الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَبِّ المالِ. لا نَعْلَمُ في هذا بين أهْلِ العِلْمِ خِلَافًا. وإنَّما لم يَمْلِكْ ذلك لأُمُورِ ثلاثةٍ؛ أحدها، أنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ (1) المالِ، فلا يَأْمَنُ الخُسْرانَ الذي يكونُ هذا الرِّبْحُ جَابِرًا له، فيَخْرُجُ بذلك عن أن يكونَ رِبْحًا. الثاني، أنَّ رَبَّ المالَ شَرِيكُه، فلم يكُنْ له مُقَاسَمَةُ نَفْسِه. الثالث، أنَّ مِلْكَهُ عليه غيرُ مُسْتَقِرٍّ؛ لأنَّه بعَرَضِ أن يَخْرُجَ في يَدِه بجُبْرانِ خَسَارَةِ المالِ. وإن أَذِنَ رَبُّ المالِ في أخْذِ شيءٍ، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَخْرُجُ عنهما.
فصل:
وإن طَلَبَ أحَدُهما قِسْمَةَ الرِّبْحِ دونَ رَأْسِ المالِ، وأبَى الآخَرُ، قُدِّمَ قولُ المُمْتَنِعِ؛ لأنَّه إن كان رَبَّ المالِ، فلأنَّه لا يَأْمَنُ الخُسْرانَ في رَأْسِ المالِ، فيَجْبُرُهُ بالرِّبْحِ، وإن كان العامِلَ فإنَّه لا يَأْمَنُ أن يَلْزَمَه رَدُّ ما أخَذَ في وَقْتٍ لا يَقْدِرُ عليه وإن تَرَاضَيَا على ذلك، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، وسواءٌ اتَّفَقَا على قِسْمَةِ جَمِيعِه أو بعضِه، أو على أن يَأْخُذَ كلُّ واحدٍ منهما شيئا مَعْلُومًا يُنْفِقُه. ثم متى ظَهَرَ في المالِ خُسْرانٌ، أو تَلِفَ كلُّه، لَزِمَ العامِلَ رَدُّ أقَلِّ الأَمْرَيْنِ ممَّا أخَذَهُ، أو نِصْفِ خُسْرانِ المالِ، إذا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ نِصْفَيْنِ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، والشّافِعِىُّ، وإسحاقُ. وقال أبو حنيفةَ: لا تجوزُ القِسْمةُ حتى يَسْتَوْفِىَ رَبُّ المالِ مالَهُ. قال ابنُ المُنْذِرِ: إذا اقْتَسَما الرِّبْحَ، ولم يَقْبِضْ رَبُّ المالِ رَأْسَ مَالِه، فأكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ يقولون: يَرُدُّ العامِلُ الرِّبْحَ حتى يَسْتَوْفِىَ رَبُّ المالِ مَالَهُ. ولَنا، على جَوَازِ القِسْمَةِ، أنَّ المالَ لهما، فجازَ لهما أن يَقْتَسِمَا بعضَه، كالشَّرِيكَيْنِ. أو نقول: إنَّهما شَرِيكانِ، فجازَ لهما قِسْمَةُ الرِّبْحِ قبلَ المُفَاصَلَةِ، كشَرِيكَىِ العِنَانِ.
فصل: والمُضَارَبةُ من العُقُودِ الجائِزَةِ، تَنْفَسِخُ بِفَسْخِ أحَدِهِما، أيِّهما كان، وبمَوْتِه، وجُنُونِه، والحَجْرِ عليه لِسَفَهٍ؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ في مالِ غيرِه بإِذْنِه، فهو كالوَكِيلِ. ولا فَرْقَ بين ما قبلَ التَّصَرُّفِ وبعدَه. فإذا انْفَسَخَتْ والمالُ ناضٌّ لا رِبْحَ فيه، أخَذَهُ رَبُّه، وإن كان فيه رِبْحٌ، قَسَما الرِّبْحَ على ما شَرَطَاهُ. وإن انْفَسَخَتْ والمالُ
(1) في الأصل: "رأس".
عَرْضٌ، فاتَّفَقَا على بَيْعِه أو قَسْمِه (2)، جازَ؛ لأنَّ الحَقَّ لهما، لا يَعْدُوهما. وإن طَلَبَ العامِلُ البَيْعَ، وأبَى رَبُّ المالِ، وقد ظَهَرَ في المالِ رِبْحٌ، أُجْبِرَ رَبُّ المالِ على البَيْعِ. وهذا (3) قولُ إسحاقَ والثَّوْرِىِّ؛ لأنَّ حَقَّ العامِلِ في الرِّبْحِ، ولا يَظْهَرُ إلَّا بالبَيْعِ. وإن لم يَظْهَرْ رِبْحٌ، لم يُجْبَرْ؛ لأنَّه لا حَقَّ له فيه، وقد رَضِيَهُ مالِكُه كذلك، فلم يُجْبَرْ على بيْعِه. وهذا ظاهِرُ مذهبِ الشّافِعِىِّ. وقال بعضُهم: فيه وَجْهٌ آخَرُ، أنَّه يُجْبَرُ على البَيْعِ؛ لأنَّه ربَّما زَادَ فيه زَائِدٌ، أو رَغِبَ فيه راغِبٌ، فزَادَ على ثَمَنِ المِثْلِ، فيكونُ للعامِلِ في البَيْعِ حَظٌّ. ولَنا، أن المُضَارِبَ إنما اسْتَحَقَّ (4) الرِّبْحَ إلى حينِ الفَسْخِ، وذلك لا يُعْلَمُ إلَّا بالتَّقْوِيمِ، ألا تَرَى أنَّ المُسْتَعِيرَ إذا غَرَسَ أو بَنَى، أو المُشْتَرِىَ، كان لِلْمُعِيرِ والشَّفِيعِ أن يَدْفَعَا قِيمَةَ ذلك، لأنَّه مُسْتَحِقٌّ للأَرْضِ، فههُنا أَوْلَى. وما ذَكَرُوه من احْتِمالِ الزِّيادَةِ، بزِيَادَةِ مُزَايِدٍ أو رَاغِبٍ على قِيمَتِه، فإنَّما حَدَثَ ذلك بعدَ فَسْخِ العَقْدِ، فلا يَسْتَحِقُّها العامِلُ. وإن طَلَبَ رَبُّ المالِ البَيْعَ، وأبى العامِلُ، ففيه وَجْهانِ؛ أحدُهما، يُجْبَرُ العامِلُ على البَيْعِ. وهو قولُ الشّافِعِىِّ؛ لأنَّ عليه رَدَّ المالِ نَاضًّا كما أخَذَهُ. والثانى، لا يُجْبَرُ إذا لم يكُنْ في المالِ رِبْحٌ، أو أسْقَطَ حَقَّهُ من الرِّبْحِ؛ لأنَّه بالفَسْخِ زال تَصَرُّفُه، وصارَ أجنَبِيًّا من المالِ، فأشْبَهَ الوَكِيلَ إذا اشْتَرَى ما يُسْتَحَقُّ رَدُّه، فزَالَتْ وَكَالَتُه قبلَ رَدِّه. ولو كان رَأْسُ المالِ دَنَانِيرَ، فصارَ دَرَاهِمَ، [أو دَرَاهِمَ فصارَ دَنَانِيرَ](5)، فهو كما لو كان عَرْضًا، على ما شُرِحَ. وإذا نَضَّ رَأْسُ المالِ جَمِيعُه، لم يَلْزَمِ العامِلَ أن يَنِضَّ له الباقِى؛ لأنَّه شَرِكَةٌ بينهما، ولا يَلْزَمُ الشَّرِيكَ أن يَنِضَّ مالَ شَرِيكِه، ولأنَّه إنَّما لَزِمَهُ أن يَنِضَّ رَأْسَ المالِ، لِيَرُدَّ إليه (6) رَأْسَ مالِه على صِفَتِه، ولا يُوجَدُ هذا المَعْنَى في الرِّبْحِ.
(2) في أ: "قسمته".
(3)
في م: "وهو".
(4)
في أ: "يستحق".
(5)
سقط من: الأصل.
(6)
سقط من: م.