الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن قال: له في هذا المالِ نِصْفُه، أو له نِصْفُ هذه الدَّارِ. فهو إِقْرَارٌ صَحِيحٌ. وإن قال: له في هذا المالِ ألْفٌ. صَحَّ. وإن قال: له في مِيرَاثِ أبِى ألْفٌ. فهو إِقْرَارٌ بِدَيْنٍ على التَّرِكَةِ. وإن قال: في مِيرَاثِى من أبِى. وقال: أرَدْتُ هِبَةً. قُبِلَ منه، ولأنَّه إذا أضَافَ المِيرَاثَ إلى أبِيهِ، فمُقْتَضَاهُ ما خَلَّفَه، فيَقْتَضِى وُجُوبَ المُقَرِّ به فيه، وإذا أضَافَ المِيرَاثَ إلى نَفْسِه، فمَعْناهُ ما وَرثْتُه وانْتَقَلَ إلىَّ، فلا يُحْمَلُ على الوُجُوبِ، وإذا أضَافَ إليه منه جُزْءًا، فالظَّاهِرُ أنَّه جَعَلَ له جُزْءًا من مَالِه.
فصل:
وإن قال: له في هذا العَبْدِ شَركَةٌ. صَحَّ إقْرَارُه، وله تَفْسِيرُه بأىِّ قَدْرٍ كان منه. وقال أبُو يوسفَ: يكون مُقِرًّا بِنِصْفِه؛ لِقَوْلِه تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (16). فَاقْتَضَى ذلك التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُم، كذا ههُنا. ولَنا، أنَّ أىَّ جُزْءٍ كان له منه، فله فيه شَرِكَةٌ، فكان له تَفْسِيرُه بما شاءَ، كالنِّصْفِ، وليس إِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّرِكَةِ على ما دون النِّصْفِ مَجازًا، ولا مُخَالِفًا للظَّاهِرِ، والآيةُ تُثْبِتُ التَّسْوِيةَ فيها بِدَلِيلٍ، وكذلك الحُكْمُ إذا قال: هذا العَبْدُ شَرِكَةٌ بَيْنَنَا.
فَصْلٌ في الإِقْرَارِ بالمَجْهُولِ:
وإذا قال: لِفُلَانٍ عَلَىَّ شيءٌ. أو كذا. صَحَّ إِقْرَارُه، ولَزِمَهُ تَفْسِيرُه. وهذا لا خِلَافَ فيه، ويُفَارِقُ الدَّعْوَى، حيث لا تَصِحُّ مَجْهُولَةً؛ لِكَوْنِ الدَّعْوَى له والإِقْرَارُ عليه، فلَزِمَهُ (17) ما عليه مع الجَهَالَةِ دُونَ مالَه، ولأنَّ المُدَّعِىَ إذا لم يُصَحِّحْ دَعْوَاه، فله دَاعٍ إلى تَحْرِيرِها، والمُقِرُّ لا دَاعِىَ له إلَّا التَّحْرِيرُ، ولا يُؤْمَنُ رُجُوعُه عن إِقْرَارِه، فيَضِيعُ حَقُّ المُقَرِّ له، فأَلْزَمْنَاهُ إِيّاهُ مع الجَهَالةِ، فإن امْتَنَعَ من تَفْسِيرِه، حُبِسَ حتى يُفَسِّرَ. وقال القاضي: يُجْعَلُ نَاكِلًا، ويُؤْمَرُ المُقَرُّ له بالبَيَانِ، فإن بَيَّنَ شيئا، فصَدَّقَهُ المُقِرّ، ثَبَتَ، وإن كَذَّبَهُ، وامْتَنَعَ من البَيَانِ، قِيلَ
(16) سورة النساء 12.
(17)
في أ: "فلزم".
له. إن بَيَّنْتَ، وإلَّا جَعَلْناكَ نَاكِلًا، وقَضَيْنَا عليك. وهذا قولُ أصْحَابِ الشّافِعِىِّ، إلَّا أنَّهم قالوا: إن بَيَّنْتَ وإلَّا حَلَّفْنَا (18) المُقَرَّ له على ما يَدَّعِيهِ، وأوْجَبْنَاهُ عليك. فإن فَعَلَ، وإلَّا أحْلَفْنَا المُقَرَّ له، وأَوْجَبْنَاهُ على المُقِرِّ. وَوَجْهُ الأَوَّلِ، أنَّه مُمْتَنِعٌ من حَقٍّ عليه، فيُحْبَسُ به، كما لو عَيَّنَهُ وامْتَنَعَ من أدَائِه. ومع ذلك متى عَيَّنَهُ المُدَّعِى وادَّعَاهُ، فنَكَلَ المُقِرُّ، فهو على ما ذَكَرُوهُ. وإن ماتَ مَنْ عليه الحَقُّ، أُخِذَ وَرَثَتُه بمِثْلِ ذلك؛ لأنَّ الحَقَّ ثَبَتَ على مَوْرُوثِهِم، فيَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِه وقد صارَتْ إلى الوَرَثَةِ، فيَلْزَمُهُم ما لَزِمَ مَوْرُوثَهم، كما لو كان الحَقُّ مُعَيَّنًا. وإن لم يَخْلُفِ المَيِّتُ تَرِكَةً، فلا شىءَ على الوَرَثَةِ. ومتى فَسَّرَ إقْرَارَهُ بما يُتَمَوَّلُ في العَادَةِ، قُبِلَ تَفْسِيرُه وثَبَتَ، إلَّا أن يُكَذِّبَهُ المُقَرُّ له، ويَدَّعِىَ جِنْسًا آخَرَ، أو لا يَدَّعِى شيئا، فيَبْطُلُ إقْرَارُه. وإن فَسَّرَةُ بما لا يُتَمَوَّلُ عادَةً، كقِشْرَةِ جَوْزَةٍ، أو قِشْرَةِ بَاذِنْجَانَة، لم يُقْبَلْ إِقْرَارُه؛ لأن إِقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عليه ثَابِتٍ في ذِمَّتِه، وهذا لا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ. وكذلك إن فَسَّرَهُ بما ليس بمالٍ في الشَّرْعِ، كالخَمْرِ والخِنْزِيرِ والمَيْتَةِ، لم يُقْبَلْ. وإن فَسَّرَهُ بكَلْبٍ لا يجوزُ اقْتِنَاؤُه، فكذلك. وإن فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ يجوزُ اقْتِنَاؤُه، أو جِلْدِ مَيْتَةٍ غيرِ مَدْبُوغٍ، ففيه وَجْهَانِ؛ أحدُهما، يُقْبَلُ؛ لأنَّه شيءٌ يَجِبُ رَدُّه عليه (19)، وتَسْلِيمُه إليه، فالإِيجَابُ يَتَنَاوَلُه. والثانى، لا يُقْبَلُ؛ لأنَّ الإِقْرَارَ إِخْبَارٌ عمَّا يَجِبُ ضَمَانُه، وهذا لا يَجِبُ ضَمَانُه. وإن فَسَّرَهُ بِحَبَّةِ حِنْطَةٍ أو شَعِيرٍ ونحوِها، لم يُقبَلْ؛ لأنَّ هذا لا يُتَمَوَّلُ عادَةً على انْفِرَادِه. وإن فَسَّرَه بحَدِّ قَذْفٍ، قُبِلَ؛ لأنَّه حَقٌّ يَجِبُ عليه. ويَحْتَمِلُ أن لا يُقْبَلَ؛ لأنَّه لا يَؤُولُ إلى مالٍ. والأَوَّلُ أصَحُّ؛ لأنَّ ما ثَبَتَ في الذِّمَّةِ صَحَّ أن يُقَالَ: هو عَلَىَّ. وإن فَسَّرَهُ بحَقِّ شُفْعَةٍ، قُبِلَ؛ لأنَّه حَقٌّ واجِبٌ، ويَؤُولُ إلى المالِ. وإن فَسَّرَهُ بِرَدِّ السَّلَامِ، أو تَشْمِيتِ العَاطِسِ ونحوِه، لم يُقْبَلْ؛ لأنَّه يَسْقُطُ بِفَوَاتِه، فلا يَثْبُتُ في الذِّمَّةِ. وهذا الإِقْرَارُ يَدُلُّ على ثُبُوتِ الحَقِّ في الذِّمَّةِ. ويَحْتَمِلُ أن يُقْبَلَ تَفْسِيرُه به، إذا أرَادَ أن حَقًّا علىَّ رَدُّ سَلَامه إذا سَلَّمَ، وتَشْمِيتُه إذا
(18) في أ: "أحلفنا".
(19)
في ب زيادة: "ويجب".