْبًا. فأخَذَ دِينَارَيْنِ وَثَوْبَيْنِ، فضَاعَتْ، فالضَّمَانُ على الباعِثِ. يَعْنِى الذي أعْطَاهُ الدِّينَارَيْنِ والثَّوْبَيْنِ، ويَرْجِعُ به على الرَّسُولِ. يَعْنِى عليه ضَمَانُ الدِّينَارِ والثَّوْبِ الزَّائِدَيْنِ؛ إنَّما جُعِلَ عليه الضَّمَانُ لأنَّه دَفَعَهما إلى مَنْ لم يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِما إليه، ورَجَعَ بهما على الرَّسُولِ؛ لأنَّه غَرَّهُ، وحَصَلَ التَّلَفُ في يَدِه، فاسْتَقَرَّ عليه الضَّمَانُ. ولِلْمُوَكِّلِ تَضْمِينُ الوَكِيلِ؛ لأنَّه تَعَدَّى بِقَبْضِ ما لم يُؤْمَرْ بِقَبْضِه. فإذا ضَمِنَه، لم يَرْجِعْ على أحَدٍ؛ لأنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِه، فاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عليه. وقال أحمدُ، في رَجُلٍ وَكَّلَ وَكِيلًا في اقْتِضَاءِ دَيْنِه، وغابَ، فأخَذَ الوَكِيلُ به رَهْنًا، فتَلِفَ الرَّهْنُ في يَدِ الوَكِيلِ، فقال: أسَاءَ الوَكِيلُ في أَخْذِ الرَّهْنِ، ولا ضَمَانَ عليه. إنما لم يَضْمَنْهُ لأنَّه رَهْنٌ فاسِدٌ، والقَبْضُ في العَقْدِ الفاسِدِ، كالقَبْضِ في الصَّحِيحِ، فما كان القَبْضُ في صَحِيحِه مَضْمُونًا، كان مَضْمُونًا في فاسِدِه، وما كان غيرَ مَضْمُونٍ في صَحِيحِه، كان غيرَ مَضْمُونٍ في فاسِدِه. ونَقَلَ البَغَوِىُّ، عن أحمدَ، في رَجُلٍ أعْطَى آخَرَ دَرَاهِمَ يَشْتَرِى له بها شاةً، فخَلَطَها مع دَرَاهِمِه، فضَاعَا، فلا شىءَ عليه. وإن ضَاعَ أحَدُهما، أيُّهما ضَاعَ غَرِمَهُ قال القاضي: هذا مَحْمُولٌ على أنَّه خَلَطَها بما تَمَيَّزَ منها. ويَحْتَمِلُ أنَّه (31) أَذِنَ له في خَلْطِها. [أَمَّا إن خَلَطَها](32) بما لا تَتَمَيَّزُ منه بغيرِ إِذْنِه، ضَمِنَها، كالوَدِيعَةِ. وإنما لَزِمَهُ الضَّمَانُ إذا ضاعَ أحَدُهما، لأنَّه لا يَعْلَمُ أن الضَّائِعَ دَرَاهِمُ المُوَكِّلِ، والأَصْلُ بَقَاؤُها. ومَعْنَى الضَّمَانِ ههُنا، أنَّه يَحْسُبُ
(29) في ب: "في".
(30)
في أ، م:"من".
(31)
في م زيادة: "إن".
(32)
سقط من: م.
الضائِعَ من دَرَاهِم نَفْسِه. فأمَّا على المَحْمَلِ الآخَرِ، وهو إذا خَلَطَها بما تَتَمَيَّزُ منه، فإذا ضَاعَتْ دَرَاهِمُ المُوَكِّلِ وَحْدَها فلا ضَمَانَ عليه؛ لأنَّها ضاعَتْ من غيرِ تَعَدٍّ منه.
843 -
مسألة؛ قال: (وَلَوْ أمَرَهُ أنْ يَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا، فَادَّعَى أنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُه عَلَى الْآمِرِ (1) إلَّا بِبَيِّنَةٍ)
وجُمْلته أنَّ الرَّجُلَ إذا وَكَّلَ وَكِيلًا في قَضَاءِ دَيْنِه، ودَفَعَ إليه مَالًا لِيَدْفَعَهُ إليه، فادَّعَى الوَكِيلُ قَضاءَ الدَّيْنِ ودَفْعَ المالِ إلى الغَرِيمِ، لم يُقْبَلْ قولُه على الغَرِيمِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لأنَّه ليس بأَمِينِه، فلم يُقْبَلْ قولُه عليه في الدَّفْعِ إليه، كما لو ادَّعَى المُوَكِّلُ ذلك. فإذا حَلَفَ الغَرِيمُ، فله مُطَالَبَةُ المُوَكِّلِ؛ لأنَّ ذِمَّتَهُ لا تَبْرَأُ بِدَفْعِ المالِ إلى وَكِيلِه. فإذا دَفَعَهُ فهل لِلْمُوَكِّلِ الرُّجُوعُ على وَكِيلِه؟ يُنْظَرُ، فإن ادَّعَى أنَّه قَضَى الدَّيْنَ بغيرِ بَيِّنَةٍ، فلِلْمُوَكِّلِ [الرُّجُوعُ عليه إذا (2) قضَاهُ في غَيْبةِ المُوَكِّلِ] (3). قال القاضِى: سواءٌ صَدَّقَه أنَّه قَضَى الحَقَّ أو كَذَّبَهُ. وهذا قولُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه أذِنَ له في قَضَاءٍ يُبْرِئُه، ولم يُوجَدْ. وعن أحمدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: لا يَرْجِعُ عليه بِشىءٍ، إلَّا أن يكونَ أمَرَهُ بالإِشْهَادِ فلم يَفْعَلْ. فعلى هذه الرِّوَايةِ، إن صَدَّقهُ المُوَكِّلُ (4) في الدَّفْعِ، لم يَرْجِعْ عليه بشيءٍ، وإن كَذَّبَهُ، فالقولُ قولُ الوَكِيلِ مع يَمِينِه. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، وَوَجهٌ لأَصْحابِ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّه ادَّعَى فِعْلَ ما أمَرَ به مُوَكِّلُه، فكان القولُ قولَه، كما لو أمَرَهُ بِبَيْعِ ثَوْبِه، فَادَّعَى أنه بَاعَهُ. وَوَجْهُ الأَوَّلِ أنَّه مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ الإِشْهَادِ، فضَمِنَ، كما لو فَرَّطَ في البَيْعِ بدون ثمَنِ المِثْلِ. فإن قِيلَ: فلم يَأْمُرُهُ بالإِشْهَادِ؟ قُلْنا: إطْلَاقُ الأَمْرِ بالقَضَاءِ يَقْتَضِى ذلك؛ لأنَّه لا يَثْبُتُ إلَّا به، فيَصِيرُ كأَمْرِه بالبَيْعِ والشِّرَاءِ، يَقْتَضِى ذلك العُرْفُ لا العُمُومُ. كذا ههُنا. وقِيَاسُ القَوْلِ الآخَر يُمْكِنُ القولُ بمُوجِبِه. وأنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ في القَضَاءِ، لكنْ
(1) في م زيادة: "الآخر".
(2)
في الأصل، ب:"فإذا".
(3)
سقط من: م.
(4)
في ب، م:"الوكيل".