الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ المُساقاةِ
المُسَاقاةُ: أن يَدْفَعَ الرَّجُلُ شَجَرَهُ إلى آخَرَ، لِيَقُومَ بِسَقْيِه، وعَمَلِ سائِر ما يَحْتَاجُ إليه، بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ له (1) من ثَمَرِهِ. وإنَّما سُمِّيَتْ مُسَاقاةً لأنَّها مُفَاعَلَةٌ من السَّقْىِ؛ لأنَّ أهْلَ الحِجَازِ أكْثَرُ حاجَةِ شَجَرِهِم إلى السَّقْىِ، لأنَّهم يَسْتَقُونَ (2) من الآبارِ، فسُمِّيَتْ بذلك. والأصْلُ في جَوَازِها (3) السُّنَّةُ والإِجْماعُ؛ أما السُّنَّةُ، فما رَوَى عبدُ اللَّه بن عمَرَ. رَضِىَ اللَّه عنه، قال: عَامَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ ما يَخْرُجُ مِنْها، من ثَمَرٍ أو زَرْعٍ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ، مُتَّفَقٌ عليه (4). وأَمَّا الإِجْماعُ، فقال أبو جعفرٍ محمدُ بن عليِّ بن الحُسَيْنِ بن عَلِىٍّ بن أبي طَالِبٍ، رَضِىَ اللَّه عنه، وعن آبائِه: عامَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أهْلَ خَيْبَرَ بالشَّطْرِ (5)، ثم أبو بكرٍ وعمرُ وعُثْمانُ وعَلِيٌّ، ثم أَهْلُوهُم إلى اليَوْمِ يُعْطُون الثُّلُثَ والرُّبْعَ. وهذا عَمِلَ به الخُلَفاءُ الرَّاشِدُونَ في مُدَّةِ خِلَافَتِهِم، واشْتَهَر ذلك، فلم يُنْكِرْهُ مُنكِرٌ، فكان إجْماعًا. فإن قِيلَ: لا نُسَلِّمُ أنَّه لم يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ، فإنَّ
(1) سقط من: ب.
(2)
في الأصل: "يسقون".
(3)
في ب: "وجوبها" خطأ.
(4)
أخرجه البخاري، في: باب المزارعة بالشطر ونحوه، وباب إذا لم يشترط السنين في المزارعة، من كتاب: الحرث والمزارعة. صحيح البخاري 3/ 137، 138. ومسلم، في: باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع، من كتاب المساقاة. صحيح مسلم 3/ 1186.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المساقاة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 235. والترمذي، في: باب ما ذكر في المزارعة، من أبواب الأحكام. عارضة الأحوذى 6/ 153. وابن ماجه، في: باب معاملة النخيل والكرم، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 824. والدارمى، في: باب أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل خيبر، من كتاب البيوع. سنن الدارمي 2/ 270. والإِمام أحمد، في المسند 2/ 17، 22، 37، 157.
(5)
أخرجه البخاري، في: باب المزارعة بالشطر ونحوه، من كتاب: الحرث والمزارعة. صحيح البخاري 3/ 137.
عبدَ اللَّه بن عمَرَ راوِى حَدِيثَ مُعَامَلَةِ أهْلِ خَيْبَرَ، قد رَجَعَ عنه، وقال: كُنَّا نُخَابِرُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، حتى حَدَّثَنا رافِعُ بن خَدِيجٍ، أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المُخابَرةِ (6). وهذا يَمْنَعُ انْعِقادَ الإِجْماعِ، ويَدُلُّ على نَسْخِ حَدِيثِ ابن عمرَ، لِرُجُوعِه عن العَمَلِ به إلى حَدِيثِ رافِعِ [بن خَديجٍ] (7). قُلْنا: لا يجوزُ حَمْلُ حَدِيثِ رافِعٍ على ما يُخَالِفُ الإِجْماعَ، ولا حَدِيثِ ابن عمرَ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ يُعَامِلُ أهْلَ خَيْبَرَ حتى ماتَ، ثم عَمِلَ به الخُلَفاءُ بعدَه، ثم مَن بعدَهم، فكيف يُتَصَوَّرُ نَهْىُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ يُخالِفُه؟ أم كيف يُعْمَلُ بذلك في عَصْرِ الخُلَفاءِ ولم يُخْبِرْهُم مَنْ سَمِعَ النَّهْىَ [عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم](8)، وهو حاضِرٌ معهم، وعالِمٌ بفِعْلِهِم، فلم يُخْبِرْهُم، فلو صَحَّ خَبَرُ رافِعٍ لَوَجَبَ حَمْلُه على ما يُوافِقُ السُّنَّةَ والإِجْماعَ. على أنَّه قد رُوِى في تَفْسِيرِ خَبَرِ رافِعٍ عنه، ما يَدُلُّ على صِحَّةِ قولِنا، فرَوَى البُخَارِىُّ (9)، بإسْنادِه قال: كُنَّا نُكْرِى الأرْضَ بالناحِيَةِ منها تُسَمَّى لِسَيِّدِ الأرْضِ، فمِمَّا (10) يُصَابُ ذلك وَتَسْلَمُ الأرْضُ، ومِمَّا (10) تُصَابُ الأرْضُ ويَسْلَمُ ذلك، فنُهِينا، فأمَّا الذَّهَبُ والوَرِقُ فلم يكُنْ يَوْمَئِذٍ. ورُوِى تَفْسِيرُه أيضًا
(6) أخرجه مسلم، في: باب كراء الأرض، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1181. وأبو داود، في: باب في التشديد في ذلك، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 232، 233. والنسائي، في أول كتاب المزارعة، من كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 41 - 45. وابن ماجه، في: باب المزارعة بالثلث والربع، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 819. والإِمام أحمد في: المسند 1/ 234، 4/ 142.
(7)
سقط من: الأصل، م.
(8)
سقط من: الأصل، ب.
(9)
في: باب حدثنا محمد. . .، من كتاب الحرث والمزارعة، وفى: باب الشروط في المزارعة، من كتاب الشروط. صحيح البخاري 3/ 137، 249.
كما أخرجه مسلم، في: باب كراء الأرض بالذهب والورق، من كتاب البيوع. صحيح مسلم 3/ 1183. وأبو داود، في: باب في المزارعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231، 232. والنسائي، في: باب ذكر الأحاديث المختلفة في النهى عن الكراء، من كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 39، 40. وابن ماجه، في: باب الرخصة في كراء الأرض البيضاء بالذهب والفضة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 821. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في كراء الأرض، من كتاب كراء الأرض. الموطأ 2/ 711.
(10)
في م: "فربما"، "وربما". والمثبت في: الأصل، ب، وصحيح البخاري.
[بشيءٍ غيرِ](11) هذا من أَنْواعِ الفَسَادِ، وهو مُضْطَرِبٌ جدًّا. قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ اللَّه يُسْألُ عن حَدِيثِ رافِعِ بن خَديجٍ نَهَى رَسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن المُزَارَعةِ. فقال: رافِعٌ رُوِىَ عنه في هذا ضُرُوبٌ. كأنَّه يُرِيدُ (12) أنَّ اخْتِلَافَ الرِّواياتِ عنه يُوهِنُ حَدِيثَه. وقال طاوُس: إنَّ أعْلَمَهُم - يَعْنِى ابنَ عَبَّاسٍ - أخْبَرنِى، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ عنه، ولكنْ قال:"لأَنْ يَمْنَحَ أحَدُكُم أخَاهُ أَرْضَهُ، خَيْرٌ مِنْ أنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا". رَوَاهُ البُخَارِىُّ ومُسْلِمٌ (13). وأنْكَرَ زَيْدُ بن ثابِتٍ حَدِيثَ رافِعٍ عليه (14). فكيف يَجُوزُ نَسْخُ أمْرٍ فَعَلَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى ماتَ وهو يَفْعَلُه، ثم أجْمَعَ عليه خُلَفاؤُه وأصْحابُه بعدَه، بِخَبَرٍ لا يجوزُ العَمَلُ به، ولو لم يُخَالِفْه غيرُه! ورُجُوعُ ابن عمرَ إليه يَحْتَمِلُ أنَّه رَجَعَ عن شيءٍ من المُعَامَلاتِ الفاسِدَةِ التي فَسَّرَها رافِعٌ في حَدِيثِه. وأَمَّا غيرُ ابنِ عمرَ فقد أَنْكَرَ على رافِعٍ، ولم يَقْبَلْ حَدِيثَه، وحَمَلَه على أنَّه غَلِطَ في رِوَايَتِه. والمَعْنَى يَدُلُّ على ذلك؛ فإنَّ كَثِيرًا من أهْلِ النَّخِيلِ والشَّجَرِ يَعْجِزُونَ عن عِمَارَتِه وسَقْيِه، ولا يُمْكِنُهم الاسْتِئْجارُ عليه، وكثيرٌ من الناسِ لا شَجَرَ لهم، ويَحْتاجُونَ إلى الثَّمَرِ، ففى تَجْوِيزِ المُسَاقاةِ دَفْعٌ لِلْحَاجَتَيْنِ، وتَحْصِيلٌ لِمَصْلَحةِ الفِئَتَيْنِ، فجازَ ذلك، كالمُضَارَبةِ بالأثْمانِ.
(11) في ب: "بغير".
(12)
في م: "يراد".
(13)
أخرجه البخاري، في: باب حدثنا على بن عبد اللَّه. . .، من كتاب الحرث والمزارعة، وفى: باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسى بعضهم بعضا في المزارعة والثمرة، من كتاب الهبة. صحيح البخاري 3/ 138، 141. ومسلم، في: باب الأرض تمنح، من كتاب البيوع 3/ 1184، 1185.
كما أخرجه أبو داود، في: باب في المزارعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231. والنسائي، في: باب ذكر الأحاديث المختلفة في إلى عن كراء الأرض. . .، من كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 33. وابن ماجه، في: باب الرخصة في المزارعة. . .، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 823. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 234، 281، 349.
(14)
أخرجه أبو داود، في: باب في المزارعة، من كتاب البيوع. سنن أبي داود 2/ 231. والنسائي، في: كتاب المزارعة. المجتبى 7/ 47. وابن ماجه، في: باب ما يكره من المزارعة، من كتاب الرهون. سنن ابن ماجه 2/ 822. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 182، 187.